لورانس العرب
2007/09/21م
المقالات
2,417 زيارة
لورانس العرب
ل. عبد الودود – الجزائر
قال تعالى: ( يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) التوبة 32. إن الصراع بين الحق والباطل، وبين الكفر والإيمان، وبين النور والظلام، صراع أبدي لا ينتهي إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. فمنذ بزوغ فجر الإسلام في مكة، والكفار وأعوانهم يكيدون ويمكرون ويحقدون عليه وعلى حملته ، فهم يرونه الخطر الأكبر الذي يهددهم، فتراهم يعملون ليل نهار، ويعدون الخطط والمؤامرات من أجل سحقه ومن أهم تلك المكائد التي نجح الغرب الكافر في تنفيذها جريمة إسقاط دولة الخلافة، وقد استعمل في ذلك عدة أساليب منها العملاء والجواسيس، وأبرزهم دورا وفعالية في إثارة الفتن وزعزعة البلاد الإسلامية لورانس، فمن هو يا ترى ؟ وكيف نجح في مهمته؟
ولد توماس إدوارد لورنس في 16 سبتمبر 1888م في مقاطعة ويلز بإنكلترا، والده أيرلندي الأصل هجر زوجته لسوء طباعها، وأقام مع مربية أولاده سارة التي عاشرها معاشرة الزوجات فأنجب منها خمسة أولاد ذكور منهم توماس لورنس ، وهكذا فإن لورنس ” ابن غير شرعي ” في أيام كانت فيها الولادة غير الشرعية مدعاة للخجل والعار ” في بريطانيا “.
درس في مدارس مقاطعة أكسفورد وتخرج من جامعتها في تخصص علم الآثار، وقد كانت أول رحلة له إلى بلاد الشام عام 1909م لدراسة القلاع والحصون الصليبية في المنطقة، ثم توجه ‘لى بلاد الرافدين ثم إلى مصر في الوقت الذي كانت فيه الحرب العالمية الأولى على وشك الوقوع، فالجيش البريطاني المحتل لمصر منذ عام 1882م تفصله عن بلاد الشام صحراء سيناء في حين كانت بلاد الشام تحت كنف الخلافة العثمانية، وهنا أوفدت القيادة البريطانية علماء آثار للتجوال في المنطقة الفاصلة بين القوتين البريطانية والعثمانية لرسم الخرائط ومعرفة الطرق وكشف مصادرة المياه والهضاب والمرتفعات الجبلية والموانع الطبيعية . بدأت الحرب العالمية الأولى فعين لورانس برتبة ضابط احتياط في فرع الخرائط لدى القيادة العامة للقوات البريطانية ” المحتلة للقاهرة في حينه” وبعد ذلك التحق بمقر المخابرات البريطانية في القاهرة، ثم نقل نشاطه إلى منظمة سرية أنشئت في القاهرة تحت اسم مستعار لتغطية نشاطها باسم ” المكتب العربي” وهذا المكتب عبارة عن فرع من فروع المخابرات البريطانية، وكانت مهمة المكتب هي : جمع المعلومات عن البلاد العربية، وتحديد قوة القبائل ، والتعرف على وجهات نظر زعماء هذه القبائل وميولهم السياسية وما يجول بخاطرهم من أفكار مستقبلية ، والتعرف على العرب الناقمين على دولة الخلافة.
لقد استغلت بريطانيا سذاجة وحمق الشريف حسين وأولاده وعدم وجود وعي سياسي لدى الأمة ، فقامت بنشر الأفكار الوطنية والقومية، فجعلت التركي يتغنى بطورانيته والعربي يفتخر بعروبته، واستطاع لورانس أن يقنع العرب بالثورة على العثمانيين والتحالف مع بريطانيا، مقابل التعهد لهم بإقامة دولة عربية واحدة مستقلة، تمتد من البحر الأحمر حتى الخليج العربي، وتشمل الجزيرة العربية بأسرها بما فيها الساحل السوري الذي يضم سوريا ولبنان وفلسطين.
وقام لورانس في حينه بتسليم شريف مكة حسين بن علي رسائل موقعة من مكماهون المندوب السامي البريطاني في مصر، وهذه الرسائل تتعهد باسم الحكومة البريطانية بتنفيذ الوعود المقدمة للعرب بإنشاء دولة عربية قومية، وسميت هذه الرسائل ب” مذكرات مكماهون” كما أصدرت السلطات البريطانية ما يثبت للقبائل العربية أنها سوف تنفذ ما تعهد به لورنس باسمها.
وهكذا بدأ لورنس عمله في المنطقة العربية كضابط ارتباط، كان غرضه الأساسي الوقوف مع القوات العربية المحاربة تمهيدا لتزويدها بحاجاتها من المؤن والسلاح، إلا أنه سرعان ما أنيطت به مهما أكبر وأخطر..فنظرا لإجادته العربية واكتسابه لحب العرب من خلال معايشتهم لفترات طويلة، أوكلت إليه مهام في تدريب العرب على استخدام المتفجرات ونسف الجسور الحديدية والقطارات المعادية، وقد وصف لورنس في مذكراته ” أعمدة الحكمة السبعة ” زهوه وشعوره بالفرح الذي خالجه وهو يلمس بيده سكة حديد الحجاز عندما رأى قضبانها تتعطل بفعل المتفجرات، فقد تعطل هذا الخط إلى الأبد وحرم العالم الإسلامي من التواصل والترابط والوحدة منذ ذلك الوقت إلى الآن، فقد أغضب قيام هذا الخط القوى الاستعمارية الحاقدة لأنه كان يعتبر من أعظم إنجازات الدولة العثمانية في طريق وحدة العالم الإسلامي؛ لهذا ما إن نشبت الحرب العالمية الأولى حتى كان هذا الخط هدفا للتخريب والتدمير، ليس فقط أثناء المعارك بل ولضمان عدم إصلاحه وإعادته للعمل مستقبلا . وبالرغم من أن الجيش العثماني دافع عنه بعنف واستماتة لكنه دمر .
ثم أسندت إلى لورنس مهمة تنظيم قوات الأمير فيصل بن الحسين، فشارك في الحملة المتجهة من الحجاز نحو بلاد الشام، كما شارك ببعض المعارك التي خاضها العرب بالتنسيق مع الجنرال اللنبي (Allenby) قائد قوات الحلفاء في فلسطين، ولكن ما إن انتهت الحرب العالمية الأولى حتى تنكرت بريطانيا لوعودها هذه ، وجزأت البلاد الإسلامية كما هو معروف ، وذهبت وعود ” لورانس” أدراج الرياح.
فهو كعميل وجاسوس للمخابرات البريطانية كان يمقت ويكره العرب، ولم يحاول توحيد قبائلهم المشتتة عندما كان الأمر بيده بهدف تكوين دولة عربية موحدة، بل كان على النقيض من ذلك تماما، كان يسعى لتفتيت العالم الإسلامي وتجزئته لأن مصلحة بريطانيا تحتم ذلك، وعلاوة على ذلك لم يكن يساعد قضية حرية العرب واستقلالهم كما ادعى وزعم حين عودته إلى لندن، بل كان يبذل كل جهده لضم البلاد العربية إلى الأمبراطورية البريطانية، وأنه وعد العرب بالحرية والاستقلال ” بناء لتعليمان المخابرات البريطانية” كما وعدهم بتشكيل دولة عربية واحدة؛ لأنه كان يعلم طيلة الوقت أن حكومته لن تسمح للعرب بالاستقلال والحرية على الإطلاق لكي تستمر باستعمار هذه البلاد ونهب خيراتها، فقد تم الإفراج عن بعض الوثائق السرية التي تؤيد هذا القول بعد مرور ثلاثين عاما لتقادمها كما هو معمول به في المخابرات البريطانية.
وجاء في تقرير سري أرسله لورنس إلى المخابرات البريطانية عام 1916م قوله : ” إننا كبريطانيين ، إذا تصرفنا مع العرب كما يجب، فإننا سنتمكن من تفتيتهم وتجزئتهم إلى إمارات صغيرة شبيهة بالموزاييك السياسي، تغار من بعضها، وتحارب بعضها، وتبقى عاجزة عن التكاتف والوحدة”.
توفي في 19 مايو/ أيار 1935م في حادث دراجته النارية في طريق بيلينتون – دورست، عن عمر يناهز السادسة والأربعين سنة.
نعم ، لقد نجح الغرب الكافر بمعاونة أبناء المسلمين ذوي القلوب الضعيفة الذليلة من إسقاط دولة المسلمين، وبالتالي إبعاد الإسلام عن حياتهم ، ولكن هيهات هيهات، فالغرب نفسه اليوم يستعد لمواجهة دولة الخلافة الراشدة القائمة قريبا بإذن الله ، فتراه يحذر منها تارة، ويقيم القواعد تارة أخرى، ويقوم بحروب استباقية لعله يمنع قيامها. فهو قد أيقن أن المسلمين حفظوا الدرس، وأنهم أقرب ما يكون لإعادة الحكم بما أنزل الله واستعادة عزهم المفقود، بإقامتهم دولة الخلافة وتنصيب خليفة يرعاهم ويذود عنهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به” رواه مسلم.
2007-09-21