إعادة غزة إلى ما كانت عليه جريمة لا تغتفر
2008/02/25م
المقالات, كلمات الأعداد
2,039 زيارة
إعادة غزة إلى ما كانت عليه جريمة لا تغتفر
فرضت (إسرائيل) حصاراً كاملاً على غزة في 23/1 فأصبح الوضع فيها كارثياً، فلم يجد المسلمون هناك أمامهم إلا أن يخرقوا جداراً بنته (إسرائيل) بشكل أحادي، وألزمت مصر أن تحرسه من جانبها، وتمنع التسلل إلى خارجه وذلك عن طريق ما يسمى بالقرارات الدولية. وظن المسلمون هناك أنهم سيجدون اليد الحانية والصدر الدافئ وإغاثة الأخ لأخيه، فكان الأمر على العكس، وجدوا جنوداً من حرس الحدود وفرق مكافحة الشغب يواجهونهم بالهراوات، ومعهم أوامر بالضرب والطرد وتكسير العظام، وهكذا فعلوا. ولكن شدة تدفق المسلمين من غزة الذي وصف بتسونامي، وتأجج المشاعر جعل القرار المصري بالمواجهة يتراجع خوفاً من أي انعكاس سلبي على الداخل المصري الشعبي، فتراجع مبارك وأعلن أنه أعطى أوامره الإنسانية لأهل غزة بالتزود بالأغذية والأدوية والوقود… ثم أخذ يعمل بعيداً عن الإعلام على عودة غزة إلى ما كانت عليه في اجتماعات يقال فيها عكس ما يعلن حتى عاد الغزيون من جديد إلى سجنهم، وفوتت على غزة فرصة تاريخية وهي الانعتاق من الاحتلال (الإسرائيلي) البغيض… ونحن لا نريد في هذه الكلمة تحليل ما حدث ويحدث في غزة سياسياً، ولكن نريد إلقاء الضوء على التآمر على أهل غزة من الجميع من (إسرائيل) وأميركا وأوروبا وحكام الأمر الواقع على السواء، والتأكيد للمسلمين أنه لا يحصنهم، ولا يحميهم، ولا ينهي مآسيهم إلا دولة الخلافة، وإن ذلك لقريب بإذن الله تعالى.
أما (إسرائيل) التي تسببت بهذا الوضع، والتي جعلت الأمور تصل إلى ما وصلت إليه، فقد أبدت ارتياحها لإمكان تصدير أزمة القطاع إلى مصر وتحميلها المسؤولية عن سكانه، فقد قال نائب وزير الدفاع ماتان فلناني: «نحن نريد فك الارتباط مع القطاع… وهذا ما بدأناه منذ أكثر من سنتين، وهذا ما يتواصل من خلال رغبتنا يوقف إمداد الكهرباء والماء ليحصل عليها من مكان آخر» وقال وزير الإسكان: «لتتحمل مصر المسؤولية عنه» وقالت المصادر الأمنية إنها «لم تتفاجأ، وكانت مسألة وقت» أما وسائل الإعلام فقد ذكرت أن «ثمة فرصة رائعة لدحرجة المسؤولية عن القطاع إلى أعتاب المصريين».
أما لماذا كل هذا الارتياح في (إسرائيل) لهذه الخطوة؟ فذلك لأن غزة كانت دائماً عصية عليها وخارجة عن الطوع، قبل الانسحاب منها أواخر سنة 2005م وبعد الانسحاب، ولم تستطع كل محاولات القتل والقصف والاغتيال والتدمير والحصار… أن تمنع الصواريخ المصنوعة محلياً من استهداف مستعمراتها، بل أصبحت (إسرائيل) أمام معادلة أنها لا تستطيع أن تدع غزة ترتاح ساعة من نهار حتى لا تطور قدراتها العسكرية… والآن هي تريد من مصر أن تستلم عنها هذا الملف؛ لأنها تعلم تمام العلم أن مصر قد أخذت خيار السلم معها، وأن من مصلحتها ضبط غزة، وتعلم كذلك شدة التزامها بالقوانين والمواثيق والاتفاقات الدولية… ومعنى هذه الخطوة أن على مصر أن تقوم بما كانت تقوم به (إسرائيل) من منع تدفق السلاح والمحافظة على الحدود…
أما مصر فقد ردت على اللعبة (الإسرائيلية) بالعمل على إيقافها من أول الطريق، فأمرت رجال الأمن من حرس الحدود وقوات مكافحة الشغب بمنع التسلل والتدفق ولو بالقوة… فضربوا الناس وآذوهم ولكن الأمر خرج عن الطوق، وقام مسلحون بتدمير أجزاء من الجدار وفتحوا فيه ثغرات، وتدفق منه السيل العرم، فاضطر مبارك إلى التراجع والإعلان بالسماح للغزيين بالمواد الإنسانية… ثم أمر بالتضييق عليهم لإعادتهم إلى غزة بطرق غير مباشرة (إغلاق المحلات، قلة البضائع، عرقلة وصول المساعدات…)… ثم عن طريق الاجتماعات الثنائية مع حماس تم الاتفاق على إعادة المعابر والأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الحصار؛ لأن ترك الحدود “سداح مداح” لا يمكن أن يستمر، وهكذا كان… فقد عاد أهل غزة إلى السجن بفضل حكمة وحنكة مبارك ذي الثمانين عاماً، والذي سيلقى ربه وكتاب مواثيق الكفر الدولية بشماله، وما حجته الظاهرة في ذلك؟ قال إنه يريد أن يبقى بعيداً عن الخلافات الفلسطينية الفلسطينية وإنه لن يسمح لأحد من الاقتراب من اعتبارات الأمن القومي أو اختراقها… ثم بعد ذلك أعلنت مصر بشكل رسمي وصريح أنها منزعجة مما حدث إذ أعلنت أن «جنودها لا يرشقون بالحجارة» وأنها «تغاضت عن الاقتحام الجماعي لأهل غزة للحدود والأراضي المصرية تقديراً لمعاناة سكان القطاع» وأنها «لن تسمح بتكرار ما حدث لأن لها حدوداً وأرضاً وسيادة، ومن حقها، ومن واجبها ومسؤوليتها أن تحفظها»… ثم حملت حماس مسؤولية تطور الأحداث بهذا الاتجاه.
ويذكر هنا أن مبارك قد التزم فعلاً بالمواثيق والقرارات والاتفاقات الدولية تماماً في هذه المسألة، ولم يحِد عما تريده (إسرائيل) وأميركا قيد شعرة. فقد أعلنت (إسرائيل) أنها متخوفة من تهريب السلاح أثناء التدفق فأعلن مبارك بدوره عن سماحه للغزيين بالدخول إلى مصر للتزود بحاجاتهم «طالما أنهم لا يحملون أسلحة». وأعلنت رايس في 25/12 أن «هذه هي حدود دولية يجب حمايتها، وأعتقد أن مصر تفهم أهمية عمل ذلك» وبالفعل قام مبارك بكل ما هو مطلوب منه أميركياً، فحافظ على الحدود وأعاد الأمور كما كانت…
أما حماس، فقد وقعت أحداث غزة على وقع انعقاد “المؤتمر الوطني الفلسطيني” في سوريا، والذي تميزت قراراته بتصعيد دعائي غير حقيقي لافت (وليته كان حقيقياً) من مثل رفض الاعتراف بـ(إسرائيل) والتمسك بفلسطين من البحر إلى النهر، ومن رفح حتى رأس الناقوة، وإعلان التحرير قبل الدولة، ورفض أنابوليس والتوطين، ورفض أن يتكلم فريق أوسلو، أي فريق عباس، باسم الشعب الفلسطيني، لا في الداخل ولا في أماكن اللجوء… نعم، على وقع هذا المؤتمر الدعائي وقراراته أدخلت حماس المتهمة مصرياً بدفع الأمور نحو توريط مصر في موضوع غزة، ونقل المشاكل الفلسطينية إلى الداخل المصري، وزعزعة الأمن القومي، أدخلت ما حدث في غزة في بازارها، فأعلنت أن اتفاقية رايس التي تنظم عملية حصار غزة لاغية، واقترحت حواراً مع الجانب المصري لفتح المعبر ضمن شروط قانونية جديدة، ولما ووجهت بأنها لا تمثل الشرعية الفلسطينية بنظرهم دعت لأن يكون المعبر فلسطينياً مصرياً وفلسطينياً عربياً، وأعلنت أنها مستعدة للتفاوض مع عباس لإدارة المعبر، وظهر جلياً أن الأمور يراد العودة بها إلى ما كانت عليه قبل فك الحصار، مع بعض التخفيف عن بعض المعاناة عن أهالي غزة… فكانت دعوة الاتحاد الأوروبي بالعودة مجدداً إلى المعبر وتحمل الأعباء المالية لتأمين المساعدات الإنسانية، ولعل هذه الدعوة هي لإرضاء حماس التي تحتفظ معه بعلاقة ما، ورضيت حماس أن يحل محلها الأوروبيون، ومعلوم أن أوروبا تتدخل في القضية الفلسطينية عن طريق المساعدات الاقتصادية والإنسانية…
أما عباس، وما أدراك ما عباس، فقد اعتبر نفسه أنه وحده يمثل السلطة الشرعية الفلسطينية، معتمداً على اعتراف دولي وعربي ومصري به دون غيره، وأن السلطة وحدها دون غيرها هي من يجب أن تدير المعبر متذرعاً بأنه قد يكون وراء خطوة حصار غزة ودفع الأمور إلى ما وصلت إليه (إسرائيل) التي ينسق معها، وذلك لفصل القطاع عن الضفة، وأعلن رفضه التنسيق مع حماس حتى تعود عن انقلابها في الوقت الذي ينسق مع صديقه أولمرت، وهاجم فريقه، فريق أوسلو الذي تحوم حوله الشبهات الكثيرة على كل الصعد، الصواريخ العبثية واعتبرها سبب مأساة الحصار… ثم بالتنسيق مع مصر تم التوصل إلى إعادة الأمور في غزة كما كانت قبل الحصار.
أيها المسلمون
إن ما حدث من إعادة غزة إلى ما كانت عليه جريمة كبرى، وضحيتها أهلها المسلمون، وإن موقف حكام التآمر والتخاذل المخزي لمؤلم، فعباس أقرب إلى (إسرائيل) وأميركا، وحماس أقرب إلى الأوروبيين، ومبارك لا يعصي لأميركا أمراً… وإن قدر المسلمين أن أوضاعهم المأساوية التي يكابدونها لا يخلصهم منها إلا خلافة راشدة، وأنعم به من قدر قدَّره لنا رب العزة سبحانه وتعالى. وليعلم المسلمون علم اليقين أنه لا عودة لفلسطين ولكرامات المسلمين فيها إلا بالخلافة الراشدة تحديداً. نعم، إنه لا عودة لفلسطين إلا بخليفة يجعل أرض المسلمين واحدة، ودولتهم واحدة، وأمتهم واحدة، وسلمهم واحدة، وحربهم واحدة، خليفة يحنو عليهم حنو الأب على أبنائه، خليفة يعتبر أنه أولى بالمسلمين من أنفسهم.
أيها المسلمون
كونوا مع الله أولاً وآخراً، كونوا مع الله وحده، مع شرعه وحده، فبه وحده الهدى والخلاص… إننا نتوجه إلى المسلمين في فلسطين لنقول لهم كثر القتل والظلم والفقر والذل فيكم والتآمر عليكم، حتى لم ينج من ذلك أحد منكم، وها هم حكامكم يسلمونكم لأعدائكم في وضح النهار من غير حياء، فهل لنا ولكم وللمسلمين أجمعين إلا ملجأ واحد ومنجى واحد، فهلا حزمتم أمركم لتكونوا مع الله وحده، لتكونوا من أنصار الخلافة بل من أهلها العاملين لها… فرحمة بكم وبآبائكم وبنسائكم وبصغاركم ندعوكم إلى خير العمل، إلى خلافة راشدة على منهاج النبوة. قال تعالى: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) [القصص 5].
2008-02-25