المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الكويت:
ستة وثمانون عاما وأعناق المسلمين خالية من بيعة لخليفة
أجرت جريدة ” الشاهد” الأسبوعية الكويتية مقابلة مع عضوين من حزب التحرير في الكويت هما: أسامة الثويني وحسن الضاحي ” المكتب الإعلامي للحزب في الكويت”، وقد نشرت في أربعة أعداد متوالية، وكان آخرها العدد 153 الصادر في 21/7/2007م وللإفادة نقتطف منها ما يتعلق بمناسبة ذكرى هدم الخلافة.
-
تتحدثون عن قيادة الأمة وإقامة الخلافة.. فلنكن أكثر وضوحا وصراحة ، هل غاية حزب التحرير هي أخذ الحكم؟
-
حسن الضاحي: غاية الحزب استئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة، وإقامة الخلافة الراشدة هو إقامة دولة، ونحن نفرق ما بين إقامة االدولة وأخذ الحكم، فأخذ الحكم هوأن تكون حاكما بأي نظام، أما إقامة الدولة فهو إيجاد دولة متكاملة بأنظمتها ومؤسساتها ،وأن تكون هذه الأنظمة والمؤسسات قائمة على أساس مبدأ، وأن يكون هذا المبدأ هو مبدأ الأمة التي ستقام فيها الدولة؛ لذلك كانت غايتنا هي إقامة الإسلام بإقامة الخلافة الراشدة،وعملنا يكون في الأمة الإسلامية لأنها هي التي سنحقق معها هذه الغاية. فالموضوع ليس قفزا على الحكم، وإن كان إقامة الخلافة الراشدة تعني أن يكون الإسلام في الحكم ولو عرجنا سريعا على سيرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لوجدنا أن الحكم قد أعطي له ولم يقبله ، سواء من قريش الذين أرادوه أن يترك آلهتهم ، أم من بني عامر بن صعصعة الذين طلبوا منه السلطة من بعده، نجده رفض هذا الحكم لأنه عليه الصلاة والسلام كان واضحا أنه يعمل لإيجاد دولة متكاملة دون أي تنازل عن المبدأ.
-
كيف تقيمون امتداد حزب التحرير؟
-
أسامة الثويني: تستطيع أن تقيم امتداد الحزب من بياناته التي تأتي من كل أنحاء العالم ، وبمجرد زيارة لموقع الحزب الإلكتروني ستجد أن النشرات والبيانات تصدر من مناطق شتى في العالم، من مصر والمغرب وتونس والكويت والعراق والأردن ولبنان،هذا غير إندونيسيا وبنغلاديش وباكستان،إضافة إلى أستراليا والدانمارك، هذه أمثلة لا للحصر، بذلك نستطيع أن نقيم أن الحزب ممتد في شتى أنحاء العالم.
-
تحدثتم عن ذكرى سقوط الخلافة في حلقة سابقة من هذا الحوار ، كيف ترون المشهد الأخير من إلغاء الخلافة؟
-
حسن الضاحي: بداية أحب أن أثبت أن اليد الطولى في إلغاء الخلافة كانت للإنكليز، وهذا ظاهر لا يختلف عليه اثنان ، إلا أن هناك فصولا كثيرة مرت فيها الدولة العثمانية قبل إلغاء الخلافة ، والحديث في التاريخ يطول، إلا أن اللحظات الأخيرة قبل سقوط الخلافة كانت تقريبا قبل سنتين من إلغائها من 20 نوفمبر 1922م عندما افتتح مؤتمر لوزان وأعلن فيه ” كروزون” وزير خارجية بريطانيا أربعة شروط هي : إلغاء الخلافة إلغاء تاما، وطرد خليفة المسلمين خارج الحدود، ومصادرة أمواله، وإعلان العلمانية في تركيا. وقد أوكلت هذه المهمة إلى كمال أتاتورك لتنفيذ هذه الشروط . وبعد أخذ ورد وإيجاد أزمات سياسية مفتعلة، أعلن في 29 أكتوبر 1923 م تحويل تركيا إلى جمهورية ، وبدعم من الإنكليز بالسلاح والنفوذ قمعت كل المحاولات المعارضة . وفي 28 رجب 1342هـ الذي يوافق 3آذار 1924م، تمت موافقة المجلس الوطني على إلغاء الخلافة، وفصل الدين عن الدولة، وفي الليلة نفسها أرسلوا إلى آخر خلفاء ا لمسلمين عبد المجيد أمرا بمغادرة تركيا قبل طلوع فجر اليوم التالي، فقال ” كروزون” بعدها ” تركيا قد قضي عليها، ولن تقوم لها قائمة، لأننا قد قضينا على القوة المعنوية فيها : الخلافة والإسلام”.
هذه اللحظات الأخيرة التي ألغيت فيها خلافة المسلمين ، وقد أصدر أمير الحزب السابق الشيخ عبد القديم زلوم رحمه الله كتابا بعنوان ” كيف هدمت الخلافة” أحتوى على تفاصيل دقيقة لهذه المرحلة من عهد الخلافة
-
أفهم من تفسيرك أن الغاء الخلافة كان مؤامرة ، أليس هذا هروبا من تحمل المسؤولية؟ فإلى متى نجعل من نظرية المؤامرة شماعة تحجب عنا نقد الذات؟
-
حسن الضاحي: ليس تفسيري للأحداث ما يجعل الأمر مؤامرة ، بل الأحداث التاريخية هي التي تنطق بذلك، يكفي الوثائق البريطانية التي تخرج بين فترة وأخرى لتثبت تماما مخططاتهم ودسائسهم ضد الخلافة، مثل النعرات القومية والوطنية لهدم الخلافة العثمانية، وإليك كلمات لورانس العرب من مذكراته يقول:” لم يكن هناك بد من أن أدخل المؤامرة وأصبح أحد أعضائها، فأكدت للعرب ما بذل لهم من الوعود عن مكافأتهم على ما سيبذلون من عون” ويقول ” وقد غامرت بنفسي في هذه المؤامرة الغادرة: لأني كنت واثقا أن مساعدة العرب لأزمة ضرورية لإحراز ذلك النصر في الشرق رخيصا وسريعا…”
إلا أن هذا لا يعفي الأمة الإسلامية من مسؤوليتها عن سقوط الخلافة… فلو لم تجد أوروبا دولة متضعضعة أصلا من الداخل لما استطاعت أن تهدمها، وليست الدولة العثمانية هي فقط المسؤولة عما حدث، بل يتحمل المسلمون مسؤولية سقوط الخلافة نذ أن قبلوا بتوارث الحكم، فكان هذا المسمار الأول في نعش الخلافة. أضف إلى ذلك إهمال الآلية الحزبية في محاسبة الحكام، كانت المحاسبة من أفراد من الأمة ولم تكن من الأمة، مما سمح بإيجاد سوء في تطبيق الإسلام أدى الى ظهور الظلم والتسلط من قبل بعض الحكام ، ويضاف إلى ذلك ضعف اللغة العربية الذي أدى إلى تراكم المشكلات: فضعفت الثقة بالاسلام كمبدأ قادر على حل المشاكل المتجددة . كما أدى ظهور الثورة الصناعية في الغرب إلى انبهار المسلمين بالحضارة الغربية جهلا منهم بحقيقة هذه الحضارة.
-
ألا يعتبر سقوط نظام الخلافة مؤشرا على أن هذا النظام لا يصلح للعصر الحديث في ظل الأنظمة العصرية والتقدم التكنولوجي والعولمة؟
-
أسامة الثويني: أولا سقوط الخلافة ليس دليلا على عجز الإسلام، وإنما على ضعف المسلمين ، أما الخلافة فهي نظام الحكم في الإسلام شرعه الله سبحانه وتعالى للبشر، وقد أقام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الدولة الإسلامية في المدينة وهي تعتبر قرية في عرفنا اليوم، واستمرت هذه الدولة ونظام حكمها الخلافة حتى تحولت إلى الدولة الأولى في العالم، وشملت ثلاثة أرباع العالم القديم، وقد صلح هذا النظام ” الخلافة” خلال أكثر من 12 قرنا من الزمان، تغيرت خلاله وسائل عيش الإنسان وتطورت بشكل ملحوظ، ونحن اليوم لا نبحث أن النظام الأميركي أو الفرنيس أو البريطاني عمره أكثر من ثلاثة قرون، بل البحث هل يصلح هذا النظام للبشر أم لا ؟ ونظام الخلافة لم يسقط بسبب تغير وسائل العيش والتكنولوجيا، بل سقط كما أشار أخي حسن بسبب ضعف المسلمين وتدخل الدول الغربية والتآمر لإسقاط الخلافة ؛ لذلك فسقوط الخلافة ليس مؤشرا أبدا لعدم صلاحيته، كيف وقد شرعه خالق البشر ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) الملك 14.
-
ولكن مر على الأمة عصور ظلم وفساد في عهد الخلافة ، ما تعليقكم؟
-
أسامة الثويني: نعم صحيح، مر على المسلمين ظلم وفساد في بعض عصور الخلافة، ولكن هذا ليس قصورا في النصوص الشرعية حاشا وكلا، وإنما هو قصور في المسلمين، وهذا ما نطلق عليه إساءة في تطبيق الإسلام وليس عدم تطبيقه. إلا أنه أمر جدير للتوقف عنده، لدارسته والاستفادة منه، وقد وقف الحزب على التجربة التاريخية لدولة الخلافة، وفعلا خرج بنتائج مستفادة من تجربة الأولين، فعلى سبيل المثال في دستور دولة الخلافة الذي أعده الحزب نص في أحد مواده على ألا تطول مدة تولي الوالي على الولاية، وينبغي أن يعفى من الولاية لكي لا يظهر تركزه في البلد ولا يفتن الناس به. ومثال آخر تبنى الحزب في دستور دولة الخلافة أن الخليفة لا يتبنى في أفكار العقائد لكي لا تظهر مشكلة كمشكلة خلق القرآن التي عانت منها الأمة الإسلامية.
-
إذن هي ليست دولة إلهية أوتوقراطية؟
-
أسامة الثويني : قطعا لا ، الخلافة دولة بشرية يحكمها بشر، ويتحاكم إليها بشر خطاؤون ، فهم ليسوا ملائكة، فالخليفة بشر ينصب من قبل بشر عن طريق انتخاب المسلمين له ولا ينصب الخليفة بنص شرعي، والخليفة يطبق الأحكام الشرعية في الدولة بصفته بشر ، صحيح أن السيادة في دولة الخلافة لشرع الله، ولكن من يطبق شرع الله بشر يخطيء ويصيب؛ ولذلك شرع الإسلام المحاسبة للخليفة، وشرع طريقة لعزل الخليفة إن طبق غير الإسلام أو انحرف عنه، وسيرة الصحابة الكرام زاخرة بما يدل على بشرية دولة الخلافة، فخليفة المسلمين أبو بكر رضي الله عنه يقول: ” وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، أطيعوني ما أطعت الله، فإذا عصيته فلا طاعة لي عليكم” وأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه يقول: ” أصابت امرأة واخطأ عمر”.
-
ما أثر الغاء الخلافة على المسلمين؟ وهل هي كما قال البعض إنها نصر للعرب وسبب لازدهار حركة التنوير؟
-
أسامة الثويني: إن كل ما يجري من مآس على المسلمين سببه زوال الخلافة، ولكن الخص أثر الغاء الخلافة في بعض النقاط : إزالة الأحكام الشرعية من الوجود، تمزق بلاد المسلمين، إغتصاب فلسطين وضياع الأقصى، نهب الثروات من بلاد المسلمين، التخلف عن الركب العلمي والرجوع بالأمة الإسلامية إلى آخر الأمم وغيره وغيره الكثير. كل هذا نتج بسبب زوال الخلافة، صدق قول النبي صلى الله عليه وسلم: ” إنما الإمام جنة، يقاتل من ورائه ويتقى به”.
أما ما يعتبره البعض من أن إلغاء الخلافة نصر للعرب وسبب لازدهار حركة التنوير ، فهي في الواقع ازدهار حركة التضليل ، فما التنوير إلا هجمة ثقافية غربية لإبعاد المسلمين عن الإسلام وإبعاد الإسلام عن المسلمين،وها هي الخلافة قد سقطت منذ أكثر من ثمانين عاما، أين التنوير عن العرب، بل هم ينحدرون إلى أدنى.
-
ألا يوجد مخرج آخر غير الخلافة ؟ فاليابان وألمانيا مثلا نهضتا بالديمقراطية والحضارة الغربية بعد أن دمرتا وهزمتا ، فلماذا لا نحذو حذوهما؟
-
أسامة الثويني: مع تحفظي على هذه الغربية الفاسدة، فما ضربته من مثال اليابان وألمانيا لا ينطبق على الأمة الإسلامية؛ لأن الأمة تملك عقيدة تنبثق عنها حضارة ومنها نظام حكم وهو الخلافة، ولا يمكن أن تنهض الأمة إلا على أساس حضارتها المنبثقة من عقيدتها. أما اليابان وألمانيا فلا يملكان أصلا حضارة ، أي نظام حكم ونظام حياة، فجاءت الحضارة الغربية لتملأ فراغ العقيدة البوذية في اليابان، أما ألمانيا فكانت أصلا تحمل الحضارة الغربية قبل النازية.
لذلك لا يمكن للمسلمين، وهم يعتنقون العقيدة الإسلامية ، أن ينهضوا أو يتحسن حالهم بغير الإسلام، خاصة وأن المسلمين لن يتخلوا عن عقيدتهم مهما غزتهم الأفكار والحضارات.
-
الإسلام لم يحدد نظاما للحكم، وإنما قواعد عامة . هذا قول لبعض العلماء فبماذا تردون؟
-
حسن الضاحي: لقد نص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صراحة على الخلافة كنظام للحكم بعد الأنبياء والرسل بقوله: ” كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء ، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي ، وستكون خلفاء فتكثر ، قالوا فما تامرنا ؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول ، وأعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم” في هذا الحديث يبين الرسول صلى الله عليه وسلم أنه خاتم الأنبياء، وبعده الذين يسوسون الناس هم الخلفاء. وقال عليه الصلاة والسلام:” ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية” والبيعة لا تكون إلا للخليفة في نظام الخلافة. وما يؤكد أن الخلافة هي نظام الحكم الوحيد في الإسلام إجماع الصحابة بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام ، واجماعهم بعد أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين على مبايعة خليفة. أضف إلى ذلك الأحكام التفصيلية التي شرعها الله عز وجل من كيفية أختيار الخليفة وشروطه وكيفية تنصيبه وأحكام البيعة، لمن تجب،وعلى من تجب، ومتى يعزل الحاكم، ومن يعزله، وكيفية محاسبته، وبين أحكام المعاونين والولاة والعمال، وبين القضاء في دولة الخلافة كيف يكون، وكيفية تنظيم مجلس الأمة، وكيفية رعاية مصالح الناس، وغيرها من أحكام تتعلق برعاية الشؤون وإدارتها بشكل تفصيلي يزيل أي لبس. كل ذلك ويقال ان الاسلام ليس فيه نظام حكم. إن مثل هذا القول فيه إنقاص للإسلام والعياذ بالله، فالله سبحانه وتعالى يقول : ( ما فرطنا في الكتاب من شيء) الانعام38 ويقول: ( ونزلنا عليك الكتاب تبياننا لكل شيء) النحل 89، بمعنى أن الإسلام شمل كل نواحي الحياة ولم يفرط في شيء، فما بالنا بنظام الحكم الذي هو أساس الدولة الإسلامية.
-
عمليا كيف تقوم الخلافة؟
-
أسامة الثويني: تقوم عمليا كما أقامها رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل في المدينة. تقوم الخلافة من خلال حزب ، حزب نقوم على أساس العقيدة الإسلامية، ويعمل في الأمة عملا سياسيا فكريا لإيجاد رأي عام بالتثقيف الجماعي والصراع الفكري وتبني المصالح وكشف المخططات : لإعادة الثقة بالإسلام حتى يوجد وعي عام على الإسلام ورأي عام على الخلافة، فتصبح آراء الحزب هي قضية الناس، وعندها يكون عمل الحزب مع الأمة والأمة مع الحزب لإقامة الخلافة في بلد ما لا نعلم أين، وبعدها تتوحد بلاد المسلمين في بلد ما لا نعلم أين ، وبعدها تتوحد بلاد المسلمين تحت ظل خليفة واحد. هذا هو الخط العريض لإقامة الخلافة، وهناك تفاصيل كثيرة في هذا الموضوع مفصلة في كتب الحزب، وقد تطرقنا لبعضها في حلقات سابقة.
-
أليست هذه نظرية؟
-
أسامة الثويني : هذه طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين عمل لإقامة الدولة الإسلامية فهي ليست نظريات، وإنما حكم شرعي واجب الاتباع. ونظرة تاريخية سريعة سنجد أن كل الدول تقوم بهذا الشكل، فكرة ثم حزب يعمل لهذه الفكرة، ثم رأي عام عند الناس، ثم التطبيق المباشر، والتزام حزب التحرير بهذه الطريقة مدة 55 عاما ولا يزال ، دليل واقعي على أنها طريقة عملية يمكن تطبيقها في الواقع. واستمرار الحزب ونجاحه في تحقيق الإنجازات الفكرية والسياسية دليل واقعي على استقامة هذه الطريقة وأنها موصلة إلى الغاية.
-
الناس مسلمون وعقيدتهم إسلامية، فكيف تقولون إن الإسلام غير موجود ولا يقام إلا بالخلافة؟
-
حسن الضاحي: نعم الناس مسلمون وعقيدتهم إسلامية، وهم يؤدون الصلاة والحج والزكاة ويصومون رمضان ويحفظون القرآن ، بمعنى آخر المسلمون يؤدون عباداتهم، ولكن الإسلام ليس عبادات فقط، الإسلام نظام حياة متكامل من نظام حكم واقتصاد واجتماع وعقوبات وسياسة خارجية وتعليم وإدارة مصالح الناس… صحيح أن الأمة مسلمة ولكنها لا تعيش تحت كنف الإسلام، ولا تتعامل في علاقاتها على أساس الإسلام، اقتصر الإسلام في المساجد فقط. باختصار وجود المسلمين لا يعني وجود الإسلام، فالمسلمون كانوا موجودين في مكة، ولكن لا دولة لهم تطبق الإسلام، واليوم المسلمون يعيشون في شتى أنحاء العالم ولكن لا توجد دولة تمثلهم.
-
نحن نعيش عالما متحضرا ومتخما بالإنجازات … فكيف ستكون الخلافة؟
-
أسامة الثويني: دولة الخلافة دولة حضارية تقوم على عقيدة الناس ، طراز العيش فيها يحدده الإسلام، الحكم فيها مركزي لا فيدرالي، بينما الإدارة لا مركزية. دولة الخلافة يحكمها خليفة واحد للمسلمين أجمعين، القضاء فيها على أساس الإسلام، الاقتصاد خال من مشاكل الركود والتضخم ن والنقد فيها على أساس قاعدة الذهب بعيدا عن المضاربات في العملة، والنظام الاجتماعي فيها يحقق الطمأنينة والسعادة ويحافظ على العرض والنسل . وهي دولة للبشر كافة مسلمين وغير مسلمين، ليست عنصرية ولا وطنية ولا قومية، وسياستها الخارجية تقوم على أساس حمل الإسلام رسالة رحمة للعالم بالدعوة الجهاد. ولا تتحاكم إلى المنظمات الدولية والإقليمية بل إلى الإسلام فقط، ودولة الخلافة لا حدود سياسية داخلها ينتقل رعاياها من الرباط إلى جاكرتا بدون جواز سفر.
-
كيف يتم اختيار خليفة المسلمين؟ وهل أمير الحزب الحالي- في حال قامت دولة الخلافة في حياته- سيكون هوالخليفة؟
-
حسن الضاحي: يتم اختيار الخليفة بتمكين المسلمين من الانتخاب بالرضا والاختيار من قبل الأمة الإسلامية ، فهي التي تختار الخليفة، والتي هي سبعة شروط: أن يكون مسلما رجلا بالغا عاقلا حرا قادرا على القيام بأعباء الخلافة . ويكون تنصيبه خليفة بالبيعة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ” وستكون خلفاء فتكثر ، قالوا ماذا نفعل ؟ قال فوا ببيعة الأول فالأول …” ولما روي عن عبادة بن الصامت :” بايعنا رسول الله على السمع والطاعة…” فلا يكون الرجل خليفة إلا إذا أخذ البيعة من المسلمين. أما الإجراءات العملية لتنصيب الخليفة وبيعته فهي باختصار : يتقدم المرشحون للخلافة، وتقوم محكمة المظالم بحصر من تنطبق عليهم شروط الانعقاد ، ثم يقوم الأعضاء المسلمون في مجلس الأمة بحصرهم في ستة ثم حصرهم في اثنين بإغلبية الأصوات، ثم يقوم المسلمون بانتخاب أحدهم، فتتم البيعة لمن آخذ المسلمون بانتخاب أحدهم ، فتتم البيعة لمن أخذ أكثر الأصوات تماما كما حدث في بيعة عثمان رضي الله عنه. هذا عندما يخلو منصب الخليفة ويراد مبايعة خليفة آخر، أما اليوم والمسلمون لا يعيشون في ظل الخلافة وقد تنازلوا عن حقهم في مبايعة خليفة منذ أن ألغيت الخلافة إلى اليوم، فإنه واجب عليهم مبايعة الخليفة الذي سيقيم دولة الخلافة ما دام مستوفيا للشروط الشرعية. أما تحديد الأمير الحالي للحزب بأنه سيكون خليفة أو غيره فهذا يظهر بإذن الله في حينه.
-
هل ستكون الخلافة دولة حزبية؟ وما هي الضمانات التي تمنع جعل الخلافة دولة فردية بمنعى دكتاتورية؟
-
أسامة الثويني: الضمانة الحقيقية لمنع الخليفة من التفرد والدكتاتورية هي وعي الأمة على الإسلام، ومحاسبة الخليفة، وهذان الأمران تقوم بهما الأحزاب السياسية التي أمر الإسلام بإقامتها، قال تعالى: ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) آل عمران 104، ومن الضمانات وجود الدستور والقوانين المنظمة لأجهزة الحكم والإدارة والمبنية على العقيدة الإسلامية ليس غير، ومجلس الأمة الذي يقوم بدوره بالمحاسبة ومحكمة المظالم التي تنظر في أي قضية تقع بين الدولة والرعية قال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) النساء 59. فالدولة فيها آليات لتقويم أي إعوجاج يظهر أثناء التطبيق.
-
هل عمل حزب التحرير بمستوى قضيته؟ أم هي مسألة شعارات؟
-
أسامة الثويني: لو لم يكن حزب التحرير على مستوى قضيته لما ارتبطت الخلافة به ولما ارتبط هو بها ، فإنه كلما ذكرت الخلافة ذكر حزب التحرير وكلما ذكر حزب التحرير ذكرت الخلافة.
-
ماذا جهزتم لدولة الخلافة؟
-
حسن الضاحي: إلى هذه الساعة جهز الحزب رأيا عاما عند المسلمين بأن الإسلام هو البديل الوحيد لما هم فيه الآن، جهز رأيا عند المسلمين بأن الخلافة هي نظام الحكم الوحيد في الإسلام، جهز نفسية الأمة الإسلامية المتطلعة للتغيير على أساس الإسلام. غير ذلك فقد جهز لدولة الخلافة الراشدة القادمة دستورا كاملا بأحكام تفصيلية تشمل جميع شؤون الحياة لتطبيقه فور إقامة الخلافة، جاء فيه أحكام تفصيلية لحكم الدولة وإدارتها، من نظام اقتصادي واجتماعي وعقوبات وسياسة تعليم وسياسة خارجية وغيرها. إضافة إلى أنه جهز حلولا كاملة لمشاكل الأمة الإسلامية من تواجد للقوات الأجنبية في المنطقة، ومن استفحال الشركات الرأسمالية لبلاد المسلمين، وغيرها من التفصيلات الدقيقة التي تنتظر قيام الخلافة لترى النور.
-
هل اقتصرتم على آراء العلماء المتقدمين كـ” الماوري والفراء ” في أحكام الدولة وتنظيماتها؟
-
حسن الضاحي: ثقافة حزب التحرير ليست بدعة جديدة، وإنما هي امتداد للركب الثقافي الإسلامي الهائل، إلا أن مقياس الحزب في تبني ثقافته ليست آراء العلماء الأوائل أو غيرهم، وإنما مقياسه هو الاستنباط الصحيح من الكتاب والسنة والاجماع والقياس: لذلك تجد أن الحزب أتى بتفصيلات لم يوردها الفقهاء الأوائل ، كأحكام مجلس الأمة وشروطه وأعماله، وكصلاحيات قاضي المظالم، وكثير من التفصيلات الإدارية في الحكم والخلافة. الأمر الآخر أن ثقافة الحزب ليست فقها كالفقه الذي نقرأه في كتب الفقه المبوب، وإنما هي ثقافة سياسسية لحزب سياسي يعمل لإقامة دولة، ويستنبط من الأحكام الشرعية ما يحتاجه في عمله هذا، أما الفقه فلم يضعه العلماء بقصد سياسي لرعاية شؤون الناس، وإنما ناحية عليمة تعبدية صرفة.
-
ذكرتم أن الحزب اعتاد أن يحيى ذكرى إلغاء الخلافة، بماذا يحييها؟
-
حسن الضاحي: كثير هي الأعمال التي يحيي الحزب من خلالها ذكرى سقوط الخلافة، فقد وجه أمير الحزب بهذه المناسبة قبل سنتين كلمة صوتية إلى الأمة الإسلامية عبر إذاعة المكتب الإعلامي للحزب ، واعتاد الحزب أن يحيي الذكرى بمسيرات وندوات ومؤتمرات، وتوزيع كتب ونشرات وخطب في المساجد في شتى أنحاء العالم.
-
إلى متى ستظلون تعملون لإقامة الخلافة؟
-
حسن الضاحي: إلى أن تقوم أو تنفرد هذه السالفة، متمثلين بقول النبي صلى الله عليه وسلم:” فوالله لا أزال أجاهدهم على الذي بعثني الله به حتى يظهرني الله أو تنفرد هذه السالفة”. نحن نعمل لإقامة الخلافة الراشدة على أساس عقائدي، فما دمنا مؤمنين بوجود الله وبرسالة محمد عليه الصلاة والسلام، سنعمل لإقامة الخلافة الراشدة ولن يثنينا طول انتظار أو كثرة تضحيات.
-
هل أنتم واثقون من الوصول إلى غايتكم؟
-
حسن الضاحي: نحن واثقون بقول الله عز وجل : ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ولمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا) النور 55. ونصدق يقينا وعد الله تبارك وتعالى : ( ومن أصدق من الله قيلا) النساء 122. وكلنا ثقة بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ” ثم تكون خلافة على منهاج النبوة…” ، وما روي عنه : ” إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها” ، وقد بشر عليه الصلاة والسلام بفتح القسطنطينية وقد فتحها المسلمون: وبشر بفتح روما وإلى اليوم لم تفتح، كل ذلك يزيدنا ثقة بأن الخلافة الراشدة ستقوم قريبا بإذن الله.
-
ما هي مؤشرات قرب قيام الخلافة؟
-
أسامة الثويني: إن دولة الخلافة كما أسلفنا دولة للناس هو تولد من الأمة ، ومؤشرات قرب قيامها يجب أن يستخلص مما يظهر على الأمة، فالأمة الإسلامية اليوم تتشوق لإقامة الخلافة كما بينت ذلك استطلاعات الرأي الغربية ، والأمة اليوم تقدم التضحيات تلو التضحيات في سبيل دينها، والأمة اليوم أصبحت واعية على عدوها، وأصبحت واثقة بقدرتها على التخلص من هذا الواقع، وفي المقابل صار الساسة الغربيون يذكرون الخلافة بشكل متكرر وملحوظ، فرئيس أميركا بوش ذكر الخلافة في تصريح له في أكتوبر 2006م أربع مرات، ومما جاء في تصريحه : ” هدفنا الاستراتيجي من وجودنا في العراق هو لمساعدة هذه الديمقراطية الناشئة في النجاح، ضمن عالم يحاول فيه المتطرفون إخافة الناس العقلاء بهدف الإطاحة بالحكومات المعتدلة وإقامة الخلافة” وهذا دليل على أنهم يتلمسون قرب قيامها.
-
هل من كلمة أخيرة تودون إضافتها؟
-
أسامة الثويني: بعد أن نتقدم بالشكر إلى ” الشاهد ” التي أتاحت لنا هذه الفرصة لنعرض من خلالها القليل من أفكارنا ومنجنا لإقامة الخلافة الراشدة، أود أن أقول أن ستا وثمانين سنة وأعناق المسلمين خالية من بيعة لخليفة كافية جدا ليعيد المسلم النظر في حياته وحياة أمته، إلى متى سنقبل تخلفنا عن الركب ، ونحن الأمة التي قال فيها لله تبارك وتعالى: ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) آل عمران 110، إلى متى والأمم تتكالب علينا في الوقت الذي يجب أن نكون فيه الدولة الأولى في العالم؟ إلى متى سنقبل باستهزاء الأمم بنا وبعقيدتنا ؟ إن كانت هناك كلمة أخيرة أتركها للقاريء فهي : … إلى متى؟!.