الخلافة الراشدة هي الأمل المنشود
2007/09/21م
المقالات
2,722 زيارة
الخلافة الراشدة هي الأمل المنشود
بشر الرسول صلى الله عليه وسلم بوجود الخلافة الراشدة مرتين في حياة المسلمين . مرة بعده مباشرة ، وقد كانت ؟ ومرة ثانية يقيمها المسلمون في آخر عصورهم في الأرض ، وهي لا محالة آتية.
ولما كانت الخلافة الراشدة الثانية التي بشر الرسول العظيم بظهورها هذه الأيام في رحم الغيب؛ فإن الكشف عن زمان ومكان مولدها ، وطبيعة وظروف ظهورها للنور، سيكون من خلال النصوص الشرعية التي ألقت الضوء على جميع عناصر وجودها.
وليس للعقل من مجال بهذا الصدد سوى التدقيق في تلك النصوص للربط بين مدلولاتها ، بغية ترسم ملامح ذلك المولود الفذ، وشحن طاقات الأمة الإسلامية، وحفز همم أبنائها لتهيئة الأوضاع الملائمة لاستقباله الاستقبال اللائق به، والالتفاف حوله ليأخذ طريقة الإنشائي الارتقائي في دنيا الناس.
واليكم هذه الحزمة الباهرة من النصوص الشرعية الإجمالية والتفصيلية:
فقد روى الإمام مسلم عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما، ما ترك شيئا يكون في مقامه إلى قيام الساعة إلا حدث به. حفظه من حفظه ، ونسية من نسيه، فقد علمه أصحابي هؤلاء، وإنه ليكون منه الشيء قد نسيته فأراه فأذكره ، كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه، ثم إذا رآه عرفه.
وروى الإمام مسلم كذلك عن عمر بين الخطاب رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر . وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل فصلى ،ثم صعد المنبر فخطب حتى حضرت العصر ، ثم نزل فصلى ، ثم نزل فصلى، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس. فأخبرنا بما كان وبما هو كائن ، فأعلمنا أحفظنا.
وقد قسم الرسول صلى الله عليه وسلم العصور الإسلامية إلى خمسة أعصر. ختمها بالخلافة الراشدة. فقد جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد في مسنده، وصححه الحافظ العراقي عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” تكون النبوة ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ، ثم تكون ملكا عاضا ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ، ثم تكون ملكا جبريا فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت”.
وقد أفرد الشسخ أبو الأعلى المودودي في أحد كتبه فصلا كاملا تحت عنوان ” المجدد الكامل” واعتمد على هذا الحديث في ترسمه ، فجاء فيه أن الخلافة الراشدة الأولى كانت راشدة كما وصفها النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن كل خليفة فيها أخذ البيعة على العمل بكتا بالله تعالى وسنة رسوله بالطريقة الإسلامية، أي من خلال بيعتين: الأولى : بيعة الأنعقاد من أهل الحل والعقد، والثانية : بيعة الرضا من باقي المسلمين، وأن العصر الثالث، وهو عصر الملك العاض الذي ابتدأ من معاوية بن أبي سفيان حتى السلطان عبد المجيد، أي إلى سنة 1924م. قد سمي ملكا عاضا – رغم كونه حكما إسلاميا قائما على العمل بكتاب الله وسنة رسوله – لأن طريقة أخذ الحكم لم تتم من خلال البيعتين المذكورتين . وأن العصر الرابع وهو الملك الجبري وهو العصر المعاش الآن قد سمي جبريا : لأن أخذ الحكم فيه قد تم عن طريق الثورات والانقلابات العسكرية التي لم يؤخذ فيها بيعة مطلقا. وقد أبعد الإسلام فيها عن الحكم على يد ” أتاتورك” الذي أزال الخلافة من الوجود.
ونحن اليوم على أعتاب خلافة راشدة على منهاج النبوة إن شاء الله تعالى . ومعنى أنها على منهاج النبوة أنها تترسم هدي النبوة في أفكارها وأحكامها وجميع شؤون حياتها. فتعود بذلك إلى أصول التشريع القطعية. الثابة بالأدلة القطعية، وهي : الكتاب، والسنة، وإجماع الصحابة، والقياس المعلل بعلة شرعية فقط، وتذر ما عداها من المصادر التي اختلف العلماء في اعتبارها كإجماع الأمة، وإجماع أهل المدينة، ومذهب الصحابي، والاستحسان، والمصالح المرسلة… وإنها بعودتها إلى منابع الوحي القطعية تكون خلافة راشدة وسائرة على منهاج النبوة، وهذا أمر ممكن للراسخين في ا لعلم، وليس أمرا مقصورا على المهدي المنتظر الذي يحاول بعض الباحثين تخصيص الخلافة الراشدة به؛ لأن مسألة التأسي بمنهاج النبوة مسألة عامة ، وهي تكليف شرعي داخل في حدود الطاقة البشرية، وليست مسألة خاصة بواحدة من المسلمين فلا تجوز أو تصح إلا منه.
وختام الحديث الصحيح المذكور ” ثم سكت” لا يدل على ارتباطها بأحد بعينه . ويشير إلى أن دولة الخلافة سوف تمضي في وجودها إلى ما بعد نزول عيسى عليه السلام، وعلى وجه التحديد إلى زمان الريح الطيبة ، فقد جاء في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ” إن الله تعالى يبعث ريحا من اليمن ألين من الحرير، فلا تدع أحدا في قلبه مثقال حبة من إيمان إلا قبضته”.
والمهدي وأن كثرت الأحاديث التي تذكره، فهي في عمومها تتحدث عن اسمه ونسبه وصفات خلقته وعمره ومدة حكمه والخير والعدل الذي يكون في زمانه… ولم أجد حديثا يربط اسمه بأي حدث أو مكان سوى حديث رواه عبد الله بن الحرث بن جزء الزبيدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” يخرج ناس من المشرق فيوطئون للمهدي يعني سلطانه”.
والموطئون للمهدي سلطانه اولى بالعناية الآن منه : لأنهم بالنسة إليه الأساس الذي يستند إليه، والقوة التي بها يجول في الأرض ويصول : فلا بد أن تكون الأمة مهيأة مسبقا؛ لكي يتمكن المهدي عند ظهوره من العمل من خلالها، فهو لن يعمل وحده.
وأمام الموطئين أعمال عظيمة في الأمة لا بد من إنجازها، إذ لا يتصور أن تنهض الأمة من كبوتها الراهنة وسط عالم يسخر جميع قواه لإماتتها، دونما إرادة تحرير جبارة تسري في أوصالها، إرادة تنبع من عقيدتها السماوية المتينة، وتستمد عناصر نموها وقوتها النفوس بمعالي الأمور، وتعتاد السير في دروب التحدي والتغيير.
وقد ورد في كتاب تاريخ الخلفاء للسيوطي ، أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد أخبر أن الخلفاء الراشدين في الأمة اثنا عشر خليفة. ولم يمض لليوم منهم على الوجه الراشد سوى خمسة. وبذلك يظهر أن الأمة سوف تسعد بسبعة خلفاء راشدين يحملون مشاعل الهداية للبشرية، فيما تستقبل من حياتها القادمة، وأن المهدي سيكون هو السابع فيهم. ولن يبلغ حكمه في رواية صحيحة للطبراني أكثر من تسع سنين.
وبناء على ما تقدم . فإني أرى أن تتوجه همم الباحثين إلى استنهاض الأمة لاستئناف حياتها الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة، مهما اعترضت طريقها من مخاطر ، وكيفما تصدت لها مؤسسات الإرهاب التي عممتها أميركا على جميع دول الأرض… ليدرك أبناء الأمة إدراكا تاما أن مسؤولية إقامتها هي قدر هذا الجيل من المسلمين ، وأنها فوق كونها فرضا مطلوبا من كل واحد منهم، هي فرصتهم الأوفر حظا لنوال رضوان الله تعالى ، وهي مسعاهم المكلل بالظفر والعزة.
فقد روى ابن ماجه عن أنس وأبي هريرة رضي الله عنهما ، وثبت في الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إن الإسلام بدأ غريبا . وسيعود غريبا كما بدأ. فطوبى للغرباء.” قيل : وما الغرباء؟ قال : ” النزاع من القبائل “. وفي رواية ” الذين يصلحون إذا فسد الناس” وفي رواية ثالثة: ” الذين يصلحون ما أفسد الناس”.
وفي هذا الحديث دلالة واضحة على أن غربة العصر الجبري الذي نعيش فيه ستزول على أيدي طائفة مخصوصة أو تكتل من المسلمين يجمع ” النزاع من القبائل” في بوتقة واحدة، وعلى أساس واحد، لتحقيق هدف واحد. فهو لم يجمعهم لمآرب دنيوية أو منافع خاصة ، بل جمعهم على أساس الحب لله، والعمل المشترك لخدمة دين الله.
والغربة الثانية للإسلام لم يتمكن الكافر المستعمر من توطين أركانها في بلاد الإسلام إلا بمجهودات ضخمة وأزمنة مديدة. وقد أوجدت في الأمة الجهادية : الوهن والجهل والهرج والفحش والتفحش والعقوق والخنا والخيانة والكذب والخداع ….!! ما يؤكد أن الأمة اليوم بحاجة ماسة إلى عملية تنقية فكرية ونفسية من جديد. حتى تتطهر أجواؤها مما اعتراها من تلوث، ويزال من عقولها ونفوسها ما أصابها من علل، وتعود إليها عافيتها بالاغتذاء بنفس المفاهيم التي اغتذى بها أصحاب الخلافة الراشدة الأولى، ويتولى زمامها أرتال من الغرباء ، تبدأ بغرس المفاهيم الإسلامية في مختلف جوانب حياتها، ونشر الوعي السياسي في شتى مستوياتها.
ثم تخوض الصراع الفكري في جميع الاتجاهات الفكرية السائدة في المجتمع ، والكفاح السياسي لكل من يقف في طريق وجودها السياسي الفاعل في الحياة حتى يوجد في الأمة الوعي العام، ومن ثم الرأي العام الذي يستند إلى الأساس نفسه، ويخدم الهدف نفسه.
وقد ذكرت النصوص الشرعية أكثر مما ذكرنا من العلل، وأرشدت إلى جميع المهمات الواجب على مسلمي اليوم الاضطلاع بها بجدارة واقتدار. فقد روى الإمام عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” سيكون في آخر أمتي أناس يحدثونكم ما لم تسمعوا أنتم ولا أباؤكم ، فإياكم وإياهم”.
والزمن الذي يوجد فيه هؤلاء المنسلخون عن الأمة هو بالقطع العصر الجبري، والمفاهيم الغربية عن أسماع المسلمين هي بالقطع مفاهيم الوطنية الوقومية والعلمانية والديمقراطية .. التي زرعها الكافر المستعمر في بلاد الإسلام قبل إعلانات الجلاء الزائف . والمهمة التي يطلبها الحديث الشريف منا تجاهه هي تحييز الأمة عن السلطة الغاشمة بغية اقتلاعها بما ترعاه من مفاهيم، وقطع جسور الوفاق التي قد تمدها تزلفا ونفاقا، وضرب شخصياتها السياسية المهيمنة على رقاب الناس، وضرب المفاهيم الغربية التي أحلوها مكان المفاهيم الإسلامية، وفضح مخططاتهم ضد الأمة ، وكشف ألاعيبهم وارتباطاتهم مع أعداء الأمة . وهذا هو مدلول قوله عليه الصلاة والسلام : ” فإياكم وإياهم”.
وقد أكد الرسول عليه الصلاة والسلام على استنهاض المسلمين لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة ، يذكر طرف من مظاهر الشر التي تحل بهم إن قصروا في القيام بمهماتهم إزاء هذا الواجب العظيم.
فقد روى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لثوبان: ” كيف أنت يا ثوبان إذا تداعت عليكم الأمم كتداعيهم إلى قصيعة الطعام يصيبون منه؟! . ” قال ثوبان: بأبي أنت وأمي يا رسول الله أمن قلة منا؟! قال : ” لا . بل أنتم يومئذ كثير، ولكن يلقى في قلوبكم الوهن” قالوا : وما الوهن يا رسول الله ؟ . قال: ” حبكم الدنيا وكراهيتكم القتال”.
فمظهر الشر هنا يتمثل بتداعي الأمم علينا وهو ماثل أمام أعيننا، وليس بعد العين أين ، رغم كثرة أعدادنا . وعلة التداعي من قبلنا ، وهو الوهن، ظاهر في التعلق بماديات الحياة والركون إلى الدعة والاستسلام . وسبيل الخلاص من هذه العلة هو التكتل على أساس الإسلام لانتزاع الوهن من النفوس، والتعلق بمعالي الأمور كحب الله ورسوله والقتال في سبيله.
وروى الإمام أ؛مد كذلك عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ويل للعرب من شر قد أقترب : فتن كالليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، ويبيع قوم دينهم بعرض من الدنيا قليل، المتمسك يومئذ بدينه كالقابض على الجمر”.
ومظهر الشر هنا، يتمثل بالفتن التي تدهم حياة المسلمين كالليل المظلم بحيث تصبح مفاهيم الإسلام في مهب الريح كبلادهم؛ حتى يفقد المسلم إيمانه في سرحة نهار ، ويبيع دينه بدينار ويصبح التمسك بالإسلام كالقبض على الجمار، وسبيل الخلاص من هذه الفتن ،هو ملازمة الجماعة، فالمؤمن قوي بإخوانه، والتمسك بمفاهيم الإسلام وحدها، والنهوض لدفع تلك الفتن مع التحلي بالصبر على مشاق ذلك.
وروى الإمام أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إن أمام الدجال سنين خداعة ؛ يصدف فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق، ويخون فيها الأمين، ويؤتمن فيها الخائن، ويتكلم فيها الرويبضة ” قيل : وما الرويبضة ؟ قال : الفويسق يتكلم في أمر العامة “.
ومظهر الشر هنا ، يتمثل في انقلاب موازين الحياة ، واختلال سلم القيم ، ومنه إسناد الأمر إلى غير أهله. وسبيل الخلاص منه هو العمل من خلال جماعة المسلمين على تغيير الأوضاع التي أوجدتها الرويبضات في حياتنا تغييرا جذريا شاملا على أساس الإسلام.
هذا غيض من فيض من النصوص الشرعية الكاشفة المحذرة الملهمة الواعدة والتي توجب على الأمة اليوم أن تقف وقفة واحدة إزاء ما تعج به حياتها الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية… من ضلال وفساد . فتلتف حول الطائفة المنصورة ، فتردف مسيرتها ، جاعلة الخلافة الراشدة لها هدفا منشودا ، تتمحور عليه جميع تطلعاتها وأعمالها في الحياة.
والغريب العجيب، ان ينهض اليهود والنصارى لتحقيق آمالهم رغم عقمها وسقمها. فاليهود يرون أن المسيخ الدجال هو المخلص أو الملك العبقري الذي سوف يقودهم لزعامة العالم، وهم يؤقتون لذلك بجيل بعد قيام دولة إسرائيل . ولذلك جاؤوا إلى فلسطين، وهم يبذلون قصارى جهدهم لانتزاعها من بين أيدي المسلمين بدعاوى متهافتة وصلف مقزز، ويجتهدون في تعميق الحفائر حول المسجد الأقصى، حتى يقيموا على زعمهم هيكل سليمان، الذي سيقدم فيه مسيخهم ذبيحة المحرقة قربانا لله. وبعد قبوله ينطلقون معه.
والنصارى يقولون: ” إن العلامات التي ذكرها –الرب- في الإنجيل ” يقصدون عيسى عليه السلام ، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا” نزاها واضحة هذه الأيام ، الأمر الذي يدعونا أن نكون في حالة استعداد قصوى لاستقبال – الرب – الآتي على سحب السماء ” . القمص مينا جرجس، في كتابه ( علامات مجيء الرب).
وهذا نيكسون أحد رؤساء أميركا السابقين يقول في كتابه ( 1999 نصر بلا حرب ) : ” إنه في عام 1999 نكون قد حققنا السيادة الكاملة على العالم ، وبعد ذلك يبقى ما بقي على المسيح”.
والأغرب والأعجب من ذلك . أن ترى علماء الأمة – الرسميين – لا يزالون يغضون الطرف عن انتهاج طريقة الخلافة الراشدة، ويوغلون في الحديث عن أشراط الساعة، وعمر الأمة الإسلامية، ومواصفات المهدي ، وأهوال يوم القيامة … وكأن الأهوال التي تجتاج المسلمين اليوم أمر لا يعنيهم ! يحسبون للأمة كم مضى من عمرها، وكم بقي ، ويختلفون في أشراط الساعة ، هذه حدثت ، وتلك لم تحدث ، وهذه سوف تحدث بعد تلك…. وحادثات الليالي التي تقض المضاجع وتهز العقول وتدمي القلوب لا يفكرون في كيفية دفعها، أو إقصاء شرها، فضلا عن استثمارها وتجييرها لصالح الإسلام، وكأنهم لم يقرؤوا التوجيه النبوي لذلك الأعرابي الذي جاء يسأل النبي عليه الصلاة والسلام عن موعد الساعة، حينما قال له : ” إنها كائنة ، فماذا أعددت لها؟”.وتراهم ينتحلون الأعذار الواهية : لتكريس تقاعسهم ، وتبرير ركونهم المشين، وكأنهم لم يقرؤوا قول الله تعالى: ” ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون) هود 113. تراهم ينتحلون الأعذار الواهية وهم يعلمون يقينا أن إقامة الخلافة الراشدة واجب شرعي ، قد أعد الله تعالي للمتلبسين به أعظم الأجر، وتوعد المتقاعسين عنه أشد العقاب ، وأن الإسلام قد رسم طريق إقامتها عمليا بالسيرة النبوية،ونظريا بالآيات والأحاديث البينة، وأنه قد بشر بعودتها وظهورها على جيمع أمم الأرض وأديانها بأكثر من آية أو حديث. وإليكم طرفا من ذلك:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
” ألا إن رحى الإسلام دائرة، فدوروا مع الإسلام حيث دار . ألا إن الإسلام والسلطان سيفترقان، فلا تفارقوا الكتاب. ألا وإنه سيولى عليكم أمراء ضالون مضلون، إن أطعتموهم أضلوكم، وإن عصيتموهم قاتلوكم. قالوا : وماذا نفعل يا رسول الله ؟ قال : كما فعل قوم عيسى ابن مريم؛ نشروا بالمناشير، وحملوا على الخشب. والذي نفس محمد بيده ، لموته في طاعة الله خير من حياة في معصيته”.
فالرسول العظيم بهذا الحديث يحدد لنا الاختيار الواجب حينما تدور رحى الإسلام،ألا وهو الاستمساك بمفاهيم الإسلام وحدها. ويقسم المعصوم بالله العظيم أن الإجراء المفروض على كل مسلم حينما يفترق الإسلام عن السلطان هو الاستماتة في دفع القوى التي تحول دون تلاحمهما ، أي اتخاذ إجراء الحياة أو الموت دون سواه.
والمسلمون في هذا الزمان عموما ، يقفون بهذا الحديث على المحك، بين العزة والذلة ، بين الجنة والنار. وأحسب أن إسلامهم الذي يدينون به يحتم عليهم ولوج طريق العزة والجنة ، طريق الصراع الفكري والكفاح السياسي مع قوى البغي مهما كلفت من تضحيات. فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول: ” من خان أدلج ، ومن أدلج بلغ المنزل. ألا إن سلعة الله غالية ، ألا إن سلعة الله الجنة”.
والحمد لله أن سلوك هذا الطريق المظفر رغم شدة وعورته ليس طويلا. وزمانه كما جاء في حديث سابق سنون خداعة وليس قرونا . وبعون الله نجتازها سريعا، ونعز ديننا، ونقهر عدونا. فقد روى الإمام أحمد عن أبي إمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين ، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء –شدة- حتى يأتي أمر الله – نصره- وهم كذلك ” قالوا : يا رسول الله وأين هم ؟ . قال: ” ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس”.
وإذا كان هذا الحديث يذكر الطائفة المنصورة بإيجاز فإليك حديثا مفصلا فيها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” يأتي يوم القيامة أقوام يكون إيمانهم عجبا، يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم، يقال : بشراكم اليوم سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين. فقال الصحابة : أومنا يا رسول الله ؟ قال: لا بل أنتم أصحابي ، وهم أحبابي. هؤلاء يأتون بعدكم ؛ فيجدون كتابا عطله الناس وسنة أماتوها، فيقبلون على الكتاب والسنة يقرؤونها ، ويتعلمونها ، ويعلمونها الناس، ويلاقون في سبيلها من العذاب أشد وأعنف مما لاقيتم. إن إيمان أحدهم بخمسين منكم ، وإن شهيد أحدهم بخمسين من شهدائكم ، قالوا : أومنا يا رسول الله؟! قال : نعم منكم؛ فإنتم تجدون على الحق أعوانا وهم لا يجدون على الحق أعوانا، وهم في أكناف بيت المقدس ، فيحاطون من الظالمين من كل مكان، وهم في هذا الظرف يأتي نصر الله ، وستكون عزة الإسلام على أيديهم، ثم قال اللهم انصرهم واجعلهم رفقائي على الحوض” ولهدا الحديث أكثر من شاهد. فالحديث الشريف حدد زمان نهوض الطائفة المنصورة لإقامة الخلافة الراشدة. وهو بعيد تعطيل الكتاب بقليل. لقوله ” فيجدون ” فالفاء تفيد الترتيب والتعقيب السريع. فالكتاب لم يعطل في زمانهم، بل جاؤوا وورثوا كتابا معطلا، فتوجهوا للقيام بواجبهم نحوه، وذلك بالعكوف على الكتاب والسنة وما أرشدا إليه : بالقراءة الدقيقة، والفهم الرشيد، حتى هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة ، وباشروا روح اليقين. وحددوا بعد ذلك هدفهم وخطوات سيرهم ، وأصبحوا إسلاما يتحرك في كافة اتجاهات الحياة اللازمة لإنجاز مهمتهم وتحقيق هدفهم.
وحدد ميدان عملهم، فجعله في الأمة ، فالمهمة مهمتها، والإسلام إسلامها، والسلطان سلطانها؛ لذلك تراهم يودعون دعوتهم في عقول نظراتهم، ويزرعون أفكارهم في نفوس أشباههم. ويبنون بذلك جسما للدعوة قويا متناميا قادرا على ضخ الشخصيات الإسلامية اللازمة لنشر الأفكار وخوض النضال في معترك الحياة مع الطواغيت وأبواقهم باستمرار. ولتنزيل الأحكام الشرعية على وقائع الحياة لرفع الوهن من نفوس الأمة وإعادة ثقتها بإسلامها من جديد. ولسان حالهم ومقالهم دعوة صريحة سافرة مستنيرة لإيجاد الوعي العام في الأمة على الإسلام، وما يجب أن تكون عليه أمة الإسلام، ومن ثم الرأي العام الذي يمكن لدعوتهم في الحياة.
وحدد ملامح هذه الطائفة المنصورة بجملة من المحددات الخاصة . بحيث تميزهم الأمة عن غيرهم من الدعوات؛ حتى لا تبدد مجهوداتها وتبعثر طاقاتها. فالأمة في ظرف عصيب ، ومرحلة انقالية خطيرة، تحتاج منها مسيرة واحدة، على طريق واحد ، نحو هدف واحد، تستند إلى أساس عقائدي واحد، وتتبنى أفكارا وأحكاما واحدة، تحقق إقامة الخلافة الراشدة يقينا. ومن هذه المحددات فوق ما استوحيناه من هذا الحديث الشريف وغيره:
ذلك العذاب الذي ينزل بهم ويفوق في شدته ما لحق بالصحابة الكرام من عذاب، مع عدم وجود عون لهم في أي دولة من دول العالم. فدعوتهم محظورة في كل مكان، وهم صيد ثمين في كل زمان.
وحدد موقفهم الشامخ أمام الصعوبات التي تعترض طريقهم من القوى المناوئة لهم فهم رغم كون الصعوبات آتية من جميع القوى المحلية والعالمية ، وتحيط بهم من كل جانب، ويمارس معهم كافة وسائل القمع والبطش قد ثبتوا على الطريق، بل إنهم قد استلاذوا بما يحملون في صدورهم من إيمان ما استوعره المترفون، وانسوا بما يحملون في عقولهم من وعي ما استوحش منه الجاهلون، وصحبوا الناس بأجسام أرواحها معلقة بجلال الله. حتى حازوا أعلى الدرجات ، واستحقوا الوعد بالنصرالمبين.
وحدد مكانهم بأنه في أكناف بيت المقدس ولم يقل ببيت المقدس ، وإن كان بيت المقدس هو مركز الأكناف فالنصر الموعودون به ستحقق لهم في الأكناف؛ لأن بيت المقدس الآن تحت حكم يهود. ولا يتأتى قيام دولة الإسلام داخل دولة يهود، بل لا بد أن يكون خارجها. ومن ثم تتجه لتحرير بيت المقدس من دنسهم ، وقد أكد الرسول عليه الصلاة والسلام بما لا يدع مجالا للشك بأن النصر آت لهم القدس تحت يهود بقوله : ” وهم في هذا الظرف يأتي نصر الله”.
وحدد طبيعة النصر بأنه نصر إسلامي عظيم فهو ليس نصرا جزئيا أو مرحليا أو عرقيا أو إقليميا وهم النزاع من قبائل كافة الأكناف ومن غيرها ، بل هو نصر للإسلام والمسلمين جميعا. لقوله عليه الصلاة والسلام: ” ثم تكون عزة الإسلام على أيديهم” فالنصر للإسلام الذي علىهديه ناضلوا، وللأمة الإسلامية التي بمجهوداتها استحقوا نصر الله العظيم.
وحدد زمان النصر . بأنه على أيدي القوم أنفسهم الذين يجدون كتابا عطله الناس ، فهم هم من نهضوا بالمهمة ، وهم هم من يحظون بالنصر ، وهم هم من تكون عزة الإسلام على أيديهم وبذلك تجمع دولة الخلافة الراشدة الثانية والاخيرة المسلمين حولها تحت راية الإسلام، وتحرر بيت المقدس، وتكون نواة دولة عالمية عظمى تأخذ على عاتقها مهمة تحرير العالم من جراثيم الفكر التي أفسدت عليه حياته، ومن قوى البغي التي تجثم على صدره … بدعوة رسولهم المستجابة : ” اللهم انصرهم واجعلهم رفقائي على الحوض”.
وتتوالى الانتصارات حتى يعم الاسلام الأرض . قال تعالى : ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) التوبة 33.
وروى الإمام أحمد عن تميم اداري رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزير أوبذل ذليل، عزا يعز الله دين الإسلام ، وذلا يذل به الكفر”.
يوسف – مصر
2007-09-21