طوائف المنافقين
2007/12/25م
المقالات
2,305 زيارة
طوائف المنافقين
يقول تبارك وتعالى: (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا، مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا) [الأحزاب 60-61].
إن النفاق يمثله اليوم دولة بل دول ذات أركان وأحلاف وهيئات وتكتلات وكيانات، بل معسكرات ذات قوة وسلطان سياسي واقتصادي وإعلامي وثقافي، يمارس الضرار في كل مضمار. إن النفاق اليوم له قيادة، وهذه القيادة تخطط وتنظم حركته وتغذيه بالباطل والكفر، والقرآن الكريم يسمي هذه القيادة بالشياطين. قال تعالى: (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ ءَامَنُوا قَالُوا ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ) [البقرة 14]، وقادة الشياطين قد يكونون ممن يتسمون بالإسلام في ديار المسلمين شرقها وغربها عبر قنوات خفية مستورة، وبذلك يكون المنافقون أخطر على المسلمين من الكفرة المستعلنين. فقد أثبت التاريخ يوماً بعد يوم أن نكبة الأمة بالمنافقين تسبق كل النكبات، فالكفر الظاهر على خطره وضرره يعجز في كل مرة يواجه فيها أمة الإسلام أن ينفرد في إحراز نصر شامل عليها ما لم يكن مسنوداً بطابور خامس من داخل أوطان المسلمين ويتسمون بأسماء المسلمين.
إن حركة النفاق اليوم متمثلة بالتيار العلماني الذي كشر عن أنيابه بسبب فيئة المسلمين إلى دينهم، وظهور هذه الصحوة المباركة، ورجوع الشباب المؤمن بالله إلى منهج السلف الصالح بفضح مخططات أعداء الله وأذنابهم، إضافة إلى ظهور حركات إسلامية مختلفة ومتنوعة، فقرر قادة الكفر الاتكال على أشخاص تربوا على النفاق، تعمل في صفوف المسلمين في كل المجالات، تظهر الإسلام وتصلي في المناسبات وتؤدي بعض الشعائر، ثم تظهر بمظهر الحريص على الدين أو على الوطن أو على الأمة؛ فيثق بهم الغافلون البسطاء ويكون هؤلاء المنافقون معلمين وسياسيين وإعلاميين وكتاباً ومؤلفين ورجال فكر ورجال علم، ثم تصنع لهم الأمجاد الزائفة عن طريق الإعلام (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) [البقرة 9].
لقد افتتح ابن سلول طريق النفاق ثم سارت به من بعده قوافل المنافقين عبر التاريخ. وفي عصرنا الراهن لا تخطىء العين ملامح العلمنة والنفاق الظاهر، المتظاهر مع الكفار في القضايا الكبرى من قضايا المسلمين، شوهد ذلك قبل وأثناء وبعد سقوط الخلافة العثمانية، ثم شوهد في قضية فلسطين بشكل واضح وجلي وإلى يومنا هذا.
إن الوقوف في وجه النفاق والمنافقين وتخليص الأمة من شرورهم هو من أهم الأولويات، سواء أكانوا من أهل السياسة، أم من أهل الثقافة، أم من أهل الفن والقلم، أم حتى من بعض المنسوبين زوراً وبهتاناً للعلم والتقوى.
وقد ذكر بعض العلماء أن جهاد المنافقين ومكافحتهم سياسياً إنما هو فريضة دائمة، بينما جهاد الكفار قد لا يكون على الدوام وذلك من خمسة أوجه:
الوجه الأول:
إن جهاد الكفار يجيء ويذهب باختلاف الأزمنة والأمكنة، بحسب وجود دواعيه ومسبباته من مداهمة الكفار لبلاد المسلمين أو فتح المسلمين لمعاقل الكفار، أما المنافقون فجهادهم قائم ودائم في السلم والحرب؛ لأن أذاهم للدين موصول في السلم والحرب
الوجه الثاني:
إن عداء المنافقين في الغالب مستتر خفي، وعداء الكفار معلن وجلي، ولا شك في أن المستعلِن في العداء يعطي من يعاديه فرصة للتحفز والاستعداد وأخذ الحذر، بخلاف من يتآمر بالخفاء ويعمل بأكثر من وجه ولون.
الوجه الثالث:
إن خطر المنافقين ينطلق من الداخل، من بين صفوف المسلمين، بينما يجيء خطر العدو الكافر في أكثر الأحيان من الخارج، وخطر الخارج لا يستفحل دائماً إلا إذا سانده طابور خامس من الداخل.
الوجه الرابع:
إن عداوة المنافقين شاملة لا تقتصر على جانب دون جانب، فهي تبدأ من الكلمة همزاً ولمزاً وسخرية، وتنتهي إلى الخيانة العظمى بالقتال في صف الكفار وتحت راياتهم والتآمر معهم على المسلمين وكشف أسرارهم.
الوجه الخامس:
إن كفاح الكفار قد يكون عينياً أو يكون كفائياً، وقد يسقط بالأعذار كالوقوع بالأسر. أما جهاد المنافقين فهو غير قابل للسقوط إذا وجدت مسوغاته فهو واجب على كل مكلف، ففي الحديث عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: «ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل» رواه مسلم.
ويأخذ جهاد المنافقين أحكام جهاد الكافرين إذا ظهر من نفاقهم الكفر الجلي بقول أو فعل، قال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله: ( روي عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) أنه قال: «بعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأربعة أسياف، سيف للمشركين (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [التوبة 5]. وسيف لكفار أهل الكتاب (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) [التوبة 29] وسيف للمنافقين (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [التوبة 73]، وسيف للبغاة (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [الحجرات 9] فإذا كان واقع المسلمين اليوم في أكثر الأحوال لا يسمح بجهاد المنافقين بإقامة الحدود والإغلاظ عليهم لكف شرهم بسبب غياب دولة الحق التي لها الحق بذلك، فلا أقل من تعويض ذلك بجهادهم باللسان وما يقوم مقامه من كل وسيلة برد ما يستطاع من كيدهم للدين، وإلا فإن ذلك النفاق سيظل يتوحش ويطغى حتى يهدد بهدم معالم الإيمان والدين في كل بلاد المسلمين.
إن علماء الإسلام عندما تحدثوا عن أحكام جهاد المنافقين لم يفترضوا واقعاً خيالياً بل تحدثوا عن واقع عاشته الأمة الإسلامية معهم منذ وضعت لبنات مجتمعها الأول في المدينة، وصفحات السيرة والتاريخ تقطر بمواقف مخزية لحزب المنافقين الذي ظهر أول ما ظهر في مجتمع الطهارة في عهد الرسالة، ولم يستحِ ذلك الصنف من الناس أن يكون له حزبه وجنده في أطهر مكان وأفضل زمان في تاريخ الانسان، لتعلن أن خطرها لن يستثني زماناً دون زمان، ولا مكاناً دون مكان، بل ولا إنساناً دون إنسان، ولو كان هذا الإنسان هو خير البشر وسيد الرسل.
أما اليوم فإن علاقة المنافقين في بلاد المسلمين مع كفار الأرض ترينا العجب العجاب. فعجب وأي عجب بعد أن أعلن الغرب حربه على هذا الدين في أنحاء العالم والتي أسماها الإعلام الغربي وبوقه العربي (الحرب على الإرهاب)، بدأ المنافقون يسخِّرون أقلامهم في كتابات عفنة في طول العالم الإسلامي وعرضه يؤيدون الغرب وتبرعوا بأكثر مما طلب منهم. فهل كان بإمكان الغرب أن يقوم بهذه الحرب لوحده لولا وجود مخلصين له في الداخل؟ وهل كانت ستكون الحرب بهذه الشراسة لولا استنادها إلى مواقف حزب المنافقين؟ وإلا فمن أين للغرب التدخل المباشر بالأحوال الداخلية لكثير من الدول في صياغة مناهجها والتحكم في إعلامها، والتوجيه للرأي العام فيها، ومحاصرة الدعوة والعاملين لها؟ ومن أين للغرب أن يجعل البلدان الإسلامية أرضاً مستباحةً للأغراض العسكرية والاقتصادية والمخابراتية؟… إنهم هم … إنهم هم … هم المنافقون. ولا يمكننا أن نفسر هذا الإخلاص العجيب من المنافقين لأسيادهم في الغرب إلا بأنه كراهيتهم لما أنزل الله، وكراهيتهم على من نزل هذا الدين عليه وأتباعه أجمعين. فهم من حاول القضاء على دولة الإسلام عسكرياً وسياسياً واقتصادياً في غيبة سلطان الحكم بدين الإسلام، فإن أولئك المنافقين عملوا قبل الأعداء على محاربة الإسلام ومحاربة أهله بالأصالة عن أنفسهم حيناً، وبالنيابة عن الأعداء أحياناً، فلا أقله أن نسأل ما هو الموقف الشرعي تجاه المنافقين؟
يتمثل ذلك الموقف الشرعي حيالهم في ستة أمور هي:
1- النهي عن موالاتهم والركون اليهم كما قال الله تعالى: (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الممتحنة 9].
2- زجرهم ووعظهم لقوله تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا) [النساء 63].
3- عدم المجادلة أو الدفاع عنهم حيث قال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) [النساء 105].
4- جهادهم والغلظة عليهم لقوله تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [التوبة 73].
5- تحقيرهم وعدم تسويدهم، فعن بريرة مرفوعاً: «لا تقل للمنافق سيداً، فإن يكن سيداً فقد أسخطتم ربكم عز وجل».
6- عدم الصلاة عليهم امتثالاً لقوله تعالى: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ) [التوبة 84].
أبو خالد – طولكرم
2007-12-25