تأجيل تقرير غولدستون: ما بين عباس وحماس، لا نريد أن تضيع القضية الفلسطينية
2009/11/21م
المقالات, كلمات الأعداد
1,822 زيارة
تأجيل تقرير غولدستون:
ما بين عباس وحماس، لا نريد أن تضيع القضية الفلسطينية
ارتكبت (إسرائيل) مجزرة غزة الوحشية على مرأى ومسمع من العالم كله مستعملة فيها أعتى السلاح الأميركي المحرم استعماله دولياً، وبشكل مفرط من غير أن يرفّ جفن لزعمائها النازيين، ولا لعسكرييها الموتورين المعبئين من حاخاماتهم الحاقدين، وقد نُقلت مشاهد القتل الفظيعة حية لحظة بلحظة، فاهتزّ لها العالم بأسره، فضغطت هذه المشاهد المؤلمة باتجاه الأمم المتحدة ليشكل مجلس حقوق الإنسان التابع لها لجنة لتقصي الحقائق في حرب غزة برئاسة القاضي ريتشارد غولدستون، وبعد التقصي أصدر هذا القاضي في 15/09/2009م تقريره طالباً من بان كي مون أن يضع المسألة فوراً أمام مجلس الأمن للتصرف بموجب الفصل السابع، وإحالة القضية على المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في حال رفضت (إسرائيل) إجراء تحقيق ذي صدقية يتسق مع المعايير الدولية، وبإشراف حقوقي دولي في الاتهامات التي تضمنها التقرير خلال ستة أشهر. وشدد على «ضرورة المحاسبة على ارتكاب جرائم حرب» وقال: «يجب إنهاء الإفلات من العقاب». وأكدت اللجنة أن العقاب الجماعي والانتقام الجماعي يشكل جرائم حرب، وأن مزاعم (إسرائيل) «باختباء مسلحين وإخفاء سلاح في مسجد قصفته أثناء الصلاة، ومنشآت مدنية أخرى أثبت التحقيق أنها غير صحيحة». وحمّل (إسرائيل) مسؤولية «انتهاكات جسيمة لاتفاقية جنيف الرابعة المعنية بحماية المدنيين في أوقات الحرب» واعتبر أن «ممارسات إسرائيل المتعمدة تشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية» ولفت إلى أن هذه الانتهاكات تدعم إمكان توجيه اتهامات على أساس «المسؤولية الإجرامية الفردية» وهذا معناه أنها تطال كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين بأشخاصهم. وتمنّى على مجلس الأمن التجاوب مع توصيات اللجنة، وقال: «سنصاب بخيبة أمل كبيرة إذا عارض عضو دائم العضوية في مجلس الأمن قراراً يطالب بإجراء تحقيق».
طبعاً، (إسرائيل) رفضت التقرير جملةً وتفصيلاً واعتبرته متحيّزاً ويعطي الشرعية لمنظمات إرهابية ويشجعها على الإرهاب… وهذا الموقف طبيعي من (إسرائيل) لأنها دولة قامت على الباطل واغتصاب الأرض واستباحة كل شيء، ومسلسل مجازرها بدأ مع بداية وجودها ولن ينتهي إلا بإنهائه. ولكن، في وسط هذه الأجواء المثيرة التي خلفها هذا التقرير، وفي وسط الأضواء الكاشفة التي سلطت عليه والتي لم تكن أقل إضاءة من الحدث نفسه أي حرب غزة، أقدمت السلطة الفلسطينية على طلب تأجيل النظر في التقرير لمدة ستة أشهر بغية إجهاضه، ضاربة بعرض الحائط كل العقل والدين القيم، مستخفة بدماء قتلى وجرحى ويتامى وثكالى من يفترض أنهم شعبها… وهنا ينعقد اللسان ويحار الجنان في وصف عباس (وفريق سلطته)… لقد قبل الكثير: قيل إنه خائن، وقيل: إنه يجب تجريده من هويته. وقيل: إنه يجب محاكمته بالخيانة العظمى والتواطؤ مع العدو. وقيل: يجب إعدامه. وقيل: إنه تجاوز الخطوط الحمر جميعها، ومهما قيل فإن الكلام يبقى أقل مما يقال فيه، ويستحق هو وفريقه أكثر مما يقال فيه، ونقول نحن إن الكلام فيه وفي زمرته يموت حين يقال…
أما لماذا أقدم عباس (وشرذمته) على هذه الخطوة الوقحة، فقد قيل إن (إسرائيل) هددت بفضح مكالمات وتصريحات سرية له ولمعاونيه تدينهم وتبين تواطؤهم مع (إسرائيل) ضد شعبه وقضيته ولعل أخسّ ما قيل إنه استفاد من التأجيل بعقد صفقة تتعلق بالخلوي لمصلحة أحد أبنائه. ولعل أصدق ما يقال في السبب هو أن عباس و(فريقه) يشكل نهجاً سياسياً، وموقفه هذا ينسجم مع موقفه من حرب غزة نفسها. نعم إن المشكلة مع عباس (وفريقه) لا تبدأ من موقفه من التقرير. إن الرجل يشكل نهجاً تفريطياً واضحاً عبر عنه في كتبه ومواقفه وتصريحاته وتصرفاته التي تؤسس جميعها: لفتح باب المفاوضات مع (إسرائيل) وتحقيق تسويات على حساب الدين والأرض والشعب، والتطبيع مع (إسرائيل) والوقوف في وجه المقاومة وضد الانتفاضة.
وعلى سبيل المثال: موقفه من المقاومة فهو قد صرح على الملأ: إذا كانت المقاومة ستدمر شعبنا فلسنا بحاجة إليها والمقاومة ليست هدفاً، وعن موقفه من التفاوض يعتبر نفسه أنه عراب أوسلو الذي اعتبره أهم عمل أنجز للشعب الفلسطيني على مدى القرن العشرين.
وعن عودة اللاجئين أرسل رسالة إلى شارون في 23/7/2005م نشرت تفاصيلها عدة صحف قال فيها: «نحن مقتنعون أنه لا يمكن تحقيق عودة اللاجئين» ومن تصريحاته حول هذا الموضوع «أرجو من أي دولة عربية تريد أن تعطي الجنسية للفلسطينيين أن تعطيهم، فما الذي يمنع؟» وأضاف: «هذا لا يعني التوطين، وعندما تتاح للفلسطيني العودة إلى وطنه سيعود، سواء أكان يحمل جنسية عربية أم أجنبية».
وعن شارون الجزار قال إنه طيب، ووصفه بأنه الزعيم الأهم منذ هرتزل. وعن أولمرت إنه الصديق، ولليبرمان: سيدي الرئيس.
– وهو أول من دعا إلى الاتصال بالقوى اليهودية المحبة للسلام داخل (إسرائيل) وخارجها في إطار حركة فتح وذلك منذ سبعينات القرن الماضي.
– وعن الانتفاضة قال إنها دمرت كل ما بنيناه في أوسلو وكل ما بني قبل ذلك… ومثل هذه المواقف والتصريحات كثير.
أما بالنسبة لمجيئه على رأس السلطة الفلسطينية، فإن أميركا استطاعت اختراق الساحة الفلسطينية وتغيير قواعد اللعبة السياسية عن طريق ما سمي بـ(الحمار الذكي) أو فكرة رئيس وزراء معتدل يكون بديلاً من عرفات. فتم تعديل دستور السلطة، واستحدث منصب رئيس الوزراء، وحل فيه عباس فأصبح بعد عرفات مباشرة، وأعلن الحصار على عرفات وأطلقت يد عباس وفريقه في التصرف، فصار يصرح ويجتمع ويأخذ القرارات ويعقد الاتفاقات ويستقبل كرئيس، وتناولته الأقلام المأجورة والمخدوعة ووسائل الإعلام حتى أصبح الرجل الأول. وقد تكرس ذلك بعد تسميم عرفات وتسليم عباس السلطة…
ويذهب البعض أكثر من ذلك إذ يركز على أن عباس ينتمي إلى الطائفة البهائية ويضيفون إلى اسمه اسم «ميرزا».
هذا هو عباس مكشوف أمام المتراس وليس وراءه، فلا يأخذن العجب أحداً من الناس، ومن أراد أن يحاكمه حقيقة فليحاكمه على نهجه، إنه يسير بشعبه نحو هاوية الاستسلام ليهود.
هذا هو عباس وفريقه فأين حماس؟ وأين يجب أن تكون؟ وأين الشعب الفلسطيني المسلم المظلوم من كل ذلك؟
أما حماس التي تقف على حافة الصراع في مقابل عباس وفريقه، فإنها المستفيدة الأولى من أخطائه وخطاياه، وهي في حمأة هذا الصراع الدولي الذي اختارت أن تكون طرفاً فيه فعليها أن تعلم أن ما يدين عباس عليها أن لا تقع فيه، أن لا تقع في فخ المفاوضات ولا السلام ولا التطبيع، وعليها أن تحسب جيداً أنها بدأت كما بدأت منظمة التحرير بالمطالبة بالتحرير من البحر إلى النهر ثم تنازلت إلى المطالبة بالأراضي التي احتلت بعد الـ67 فقط، وستستمر الضغوط عليها والترويض حتى تصل كما وصلت منظمة التحرير إلى لا شيء، وهي إن استجابت للضغوط عليها معرضة للانحراف عما رسمته لنفسها منذ البداية، ومعرضة لأن يأكل كلامها بعضه، ولأن تنسخ تصريحاتها اللاحقة السابقة وحينها فما أسهل التبريرات!.
كذلك فإن كونها طرفاً إسلامياً، فإن أي تنازل منها يعتبر أخطر بكثير لأنها إسلامية والغرب و(إسرائيل) حريصان على انتزاع التنازل منها بالذات، ويساعدها في ذلك بعض الأنظمة العربية الهالكة، ومن هذا الجانب عليها أن تعلم أن عليها ضغوطاً بالمقابل من الله سبحانه حيث ينذر بالعذاب من يتخلى عن الثوابت الإسلامية القطعية التي تجتمع عليها الأمة من أدناها إلى أقصاها ولا ترضى عنها بديلاً. وهذه يمكن تلخيصها بـ:
– إن قضية فلسطين هي قضية إسلامية يفصل فيها الإسلام وحده وليست قضية وطنية يمثلها هذا الفريق أو ذاك.
– إن قضية فلسطين هي قضية الأمة الإسلامية كلها، وإن الأمة لم تتخلَّ عنها يوماً رغم كل الألاعيب الدولية، لم يتخلَّ عنها إلا شرذمة قليلة من حكام مقطوعي الصلة مع الله، ومع دينه، ومع المسلمين.
– إن قضية فلسطين لا تحل بعيداً عن أحكام الإسلام خاصة وأن هناك نصوصاً ربطت صراحة حلها بالجهاد.
– إن أساس الصراع فيه هو عقائدي ديني. فاليهود احتلوا أرض المسلمين ويقاتلونهم ويستبيحون حرماتهم من منطلق ديني. ونحن يأمرنا الله سبحانه أن يكون صراعنا معهم ومع غيرهم من منطلق ديني.
– إن أرض فلسطين هي أرض خراجية رقبتها للمسلمين جميعهم، ولا يملك أحد كائناً من كان التفريط بشبر منها.
– إن الصراع مع يهود هو صراع وجودي وليس على رسم حدود.
إن على المسلمين في كل مكان، وخاصة في فلسطين الحبيبة التي أحببناها وشعبها في الله، أن يتبصروا أنهم أقوياء بدينهم ضعفاء بعيداً عنه. وإننا نحذرهم أن لا يضيعوا عن الحق الذي أنزله الله سبحانه وحفظه وجعله حجة لهم أو عليهم. وأن لا ينحازوا في حمأة الصراع الواقع بين عباس وحماس إلا إلى الطرف الذي يكون نهجه نهجاً إسلامياً حقيقياً لا يخرج عن الثوابت الإسلامية بتأويلات وتبريرات. إن الأمر قد وصل مع عباس إلى وضع خطير لا يجوز السكوت عنه ويخشى أن يصل مع حماس إلى مثله. قيل لعبد الله بن المبارك بعد أن نصح شخصاً: بقي من ينصح؟ فأجاب: فهل بقي من ينتصح؟ وعلى الله قصد السبيل.
2009-11-21