ماذا حدث للمسلمين بعد سقوط الخلافة؟!
2007/03/23م
المقالات
2,977 زيارة
ماذا حدث للمسلمين بعد سقوط الخلافة؟!
بعدما كانت سماء الخلافة صافية وشمسها ترسل أشعتها لتضيء للتائهين طريق النجاة، تلبدت السماء بالغيوم وانقشعت الشمس وراء الأفق فلا تكاد تسمع بعدها إلا بكاء المظلومين وآهات الحيارى وأنين اليتامى والجرحى والثكالى. بعدما كانت دولة الإسلام منارة للعالم تنشر النور والعدل بين الناس وتحافظ على حياتهم وتعمل على سعادتهم في الدارين، قام أهل الحقد من يهود ونصارى، بمساندة من عملائهم في المنطقة أمثال أتاتورك و-غير الشريف- حسين، بالكيد لها والعمل على إسقاطها في حال ضعف وغفلة من المسلمين، ولقد كان لزوالها من العالم مصائب جمة ونتائج خطيرة نستعرض منها:
أولاً: وقف العمل بكتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم):
حيث تم تعطيلهما من حياة الناس، وأصبح القرآن مهجوراً، واستُبدل شرع الله بالأحكام الوضعية التي هي من صنع البشر، وانطبق على حكام المسلمين قوله تعالى: ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) [المائدة 44]، ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) [المائدة 45]،( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) [المائدة 47] وقوله: ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا ) [النساء 60]، فبعد أن طُبِّق الإسلام أربعة عشر قرناً من الزمان، وكانت دولة الإسلام لا تغيب عنها الشمس، أصبح المسلمون اليوم يُحكَمون بأنظمة الكفر التي جرّت على المسلمين الويلات والمصائب، التي لا زلنا نعاني منها حتى الآن في هذه الدنيا، وقد يحل علينا غضب الله إذا لم نبذل قصارى جهدنا لإعادة حكم الله في الأرض بأقصى سرعة، فالله سبحانه يقول: ( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) [يوسف 40].
ثانياً: تمزق الجسم الإسلامي:
بعد أن كان المسلمون يعيشون في بلد واحد يحكمه خليفة واحد، يتكلمون لغة واحدة، ولهم راية واحدة، وجيش واحد، وهوية واحدة، يتنقلون حيث شاءوا، لا تفصل بينهم حدود ولا سدود ولا عوائق أو جوازات سفر لا يربطهم إلا قول الله سبحانه ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) [الحجرات 10]، بعد كل ذلك مُزِّقت دولة الإسلام إلى أكثر من سبعين كياناً هزيلاً، نصب الكفار على كل كيان منها ناطوراً بل عبداً ذليلاً لهم، يحمي مصالحهم وأفكارهم وينفذ مخططاتهم الخبيثة على أبناء الأمة، وأصبحت الرابطة التي تربط المسلمين هي الرابطة الوطنية أو القومية أو المصلحية، مما زاد الفرقة والأنانية والتمزق بين أبناء الأمة الواحدة حتى نسيت قوله تعالى ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ) [آل عمران 103].
ثالثاً: فقدان الأمة لوزنها على الساحة الدولية:
بعد أن كانت دولة الإسلام هي الأولى في العالم في كل شيء: سياسياً وعسكرياً وعلمياً وحضارياً، وكانت شمس الحضارة وزهرة الدنيا تحمل النور للعالم وتبدد ظلمات الجهل وتعمل على تحرير الإنسان من ظلم الطواغيت كما وصفها رب العزة ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) [آل عمران 110] وبعدما كانت قوية يخاطب رؤساؤها ملوك الأرض بكل عزة: «من رسول الله محمد بن عبد الله إلى كسرى الفرس، أسلم تسلم»، «من هارون الرشيد أمير المؤمنين إلى نكفور كلب الروم»، «من المعتصم أمير المؤمنين إلى ملك الروم أطلق سراح المرأة المسلمة وإلا جئتك بجيش أوله عندك وآخره عندي» وغيرها من مواقف الرجال الذين كانوا يقولون وينفذون، فكان للمؤمنين عزة ما بعدها عزة، ولم يكن أي شخص في الدنيا يجرؤ على المساس بأي مسلم أو حتى ذمي من أفراد الرعية. بعد كل هذا أصبحت الأمة اليوم في ذيل الأمم يتحكم في شؤونها عباد الصليب، ينهبون خيراتها ويذبحون أبناءها ويغتصبون نساءها على مرأى ومسمع من العالم ولا أحد يحرك ساكناً، و الأدهى من ذلك وأمرّ أن الأمة تستجدي أميركا وأوروبا لحل مشاكلها بدل أن تنفض عنها الذل والهوان وتسقط أذناب الاستعمار وتعيد لنفسها الهيبة والسؤدد من جديد.
رابعاً: تفشي الجرائم والذنوب العظام:
بعد أن كان شعار الدولة (من ترك دَيْناً فعلينا قضاؤه، ومن ترك مالاً فلورثته) بعد الرخاء الذي عاشته الأمة والأمن على الأنفس والأموال والأعراض، أصبحت أغلب البلدان التي تسمى زوراً وعدواناً دولاً إسلامية أصبحت ملأى بالبنوك الربوية متحدية رب العزة الذي يقول: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ @ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ) [البقرة 278-279] مما أدى إلى محق وتخريب اقتصادنا، وكبلت الأمة بالديون الطائلة، وأصبحت هذه الحكومات ترعى مواخير الدعارة والخمارات والميسر وغيره بحجة الحرية الشخصية، حتى أصبحت حياة الناس شقاء ما بعده شقاء وانطبق عليهم قوله تعالى: ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) [طه 124].
فالأمة تحتاج لمن يطبق عليها شرع الله لكي يخرجها من هذا الضلال و يزجرها ويمنعها من هذه المنكرات… وهذا لن يكون إلا في وجود الإمام المسلم كما أخبر أمير المؤمنين عثمان بن عفان (رضي الله عنه): «إن الله ليزع بالسلطان ما لم يزع بالقرآن».
خامساً: تسلط الكفار على خيرات المسلمين:
بعد أن كانت خيرات المسلمين التي بارك الله فيها توزع عليهم يوم أن كان للمسلمين دولة حتى وصلت الحال عندهم من الرخاء بأن يسير الرجل بزكاة ماله في بلدان العالم الإسلامي فلا يجد أحداً يأخذ زكاة المال، وكان عمال عمر بن عبد العزيز يضعون المال على أبواب المساجد فلا يأخذه أحد، وكان المنادي يقول من كان عليه دين فليأتنا، ومن أراد الزواج وهو غير قادر فليأتنا، وبعد أن كان عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يحاسب الولاة والعمال على كل صغيرة وكبيرة حفاظاً على أموال المسلمين حيث يقول الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم): «الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به». أي حماية للمسلمين وأموالهم وأعراضهم ، فبعد كل هذا وغيره يوم أن غابت دولة الإسلام تسلط الكفار على خيرات المسلمين سرقةً ونهباً، وأصبح بترول المسلمين غنيمة لدول الكفر يأخذونه بلا ثمن لخدمة مصالحهم؛ وذلك بمساعدة الحكام الخونة، في حين أن ملايين ملايين المسلمين يعيشون تحت خط الفقر والحرمان ويعانون شظف العيش ويتسولون على أعتاب دول الكفر يبحثون عن الدعم والتبرعات.
سادساً: وقف الجهاد لنشر الإسلام:
لقد كانت الدولة الإسلامية تحمل الإسلام إلى الناس عن طريق الدعوة والجهاد وتدفع الأعداء عن بلاد المسلمين امتثالاً لأمر الله تعالى -سواء كانت لهم أرض مسلوبة أم لم تكن- حيث يقول: ( قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ) [التوبة 29] وامتثالاً لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله، فإن قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم، وحسابهم على الله تعالى» وقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها» وغيرها من عشرات الأدلة التي سار عليها المسلمون الأوائل، ونشروا الإسلام في شتى بقاع الأرض، وحملوا هذا الدين تحت ظلال السيوف، وكسروا الحواجز المادية والقيود التي تحول دون بلوغ هذا الدين للناس، ولكن بزوال دولة الإسلام توقف الجهاد الذي تحمله الدولة وتوقف المد الإسلامي، بل وضاعت بقاع إسلامية عزيزة علينا، بل وغزا الكفار المستعمرون بلاد الإسلام وبطشوا بأهلها وذبحوا وقتلوا ولم يرعوا ذمةً لمسلم، فأرض فلسطين والعراق والشيشان وكشمير والصومال والسودان والبوسنة وكوسوفا وكثير غيرها ليست عنا ببعيد بل هي خير شاهد.
فبضياع الخلافة توقف الجهاد الذي يراد منه إعلاء كلمة الله ونشر الإسلام في بقاع الأرض، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، وهو توقف هذا الفرض وتعطيله، بل حول مفهوم الجهاد الحقيقي إلى الجهاد الفردي الذي يقوم به بعض الأفراد هنا وهناك للدفاع عن المسلمين وبلادهم. فكانت النتيجة أن تكالبت الأمم الكافرة على بلاد المسلمين، فصرنا نسمع ونرى فظائع الكفار في بلاد المسلمين دون حراك، بل ينتظر المسلمون دورهم للذبح كالخراف عند الجزار.
وصدق سيدنا على كرم الله وجهه حين قال: «ما ترك قوم الغزو إلا ذلوا».
أيها المسلمون:
هذا غيض من فيض من النتائج والمصائب التي حلت بالمسلمين عند زوال خلافتهم ونسأل الله أن يعين المسلمين على إقامتها مرة أخرى كما أعان رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لإقامتها في المرة الأولى، ونسأله أن يهيئ للعاملين المخلصين أهل قوة ومنعة ليعيدوا مجد الإسلام وينيروا للبشرية طريق النور والهداية، نسأله أن يكون هذا اليوم قريبا بإذنه تعالى فهو ولي ذلك والقادر عليه.
2007-03-23