تعريف بكتاب: «التسير في أصول التفسير»
2007/03/23م
المقالات
2,070 زيارة
تعريف بكتاب: «التسير في أصول التفسير»
لما كان القرآن كلام الله تعالى، ولا يدانيه كتاب في الفضل والخير والهدى، بل الكل يقتبس منه ومنه يستضيء، فهو بمنـزلة الإمام والشاهد والنور؛ فإن خدمته بالشرح والتفسير والالتزام بتعاليمه لا يدانيها علم ولا عمل… في هذا المجال صدر حديثاً كتاب «التيسير في أصول التفسير» لمؤلفه العالم في الأصول عطاء بن خليل أبو الرشته، وفيه تفسير لسورة البقرة. وقد جاء نسيجه متناسقاً على حبكة واحدة في المتانة، عمد فيه المؤلف، حفظه الله، إلى حذو حذو السلف الصالح في التفسير المشهود لهم بالخير في تحري مراد الله سبحانه في كلامه والصدق والإخلاص؛ ما جعله يفتح لنا مشكاة نور أطلت بنا على عصور التفسير الأولى، فكان بذلك مجلياً موفقاً… زاده الله توفيقاً. ولعل ما قاله الشافعي، رحمه الله، ينطبق على التيسير وصاحبه أفضل انطباق: «والناس في العلم طبقات، موقعهم من العلم بقدر درجاتهم في العلم به… فإن من أدرك علم أحكام الله في كتابه نصاً واستدلالاً، ووفقه الله للقول والعمل لما علم منه، فاز بالفضيلة في دينه ودنياه، وانتفت عنه الريب، ونورت في قلبه الحكمة، واستوجب في الدين موضع الإمامة… جعل الله صاحب التيسير إماماً للمسلمين، وعقد على يديه النصر المبين، خاصة وأنه أمير حزب التحرير.
لقد رفع الشيخ بنيان تفسيره على قواعد ثابتة واضحة بيّنة فرضتها طبيعة الكتاب المفسر التي لا يستطيع أن يخرج عنها سلف ولا خلف؛ لذلك التقت طريقة الشيخ في تفسيره لسورة البقرة الغنية بموضوعاتها بطريقة السلف الصالح، وهو قد أعلن في مقدمة تفسيره على أنه حريص كل الحرص على أن يفهم القرآن «كما كان يفهم في عصر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعصر صحابته رضوان الله عليهم، وبناء على ما تقدم فقد اعتمدت طريقته في التفسير على عدة أمور:
من حيث اللغة: ذكر المؤلف أن القرآن نزل باللغة العربية على النحو الذي يفهمها به العرب. قال تعالى: ( هَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ) [النحل 103]. فلا يفهمه إلا من كان عنده من اللسان ما يمكنه من فهم مراد الله في كلامه.
ولكن الالتزام باللغة العربية في فهم القرآن يكون في حالة ما إذا لم يأتِ للآية أو للفظ القرآني معنى شرعي محدد خاص بها صحيح عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فعندها تصبح للفظة أو الآية معنى شرعي وحقيقة شرعية بيّنها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكذلك تتقدم الحقيقة العرفية على الحقيقة اللغوية كما في قوله تعالى: ( وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ ) [فاطر 28] حيث جاءت الدواب للدلالة على الذي يمشي على أربع (حقيقة عرفية) بدل تفسيرها بكل ما يدب على الأرض كما هي في أصل وضعها اللغوي…
ثم يذكر المؤلف أن الأصل في الكلام إجراؤه على الحقيقة فإن تعذرت تم اللجوء إلى المجاز أو الكناية، فاستقام على هذه الطريقة كما استقام عليها من قبله في معرفة معاني ألفاظ القرآن وتراكيبه، ثم ذكر أن المعنى قد يعرف من أصل الاشتقاق حسب تفعيلات اللغة العربية، وكمثال على ذلك قال إن العرب لم يكونوا يستعملون (الرحمن) في معنى وصف الله جل جلاله. ولأن هذه الكلمة مشتقة من رحم على وزن (فعلان) صيغة مبالغة من رحم أي الكثير الرحمة؛ لهذا فحيث وردت في القرآن تعني كثير الرحمة، وهي من أسماء الله الحسنى (الرحمن) حتى لو لم يستعملها العرب في هذا المعنى من قبل ما دامت مشتقة من جذر استعملوه (رحم). وكذلك ذكر أنه إذا ورد أي اسم نقله العرب من لغة الأعاجم على وزن تفعيلاتهم فإنه يكون عربياً، ويفسر بنفس المعنى الذي نقل له مثل (سندس) للحرير الرقيق و(إستبرق) للحرير الغليظ».
وهكذا بيّن لنا أنه يأخذ المعنى من:
– الحقيقة الشرعية والعرفية واللغوية حسب الوضع والنقل.
– أو المجاز والكناية في لغة العرب حسب استعمالاتهم.
– أو معنى أصل الاشتقاق حسب تفعيلات اللغة العربية.
– أو تعريب الأسماء التي نقلها العرب والأعاجم بعد وضعها حسب تفعيلات لغتهم».
ومن حيث العقل: فإن المؤلف سار على طريقة أن كل ما كان له واقع يحس به الإنسان أو يحس بأثره فإن عقل الإنسان يمكن أن يبحث فيه وينتج عنه فكراً كالتفكير في المخلوقات لأنها محسوسة لنستدل من التفكير فيها بأن لها خالقاً هو الله سبحانه، وكالبحث في إعجاز القرآن لإثبات صدق الرسالة والرسول.
أما كل ما لم يكن له واقع يحس به الإنسان أو يحس بأثره فإن عقل هذا الإنسان لا يمكن أن ينتج فكراً عنه، وبناء عليه فإن كل المغيبات لا يمكن للعقل إخضاعها أمامه ليبحثها عقلياً من حيث هي غير محسوسة، ولا أثر لها محسوساً، فدور العقل فيها هو بمقدار ما ينقله عنها من النص حسب مقتضيات اللغة، وهذا ما اعتمده المؤلف في تفسير المغيبات كصفات الله جل جلاله فلم يتجاوز ما تقتضيه اللغة في ذلك، فلم يتجاوزها إلى البحث العقلي لأن ذات الله وصفاته جل جلاله مغيبة عنا. والمعوّل عليه في فهمنا هو النقل من كتاب الله وسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفهم ذلك حسب مقتضيات اللغة دون زيادة أو نقصان. وقد ذكرنا هذا المنهج بمنهج السلف الصالح في الاتباع وقد أظهر الحرص على ذلك فقال: «ولذلك فقد حرصت أن يكون فهم صفات الله جل جلاله كما كانت في عصر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعصر صحابته، رضوان الله عليهم، والوقوف عند ما ورد في كتاب الله، وما صح نقله عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وإجماع صحابته، رضوان الله عليهم، دونما زيادة أو نقصان، ودون الخوض العقلي فيها كما صنعت الفرق في العصور اللاحقة…».
ومن حيث المحكم والمتشابه: لقد جعل المؤلف المحكم قاضياً على المتشابه لأن المحكم هو أم الكتاب أي الأصل والمرجع، واعتمد هذا الفهم حيثما ورد المحكم والمتشابه في الآية الواحدة بقراءتين متواترتين أو في آيتين إن كانتا في موضوع واحد. وأعطى مثلاً لذلك قوله جل جلاله: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) [المائدة 6] فهناك قراءة متواترة ( وَأَرْجُلَكُمْ ) وهي محكمة تقضي العطف على غسل الوجوه والأيدي. وهناك قراءة متواترة أخرى ( وَأَرْجُلِكُمْ ) وهي من المتشابه لأن لها معنيين:
أ- مجرورة بالمجاورة منصوبة محلاً وهي تعني العطف محلاً على غسل الأيدي والوجوه فحكمها الغسل.
ب- مجرورة بالعطف على الرؤوس فحكمها المسح.
ولأن القراءتين متواترتان فالمعنى فيهما واحد، ولأن الآية الأولى محكمة في الغسل، والثانية متشابهة، والمحكم قاضٍ على المتشابه، وعليه يكون الحكم حكم غسل الأرجل إلى الكعبين.
ومن حيث علاقة الآية اللاحقة بالسابقة في السورة الواحدة لقد ذكر الكاتب أن ترتيب الآيات في السورة توقيفي، وهذا يدل على أن هناك علاقة بين الآية اللاحقة مع السابقة في السورة الواحدة، وقد بذل جهده على بيان هذه العلاقة.
ومن حيث تعدد الروايات والدلالات لقد ذكر المؤلف أنه في حال تعدد الروايات أو الدلالات في تفسير الآية أو الآيات عمد إلى الترجيح المسبب، فلم يترك معنى الآية متردداً بين عدة احتمالات بل بيّن معنى واحداً محدداً واضحاً تطمئن به القلوب، وتنشرح له الصدور.
ومن حيث الاستشهاد بالإسرائيليات لقد جاء هذا التفسير خالياً منها تماماً، بالرغم من ذكر اليهود في عشرات الآيات، إذ لم يجد المؤلف نفسه مضطراً بدافع محبته كشف الحقائق إلى الاستعانة بها للخوض في تفاصيل ما ذكره القرآن مجملاً، بل سار مع القرآن كما يفعل المؤتم مع إمامه يتبعه تماماً ولا يخرج عنه.
ومن حيث أصول الفقه: لقد حوت سورة البقرة الكثير الكثير من آيات الأحكام المتعلقة بالحج والصيام، والجهاد، وتحريم الخمر والميسر، والحيض، والطلاق، والأيمان، والإيلاء، وعدة الطلاق، وعدة المتوفى عنها زوجها، وحكم الرضاعة، وصلاة الخوف، وحكم الربا، وحكم التداين… فأعطى لها الأحكام وهو متمكن من ذلك، وقد ساعده في ذلك تضلع في اللغة بدا واضحاً جلياً في كل الآيات تقريباً، وتمرساً في أصول الفقه حتى بدا الشيخ أن قواعد أصول الفقه تتحكم بشخصيته، وهو فيها من المهرة المقتدرين المتمكنين، خاصة وأن للشيخ كتاباً في أصول الفقه ألفه من قبل اسمه «تيسير الوصول إلى الأصول».
ومن حيث ذكر أسباب النـزول فقد حفل هذا التفسير بالكثير منها حتى يكشف بها غموض المعاني، وكذلك استعان بالقراءات حتى يستوفي الفهم بما ورد فيه أكثر من قراة متواترة…
ثم إن القارئ يرى في الهامش تخريجاً للأحاديث التي اعتمد عليها في التفسير، وهي كلها صحيحة ومعتمد على كتب الأحاديث الصحاح وليس فيها من ضعيف. كذلك ويطلع القارئ أحياناً على دقائق في اللغة يشعر بعدها أنه قد وقع على صيد ثمين، وكمثال على ذلك فقد ذكر في الهامش ص 87: «قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا @ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ) [الشرح 5-6] فقال: عسر واحد لن يغلب يسرين، على اعتبار أن ( يُسْرًا ) نكرة فهي ليست ( يُسْرًا ) الأخرى؛ لأن النكرة متعدد باختلاف. أما ( الْعُسْرِ ) فقد تكرر وهو معرفة فيكون تكراره هو هو. فقولك جاء الرجل جاء الرجل، يعني أن الرجل نفسه هو الذي جاء، وأما قولك جاء رجل جاء رجل، فهما رجلان».
ثم إن التفسير مليء بالفوائد والمواضيع التي يذكرها على سبيل الزيادة في الإيضاح والبيان والتفسير، فهو قد ذكر: فائدة عن موضوع القلب والسمع والبصر، وموضوع إعجاز القرآن، فائدة عن أولي الأرحام، موضوع العقل، فائدة عن الصبر، فائدة عن الربا…
ثم إنه اجتمع في هذا التفسير وصاحبه أمور مهمة جعلت هذا التفسير مهماً جداً في موضوعه:
– إن أساليب التفاسير القديمة هي أساليب قديمة لا يجد أبناء هذا الجيل رغبة وشغف بقراءة هذه التفاسير إلا لمن تعود على قراءة المؤلفات القديمة، وهؤلاء عددهم قليل بالنسبة للمسلمين عامة، ولهذا كان لابد من تفسير يبعث أسلوب الرغبة والشغف في المسلمين فضلاً عن غيرهم… وقد جاء هذا التفسير ليسد هذه اللبنة على أفضل ما يكون حيث ظهر فيه العلم الشرعي المنضبط والأسلوب القريب والسهل والميسر وحسن الترتيب والتبويب والعرض، من أول الكتاب حتى آخره. فلا ترى آية أشكل عليك فهمها عند مفسرين آخرين إلا مبسطة سهلة الفهم، ميسرة فيه، ذللت قطوفها تذليلاً… لقد جاء اسم الكتاب على مسمّاه.
– إن المؤلف استعمل كافة العلوم باتزان دون أن تطغى ناحية على أخرى، فهو قد عني باللغة ليكشف بها دقائق المعاني، وبالبلاغة ليبين بها علو الكلام، وبالعقيدة لإثبات صحة الحق الذي حواه وإبطال حجج المبطلين، وعني كذلك باستنباط الأحكام الشرعية معتمداً على أصول فقه منضبطة باعه فيها مشهود، واعتمد على الصحيح والمنقول، واستعمل العقل ضمن حدوده، ولم يقرب من فكر دخيل، ولامن استشهاد ضعيف ولا من الإسرائيليات… فكان بذلك متوازناً جداً يشعر القارئ أنه يقرأ ما يفيده فعلاً من غير ميل أو حيد عن سواء التفسير الصحيح…
– إن الكاتب كان على درجة عقلية عالية في الفهم والإدراك، مكنته إلى جانب ما عنده من مخزون لغوي وأصولي، ومعرفي، أن يقدم لنا تفسيراً يصح أن يكون مرجعاً في بابه، وهو وإن لم تتهيأ له فرصة إكماله، فلعله يكون قد فتح باب خير يلجه أهل الخير من أقرانه.
– إن المؤلف قد سدّ ثغرة بمقدار ما تناوله تفسيره من مواضيع مستجدة في حياة المسلمين اليوم، وتحتاج إلى معرفة حكم الله في كتابه الكريم، وقد وجدنا في هذا التفسير ما يقوم بالمقام في هذا الباب، وهو كثير، فهو تكلم عن اليهود اليوم. وما على المسلمين «وبخاصة حملة الإسلام منهم العاملون لاستئناف الحياة الإسلامية في الأرض» أن يتبينوه للتعامل مع يهود ومع من يمدهم في غيهم بما يقتضيه كتاب الله وسنة رسوله، وتكلم عن الوطنية، وتكلم عن اليانصيب الخيري وأنه من الميسر، وتكلم عن الزواج من نساء أهل الكتاب العفيفات وحذر من شيوع زواج المسلمين في بلاد الغرب من الزانيات وحرمة ذلك، وتكلم في تفسيره لآيات الربا عن ربط الغرب الرأسمالي معظم بلاد العالم إن لم يكن كلها ربطاً اقتصادياً بعجلة البنوك الربوية الرئيسية في بلاده كبنوكه الرسمية أو البنوك الدولية…
وهذا الأمر، أي تناول الآيات لوقائع الحياة، يجعل القرآن حياً في النفوس، قريباً يلجأ إليه المسلم مباشرة للمعالجة، ويتعامل معه على أنه كتاب أحكام ومعالجات بالإضافة إلى كتاب تفكر وعبادة.
وأخيراً…
إن من يقرأ التيسير هذا يطمئن إلى صحة ودقة ما فيه ويطمئن أكثر وأكثر إلى صحة منهج صاحبه في دعوته على رأس حزب التحرير… نسأل الله أن يجعله في ميزان حسناته، إنه سميع مجيب.
يقع الكتاب في 460 صفحة
2007-03-23