الفقيه المرجع أحمد الحسني البغدادي: السكوت عن احتلال أميركا للعراق من أعظم المخالفات الإسلامية
2008/01/25م
المقالات
1,888 زيارة
الفقيه المرجع أحمد الحسني البغدادي:
السكوت عن احتلال أميركا للعراق من أعظم المخالفات الإسلامية
أجرت وكالة الأخبار الإسلامية العراقية بتاريخ 30/11/2007م حواراً شاملاً مع الفقيه المرجع أحمد الحسني البغدادي في مكتبه بدمشق، وقد سلَّط فيه الضوء على رؤيته حول قضايا الساعة… حيث تناول مكافحة الإرهاب، وجرائم الاحتلال وخطورته، ومشاريع المصالحة الوطنية، والفتنة المذهبية والطائفية..، والمشروع الأميركي وتقسيم العراق… وغير ذلك من شؤون.
وكانت الوكالة المذكورة قد بدأت نشرتها في أول المقابلة بما يلي:
(لا يمكن أن يمر ذكر العراق من دون أن يذكر سماحة آية الله العظمى السيد المجاهد أحمد الحسني البغدادي أحد أبرز المراجع الدينيين في بلاد الرافدين الأعز، وفي المنطقة، وأكثر الشخصيات بروزاً على الصعيد السياسي والإسلامي. وعلى الرغم من ذلك فهو لا يطمح لأي منصب سياسي مهما يكن في العراق…).
و«الوعي» تنشر على صفحاتها بعض ما جاء في المقابلة وبخاصة حول الاحتلال وخطورته، والمصالحة الوطنية لما فيه من فائدة.
هذا وتحيط «الوعي» قراءها علماً أنه قد صدر مؤخراً الجزء الثالث من كتاب «هكذا تكلم أحمد الحسني البغدادي» وقد خصص الجزء الثالث هذا بعنوان: «المقاومة مستمرة، والاحتلال إلى زوال، وشعبنا لن يموت» وقد تناول هذا الكتاب المواضيع التالية:
1- أسئلة شرعية في مختلف شؤون الحياة ومن ضمنها (فقه السياسة).
2- بيانات أصدرها السيد البغدادي.
3- أحاديث ومقابلات.
4- كتابات حول الأحداث التي مرت على الأمة سياسياً وفكرياً.
5- رسائل من الأحزاب والحركات العاملة على الساحة موجهة إلى السيد البغدادي.
و«الوعي» تشكر العالم الجليل لإهدائه نسخة من الكتاب إليها، وتدعو له بخير، وتبارك له في عمله سائلةً الله أن يجعله في ميزان حسناته. ومما جاء في المقابلة:
l انسحاب معظم ما يسمى بـ(قوات التحالف) مع الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة.. والآن انسحبت القوات البريطانية، وسوف تنسحب أميركا بالتدرج من العراق، ولكن هناك قواعد عسكرية لها جاثمة على ثرى العراق..
أسأل: هل يجوز من وجهة نظر إسلامية بقاؤها بعد انكشاف تقرير بيترايوس كروكر الذي يؤكد استمرار الاحتلال، والتحضير لإقامة قواعد عسكرية طويلة الأمد في العراق.. أي عكس ما ذهب إليه تقرير بيكر – هاملتون من خطورة دموية المأزق الأميركي في العراق؟
– إن انسحاب القوات الأميركية لا يكفي -من وجهة إسلامية- بل يجب الإيقاف الفوري لبناء القواعد العسكرية، ولا قيمة لموافقة ما يسمى بـ(الحكومة العراقية) الموالية للولايات المتحدة الأميركية على هذه القواعد.
l ويقال إن هناك قواعد دائمية أليس كذلك؟
– نعم.. هي قيد الإنشاء، وتقدر بأربع عشرة قاعدة، مضافاً للقواعد الخمس الأكبر الموجودة حالياً. إنها قواعد مترامية الأطراف ترقى إلى حجم مدن حقيقية، وإن ما يؤكد ذلك فعلاً على أرض الواقع ما نشاهده في بغداد، وهو البناء الجاري لمجمع السفارة الأميركية الجديد في (إمارة) منطقة الخضراء الذي تقدر كلفته بما لا يقل عن مليار دولار، والذي سيضم مدينة صغيرة فيها ثلاثمائة دار وثكنات كبيرة لمشاة البحرية، وإحدى وثلاثين بناية، وسيغدو لهذه المدينة منظومتها الخاصة بها للكهرباء والماء والمجاري، وهذه بالنسبة لنا تعتبر احتلالاً أجنبياً كافراً فاقداً للعواصم الخمسة المشهورة، ونحن ندرك خطورة المؤامرة، أنه مادامت أميركا تبقي على قواعدها العسكرية في وطننا الأعز، فإن أية سلطة عراقية مرتبطة بالاحتلال لاتملك بـ(الفعل) استقلالية القرار، حيث الاحتلال باقٍ من خلال قواعد عسكرية دائمة، وستغدو في مرمى الطائرات واجتياح الدبابات.
إن هذا الدرس لا ننساه إطلاقاً، وكفاك دليلاً على خطورة هذه القواعد ما كانت عليه قواعد الإنجليز في العراق في العهود السابقة، حيث كان بمقدورها أن تسيطر على الحكومات العراقية أو تطيح بها متى شاءت.
l حينما قرأت مذكرات: (عام قضيته في العراق لبناء غد مرجو) لبول بريمر حول العراق.. هل من جديد فيها بعد أن أثارت هذه المذكرات اللغط بين السياسيين العرب والأجانب المهتمين بالشأن العراقي.. وأصبح الرد عليها سلباً أو إيجاباً في الوقت الذي الكثير من العراقيين لم يطلعوا عليها؟..
– أرجو ان تنقل كلامي بأمانة تاريخية صادقة، لأن الإجابة عن هذا السؤال حساس للغاية.. باعتقادي أن هذة المذكرات البريمرية مهمة جداً لكشف قضايا وأحداث العراق في ظل الاحتلال الأميركي المباشر.. وكيف تعامل -أي بريمر- مع التابعين له من العراقيين سلباً وإيجاباً، والأنكى من ذلك تكلم الشيء الكثير عن السيد علي السيستاني حول العديد من القضايا المثيرة للجدل، وطرح ثلاث قنوات سرية كانوا أعضاء ارتباط بينه وبين السيد السيستاني، وهم عماد ضياء (الخرسان)، وموفق الربيعي، وحسين إسماعيل الصدر، وكان بريمر لديه مستشار سياسي مخضرم لا أتذكر اسمه (حالياً)، لقد سأله حول علاقته مع السيستاني، وقد أجابه (ما معناه): السيد السيستاني لا يرغب بلقاءات مباشرة معنا، وإنما يريدها سراً لا علانيةً بوصفها تسيء لسمعته ومصداقيته لدى مقلديه، لكنه في الواقع متعاون معنا، ويدعم مشروعنا، بل كلف أتباعه للتنسيق معنا، بل تحدث بريمر عن عشرات الرسائل التحريرية بينه وبين السيستاني حول قضايا كثيرة عن العراق، وعن المنطقة.
l بالنسبة إلى الأسماء الثلاثة الذي ذكرتها في هذه المذكرات -فيما يبدو لي وربما أنا على خطأ- إن هؤلاء يعتبرون السيستاني بالنسبة إليهم هو مرجعهم الروحي، وحين ينقلون هذه الرسائل المتبادلة يضعون السيستاني في صورة كاملة على كلِّ ما يجري في الساحة العراقية؟..
– ما استعرضته في الواقع لا يتضمن أية إدانة شخصية للسيد السيستاني لأني لا أبحث عن خصومات أو عداوات، بل إني من طلاب الوحدة والتعاون، وكل ما أريده هو استئناف العزة والكرامة والسيادة لأمتنا ووطننا، وفي سبيل هذا الهدف الأسمى ليس فيما أقوله إلا انطلاقاً من الشعور بالمرارة حينما قرأت هذه الادعاءات، سواء أكانت صدقاً أم كذباً!!.. لكن في هذه اللحظات لم أسمع من السيستاني شخصياً تكذيب هذه المزاعم الخطيرة والمنافية -على ما أرى- لمقام المرجعية الرشيدة، ولا ندري بعد أن يطلع الإنسان المسلم المعاصر ماذا سيقول، وأنت تعلم -يا أخي- إن التاريخ لا يرحم أحداً إطلاقاً.
l اليوم ينتقدك كثيرون ممن يسمعونك في الوسط الشيعي، وسيغضبون عليك غضباً شديداً بوصفك تتعاطف مع الوسط السني؟
– أنا سعيد أنك أثرت عليَّ هذا السؤال الاستفهامي.. إن احتلال العراق قام به غزو كافر مستكبر فاقد للعواصم الخمسة المشهورة، وكان موقف فقهاء النجف وغيرهم من الاحتلال الأميركي، ما بين “خائف” أو “ساكت” أو “متواطئ سراً” أو “متواطئ علناً”!!..
إذن .. ماذا تتوقع مني، الصمت المطبق؟ وهو احتلال غير شرعي، وغير قانوني، من خلال إطلاقات الأدلة القرآنية الكريمة، والأحاديث الصحيحة وعموماتها الدالة على وجوب امتنانه تعالى بكف أيدي الكافرين على المسلمين، والأدلة الدالة على وجوب النهي عن موالاة الكافرين، والأدلة الدالة على وجوب نفي سبيل الكافرين على المسلمين، والأدلة الدالة على وجوب النهي عن موالاة الكافرين، والأدلة الدالة على وجوب النهي عن المنكر، والأدلة الدالة عن وجوب حرمة التعاون والتنسيق مع الكافرين.. وكثير غيرها من الأدلة التي تؤكد حرمة التعاون والتنسيق مع الكافرين.. وكثير غيرها من الأدلة التي تؤكد على عدم مشروعية سيادة وإمرة الكافرين على المسلمين، حتى لو لم يؤدوا ضرراً بشريعتنا وعقيدتنا وتراثنا، بل حتى لو أعطونا (الحرية) غير المنقوصة لممارسة طقوسنا وشعائرنا، وهذه مسائل بدهية لا تحتاج إلى تفسير ودليل.
l سماحة السيد، آيات السلم مع الكافرين والمشركين كثيرة توجب التعامل بشكل أو بآخر معهم.. كيف تعلق على ذلك؟!..
– آيات السلم تؤوَّل من خلال تأكيدات إطلاقات الأدلة التشريعية وعموماتها في وجوب مقاتلة الكافرين والمشركين هذا أولاً.. وثانياً: أنا صرحت على هامش المؤتمر القومي العربي السادس عشر في الجزائر في فندق الأوراس في نيسان 2005م في صحيفة السفير اللبنانية -على سبيل الدلالة والتشبيه- صرحت أنه لو زنى شيخ كبير في أمِّه بالكعبة المشرفة، وهو محدودب الظهر، رجله في قبره، وهو يتحسس بآلام المستضعفين فإنه أفضل من فقية أو مرجع ديني، شيعي أو سني، متصدٍّ لقيادة الأمة،إذا لم يُفْتِ حتى الآن في وجوب طرد المحتلين الكافرين!.. لأن هذا السكوت المطبق من وجهة شرعية من أعظم المخالفات الإسلامية، وفيه المردودات السلبية الخطيرة على تضليل الأمة، وعلى ثوابتها السامية.. وثالثاً: يحق لي من منظور إسلامي أن أتعاون وأن أنسق مع أي مذهب ،أو طيف ،أو غيرهما يناهض الاحتلال في العراق، ومشاريعه العولمية المتوحشة في المنطقة، ثم أنا لا أخشى أحداً في هذا الكون كله، إلا الله الواحد القهار.. أنا تجاوزت العقد السادس من عمري، أفأخشى غضبَ هؤلاء الذين يتعاونون وينسّقون مع أميركا؟! أنا انتظر في يوم من الايام أن أستشهد برصاصة حية ملعونة غادرة في الشارع، أو المكتب، أو في زنزانات السجون الرهيبة.
l ظهرت على الساحة الإسلامية فتنة الصراعات المذهبية والطائفية والعشائرية والمناطقية والإقليمية.. كيف نستطيع أن نتصدى ونفشل مشروع الفتنة؟..
– أصبحنا نحن نعيش مشروع فتنة على أرض فلسطين بين الفتحاويين والحماسيين.. وأصبحنا نعيش مشروعاً للفتنة بين السنة والشيعة وبين العرب والأكراد والتركمان في العراق، وبين العرب والبربر في الجزائر، وبين المسلمين والأقباط في مصر، وبين الإقليميين والعروبيين في لبنان.. وأصبحنا نعيش مخططاً رهيباً مرعباً للصراع المحتدم بين الخندق المعتدل والمتطرف في النظام العربي والإسلامي الرسمي!
.. وأصبحنا نعيش دوراً انتقائيا لجمهورية إيران الإسلامية، فهي في فلسطين ولبنان تعمل مع المقاومة والمواجهة، بيد أنها في أرض الرافدين الأشم وبمنظار الدول الإقليمية فهي تؤيد العملية السياسية، وتعتبرها أمراً مقبولاً وطنياً ومقدمة لخروج المحتل الأجنبي، ولذا تجدها أول من بارك انعقاد مجلس الحكم الانتقالي، واعترفت بشرعيته الذي أسسه المندوب السامي الأميركي “بول بريمر” الذي -أي المجلس- يساند الاحتلال الأميركي – البريطاني، ويطالب ببقائه إلى أمد غير محدود تحت ذرائع متعددة…
l أوردت وسائل إعلامية وجهات سياسية معلومات عن نتائج خلوة سياسية سرية عقدت في أحد فنادق البحر الميت بالأردن على مدى أربعة أيام انتهت يوم الثلاثاء 6 تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، ناقش فيه عشرون شخصية عراقية مسألة التمهيد للمصالحة الوطنية.
وقد جرت برعاية وزارة الخارجية الأميركية عن طريق المعهد العالمي للحوار المستدام الذي يرأسه الدبلوماسي المتقاعد هال أندرسن أحد أبرز مهندسي معاهدة كامب ديفيد سيئة الصيت، بالتعاون مع المشرفين على المشروع الخاص للسيد نوري المالكي ومساعيه لفرض مفهومه عن المصالحة الوطنية الذي يمكن تلخيصه في أن تنصاع الأطراف جميعها للعملية السياسية التي أسسها الاحتلال الأميركي والقبول بنتائجها الكارثية على شعبنا وبما يخدم إدارة الرئيس بوش أولاً ويمد من عُمر الحكومة الطائفية لرئيس الوزراء ثانياً.. فهل يجوز مساندة هذا المشروع المقترح؟.. وكيف لنا أن نتعامل مع هولاء؟..
– ما دام هنالك احتلال لا يسوغ مساندة هذا المشروع المزعوم بين أطراف موغلة في تنفيذ سياسة الاحتلال وأهدافة الشريرة في تقسيم بلاد الرافدين إلى كيانات ثلاثة، ولا التعاون والتنسيق مع هولاء التابعين للعدو المجرم القابعين في المنطقة الخضراء، بل يجب على الأمة محاربة هذه الخطط الخادعة الماكرة.
2008-01-25