طلب النصرة من خلال سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام (ضرورة التحام الدعوة بأهل النصرة لإقامة الدولة)
2009/08/21م
المقالات
5,791 زيارة
طلب النصرة من خلال سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام
(ضرورة التحام الدعوة بأهل النصرة لإقامة الدولة)
في الوقت الذي تشتد فيه السواعد وتتضافر الجهود لإعادة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة, وفي الوقت الذي ترنو فيه النفوس وتتلهف القلوب لنصر من الله قريب, تتوجه العقول والأبصار إلى أهل القوة والمنعة من ضباط الجيوش وغيرهم, تستصرخ نخوتهم وتستنهض هممهم لينصروا الإسلام وحملة دعوته, فيتحقق على أيديهم وعد الله بالنصر والتمكين. وبالرغم من اختلاف الزمان والمكان و الأشخاص, فإن النصرة اليوم لازمة للدعوة لزوم الماء للحياة, كما أن طريقة الوصول إليها اليوم هي عينها الطريقة التي سلكها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم), ونشط لها طيلة ثلاث سنين, وأحداث سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام زاخرة بمواقف العز التي وقفها الأنصار الذين آووا رسول الله ونصروه, وهي حرية بأن تحرك كل صاحب نخوة ونجدة من أنصار هذا الزمان لنصرة الإسلام, وإزالة الحواجز المادية التي تقف عائقاً أمام الحكم بما أنزل الله.
قال ابن إسحاق في السيرة النبوية لابن هشام: «ثم إن خديجة وأبا طالب هلكا في عام واحد, فتتابعت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المصائب بهلك خديجة, وكانت له وزير صدق على الإسلام يشكو إليها, وبهلك عمه أبو طالب وكان له عضداً… وذلك قبل مهاجره إلى المدينة بثلاث سنين, فلما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما لم تكن تطمع به في حياة أبي طالب». فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الطائف يلتمس النصرة من ثقيف, فعمد إلى نفر هم يومئذ سادة ثقيف و أشرافهم, فجلس إليهم, فدعاهم إلى الله وكلمهم بما جاء إليه من نصرته على الإسلام والقيام معه على من خالفه من قومه, فردوه رداً سيئاً وأمروا به سفهاءهم وصبيانهم يضربونه و يحقرونه, فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من عندهم تائهاً على وجهه من شدة الكرب ولم يستفق إلا بقرن الثعالب, ودخل مكة تحت حماية المطعم بن عدي وقومه على أشد ما كانوا عليه من خلافه. ومن هنا بدأت مرحلة جديدة في دعوته تجلى فيها تقصد الرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للزعماء والقادة من خارج مكة وحرصه على أن يؤمنوا به وينصروه ويحموه حتى يبلغ عن ربه ما أمر به. وكان طلب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للنصرة من خارج مكة, إنما بدأ ينشط بشكل ملحوظ بعد أن اشتد الأذى عليه عقب وفاة عمه أبي طالب الذي كان يحميه من قريش, فقد أورد ابن هشام في السيرة النبوية بخصوص نشاطه بعد الطائف ما نصه: «ثم قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مكة وقومه على أشد ما كانوا عليه من خلافه… فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعرض نفسه في المواسم… على قبائل العرب… ويسألهم أن يصدقوه ويمنعوه». وهذه المرحلة الجديدة من الدعوة كانت بأمر من الله عز وجل, ولم تكن اجتهاداً من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لأمر اقتضته ظروف الدعوة, ويدل على ذلك ما ورد في فتح الباري شرح صحيح البخاري, ما نصه: «أخرج الحاكم وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل بإسناد حسن عن ابن عباس, حدثني علي بن أبي طالب قال: لما أمر الله نبيه أن يعرض نفسه على القبائل, خرج وأنا معه وأبوبكر إلى منى…» الحديث. ويذكر في هذا الحديث الطويل كيف كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وصاحباه يقصدون مجالس العرب بمنى بموسم الحج… حتى ذكر قصدهم لمجلس ربيعة, ثم لمجلس الأوس والخزرج من أجل الإيواء والنصرة. والذي يدل على أن هذا الطلب للوجوب هو مداومة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على طلب النصرة والحماية من القبائل, ومن أصحاب القوة والمنعة والشرف بعد وفاة خديجة وعمه أبو طالب قبل مهاجره إلى المدينة بثلاث سنين إلى أن عقد بيعة العقبة الثانية، ذلك أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) منذ أن بعثه الله رسولاً إلى السنة التي ماتت فيها زوجه خديجة وعمه أبو طالب لم يكن يطلب من الناس إلا أن يؤمنوا به و يصدقوه بأنه نبي مرسل من عند الله, ولم يكن يطلب منهم نصرة ولا حماية, و كان يتصل بالناس على حد سواء حتى ماتت خديجة ومن بعدها أبو طالب, وبموتهما تتابعت عليه المصائب, ونالت قريش منه من الأذى ما لم تكن تطمع به في حياة أبي طالب, وعندها خرج يلتمس النصرة والحماية ممن يقدر عليها, وأضاف طلب نصرته وحمايته حتى يبلغ عن الله ما كان يطلبه في السابق من الإيمان به وتصديقه بأنه نبي مرسل. وقد ورد في سيرة ابن هشام ما نصه: «و لما هلك أبو طالب…خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الطائف يلتمس النصرة من ثقيف والمنعة بهم من قومه ورجاء أن يقبلوا منه ما جاءهم به من الله عز وجل» و لما رجع الرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خائباً من الطائف إلى مكة قال ابن إسحاق: «…فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعرض نفسه في المواسم على قبائل العرب يدعوهم إلى الله ويخبرهم أنه نبي مرسل ويسألهم أن يصدقوه ويمنعوه حتى يبين لهم ما بعثه الله به». وقد بقي هذا شأن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في سيره بالدعوة يتقصد القبائل ككيانات ويتقصد الرؤساء والسادة والأشراف ومن لهم مكانة. قال ابن إسحاق: «فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على ذلك من أمره كلما اجتمع له الناس في بالمواسم أتاهم يدعو القبائل إلى الله وإلى الإسلام, ويعرض عليهم نفسه وما جاء به من الله من الهدى والرحمة, وهو لا يسمع بقادم يقدم مكة من العرب له اسم وشرف إلا تصدى له ودعاه إلى الله وعرض عليه ما عنده». فأتى كلباً في منازلهم وأتى بني عامر بن صعصعة وأتى كندة في منازلهم, وكندة كانت ملوكاً, و أتى بني حنيفة في منازلهم وكان يقصد كل قبيلة في منازلها ويعرض عليها نفسه ويطلب منها أن تؤمن به وأن تصدقه وأن تنصره وتحميه. وقد استمر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على ذلك حتى وفد أهل المدينة من الأوس والخزرج بعد أن مكث فيهم مصعب بن عمير سنة وواعدهم العقبة, وعقد معهم بيعة العقبة الثانية التي كانت البيعة فيها تقوم على أساس النصرة والحماية وكانت بيعة الحرب, وبذلك وجد الكيان الذي ينصره ويحميه, وعندها وقف عن طلب النصرة والحماية.
وبذلك يكون قيام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بطلب النصرة والحماية من القبائل من أهل الشرف والقوة والمنعة واستمراره على ذلك دون انقطاع بالرغم من الصعوبات التي واجهها و الرد السيئ الذي لقيه والأذى الذي أصابه, ولم يتوقف عن ذلك إلا عند حصوله على النصرة وعقد البيعة وإقامة الدولة, يدل بشكل لا لبس فيه على أن طلب النصرة حكم شرعي واجب الاتباع.
وهذا السير الجديد واضح فيه أمران، أولهما تقصد أهل القوة والمنعة من القبائل والسادة والأشراف ومن لهم اسم و شرف ومكانة. وثانيهما طلب نصرة وحماية أهل القوة والمنعة. وكان العرب يفهمون من طلبه هذا أنه يريد حكماً وسلطاناً, من ذلك ما ورد في رد قبيلة عامر بن صعصعة, حيث اشترطوا عليه أن يكون لهم الحكم من بعده على وجه الجزاء لما سيبذلونه له من حماية ونصرة, بقولهم: «أرأيت إن نحن تابعناك على أمرك, ثم أظهرك الله على من خالفك, أيكون لنا الأمر من بعدك؟ فقال لهم: إن الأمر لله يضعه حيث يشاء, فقالوا له, أفنهدف نحورنا والعرب دونك ثم يكون الأمر لغيرنا, اذهب لا حاجة لنا بك».
وقد استمر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على ذلك حتى وفد إليه أهل المدينة وبايعوه بيعة العقبة الثانية. ذلك أنه قبل مهاجره إلى المدينة بسنتين وفد ستة من الخزرج من أهل المدينة على مكة في الموسم فعرض عليهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الإسلام فأسلموا ثم قالوا للرسول عليه الصلاة والسلام, إن وراءنا بالمدينة قوماً قد اختلفوا، فإن جمعهم الله عليك لم يكن أحد أعز منك. وفي العام التالي من الموسم جاء اثنا عشر رجلاً وبايعوه بيعة النساء، وأرسل مصعب بن عمير معهم إلى المدينة ليدعو أهلها إلى الإسلام ويطلب منهم النصرة, فذهب مصعب يدعو الناس إلى الإسلام ويعمل مع أسعد بن زرارة بتجميع القوى المادية من أهل النصرة لتغيير أحكام الكفر وإقامة الحكم بما أنزل الله في المدينة والاستعداد للتضحية بالنفس والنفيس من أجل الدعوة وصاحب الدعوة. ولما استجابوا للنصرة وتحققت الكفاية أحضرهم للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليبايعوه بيعة الحرب.
جاء في زاد المعاد لابن القيم ما نصه: عن جابر قال: «… فائتمرنا واجتمعنا، وقلنا: حتى متى رسول الله يطرد في جبال مكة، ويخاف، فرحلنا حتى قدمنا عليه في الموسم، فواعدنا بيعة العقبة… فقلنا يا رسول الله علام نبايعك؟ قال: تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي على المنكر، وعلى أن تقولوا في الله، لا تأخذكم لومة لائم، وعلى أن تنصروني إذا قدمت عليكم، وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة. فقمنا نبايعه، فأخذ بيده أسعد بن زرارة وهذا أصغر السبعين فقال: رويداً يا أهل يثرب، إنا لم نضرب إليه أكباد المطي إلا ونحن نعلم أنه رسول الله، وإن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة، وقتل خياركم، وأن تعضكم السيوف، فإما أنتم تصبرون على ذلك فخذوه وأجركم على الله. وإما أنكم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه، فهو أعذر لكم عند الله. فقالوا: يا أسعد أمط عنا يدك، فوالله لا نذر هذه البيعة، ولا نستقيلها، فقمنا إليه رجلاً رجلاً، فأخذ علينا و شرط، يعطينا بذلك الجنة». أخرجه أحمد والبيهقي وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وقال ابن كثير في السيرة هذا إسناد جيد على شرط مسلم، وصححه ابن حبان.
وقال كعب بن مالك (رضي الله عنه): «… فلما فرغنا من الحج، وكانت الليلة التي واعدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لها… فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا، حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، نتسلل تسلل القطا مستخفين، حتى اجتمعنا في الشِّعب عند العقبة، ونحن ثلاثة وسبعون رجلاً، ومعنا امرأتان من نسائنا… فاجتمعنا في الشِّعب، ننتظر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، حتى جاءنا ومعه عمه العباس بن عبد المطلب، وهو يومئذ على دين قومه، إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه، ويتوثق له، فلما جلس كان أول متكلم العباس فقال: يا معشر الخزرج… إن محمدًا منا حيث علمتم، وقد منعناه من قومنا، ممن هو على مثل رأينا فيه، فهو في عزٍّ من قومه، ومنعة في بلده، وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم، واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه ومانعوه ممن خالفه فأنتم وما تحملتم، وإن كنتم ترون أنكم مسلِّموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن فدعوه، فإنه في عزٍ ومنعةٍ من قومه وبلده، فقلنا له: قد سمعنا ما قلت، فتكلم يا رسول الله، فخذ لنفسك ولربك ما أحببت…، فتكلم عندئذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فتلا القرآن، ودعا إلى الله ورغب في الإسلام ثم قال: «أُبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم». فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال: «نعم والذي بعثك بالحق نبياً لنمنعنّك مما نمنع منه أزرنا، فبايعنا يا رسول الله، فنحن والله أبناء الحروب وأهل الحلقة (أي السلاح كله) ورثناها كابراً عن كابر».
فاعترض القول -والبراء يتكلم- أبو التيّهان فقال: «يا رسول الله، إنّ بيننا وبين الرجال حبالاً و إنّا قاطعوها -وهو يعني اليهود- فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثمّ أظهرك الله أن ترجع إلى قومك و تدعنا؟». فتبسم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قال: «بل الدّم الدّم والهدمُ الهدم، أنا منكم وأنتم منّي، أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم».
لقد كانت لهجة الصدق والوفاء ظاهرة في حديث أهل القوة والمنعة من أهل المدينة, كما أن تيار العزيمة عندهم كان جارفاً قوياً، وقد سر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك.
و بالرغم من اختلاف الزمان والمكان والأشخاص, فإن طريقة إقامة الدولة الإسلامية اليوم هي عينها الطريقة التي سلكها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم), وتتحقق بأمرين: أولهما إيجاد أجواء في بلد ما من البلاد الإسلامية تتجاوب مع الدعوة الإسلامية حتى يصبح الرأي العام فيها يطالب بتطبيق الإسلام, فإذا وجد هذا التجاوب في بلد تتوفر فيه مقومات الدولة, حينها يجري الانتقال إلى الأمر الثاني وهو البحث عن أهل النصرة القادرين على تسليم السلطة لمن تؤخذ له البيعة لإقامة الدولة الإسلامية وتغيير النظام القائم وجعله نظاماً إسلامياً, ووضع القوى المادية التي يملكها أهل النصرة على أهبة الاستعداد للتصدي لأي تآمر داخلي أو خارجي على الدولة الناشئة التي ارتضاها الرأي العام, كما ورد في نص البيعة: «على محاربة الأحمر والأسود من الناس» وقوله «بل الدم الدم والهدم الهدم».
و مع أن موضوع النصرة قد وصل إلى درجة القطع واليقين, حيث ورد ذكره في القرآن على وجه الثناء لمن آوى ونصر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم), إلا أن الكثير من المسلمين قد غفلوا عن أهمية كسب أهل القوة والمنعة لصف الدعوة, وعمد بعض علماء القنوات الفضائية إلى تهميش حكم طلب النصرة, وإلى التقليل من أهمية دور هذه الفئة من الأمة لصرف الناس عنهم وعن دورهم, حتى هدرت هذه الطاقة واستنفذت في تثبيت الطواغيت بدل أن تكون أداة خلعهم وقلعهم.
صحيح أن السلطة في الحالة الطبيعية يمكن أخذها من الأمة إذا كانت هي السند الطبيعي لها, أما إذا كانت السلطة تستند إلى قوى أخرى من غير الأمة, كما هو حاصل في بلاد المسلمين التي تخضع للنفوذ الغربي, فإن السلطة تنتزع فيها انتزاعاً بالقوة عن طريق أهل النصرة, وذلك بعد أن يوجد رأي عام متجاوب مع الدعوة في الأمة.
و إنه بالاستناد إلى ما سبق ذكره يتهاوى ما عمد إليه بعض علماء القنوات الفضائية من تهميش حكم طلب النصرة, حيث يظهر مما سبق عرضه من سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام, أن النصرة لازمة للدعوة لزوم الماء للحياة, وأن موضوعها قد وصل إلى درجة القطع واليقين, وأن حكمها لا شك في وجوبه. وأما ما تذرع به هولاء العلماء من قولهم بأنهم لا يريدون استبدال حكماً ديكتاتورياً بآخر مثله, فهل هذا يعني أن نبقي هذه الأنظمة المجرمة جاثمة على صدور المسلمين, تنفث حقدها على الإسلام وحملته وتقوض مقومات الأمة وتقودها للهزيمة والعار وتضع فلذات أكبادها في المعتقلات والسجون خدمة غير مجانية للاستعمار؟؟, خاصة وأن هؤلاء العلماء يدركون قبل غيرهم أن مجرد زحزحة الحاكم عن منصبه بالوسائل السلمية كالانتخابات وغيرها يعتبر من باب المستحيلات فكيف بتنحيته عن الحكم. ثم من قال إن إقامة حكم الله عن طريق أهل القوة والمنعة والنصرة سيؤدي إلى ديكتاتورية؟ إذ إن المراد حصراً من طلب النصرة الوصول إلى الحكم بالإسلام حصراً، بإقامة حكم الله وليس حكم الشخص الحاكم بأمره، وشتان ما بين الأمرين. ثم أليس استخدام القوة من أهل الشرف والنجدة من ضباط الجيوش لإزالة هؤلاء الطواغيت عملاء الاستعمار لإقامة الحكم بما أنزل الله هو عين ما سعى له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) طيلة ثلاث سنين!
إن هذا الرأي متهافت ومشبوه حيث إنه يصب في مصلحة الحكام الطواغيت لا غير, فضلاً عن افتقار أصحابه للوعي بالسياسة الدولية. إن البلاد التي تحكم بأنظمة الكفر لا سيما التي يسيطر عليها الغرب كما هو الحال في بلاد المسلمين, لا يمكن أن تمكن نظاماً و نفوذاً غير نفوذها يصل للحكم عن طريق الوسائل السلمية كالانتخابات. فانتقال السلطة و تداولها بشكل طبيعي عن طريق الانتخابات والوسائل السلمية لا يمكن أن يسمح به الغرب الكافر إلا إذا كان في إطار مبدئه، أي في إطار أنظمة الكفر لا الإسلام. فحزب الرفاه ومن بعده حزب العدالة والتنمية في تركيا لم يسلما الوزارة إلا بعد أن أعطيا الضمانات على تبني العلمانية. كما أن نجاح الجبهة الإسلامية للإنقاذ في انتخابات الجزائر لم يوصلها إلى إقامة دولة الإسلام, ولو كانت الجبهة الإسلامية متتبعة للسياسة الدولية لما وقعت في هذا الانزلاق, بل لو تنبهت للطريق الشرعية الصحيحة لأخذ الحكم لما قبلت بالانتخابات النيابية كوسيلة للوصول إلى الحكم.
إن الوصول إلى الحكم يكون بالعمل لإيجاد الرأي العام الواعي في الأمة الإسلامية بكل الأساليب والوسائل الشرعية، وطلب النصرة من أهل القوة والمنعة لانتزاع السلطة من أيدي الحكام العملاء وتمكين الإسلام بإقامة دولة الخلافة. ولذلك لا يصح أن تتخذ الانتخابات وسيلة لأخذ الحكم, فالحكم في بلد تحت نفوذ الغرب لا يؤخذ إلا بسلوك أحد أمرين أو جمعهما معاً, أحدهما بث الوعي حول الإسلام في الأمة حتى إذا وجد التجاوب مع الإسلام عندها يؤخذ الحكم عن طريق أهل القوة والمنعة والنصرة.
إن حملة الدعوة اليوم, يجب أن يغذوا الخطى في طلب النصرة، سواء بطريقة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث كان عليه الصلاة والسلام يطلب النصرة من الجماعة القوية الواحدة, أو بطريقة مصعب ابن عمير التي أقرها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهي طلب النصرة من الأفراد الأقوياء فرداً فرداً ثم جمعهم ليقوموا فعلاً بالنصرة.
إننا ندرك أن أخذ الحكم ليس بالأمر الهين, فأخذ الحكم عن طريق الانتخابات يعتبر أمراً متعذراً لإمساك الحكام بزمام لعبة الانتخابات، ولامتلاكهم القوة القابضة على زمام الحكم. التي يسخرونها لأهدافهم ولضرب كل من يهدد وضعهم؛ لذلك كان حتى نجاح أي حركة شعبية عن طريق ثورة أو انتخابات لا يمكن أن يكتب لها النجاح إلا إذا ضمنت تأييد أهل القوة معها. كما أننا ندرك أن طلب النصرة ليس أمراً هيناً يسيراً, بل هو عمل شاق ومضنٍ ويحتاج إلى دأب وأساليب غير عادية, كما أن الاستجابة للنصرة ممن هم أهلها يحتاج إلى شهامة ورجولة غير عادية, تستهين بأجواء الرعب والقتل وخراب الديار. تحتاج إلى رجال وأي رجال, رجال لهم شهامة ونجدة كأمثال سعد بن معاذ و أسيد بن حضير والبراء بن معرور. وبالرغم من كل ذلك, فإننا واثقون من نصر الله و تأييده. ولنا في عزيمة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وثباته وثقته بنصر الله أسوة, فقد كان (صلى الله عليه وآله وسلم) في غزوة الأحزاب أثناء حفره للخندق, يبشر بهدم أعظم دولتين في ذلك التاريخ مع أن المعطيات العسكرية تشير عقلاً إلى أن الغلبة ستكون للأحزاب وأن زوال دولة الرسول أمر لا شك فيه, حتى إنه بعد مرور اليوم السابع والعشرين من الحصار المضروب على المدينة, صار المنافقون يقولون إن محمداً يعدنا بكنوز كسرى وقيصر وأحدنا لا يجرؤ على قضاء حاجته في الخلاء، فقال عليه الصلاة والسلام: والذي نفسي بيده، إني لأرجو أن أستلم مفاتيح الكعبة وأن أغنم كنوز كسرى وقيصر وأن تنفق أموالهم في سبيل الله, وهكذا كان، حيث أورثهم الله تلك الديار في بضع سنين, ولله الأمر من قبل ومن بعد وحينئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.
كما أننا واثقون من أن القوات المسلحة في بلاد المسلمين فيها من الضباط والجنود من لهم شهامة ونجدة, يتألمون لحال الأمة ويشتاقون لملاقاة أعدائهم، ولا يحتاجون إلا لمن يصل إليهم ويحفزهم ليوجهوا دباباتهم لمرة واحدة صوب القصور ليريحوا الأمة من شر العصابات الحاكمة التي اغتصبت سلطان الأمة, وسخّرت طاقاتها لذبح أبناء المسلمين وقتلهم في باكستان والعراق وغيرها خدمة غير مجانية للاستعمار, ونهبت خيرات بلاد الإسلام وجوعت أهلها واستضعفتهم وجعلتهم شيعاً وتواطأت ولا تزال مع أعدائهم اليهود والأميركيين.
أيها الضباط في بلاد المسلمين,
إن حزب التحرير منذ نشأ وسار على طريقة المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)، يعمل لإعادة الدولة التي أقامها الرسول الكريم وهو الآن في مراحله الأخيرة إن شاء الله تعالى، يستنصر كل صاحب قوة ونخوة في بلاد المسلمين، يستنصر ضباط المسلمين في الأردن وسوريا ومصر وكل بلد فيه مسلمون، من يمنعنا؟ من يحملنا إلى قومه لنطبق الإسلام؟ من ينصرنا أيها الضباط لنعيد الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة؟ من ينصرنا لتعيد دولة الإسلام وحدة الأمة؟
أيها الضباط،
يا أحفاد الراشدين والقادة والفاتحين, يا أحفاد من ضحوا وآووا ونصروا, يا أحفاد أحبة رسول الله, يا أحفاد من اختار الرسول صحبتهم, يا أحفاد من قال فيهم الرسول: لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار, ولو سلك الناس شعباً وسلك الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار, يا أحفاد سعد بن معاذ, وسعد بن الربيع, وسعد بن عبادة, وأسعد بن زرارة, وأسيد بن حضير, والبراء بن معرور, وعبد الله بن رواحة, ومعاذ بن جبل, وعبادة بن الصامت, يا أحفاد النقباء, يا أحفاد من رفعوا اللواء, وسَقَوهُ بأشلائهم وطيب الدماء, يا أحفاد من هجروا الشاة والبعير, ورجعوا برسول الله إلى رحالهم, يا أحفاد من رضوا بالله رباً وبرسوله حظاً وقسماً, يا أحفاد من شملهم رسول الله بالدعاء (اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار) هل ما زال فيكم سعد؟؟ هل ما زالت نخوة الأنصار تجري في عروقكم؟؟ هل بقي منكم من سيهتز عرشُ الرحمن لموته؟؟ هل أنتم على استعداد لأن تضحوا كما ضحى آباؤكم؟ وأن تنصروا كما نصروا؟ وأن تكون النصرة على نهكة الأموال وقتل الأشراف كما فعل آباؤكم؟؟ فوالله إن الأمة اليوم لأشد ما تكون حاجة لأبنائها من أنصار هذا الزمان, تحتاج إلى أنصار كأنصار رسول الله, تحتاج لمن يزيح الطواغيت, ويولي الأمة خيارها, تحتاج إلى الذين لا يخافون في الله لومة لائم, تحتاج لمن يعيد لنا سيرة الأنصار فيبايع بيعة الحرب والرضوان.
أيها الغر الميامين, يا أهل النخوة، كيف تقبلون أن تصبح ديار المسلمين مرتعاً للأميركان؟ كيف تسكتون على من مكنهم من دماء إخوانكم في العراق وأفغانستان؟؟ كيف تسكتون على من أقام حكماً كفرياً على أنقاض دولة بنى رسول الله لبناتها من دماء أجدادكم الأنصار؟؟ بالله عليكم كونوا أنصار الله كما كان آباؤكم, فإنا نبحث بينكم وبين المسلمين عن أنصار هذا الزمان.
والله نسأل أن يمدنا بعون من عنده، وأن يعجل لنا بالفرج، وأن يكرمنا في القريب العاجل بنصر عزيز مؤزر من عنده، يمكننا به من إقامة الخلافة الإسلامية، ورفع الراية الإسلامية، وإعادة الحكم بما أنزل الله.
2009-08-21