الوضع السياسي في تركيا والمنطقة
1999/04/25م
المقالات
2,257 زيارة
كما ذكرنا في تحاليلنا السياسية السابقة فإن السياسة الداخلية والخارجية للدول النامية محكومةٌ ومتأثرة بسياسة الدول المتقدمة أو بعبارة أدق الدول الاستعمارية. ولذلك فإن الوضع السياسي في تركيا لا يخرج عن هذه القاعدة. وسنحاول في هذه المقالة تحليل الأوضاع والتطورات السياسية ضمن محورين:
1ـ التطورات على الساحة الخارجية 2ـ التطورات على الساحة الداخلية.
1ـ السـاحـة الخـارجـيـة: الـتـطــورات التـي حصلت على مستوى السياسة الخارجية يمكن تلخيصها في ثلاثة محاور: أ) الضربات العسكرية الأميركية للعراق ب) عمليات القتل الوحشية والجماعية التي نفَّذها الصرب في منطقة كوسوفا ج) وأزمة عبد الله أوجلان. وكما أن هذه التطورات المهمة تعني الأمة الإسلامية فإنها تعني تركيا أكثر وبشكل مباشر، ولهذا السبب فإن تجـاهـل عنصر «تركيا» ودورها في هذه التطورات أمرٌ غير صائب.
أ ـ الضربات الأميركية للعراق: تعتبر منطقة الشرق الأوسط إحدى المناطق الحيوية والمهمة للمصالح الأميركية، وتكمن أهمية هذه المنطقة في وجود النفط. وأهمية النفط لا تقتصر على اعتباره مصدراً اقتصادياً فحسب بل يعتبر من أقوى العناصر الفعالة كأداة ضغط سياسية. وتعتبر الدول الأوروبية واليابان، التي تسدُّ احتياجاتها النفطية من الخارج، المنافس القويَّ الذي يزعزع الهيمنة الأميركية خصوصاً على الصعيد التجاري، كما أن أوروبا ـ خصوصاً إنجلترا وفرنسا ـ تزاحم النفوذ الأميركي على الصعيد السياسي. ويعني إحكام السيطرة على النفط والانفراد به إمكانية استخدام ورقة النفط كأداة ضغط سياسية مؤثرة ضد الدول. ولذلك فإن أميركا تسعى إلى طرد النفوذ الإنجليزي من المنطقة ـ خصوصاً العراق ودول الخليج وتركيا ـ وإحكام سيطرتها هي، ويعتبر هذا الهدف أمراً حيوياً ومهماً جداً من وجهة النظر الأميركية. وحسب النظرية الكارترية ـ نسبة إلى جيمي كارتر ـ فإن خليج البصرة ـ أو ما يسمى بالخليج العربي ـ يتمتع بموقع استراتيجي وله أهمية بالغة جداً ويشكل حبل الوريد للمصالح الأميركية، وكذلك فإن أميركا ترغب في تدشين عام ألفين كقوة عظمى عالمية منفردة لا منافس لها. كما أنها لتحقيق هذا الهدف لا تستبعد من حساباتها الحـرب، وهـذا هـو السبب والمبرر الوحيد للضربات الأميركية على العراق. ويُعتقد بأن أميركا وضعت خططاً جديدة لتحقيق هذا الهدف وقد باشرت بتنفيذها منذ مطلع العام الجاري. ولكي تنجح الإدارة الأميركية في تحقيق أهدافها الاستراتيجية وتدشين العام 2000 كدولة عظمى دون منافس، عليها أن تكسب الرأي العام الأميـركـي إلـى جانبـهـا. لقـد نجـح كلينتون وإدارته في استغلال ما يسمى «فضيحة لوينسكي» وتحويلها لصالحهم. كما أن كلينتون نال رضى الشعب الأميركي عن أدائه وعزَّز موقفه عندما ألقى خطاباً أمام الكونغرس حيث أثبت بالأرقام القضاء على العجز في الميـزانية الأميركية وانخفاض نسبة البطالة وزيادة نسبة العاملين بالإضافة إلى خروج أميركا سالمة دونما ضرر اقتصادي يذكر جراء الهزات الاقتصادية التي تعصف بالعالم.
أنه من الخطأ أن يُعتقد أنَّ الهدف من كل ذلك هو إعادة الديموقراطيين إلى البيت الأبيض أو تبرئة ساحة كلينتون من الفضائح الجنسية فالمواطن الأميركي لا يعتبر العلاقات الجنسية غير المشروعة أمراً مشيناً. بل الهدف الأساسي هو كسب تأييد الرأي العام الأميركي كي يتسنى لكلينتون وإدارته تنفيذ السياسة الخارجية الجديدة لعام 1999 التي تمكنهم من فتح باب القرن الحادي والعشرين بمفتاح الدولة العظمى الوحيدة بلا منازع. وقد لاحظنا بعض الإشارات المهمة الدالة على ذلك منذ مطلع هذا العام. أما عن المخطط والمشروع الأميركي الجديد فإنه يعني تركيا والعراق في آن واحد.
ففيما يتعلق بتركيا فإن جذور هذا المخطط تمتد إلى زمن طويل حيث بدأ بالأزمة العسكرية التركية ـ السورية. فبعد متابعة التطورات السياسية في المنطقة اتخذ الثنائي التركي ـ الإسرائيلي قراراً ترغم بموجبه السلطات السورية على إبعاد عبد الله أوجلان من أراضيها. وكان أول من نفذ هذا القرار على أرض الواقع سليمان ديميريل وقائد القوات البرية اتيلاّ آتش من خلال التصريحات الهجومية ضد سوريا. ولا شك أن لكل من إسرائيل وتركيا أهدافاً مشتركة من هذه الأحداث: فإسرائيل تريد الضغط على سوريا لإخضاعها لشروطها للسلام دون الانسحاب من هضبة الجولان ذات الموقع الاستراتيجي وذلك من خلال إقحام تركيا في حرب شاملة مع سوريا. وأما تركيا فإنها كانت تهدف إلى التخلص من أزمة حزب العمال الكردستاني. وبالرغم من كل التصريحات الأميركية التي تَنُمُّ عن الدعم الأميركي لتركيا بوصفها حزب العمال الكردستاني أنه حركة إرهابية متمردة ويجب طردها من سوريا، إلاّ أن هذا الدعم كان دعماً ظاهرياً، ففي تشرين الأول من العام 1998 أبعدت السلطات السورية عبد الله أوجلان من أراضيها بموجب الأوامر الأميركية التي تلقَّتها آنذاك، وبعد أن اضطر عبد الله أوجلان الذهاب إلى روسيا توجَّه إلى إيطاليا. أن النوايا الأميركية الحقيقية وإن تظاهرت في دعم الموقف التركي من مسألة أوجلان فإنها لا تَنمُّ عن الرغبة في معاقبته، كما أن أميركا ليست ضد حزبه والدليل على ذلك التصريحات المتكررة للمارشال التركي المتقاعد (كمال يافوز) الصريحة والواضحة حيث كرر اتهام أميركا بدعمها لهذا الحزب. ويمكن تفسير الدعم الإعلامي ـ المصطنع ـ الأميركي للموقف التركي باعتباره جزءاً من سياسة الترغيب لتحقيق بعض المكاسب، ففي خلال إقامة أوجلان في إيطاليا اتبعت أميركا حيال تركيا سياسة الترغيب والترهيب أو ما يسمى في المصطلح السياسي (سياسة العصا والجزرة). فقد تعهد كلينتون لوفد تركي زائر باستخدام نفوذه لدى صندوق النقد الدولي لمنح تركيا قرضاً مقداره بليونا دولار. إلاّ أن تركيا لم تستجب للمقترحات الأميركية وأخذت تراوغ وتماطل لتكسب الوقت لصالحها، كما أنها لم تهمل في الوقت نفسه سياسة المغازلة تحاشياً للغضب الأميركي. وعمدتْ الإرادة السياسية في تركيا إلى إسقاط الحكـومـة الائتلافية المتشكلة من أحزاب الوطن الأم واليسار والديمقراطيين بحجة ما يسمى فضائح المكـالمـات السرية، والغرض من ذلك كله هو تغييب الحكومة الرسمية لكي يمكن تحاشي كل الضغوط أو المقترحات الخارجية المحـرجـة. ويُفهم ذلك من تكليف رئيس الجمهورية سليمان ديميريل زعيم حزب اليسار الديمقراطي بُـلَـنْـتْ أجويد تشكيل حكومة جديدة حيث تعمَّد الأخير اعتماد سياسة البطء والمماطلة لكسب الوقت وقدَّم اقتراحات تعجيزية لكافة زعماء الأحزاب الأخرى.
في هذا الوقت أدركت أميـركـا مغزى السياسة التركية فبدأت على الفور بقصف شمال العراق جواً من قاعدة إنجيرليك التركية لإحراج تركيا التي أصبحت طرفاً في الحرب على غير إرادتها. من جهة أخرى وفي الساعة التي كان فيها مجلس الأمن القومي التركي يُحضِّر لاجتماع يضم كبار الضباط دقَّت صافرات الإنذار في الساعة 1.15 بعد ظهر يوم 28/1/1999 في قاعدة إنجيرليك العسكرية بحجة أنه سُمِعَ دَوِيُّ انفجارات شديدة في مواقع عسكرية بالقرب من مدينة الموصل العراقية، فكانت صافرات الإنذار هذه تحمل مغزىً سياسياً أكثر مما هو عسكري، وسبق هذا التهديد الأميركي ـ غير المباشر ـ عملية تسفير عبد الله أوجلان من إيطاليا إلى جهة مجهولة في 16/1/1999.
وفي 4/شباط/1999 هدد كل من كلينتون ومادلين أولبرايت تركيا بإقحامها في الحرب حتى ولو لم تشـأ حيث صرح الأول قائلاً: (تُعتبر منطقة كوسوفا عنصر تهديد جدي لحلفائنا في الأطلسي وقد تشـكـل عنصـر نـزاع يوقِعُ بين تركيـا واليونان. تـسـاورني مخـاوف انفـجـار الوضع في البوسنة ـ الهرسك التي عملنا على تأسيس السلام فيها لمدة ثلاثة أعوام.) أما وزيرة الخارجية الأميركـيـة فقـد صـرحت قائلةً: (إذا اسـتـمـر الـحـال على ما هو عليه الآن فإن تكـرر حـركـة الـهـجـرة الجـمـاعـيـة أمرٌ لا مناص منه، الأمر الذي يجعل من هذا الوضـع مـرتعـاً خصـبـاً وملجأً آمناً للإرهابيين وتجار المخدرات.)وإذا دققنا النظر في كلا التصريحين نجد أن في الأول تهديداً موجهاً إلى أوروبا والثاني إلى تركيا.
وأما عن المخطط الأميركي الذي يتعلق بالعراق فالمتتبع للتطورات يجد أن أميركا مُصِرةً على إسقاط صدام من دفَّةِ الحكم في العراق ولكن ليس قبل أن تحكم سيطرتها على دول الخليج. أما فكرة تقسيم العراق فإن تركيا تعارضها جملةً وتفصيلاً، فإقامة دولة كردية في شمال العراق يعني تمزيق تركيا أيضاً وتقسيمها. وأما إيجاد البديل لصدام فأمرٌ ليس سهلاً حتى على الأميركان، ولكن الأمر المفروغ منه هو إن أميركا مُصرَّة وجادةٌ في تغيير صدام مهما كلَّفها ذلك. فكما أن هذا الأمر بالنسبة لأميركا يعتبر هاماً، إلا أنه ضروريٌ لها كي تدخل العام 2000 كدولة عظمى بلا منازع، وبلا مشاكسين أو كما تسميهم «متمردين» على المجتمع الدولي. ولتحـقـيـق هدفـهـا هذا لا تتـورع عـن تحـويل منطقة الشرق الأوسط إلى بحارٍ من الدم. فدخول العراق تحت النفوذ الأميركي سيطيح بالنفوذ الإنجليزي في المنطقة كما أطاحت ثورة يوليو الوجود الإنجليزي في مصر وهذا لا يعني بالضرورة أن الإنجليز سيبقون مكتوفي الأيدي، ولذلك نجـدهـم ملاصــقــيـن للأمـيــركـان فـي خططهم وعدوانهم حتى يكونوا على قرب من المخطط الأميركي ولكي يتسنّى لهم إعاقة أية محاولة لا يرغبون بها.
أن عملية إسقاط صدام تعني الإنجليز بقدر ما تعـنـي أميـركـا التي اعتبرت شخص صدام مبرراً لها لتحقيق أهدافها حيال العراق، ولذلك فإن هنالك معلومات أن الإنجليز يخططون لاستـقـدام الأميـر الـحـسـن ـ الــذي لا يـقـل صدقاً وإخلاصاً لأسياده الإنجليز عن أخيه الحسين ـ إلى الحكم في العراق ليحل محل صدام ـ برضى من الكويت وربما السعودية من أجل إبقاء العـراق موحـداً، ولضـمـان تـوازن الـقـوى في منطقة الخليج الاستراتيجية.
ويمكن تلخيص الوضع المتعلق بالعراق في نقـطـتـيـن:
أ ـ ستستمر أميركا بقصف العراق إلى أن تصل إلى مبتغاها.
ب ـ بسبب السياسات الأميركية هذه فإن أمام تركيا أياماً عصيبة.
2 ـ التطورات على الساحة الداخلية:
كل المؤشرات تدل على أن قرارات 28/شباط 1997 ـ التي اتخذها مجلس الأمن القومي التركي ما زالت المؤشر الوحيد والموجِّه للسياسة الداخلية، وبعد كسبه ثقة البرلمان على تشكيله للحكومة الجديدة برئاسته صرح بُلنتْ أجويد ما مفـاده أن فتـرة مـا يســمـى 28 شباط قد انتهت!! تُرى ما الذي تغيَّر حتى يصرح أجويد بهذا التصريح؟ ولإدراك ذلك علينا أن ندرك الأسـبـاب التي دفـعـت إلى اتخاذ قرارات ما يسـمـى 28 شباط 1997.قـد يبدو للـمـرء منذ الوهـلـة الأولـى أن الأسـبـاب الدافـعـة هي ما يجـري من أحـداث وتطـورات علـى السـاحـة الداخـلـيـة ولكـن هـذا غيـر صـحـيـح، فالسبب الوحيد في ظـهـور قـرارات 28 شباط عام 1997 هـو العـلاقـات التـركـيـة ـ الأمـيـركـيـة. وربما قصـد أجـويـد توجـيـه نداء حارٍ لأميركا التي لم يكن يتمتع بعلاقات طيبة معها منذ الأزمة القبرصية في عام 1974.
وربما لهذا السبب ارتأت (القوة الحاكمة والدولة المتجذرة) في تركيا ـ وهو الجيش المتمثل بحفنة من الضباط المتحكمين ذوي الأصل اليهودي ـ أن يتولى أجويد رئاسة الوزارة. وكما ذكرنا آنفاً فإنه لتحاشي الضغوط الأميركية ومضاعفاتها عَمَدتْ السلطة إلى إسقاط الحكومة السابقة ثم تعمَّد ديميريل تكليف أجويد لتشكيل الحكومة الجديدة ـ كسباً للوقت ـ فما كان من أجويد إلاّ أن ماطَل واستغل الوقت المقرر له لتشكيل الحكومة وهي 45 يوماً وقدم مقترحات تعجيزية لكافة زعماء الأحزاب السياسية، رفضها كل من حزب الفضيلة ـ الرفاه سابقاً ـ وحزب الطريق الصحيح وحزب الشعب الجمهوري، وبعد فشل أجويد في تشكيل الحكومة كلَّف ديميريل (يالم أَرَزْ) الذي صرح عدة مرات بأنه واثق من تشكيله للحكومة، وسينتهي هذا الأمر بسرعة مذهلة، وقال بأنه قد قطع شوطاً مهماً بهذا الخصوص، وربما يكون قد اتبع سياسة التمويه لأنه حصل العكس تماماً. ولو نجح اَرَزْ في تشكيل الحكومة فإنه كان سيتم القضاء على حزب الطريق الصحيح وتصفيته من جهة، وإشغاله هو ـ كخصم لأميركا ـ منصب رئاسة الوزراء من جهة أخرى. وسرعان ما أدركت تانسو تشيللر ما يُحاك ضدها وضد حزبها فصرحت في اللحظة الأخيرة وبشكل فاجأ الجميع أنها على استعداد لدعم حكومة أقلية بزعامة بلنت أجويد ـ الذي كان قد اقترح ذلك عليها سابقاً ـ الأمر الذي أفسد على (بالم أَرَزْ) لُعبته. وتوضح تشيللر أسباب ذلك قائلة: (لقد قمتُ بكشف مؤامرة على الديمقراطية) وتقول أيضاً: (عارضنا تشكيل حكومة كحكومات سعدي أرماق ونعيم تالو في الوقت الذي تظهر فيه إشاعات لتأجيل الانتخابات.).
ولذلك من الخطأ بمكان أن يتم تحليل السياسة الداخلية في تركيا بعيداً عن السياسة الخارجية. في الوقت الحاضر فإن السياسة الداخلية التركية مرتبطة كلياً بانتخابات البلديات والانتخابات التشريعية اللتين ستجريان في وقت واحد بتاريخ 18/4/1999، وفي الوقت الذي دخلت فيـه الأحـزاب السياسية الحملة الانتخابية الإعلامية، تساور البعض شكوك في إجراء الانتخابات. فكلٌّ من حزب الفضيلة ـ وهو امتداد لحزب الرفاه ـ وحزب الطريق الصحيح ما زالا على قيد الحياة، وبالرغم من كل المحاولات الهادفة لإضعاف تشيللر وحزبها عجزت السلطة عن تصفيتهما. أما عن حزب الفضيلة فإن تصفيته وحلَّه ليس بالأمر الصعب. ولهدف التصفية أوعزت السلطة لديميريل لكي يجري الانتخابات على مرحلتين منفصلتين. وللهدف نفسه ظهرت ادعاءات مفادها أنه توجد أصوات متكررة لعدة مرات لنفس المنتخِب. والظاهر أن كل هذه المحاولات باءت بالفشل ويبدو أن الدولة المتجذرة في تركيا ـ السلطة ـ لم يعد بيدها ما يمكن أن تلعب به من أوراق دستورية. والتصريحات المتكررة لديميريل حول هذا الموضوع تدعم هذا الرأي حيث يقول: (عليكم أن تفكروا مَـلِياً بنتائج يوم 19/4/1999 وعندها ستجدونني محقاً). وربما هذا هو السبب المعقول الذي يفسر زيارة ديميريل للجزائر وبعبارة أخرى فإن لسان حال السلطة في تركيا يقول إذا تم التصويت لصالح الأحزاب السياسية المعارضة للعلمانية فإن عاقبة الوضع في تركيا لن يكون مختلفاً عن الجزائر، وعلى ضوء تصريحات ديميريل هذه فإننا قد نشهد أحداثاً ساخنة على الساحة الداخلية منها:
أ ـ إيجاد بديل تُلغى بموجبه انتخابات 18/4/1999، وهو ما يعمل له حزب الرفاه، والمتضررون من الأحزاب الأخرى.
ب ـ إلغاء الانتخابات في حال غياب البديل أو بحجة وجود عدة أصوات متكررة للمنتَخِب نفسه.
ج ـ القيام بعملية انقلاب عسكرية بحجة إنقاذ العلمانية من خطر الأصولية في حالة عدم قيام الحكومة الحالية بالتغييرات الموافقة لرغبة الجيش أو في حالة غياب أي خيار آخر.
أما عن أزمة عبد الله أوجلان فإنه من الخطأ أن تُفصَـلَ عن أزمة العلاقات التركية الأميركية فإنه معلومٌ بداهة أن أميركا تلعب دائماً بهذه الورقة كما أن مسـألـة أيـن سـتـكــون إقامة أوجلان مسألة تعني تركيا بشكل مباشر، ومن الراجح أن يقيم أوجلان في إحدى دول المنطقة في حالة عدم استجابة تركيا للمطالب الأميركية، والدليل على ذلك ما تناقلته الصحف من أنه قد يكون الآن موجوداً في قرباغ أو لبنان. ولذلك وبعد يوم من مغادرة أوجلان إيطاليا أي في 18/1/1999 تم اسـتقدام رئيس جمهورية أذربيجان حيدر علييف إلى إحدى المستشفيات العسكرية في أنقرة بحجة المرض، وبعد مضي 12 يوماً أي في 30/1/1999 غادر المستشفى وقبل مغادرته المستشفى بيوم واحد التقى رئيس الوزراء يومها مسعود يلماز ثم بعدها التقى سليمان ديميريل حيث مكث معه ليلة بطولها في قصر الرئاسة، وفي اليوم التالي عاد إلى بلاده. وفي صبيحة يوم 2/2/1999 تناقلت الصحف أخباراً تتحدث عن تنقل أوجلان بين أربع دول خلال يومين وأضافت الصحف أيضاً بان أزمة أوجلان تحولت إلى كرة منضدة. ولم تستبعد كل من إسرائيل وتركيا أن يعود أوجلان إلى سوريا مرة أخرى، وهناك احتمالات أن تكون كوسوفا والمناطق المجاورة لها بلد الإقامة لأوجلان وحزبه. وباختصار شديد يبدو أن أزمة أوجلان ستتعب تركيا كثيراً (هذا المقال كتب قبل اعتقال أوجلان من قبل أجهزة الأمن التركية).
وأما عن الأزمة الاقتصادية فإن تركيا بأمس الحاجة إلى عشرين مليار دولار خلال الشهرين القادمين كي تُسدِّد بعض الديون الخارجية والداخلية. ومن الخطأ بمكان أن يعتبر المرء سبب الأزمة الاقتصادية الداخلية في تركيا هو الهزة التي عصفت بالاقتصاد العالمي برُمَّتِهِ، بل السبب في ذلك النظام الرأسمالي نفسه والذين يطبقونه، بالإضافة إلى الإشاعات المتعمَّدة التي يبثها أصحاب رؤوس الأموال عن سوء الأوضاع الاقتصادية. فقد صرح رحمي كوج قبل ستة أشـهـر قائلاً: في خلال السنتين القادمتين ستواجه تركيا أزمة اقتصادية حقيقية، وتصريحات مسعود يلماز عن الموضوع دليل واضح على أن المسـؤول الوحيد عن الأزمة الاقتصـادية هو النظـام الرأسـمالـي نفسـه ومـن يقوم على تطبيقه. ولا يخفى على أحد أن اليهود يسيطرون على مقدرات البلاد الاقتصادية كما لاحظنا ذلك في أزمة 1994.
وأما أزمة كوسوفا فبطبيعة المنطقة الجغرافية فإنها تعني أوروبا أكثر من غيرها، وكما هو الحال في بقية مناطق العالم التي تشهد أزمات داخلية وحروباً، فإن الدول الاستعمارية، وعلى رأسها أميركا وإنجلترا وفرنسا، هي وراء أزمة كوسوفا. أما عن التطورات الأخيرة فإنها تخص أزمة العراق أكثر من غيره فمن جهة تحاول أميركا إشعال فتيل الحرب في كوسوفا حتى تشغل أوروبا بها كي يتسنى لها الانفراد بالعراق. من ناحيتها فإن أوروبا تريد إلهاء أميركا بأزمة كوسوفا من خلال تحريض الصرب كي تتوقف أميركا عن عدوانها على العراق. والتصريح الذي أدلى به كلينتون في 4/2/1999 يؤيد هذا الرأي حيث قال: (تُعتبر منطقة كوسوفا عنصر تهديد جدي لحلفائنا في الأطلسي وقد تشكل عنصر نزاع يُوقِع بين تركيا واليونان. تساورني مخاوف انفجار الوضع في البوسنة ـ الهرسك التي عملنا على تأسيس السلام فيها لمدة ثلاثة أعوام.)
محمد عبد الله
أنقرة ـ تركيا
9/2/1999
1999-04-25