حزب التحرير: وضوح في زمن الوجوه المستعارة
2007/06/24م
المقالات
1,944 زيارة
حزب التحرير: وضوح في زمن الوجوه المستعارة
تنشر الوعي مقالة كتبتها الإعلامية اللبنانية نوال نصر في مجلة المسيرة – النجوى التابعة للقوات اللبنانية في 23/4/2007م بعنوان: «حزب التحرير يعلنها جهاراً: إعادة المسيحيين أهل ذمة!» تعلن فيها استنكارها لما يطرحه الحزب. وكذلك تنشر رد المكتب الإعلامي لحزب التحرير في لبنان بلسان مسؤوله د. أيمن رؤوف القادري. ومما جاء في مقالة الكاتبة:
إعادة المسيحيين أهل ذمة!
مجلة “المسيرة” الاثنين 23-04-2007
الكاتب نوال نصر
شعرنا، صدقاً، بقشعريرة باردة جداً تسري في أجسادنا. وراودتنا ونحن نستمع إلى مشروعهم أفكار ومشاهد وخيالات وتوجسات.
حزب التحرير يعلن جهارًا
وشعرنا لأول مرة ربما بأننا لسنا في القرن الحادي والعشرين، وأن العولمة والديمقراطية والتوافق والتعايش والانفتاح والعيش المشترك رياء سياسي وضحك على الذقون! نحن “مسيحيو هذا الشرق”، وهم “أهل الخلافة” الذين يدعوننا جهاراً، تحت قرص الشمس، إلى أن نعود أهل ذمة!
هناك، في معرض الكتاب، حيث افترضنا تمركز الثقافة والعلم والانفتاح مطرح الانغلاق والقوقعة والعودة إلى لغة أهل الذمة والتكفير، وجدناهم: شابان ملتحيان يرتديان بزتين من دون ربطات عنق، يوزعان في جناح مفتوح تملأه الأعلام السوداء المدون على قماشتها لا إله إلا الله، كتيبات بيضاء مدون عليها بالأحمر الفاقع عناوين: حزب التحرير، الخلافة، مشروع دستور دولة الخلافة، منهج حزب التحرير في التغيير، الديمقراطية نظام كفر، التغيير حتمية الدولة الإسلامية، نظام الحكم في الإسلام…
ماذا يفعل دعاة الخلافة في معرض الكتاب؟ كيف يتجرأون على الدعوة جهاراً إلى تغيير النظام وقهر الدولة وإلغاء الدستور؟ من هم هؤلاء “الطامحون”؟ وكيف يحققون مشروعهم؟ بالسيف؟ بالقتل؟ كيف يقمعون “أهل الذمة” وينصبون خليفة للمسلمين يحول بلادنا التي نتناتشها دار إسلام، ويهدمون أنظمة الكفر؟! وما موقف هؤلاء من مسلمي بلادنا، ممن هم في الموالاة والمعارضة، من الشيعة والسنة، من حزب الله ومن تيار المستقبل؟
كما الأسطوانة الممغنطة التي تنساب الكلمات منها متأنقةً، هادفةً، وملغومةً أحياناً، تكرج العبارات جهاراً من أفواه المنتمين إلى “حزب التحرير” متشابهةً، سريعةً، مدروسةً، ملغومةً. فـحزب التحرير إسلامي، غير الإسلام الموجود، هدفه إعادة حكم الخلافة على “أرض المسلمين”! أين تقع هذه الأرض؟ ما حدودها؟ أين لبنان فيها؟ لا شيء اسمه لبنان في رؤوس هؤلاء، وبالتالي “ليس لبنان نقطة ارتكازهم، فدولة لبنان التي نعرفها نحن وينكرونها هم، وضعها بحسب مفهومهم المستعمر في اتفاق سايكس ـ بيكو، ولبنان لا يصلح لإقامة دولة فيه ولا يستحق، ودائماً بحسب ما يقولون ويدعون، أن يكون دولة”.
كيف سيواجه “الطامحون” الدولة اللبنانية والكيان اللبناني؟
ضمّ لبنان إلى المحيط، إلى العالم الإسلامي، إلى بلاد الشام، إلى سوريا والأردن وفلسطين واليمن؛ لأن النظام الإسلامي، والكلام لهؤلاء، هو الوحيد الصالح لإشباع غرائز الناس وحاجاتهم العضوية، وما عداه، في رؤوسهم، لا شيء! فها هو مايكل جاكسون يمارس الفحشاء وغريزته تتنامى ولا تشبع، بدأ الزنا مع النساء ثم تطور إلى الحيوانات، وها هو يمارس تلك الغرائز مع الصغار. لا شيء صالحاً في الكون إلا الإسلام الذي أتى لمعالجة كل مشاكل الناس وإشباع غرائزهم!”.
كلام كثير يسيء إلى لبنان واللبنانيين، إلى المسيحيين والإسلام، تفاخر تلك الجماعة بترويجه في دار الثقافة والكتاب في لبنان. فهل هذه ديمقراطية؟ هل هي حرية رأي وتعبير؟ لا تعترف تلك الجماعة أساساً بشيء اسمه ديمقراطية وحرية، “فالديمقراطية التي سوَّقها الغرب الكافر إلى بلاد المسلمين هي نظام كفر، لا علاقة لها بالإسلام، لا من بعيد ولا من قريب؛ لذلك يحرم على المسلمين أخذها أو تطبيقها أو الدعوة إليها تحريماً جازماً. الديمقراطية فكرة خيالية غير قابلة للتطبيق. والحرية الشخصية جعلت من المجتمعات بهيمية منحطة. والحريات العامة الأربع لا وجود لها في الإسلام وهي: حرية الاعتقاد، حرية الرأي، حرية التملك، والحرية الشخصية”.
حزب التحرير الذي نال العلم والخبر في لبنان، ممنوع في الدول العربية! لا يؤمن هذا الحزب بتشريع غير الشرع الإسلامي، ولا يقبل بجماعة غير الإسلام “شرّع رسول الله الجهاد وفرضه على المسلمين لحمل العقيدة الإسلامية للناس”. ويستند دعاته إلى كلام عبد الله بن عمر: “أمرت من الرسول أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله”.
المسيحيون مضطرون إذاً إلى الجهارة، بالسيف، بالإسلام؟! يجيب المنتمي إلى هذه الحركة الغريبة: “المسلمون منذ وجدوا يحكمون النصارى واليهود. المسيحيون طيلة عمرهم كانوا أهل ذمة، يعني تحت ذمتنا، ذمة الإسلام. ومن آذى ذمياً آذاني، مما يعني، والكلام طبعاً للمبشر بالخلافة، يكون حال المسيحي أفضل من المسلم. فالمسلم يجاهد في الحروب، والمسيحي يستسلم للمسلم، وكل ما عليه فعله هو دفع جزية، وأداء فرض مقابل أن نحميه. يعني مثلما يدفع اليوم المسيحي ضريبة “تي في آ” للدولة اللبنانية، سيدفع لحكم الخلافة “الموعودة” جزية للمسلم”!
يشعر المسيحي أمام هذا الجناح في معرض الكتاب بالقلق مضاعفاً، فلبنان الكيان، أمام جماعة كهذه تدلي بدلوها جهاراً في مركز ثقافي علمي، مستباح، والسيف القديم للشهادة بمحمد رسول الله قد يعود وسيلة جديدة أمام هذا الطرح المفتوح. فكيف يجرؤ هؤلاء على المناداة بإعادة المسيحيين أهل ذمة؟ يجيب “المبشر”: مثلما يجرؤ الحزب الشيوعي على المطالبة بالنظام الشيوعي، ومثلما ينشد الحزب القومي مشروعه، ومثلما يطمح أخواننا في حزب الله إلى تغيير وجه الدولة”.
لا يميز هؤلاء بين شيعة وسنة، ولا يعترفون بأي تسمية غير الإسلام. ونراهم، من هناك، من المعرض الثقافي، يصدرون الأحكام ويصنفون البشر ويطلقون مشروعاً ليس من عالمنا! من هناك، من بيال، نسمع بدستور يعدّ للبنان تحت اسم دولة الخلافة، يقول في مادته السابعة: “يعامل غير المسلمين من مسيحيين أهل ذمة في أمور المطعومات والملبوسات ضمن ما تجيزه الأحكام الشرعية”. يعني، بكلام آخر، قد يأتي يوم، نكون فيه لا نزال منهمكين بالشرذمة المسيحية المستشرية، ويأتي من يتدخل، لا في سياستنا وحسب، إنما في ما نأكل ونلبس أيضاً!!
إنه لبنان الجديد؟ إنه لبنان الذي يسرح فيه ويمرح قائل: المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم، وهم يدٌ على من سواهم”. وقبل أن نسكت عن الكلام المباح، نُذكر من يهمه الأمر بأن تلك الجماعة، جماعة الخلافة المنشودة، تنظم الأحد في معرض بيال محاضرة تحمل عنوان: الحضارة الغربية مأساة الإنسانية. يقدمها “زعيم الولاية” ويضمنها مسار حزب التحرير في جعلنا أهل ذمة
http://www.lebanese-forces.org/vbullet/sho…ead.php?t=24216
بسم الله الرحمن الرحيم
حزب التحرير: وضوح في زمن الوجوه المستعارة!
د.أيمن أحمد رؤوف القادري رئيس المكتب الإعلامي لحـزب التحـرير في لبنان
aymankadri@gmail.com, ayman_kadri@yahoo.com, ay_k@gawab.com
كتبت الإعلامية نوال نصر، في جريدة المسيرة – النجوى، مقالة عنوانها: “حزب التحرير يعلن جهاراً: إعادة المسيحيّين أهل ذمّة”، ونُشِرَت يوم الاثنين، في 23 نيسان 2007، تناولت فيها النشاط الفكري الذي أبرزه شباب الحزب، في ركن “دار الأمة”، حيث تُعرَض كتب الحزب، في إطار أعمال معرض الكتاب العربي الخمسين، في بيروت.
بدايةً، أحسنت الكاتبة حين اعترفت أنّ حزب التحرير، حزب علني واضح، لا ينجرف في دوّامة الكذب والنفاق والمراوغة في المواقف، ولا يتّخذ أوجهاً مستعارة، حسب الفصول والمواسم، ووفاقاً للمخاطَب في كلّ مرّة، وهذا الوضوح مستند إلى قول الله، تعالى: ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) [يوسف 108].
كما أحسنت حين أقرّت بأنّ كلمات شباب الحزب سريعة مدروسة متشابهة، فذلك ما نتميّز به في زمن تبدّل المفاهيم وارتجال المواقف، وقلب البندقية من كتف إلى آخر، وتقبيل يد “الآخر” صباحاً، وعضّها مساءً. نشكرها إذ أوضحت أننا مصهورون في بوتقة واحدة، لا اختراق فيها، ولا صراع بين الأجنحة، الأمر الذي دمّر جهات سياسية عديدة في لبنان، انقسمت خلافاً على المال والزعامة، وتُرجِم الخلاف أحياناً أنهار دم.
ترى الكاتبة أن الدعوة إلى الخلافة لا تنسجم مع القرن الحادي والعشرين! وهنا نسأل: هل القيم تتغيّر مع الزمان، وإذا كان الأمر كذلك، أيتمّ التغيير على رأس كلّ يوم، أم كلّ أسبوع، أم كلّ شهر، أم كلّ سنة، أم كلّ عقد، أم كلّ قرن؟ إنّ التغيير في الأفكار والقيم ينشأ حين يظهر للمرء خطأ ما كان عليه، لا حين يختلف الزمن! ثمّ هل الوحي يبطل مفعوله بمضيّ القرون؟ هل الزمان، وهو متغيّر، يحكم على شرع أراده الله خاتم الشرائع والرسالات إلى يوم القيامة!؟ وهل البديل عن مشروع الخلافة الذي تجده الكاتبة قديماً، أن نتبنّى مشروعها، وهو الديمقراطية، وليدة قرون الوثنية اليونانية – الإغريقية، التي سبقت قدوم المسيح عليه السلام؟
وتتساءل الكاتبة: ماذا يفعل حزب التحرير في معرض الكتاب؟ وهل جُعل المعرض لأصحاب المواخير والبارات، أو للسفّاحين وتجّار المخدرات؟ إن مكاننا الطبيعي، بوصفنا حزباً سياسياً فكرياً، هو في ساحات المعرفة حيث التفاعل مع الناس، وعرض المفاهيم، وإبداء الرأي. أما إن وجدت، وهي لا تضجر من تكرار كلمة “الديمقراطية” في مقالها، أن لا مكان لنا في ديمقراطيتها، فإنّ هذا أبرز دليل على أن الديمقراطية عبث وخلط ونفاق، ومجرّد ادّعاءات، وأنّ أصحاب الديمقراطية أنفسهم يضيقون بها، ولا يملكون تطبيقها حين يجدون مخالفاً. فإن كانت الكاتبة ترى أن الديمقراطية لا تتّسع لنا، فلماذا تلومنا إذ لا نتبنّى ما تفرّ منه بل تنقلب عليه، وقد ضاق صدرها بما نحمل؟
وتتضجّر الكاتبة أننا ندعو إلى تغيير النظام! عجباً! لماذا تطلب الإبقاء على هذا النظام، وهي من دعاة أن لا يقف الزمن؟ كم مرّ على عمر هذا النظام؟ أليس في أبسط تقدير وليد صيغة 1943؟ أليست ستون عاماً كافية لإعادة النظر في مسيرة نظام، كان مظلّة حرب أهلية شنيعة، وخضّات سياسية خطيرة، وعدة حالات فراغ سياسي، وتشنّجات طائفية؟ وهل “بزغت” إلى الوجود شمس الديمقراطية، التي تقدّسها الكاتبة، إلاّ على أنقاض النظام السابق، في أوروبا، حيث كُفَّت يد الكنيسة، وأُبعدَت التصوّرات الدينية عن مجريات الحياة كافّة؟ فما هذه الازدواجيّة؟
وتزعم الكاتبة أننا نريد إلغاء الدستور، حتّى يظنّ القارئ أننا نريد دولة لا مؤسسات فيها، ولا دستور يحكم شكل الدولة وعمل أجهزتها! ونتساءل أولاً: أليس هذا الدستور الذي تخشى عليه الكاتبة دستوراً معطّلاً عملياً؟ ألا يخضع لأهواء الفريقين المتصارعين في لبنان، بدل أن يكون، كما أراد واضعوه، حَكَماً؟ ونقول ثانياً: إن الصواب أننا ندعو إلى إحلال دستور في موضع دستور آخر. نحن ندعو إلى أن لا يكون الدستور، كما هو الآن، صنيعة عهد الاستعمار الفرنسي لهذه البلاد، فمن العار على أمّة أن تحتكم إلى قانون فرضه عليها جلاّدوها، وأن تفكّر في أمور تشريعها وفاقاً لآليات دمّرتها واستباحت كرامتها و”سيادتها”! ولنا أن نعود إلى مقياس الكاتبة: مواكبة الزمن، لنسألها: ماذا تغيّر في دستور لبنان، منذ عام 1926م؟ لقد مضت ثمانون عاماً، وكلّ التعديلات على الدستور لا تمثّل نسبة متواضعة منه. فلماذا تقديس نصوص المستعمر؟ ولماذا إدانة الشرفاء الذين يريدون دستوراً يعبّر عن تطلّعات الأمة، وينبثق من صميم عقيدتها؟
أما طريقتنا في بلوغ التغيير الذي نريد، فلا نتوسل فيها إلا الكلمة الطيبة، التي أثنى عليها الله تعالى في قرآنه: ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) [إبراهيم 24-25]. نحن نعمد إلى النقاش العقلي، والحوار الهادئ الهادف، وإبداء الحجج الراجحة، فلماذا تسأل الكاتبة: كيف يحققون مشروعهم: بالسيف؟ بالقتل؟ إنّ حزب التحرير يكاد يكون الجهة الوحيدة في لبنان، التي لم تغمس أياديها في دماء الناس. الدمويون هم الذين غنموا وغنموا، من المال المسروق والمنصب المغتصب، في حالتي الحرب والسلم، في لبنان. وتعلم الكاتبة من هم؟ وأين هم؟ كما تعلم موقفنا منهم جميعاً، وأننا لم نقصّر في فضحهم، ولم نسمح لأنفسنا أن نحالفهم!
وتعجب الكاتبة، قافزة فوق قناعاتها الديمقراطية، أن ننال العلم والخبر في لبنان، وأن تكون فيه دعوات إلى الخلافة! وكأن الكاتبة لا تعرف خريطة المنطقة! ألم تكن المدينة المنورة عاصمة الخلافة يوماً؟ ألم تكن دمشق عاصمة الخلافة يوماً؟ ألم تكن بغداد عاصمة الخلافة يوماً؟ وهل لبنان إلاّ واسطة هذا العقد؟ لقد كان يستظلّ الخلافة عبر قرون وقرون. فهل التنكّب للتاريخ سنّة، والتنكّر للأصل منّة؟ وهل خلا لبنان من وجهه الإسلامي، حتّى نظهر كأننا ندعو إلى بدعة من البدع!؟
وترى الكاتبة أن المسيحيين يشعرون بالقلق أمام هذه الدعوة! ونحن بدورنا ندرك أن هذا القلق مفتعل، وأن ثمّة من يغذّيه، دون أن يكون في نصوص المسلمين أو وقائع تاريخهم ما يؤيّده، بل أثبت التاريخ أن الخلافة الإسلامية كانت بالفعل الدولة الملجأ الحاضنة لجميع الناس بقطع النظر عن دينهم، حتى لقد وجد يهود أوروبا في الخلافة الملجأ الآمن والضامن الحامي من اضطهاد الأوروبيين لهم. والواقع في لبنان أنّ الذين دارت رحى الحرب بينهم وبين المسيحيين، خلال الحرب الأهلية، كانوا، كما لا يخفى، أصحاب دعوات علمانية مكشوفة، وأن الخلاف كان سياسياً محضاً، داخلاً في إطار لعبة الأمم، وإذا كان أفراد هذه الطائفة هنا، أو تلك هناك، فإن ذلك تدبير من الدول الغربية التي تفتعل الفتن الطائفية. لقد تعرّض المسيحيّون في لبنان، للأزمات الأمنية، في ظلّ الدولة العلمانية، التي كان في إحدى رئاساتها مسيحي. وليس في أصحاب المشروع الإسلامي من أشعر المسيحيين بالقلق على وجودهم، لا فكراً، ولا ممارسة.
وعلينا أن نفهم أنّ الإسلام يدعو أتباعه إلى الإيمان بالمسيح عيسى بن مريم، عليه السلام، والإيمان بأنه أُنزِل إليه الإنجيل، وأنّ الإسلام لا يمنع المسيحيين من القيام بشعائر دينهم، ولا يكرههم على ترك عقيدتهم. لكنّ المشروع الإسلامي يحمل فكرة كليّة عن الكون والإنسان والحياة، ويشمل معالجات سياسية واقتصادية ودولية، وهذا ما لا نجده في المسيحية، باعتراف أهلها. أيختار المسيحيون، نظاماً لحياتهم، الرأسماليةَ التي حجرت على الكنيسة، وحاصرت إرادتها داخل جدرانها الأربعة؟ أم يختارون الاشتراكية الشيوعية التي أطاحت بالأديان كلّها، وقتلت آلافاً من القيّمين عليها؟ لماذا لا يكون الخيار الأفضل هو الإسلام الذي لا يلغي خصوصياتهم في الاعتقاد والتعبُّد والزواج والطلاق والإرث، وسائر ما ليس من شؤون الدولة؟ ولنا أن نقرأ بعض النصوص التي تشهد بسبق المسلمين، إبّان حكمهم، في مجال العلاقات مع الآخر المسيحي.
جاء في كتاب الدعوة إلى الإسلام، للسير توماس أرنولد، المستشرق الإنجليزي (1864م – 1930م) ، ص82-83: «ويظهر أنّ أخلاق صلاح الدين وحياته التي انطوت على البطولة، قد أحدثت في أذهان المسيحيين في عصره تأثيراً سحرياً خاصاً، حتى إنّ نفراً من الفرسان المسيحيين قد بلغ من قوة انجذابهم إليه أن هجروا ديانتهم المسيحية..».
وقالت المستشرقة الألمانية، زيغريد هونكة (توفيت 1999م)، في كتابها الموسوعي: شمس العرب تسطع على الغرب، ص412[دار الآفاق الحديثة، بيروت، ط6، 1401هـ/1981م]: “أما العجيب في تصرّف الغرب، فهو ما فعله الصليبيون الذين قادوا الحرب ضدّ أعداء دينهم، وخاضوا بحراً من الدماء في بيت المقدس ودمياط… وعلى الرغم من هذا، فقد نسوا عاداتهم وتقاليدهم واندمجوا بالعرب. ولأوّل مرّة في تاريخ العالم المسيحي أظهر النورمان تسامحاً مع المخالفين لهم في العقيدة، متمثّلين بالعرب في شهامتهم ورجولتهم. فكان ذلك المسلك بالتأكيد، هو سرّ ما أصاب دولتهم من ازدهار، إذا قورنت بنظيراتهم في الغرب.” وقالت: “… كان العرب يسمحون للشعوب المنهزمة أن تمارس عاداتها وتقاليدها..” [المصدر السابق، ص413]. وقالت إنّ نداءات التسامح الديني التي ارتفعت بها أصوات مفكّري الغرب، تلت خطابات صلاح الدين إلى ريتشارد قلب الأسد، إذ كانت رائدة في هذا المجال. [المصدر السابق، ص428]. وأشارت إلى أن الكنيسة نبذت الملك فريدريك الثاني، بسبب دعوته إلى التسامح الديني في العلاقة مع المسلمين! [المصدر السابق، ص429].
وتبدو الكاتبة منزعجة، لأن كلّ شيء عندنا بات مباحاً، في دعوة مبطّنة إلى التضييق في مساحة الحرّيات، الأمر الذي نوافقها عليه، وإن خالف ديمقراطيتها. لكنها تقول ذلك، وسهامها مصوبة إلينا لجهرنا بآرائنا النابعة من ديننا، أليس من حقنا أن نبين حجتنا ومشروعنا وأدلته، ثم فلتُقارع الحجة الحجة والرأي الرأي، وحينها سيتبين للرأي العام: أين هو المشروع الإنقاذي الصحيح الذي يحقق مصالحه الحقيقية؟ أما القول إن “كل شيء عندنا بات مباحاً”، فلسنا نحن من جعل البلاد مباحة مستباحة، فلتقف الكاتبة في خندقنا، تقصف من جعل أبواب البلد مشرّعة في وجه التدخّلات الخارجية، وجعل السفارات مقرّات الانتداب الجديد. هذا هو الخطر الحقيقي، فلنلتفت إليه، ولتجُدْ أقلامُنا في الحدّ منه.
وأخيراً، نأمل أن تنهض الدراسات الجادّة في نقاش مشروعنا الإسلامي، فلغة التذمُّر لا تجدي، ومحاولة الإلغاء لا تنجح، نحن نحمل مشروعاً يعكس ما لدى الأمة من مفاهيم ومقاييس وقناعات، نحمل دعوة صافية، لا أثر فيها للأصابع الخارجية العابثة، ولنا أمل كبير أن تتّسع صدور الجميع لهذه الدعوة، وأن يحتضنها الجميع، لما فيه خير العباد والبلاد.
9 من ربيع الآخر 1428هـ = 26 نيسان 2007م.
2007-06-24