مؤتمر قمة الرياض: صفحة جديدة من «كتاب التنازل عن فلسطين»
2007/05/24م
المقالات, كلمات الأعداد
1,901 زيارة
مؤتمر قمة الرياض: صفحة جديدة من «كتاب التنازل عن فلسطين»
عقد مؤتمر القمة العربي هذه السنة في 28 و29/3/2007م في الرياض تحت اسم «قمة التضامن العربي»، وقد وضعت على جدول أعمالها مختلف القضايا التي تهم المسلمين من مشكلة لبنان إلى الصومال إلى السودان إلى العراق إلى فلسطين، فكررت نفسها ولم تقدم شيئاً يذكر -طبعاً بالسوء- سوى لقضية فلسطين بل قل «قضية التنازل عن فلسطين» حيث أكدت على تمسك جميع الدول العربية بمبادرة السلام العربية التي قدمها ملك السعودية كما أقرتها قمة بيروت العربية 2002م. بكافة عناصرها، والمستندة إلى قرارات الشرعية الدولية ومبادئها لإنهاء النـزاع العربي (الإسرائيلي)، وإقامة السلام الشامل والعادل الذي يحقق الأمن لجميع دول المنطقة، ويمكن الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس. وطالبت بانسحاب (إسرائيل) من كل الأراضي العربية التي احتلتها بعد 4/6/1967م بما فيها الجولان، وطالبت (إسرائيل) بقبول المبادرة كما هي بلا تعديل ولا تطوير ولا تغيير. لاءات ثلاث عودنا حكام العرب على البدء بها والانتهاء بضدها.
لقد جاءت مؤتمرات القمم العربية لتفتح صفحة جديدة من صفحات كتاب «التنازل عن فلسطين ليهود» من أجل أن يقيموا دولتهم ويحصلوا على شرعيتهم ليس من المجتمع الدولي فحسب، ولا من الأنظمة العربية البائدة قريباً إن شاء الله، بل حتى من الفلسطينيين بمختلف اتجاهاتهم الإسلامية واللاإسلامية الممثلة في حكومة الوحدة الوطنية:
l فمؤتمر القمة المنعقد في القاهرة عام 1964 أعلن إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية لتحرير فلسطين (من البحر إلى النهر). l ومؤتمر القمة المنعقد في الخرطوم عام 1967م على أثر هــزيمة الـ67 أعــلن اللاءات الثـلاث: لا للصـــلح مع (إســرائيل)، لا للتفــاوض، لا للاعتــراف بها. l ومؤتمر القمة المنعقد في الرباط عام 1974 أعلن منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني وتأكيد حق الفلسطينيين في إقامة “سلطة وطنية على كامل الأراضي المحررة. l ومؤتمر القمة المنعقد في بغداد عام 1978م عقب زيارة السادات للقدس أعلن أن قضية فلسطين قضية عربية مصيرية طبعاً بعد رفض اتفاقات كمب دايفيد بين مصر و(إسرائيل) l ومؤتمر القمة المنعقد في فاس عام 1982م قدم مشروع سلام تقدم به فهد نص على ضرورة انسحاب القوات (الإسرائيلية) من جميع الأراضي التي احتلتها سنة 1967م بما فيها القدس وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس. ويعترف هذا المشروع ضمناً بحق (إسرائيل) في الوجود داخل حدود آمنة معترف بها. l ومؤتمر القمة المنعقد في بيروت عام 2002م أعلن فيه عن مبادرة سلام تقدم به عبد الله السعودي طالب فيه بالتسوية السلمية للصراع العربي – (الإسرائيلي) يقوم على إقامة علاقات طبيعية مع (إسرائيل) مقابل الانسحاب من كافة الأراضي العربية التي احتلتها بعد 4/6/1967م وقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس والسماح بعودة اللاجئين. ثم جاء عقبها زيارة استفزازية لشارون إلى المسجد الأقصى كتعبير عن الرفض (الإسرائيلي) واشتعال ما قيل إنه انتفاضة، ثم ترتيب البيت الفلسطيني بشكل تتسلم فيه حماس بعد اغتيال أهم قادتها الحكومة لإشراكها في عملية السلام. l وأخيراً جاء هذا المؤتمر الأخير ليتبنى مبادرة السلام العربية كما أقرتها قمة بيروت، جاء بعد اتفاق مكة الذي نظم العلاقة بين فتح وحماس، وأنهى الاقتتال بينهما، وأثمر حكومة وحدة وطنية؛ للذهاب إلى مؤتمر القمة والموافقة على مبادرة الملك السعودي، وهذا يظهر أن اتفاق مكة كان حاجة سعودية ودولية أكثر منه حاجة فلسطينية… وهكذا رأينا كيف أن مؤتمرات القمم شكلت بمجموعها خارطة طريق يتم فيها التنازل عن فلسطين شيئاً فشيئاً، وقبول يهود في المنطقة، والاعتراف بدولتهم والتطبيع معها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وإعلامياً، ثم الدخول معهم في تحالفات ضد الأمة ودينها ومصالحها…
ثم إن الذي ينظر إلى موقف أميركا من القمة يرى أنها تحركت عبر رايس التي قامت قبل عقد القمة مباشرة بجولات مكوكية بين مصر والأردن وفلسطين دارت حسبما صرحت حول إيجاد أفق سياسي لحل قضية فلسطين، وناقشت خطة سياسية تقوم على إجراء واشنطن اتصالات منفردة مع كل من (إسرائيل) والسلطة الفلسطينية حول إقامة دولة فلسطينية لبلورة جدول أعمال متفق عليه لتحديد عملية السلام. فاجتمعت مع ملك الأردن الذي أكد دعم الجهود التي تبذلها أميركا في هذه المرحلة من أجل إحياء عملية السلام بين الفلسطينيين و(الإسرائيليين) وحل الصراع وفقاً لصيغة حل الدولتين. أما عباس الذي اجتمعت معه رايس مرتين فقد أكد الالتزام بالمبادرة العربية. وطالب عريقات بفتح مسار سياسي (إسرائيلي) فلسطيني من أجل تنفيذ رؤية بوش لإقامة الدولتين. أما سوريا فإنها تهيئ نفسها عبر المفاوضات السرية لتدخل عملية السلام مثلها مثل غيرها من الدول الخائنة المستسلمة…
أما في (إسرائيل) فقد أعلن أولمرت أن «المبادرة العربية مثيرة للاهتمام وتتضمن عناصر عدة يمكنني قبولها»، وقال عنها أيضاً إنها «تشكل قاعدة مناسبة لمفاوضات مقبلة بيننا وبين العناصر العربية المعتدلة» وقال: «إسرائيل على استعداد لتقديم تنازلات كبرى ومؤلمة لتشجيع هذا الحوار والمضي في العملية السلمية». هذا ونقلت وسائل الإعلام أن «رايس التقت بوش ساعات طويلة قبل مجيئها لبلورة الاستراتيجة الدبلوماسية الجديدة في الشرق الأوسط…» وأعلنت أن رايس تريد من جولتها أن تحقق بأي ثمن إنجازاً لها وللرئيس بوش في تحريك العملية السياسية بين إسرائيل وفلسطين. وقالت: «لم تستبعد رايس أن يتم تعيين مبعوث أميركي خاص لإجراء المحادثات مع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي». وفي هذا الصدد أعلنت القمة العربية عن إنشاء لجنة وزارية عربية خاصة بمبادرة السلام لإجراء الاتصالات المناسبة. كذلك فإن الناظر في خلفية الموقف الأميركي يرى أنه قد جاء بعد فشل أميركا في العراق، وعقب تقرير بيكر – هاملتون الذي ذكر كل ذلك بصراحة. وهذا ما يدل على أن بوش يمشي -مجبراً عدوك لا بطل- بحسب توصيات الحجر عليه، فقد جاء في توصيات بيكر – هاملتون:
«لن تكون الولايات المتحدة قادرة على تحقيق أهدافها في الشرق الأوسط ما لم تتعامل مباشرة مع الصراع العربي – الإسرائيلي… يجب أن يكون هناك التزام متجدد ومستمر من الولايات المتحدة بتسوية سلمية شاملة بين العرب والإسرائيليين على كافة الجبهات… هذا الجهد يجب ن يشمل الدعوة غير المشروطة في أقرب وقت ممكن إلى اجتماعات تحت رعاية الولايات المتحدة أو اللجنة الرباعية الدولية بين إسرائيل ولبنان وسوريا من جهة وإسرائيل والفلسطينيين من جهة أخرى. بغرض التفاوض حول السلام كما حدث في مؤتمر مدريد عام 1991م على مسارين منفصلين بين العرب والإسرائيليين على كافة الجبهات… فيما يخص القضية الفلسطينية يجب التمسك بقراري مجلس الأمن 242 و338 ومبدأ الأرض مقابل السلام باعتبارها الأساس الوحيد لتحقيق السلام… وعقد مفاوضات تعالج قضايا الوضع النهائي الخاصة بالحدود والمستوطنات والقدس وحق العودة ونهاية الصراع».
وعليه يمكن حصر النشاط السياسي الذي ستتبعه أميركا في المنطقة بالعمل على انعقاد مؤتمر كمؤتمر مدريد تكون قاعدته اتفاق الأطراف المجتمعة فيه، وهي لبنان وسوريا و(إسرائيل) من جهة وفلسطين و(إسرائيل) من جهة ثانية، على الاعتراف بوجود دولتين لليهود والفلسطينيين على أن تبحث فيما بعد قضايا الوضع النهائي الخاصة. المهم الآن عند بوش هي الخطوة الأولى وهي: الاعتراف المتبادل بدولتين فهذا فيه حرص منه على تحقيقه في ولايته لتعويم فشله ولتقديم شيء للحزب الجمهوري في الانتخابات المقبلة…
على أنه توجد ملاحظة هامة، وهامة جداً، يجب أن لا تغيب عن انتباه أحد من المسلمين وهي ظهور الإسلام السياسي كلاعب أساسي في المنطقة. وخشية أن يسبق الجميع ترى بأن الجميع الآن يعملون على أن يسبقوه.
– فأميركا تشهد فشلاً ذريعاً في العراق لمصلحة المقاومة التي توصف بأن جانباً مهماً فيها إسلامي…
– و(إسرائيل) فشلت فشلاً ذريعاً في تموز 2006م في القضاء على حزب الله الذي يوصف بأنه حركة إسلامية أصولية.
– وسوريا تستغل ظهور الأصولية في الداخل السوري وتعمل على تصديرها إلى لبنان وتقوية هذه النـزعة فيه وإظهار أنها تشكل مشكلة مقلقة… لتضع يهود أمام معادلة واحدة وهي إما التعامل مع النظام السوري وإما الأصولية كبديل… وكذلك ظهور الإسلاميين في كل من المغرب العربي وسائر بلاد المسلمين… هذا ما حاول حكام العرب أن يُفهموه لـ(إسرائيل) من قول سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي لصحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية ونشرته الحياة في 29/3 من أن «إسرائيل ستصبح تحت رحمة زعماء الحرب إذا لم تقبل باقتراح الدول العربية والاعتراف بوجودها مقابل الانسحاب من الأراضي المحتلة سنة 1967م». ورأى أنه «إذا رفضت إسرائيل مبادرة السلام العربية، فإن ذلك يعني أنها لن تضع بذلك مستقبلها بين أيدي صانعي السلام، بل بين أيدي صانعي الحرب؟!».
أيـّها المسلمون
إن الأوضاع الدولية بدأت تتغير لمصلحة الإسلام والمسلمين وليس لمصلحة لا أميركا ولا (إسرائيل) ولا الأنظمة العربية، بل إن هؤلاء جميعهم جمعهم الخوف من هذا التطور وهم يعملون بجهد ودأب لإجهاضه. وإن الأنظمة بعد أن رأت تحول السياسة الدولية لمصلحة الإسلام والمسلمين بدل أن تتعظ وتستفيد من هذا الواقع وتعتبر نفسها أنها جزء من الأمة، نراها تضع كل إمكاناتها للوقوف مع أعداء الأمة يهوداً وأميركيين وأوروبيين في خندق واحد لمواجهة المد الإسلامي…
أيـّها المسلمون
إن الأوضاع تبشر بخير وإن قضية فلسطين أكبر بكثير من قدرة أميركا وأوروبا ودول العالم وأنظمة الأمر الواقع على حلها… إن قضية فلسطين لن يحلها إلا الإسلام إلا الخلافة الراشدة لأنها هي الوحيدة الأكبر منها… وإننا نتوجه إلى الأمة الإسلامية كي تعي هذا الواقع، وتعمل على إيصال الحزب المخلص الواعي العامل لإقامة خلافة راشدة على منهاج النبوة، وأن تدعو أبناءها من أهل القوة في الجيوش العربية لأن يعملوا مع هذا الحزب، ويستعملوا قوتهم بالطريقة التي تقيم الخلافة، وتقيم الدين، وتقيم الجهاد، وتجعل كلمة الله هي العليا. هذه هي دعوة الخير نسوقها إليكم فهل بعد هذه الدعوة من خير؟… قال تعالى: ( وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ ) [الأنفال 59].
2007-05-24