تفجيرات الرياض… والتنسيق السعودي – الأميركي (1)
2003/08/20م
المقالات
2,126 زيارة
تفجيرات الرياض…
والتنسيق السعودي – الأميركي (1)
لقد وقعت في الرياض في 11/3/1424هـ الموافق 12/5/2003م. تفجيرات استهدفت مجمعات سكنية يقيم فيها أجانب، وراح ضحيتها عشرات القتلى ومئات الجرحى من الأميركيين والسعوديين وغيرهم. وقعت هذه التفجيرات كردة فعلٍ على الحملة العالمية على الإسلام والمسلمين التي تتولى كبرها أميركا تحت اسم محاربة الإرهاب، ويسير تحت لوائها، في حربها هذه، الحكام الذين يحكمون المسلمين بالحديد والنار.
على أثر هذه التفجيرات قامت قيامة الحكم السعودي ولم تقعد، ولم يبق قلم فكري أو سـياسي أو إعلامي… إسلامي أو علماني.. إلا ودان هذه التفجيرات على اعتبار أنه يناقض ما يأمر به الإسلام من حفظ الأمن والدماء والعهود، ويثير الفتنة الداخلية، ويشكّـل فرصة مناسبة للتدخلات الخارجية.
إن أول ما يتساءل به المسلم عند مناقشة ما يحدث، وقبل إعطاء الرأي فيه: ما الذي يفعله الأميركيون في السعودية؟ وبهذا التواجد الكثيف؟! ومن الذي أذن لهم بهذا التواجد وأعطاهم العهود على حفظ أنفسهم وأموالهم؟!
ــــــــــــــــــــ
إن المسلمين جميعهم يعلمون أن الأميركيين موجودون بكثرة في السعودية وجوداً مدنياً وعسكرياً بموجب اتفاقات بين السعودية وأميركا، ومنذ زمنٍ بعيد، وأن لهم في السعودية مناطق مغـلـقـة لا يدخلها حتى السعوديون. ويقوم معظمهم بمهمات تتعلق بسياسة بلادهم غير البـريئة، الطامعة فـي بلاد المسـلمـين، القائمة على الاستعمار والاستغلال.
إن المسلمين جميعهم يعلمون اليوم أن لأميركا أحلامها الامبراطورية التي لا تقبل منافساً لها. وأن سائر دول المسلمين تمالئ أميركا وتطيعها إطاعة العبد لسيده، وتقدم لها كل ما تطلبه ولسان حالها يقول: «أفعل ما تريدين فقط اتركيني في الحكم» وبما أننا نعيش في زمنٍ رديء الحق فيه للقوة، والقوي حجته قوية والضعيف حجته ضعيفة في زمن سيطرت فيه مفاهيم الديمقراطية الخبيثة، فانقلب الحق فيه باطلاً والباطل حقاً، وصار الدفاع عن الدين والنفس والمال والأرض والعرض… إرهاباً، واحتلال بلاد المسلمين وتقتيلهم وهدم بيوتهم، وجرف أراضيهم… دفاعاً عن النفس، وصار تمسك المسلمين بدينهم والقيام بشعائره… تطرّفاً… والانحلال والتفلّـت من قيم الإسلام… اعتدالاً.
لذلك عندما أعلنت أميركا حربها الصليبية على الإسلام والمسلمين وصحوتهم، تداعى لها سائر حكام المسلمين الرويبضات يساعدونها في مسعاها الخائب إن شاء اللَّه. فكانوا أعواناً لأعداء الأمة عليها يخذلونها ويسلمونها لهم فكانوا شركاء لها بحق في ما تقوم به.
هاجمت أميركا أفغانستان تحت حجّـة محاربة الإرهاب، وانتقاماً من تفجيرات 11 أيلول، وأخذت تلقي بعشرات آلاف الأطنان من أسلحتها المحرّمة دولياً، ومن غير أن تفرّق بين معتدٍ في نظرها وبريء، بين مقاتل وغير مقاتل، ولم توفّـر شيخاً ولا امرأة ولا طفلاً، وأحدثت المآسي التي أخفي معظمها ولم يخرجها الإعلام العالمي ولا العربي إلى العلن رغم علمه بها… كل هذا وحكام المسلمين يتولّـون أميركا ويشاركونها في جريمتها البشعة. حتى أصبح هؤلاء الحكام لعنة على لسان كل مسلم ويرون فيهم أنهم شياطين في جثمان أنس.
ثم هاجمت العراق وبقيت تجمع قواتها لفترة من الوقت وتعد الخطط وتغطي بأقمارها الاصطناعية وراداراتها وطائراتها، وبمنظوماتها الصاروخية ساحة المعركة… كل ذلك انطلاقاً من بلاد المسلمين المحيطة أراضيهم بالعراق، وبإذن من حكامهم، وبموجب اتفاقات سرية بمعظمها، ومن الطبيعي أن تكون سرية لأن ما قدموه لأميركا من تسهيلات ومساعدات لا يقبل بها أحد من المسلمين، ولأنه هو الجريمة بعينها. ومن الأمثلة على ذلك السعودية التي نحن بصدد الحديث عنها، والتي تعتبر نموذجاً من النماذج الأخرى التي قدمت لأميركا ما قدمته، والتي لا يختلف حكامها عن سائر حكام المسلمين، وإن تظاهروا بالإسلام أكثر من غيرهم. فإن اختلفت المظاهر فإن قلوب جميع هؤلاء الحكام مستوية في العمالة، والولاء لدول الكفر، والخيانة للَّه ولرسوله وللمؤمنين. نعم، إن حكام السعودية الذين ليسوا من اللَّه في شيء قدّموا لأميركا ما يجعلهم شركاء في الجريمة، ويجعل الإثم الكبير يلحقهم، ولعنة اللَّه تحيط بهم، فهؤلاء لم يألوا المسلمين خبالاً. وإذا عرف المسلم حجم ما قدمه هؤلاء من دعم مالي وعسكري وأمني، ثم سكت عنهم، فإن إثم السكوت عنهم وإثم القعود عن تغييرهم سيلحقه. وهاكم بعض ما قدمته السعودية بأمرٍ من حكامها لأميركا، كما ذكرته وسائل الإعلام وشهود العيان، والمخفي أعظم.
l سمح حكام السعودية لأميركا باستخدام قواعـدها القـائمة، وبخـاصـة قاعـدة الأمـيـر سلطان، وخميس مشيط، والطائف. وقد أكّـدت صـحيفة الواشنطن بوست أن كل النشاطات الجوية في الحرب تدار من قبل قاعدة الأمير سـلطـان التي يتـوفّـر فيهـا الـمـسـتـوى الأفضل خارج الولايات المتحدة فـي الرصد الجوي والسيطرة على حركة الطائرات.
l سمح حكام السعودية لأميركا باستخدام قواعد جديدة من بينها قاعدة تبوك وعرعر. وقد تجاوز عدد طائرات النقل في تبوك مثلاً خمسين طائرة، وكذلك تجاوز عدد طائرات (إف15) الخمسين طائرة. وذكرت أعداد مماثلة في مطار عرعر. وبلغ عدد العسكريين الأميركيين في القاعدتين حدود عشرين ألفاً. وأكّـد شهود عيان من أهالي عـرعـر انطلاق الصواريخ الأميركية لضرب أهدافها في العراق.
l سمح حكام السعودية لأميركا باستخدام كل الممرات الجوية المطلوبة لعبور طائراتهم وصواريخهم، سواء أكانت هذه الطائرات والصواريخ قادمة من البحر الأحمر، أم من جنوب المملكة، أم من أي منطقة أخرى.
l أمر حكام السعودية بتفريغ عدد من الموانئ السعودية للقوات الأميركية لإنزال معدات ومركبات، وكل ما تحتاج له هذه القوات في عدوانها على العراق. كما أقفلت بعض الموانئ على ساحل الخليج وخصّـصت بالكامل للقوات الأميركية.
l بأمر من حكام السعودية، تمّ تكليف القوات السعودية الجوية المسؤولة عن الأواكس، والدعم الجوي بتسهيل تزويد الطائرات الأميركية بالبنـزين مـن الجـو.
l بأمر من حكام السعودية، تمّ تفريغ جزء كبير من الشرطة العسكرية لحراسة مواقع وجود القوات الأميركية في عرعر وتبوك وحفر الباطن، والسماح للأميركيين إقامة نقاط تفتيش، ومنع السعوديين من دخول أمكنة، ولو كانت محل عملهم.
l بأمر من حكام السعودية، تمّ إرسال وحدات من القوات السعودية للكويت ولحفر الباطن تحت غطاء الدفاع عن الكويت، بينما الهدف الحقيقي هو توفير دعم معنوي للقوات الأميركية، والتطبيق العملي لمبدأ القبول بشرعية الضربة العسكرية ضد العراق.
l بأمر من حكام السعودية، تمّ زيادة ضخّ النفـط إلى كمـيـات تقترب من عشرة ملايين برميل يومياً للتعويض عن أي نقص في النفط العراقي، ومن ثم تخفيض أسعار النفط عالمياً لتخفيف آثار الحرب على الاقتصاد الأميركي ومن ثم تخصيص جزء من هذه الكمية بأسعار مخفضة للولايات المتحدة فقط.
l قامت وزارة الداخلية السعودية بتهيئة الرأي العام السعودي للقيام بحملة أمنية شاملة ضد المجموعات الإسلامية التي يمكن أن تقوم بهجمات انتقاماً مما تفعله القوات الأميركية.
l صدرت توجيهات شفوية لكل إدارات المساجد في وزارة الأوقاف بمنع الدعاء على الأميركيين أو بوش أو بلير بالاسم، وأخذت الوزارة تعهّـداً من الخطباء والأئمة بعدم السماح لأي شخص بالحديث في المسجد، مهما كان، إلا بعد إذن خاص من وزارة الداخلية والأوقاف.
l كلّـفت وزارة الداخلية ما يسمى بفرق التوجيه الديني والوعظ بعمل جولات على الضباط والأفراد، في كافة مناطق المملكة لحثّـهم على طاعة ولي الأمر. وقامت هذه الفرق بالتوجه إلى السعوديين والطلب إليهم عدم طاعة أية جهة مهـما كانت إلا قيادة وزارة الداخـلـيـة لأنها الوحيدة التي تمثّـل ولاية الأمر، والوحيدة المستأمنة على الدين والأمة.
l تمّ التنسيق مع العلماء المتعاونين مع الدولة (علماء السلاطين) بإصدار التصريحات التي تنصح بالالتفاف حول الدولة، وتعتبر ممارساتها مشروعة. وقد حدث ذلك بالفعل. ومن ذلك:
– ما قاله المفتي العام في المملكة الشيخ عبد العزيز بن عبد اللَّه آل الشيخ حين سئل عن الدعوة لنـزع الطاعة من الإمام فإنه لم يكتفِ بتجريم وتفسيق من يعمل ذلك ووصفه بالنفاق والضلال… بل إنه تبرّع بوصف آل سعود بأنهم سعوا في إصلاح الأمة والدفاع عنها وسهر الليل الطويل فـي حماية هذا المجتمع والدفاع عنه بكل ممـكـن وضـحّـوا بالأوقات والأموال فـي سبيل حماية هذا المجتمع.
– ما قاله رئيس ديوان المظالم منصور بن حمد المالك بأن ما يقولونه عن المملكة وحكامها كذب وافتراء وباطل؛ لأنهم بذلك يسعون إلى شقّ عصا الطاعة وإيجاد الفتنة، لعن اللَّه من أيقظها، لأنها تلحق الضرر بالأمة، وتثير الفتن بين المسلمين. وطالب بضرورة محاكمة هؤلاء قضائياً، لأن في القضاء إظهاراً للحق وبيانه، ومعاقبة من يخرج عنه أو يحيد عن الصواب.
إن مستوى التعاون بين السعودية وأميركا، فيما تسميه أميركا محاربة الإرهاب أي الإسلام بحسب المفهوم الأميركي، عالٍ جداً. وقد عبّـر عن ذلك الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض اليهودي آري فلايشر فأعلن أن بوش اتصل في 13/5 بوليّ العهد السعودي ليرحب بموقف القيادة السعودية الحازم في شأن متابعة منفذي الهجمات، وليبدي ارتياحه إلى مستوى التعاون الذي يبديه المسؤولون السعوديون منذ هجمات 11 أيلول. وصدر موقف البيت الأبيض هذا بعد بعد انتقادات وجهها أعضاء من الكونغرس ومعلّـقون صحفيون أميركيون للسعودية. وهذه الانتقادات تزعم أن السعودية لم تقم بما فيه الكفاية لضرب الإرهاب. وبما أن الإدارة لا تشاطر أصحاب هذا الرأي موقفهم. فقد صرّح مسؤولون أميركيون وسعوديون في واشنطن أن التعاون الأمني بين الجانبين لم يتوقف على مدى السنوات الماضية.
بعد أن حدثت التفجيرات في الرياض في 13/5 زار مدير وكالة الاستخبارات المركزية جورج تينيت الرياض في 20/5 والتقى بولي العهد السعودي وأبدى ارتياحه إلى الإجراءات التي تتخذها السلطات السعودية لمواجهة الإرهاب. وعبّـر الطرفان عن ارتياحهما إلى مستوى التعاون الأمني القائم بينهما. وكان وزير الداخلية السعودي قد وصف قبل يومين أي في 18/5 التعاون الأمني القائم بين الولايات المتحدة والمملكة في مجال مكافحة الإرهاب بأنه مرضٍ وأن لديه الرغبة باستمرار هذا التعاون. وفي 13/6 ذكرت وسائل الإعلام أن عادل الجبير مستشار ولي العهد السعودي أعلن عن تشكيل فريق سعودي – أميركي يضمّ مسؤولين من أجهزة الأمن والاستخبارات في البلدين للعمل معاً، وتقاسم المعلومات الاستخباراتية في شكلٍ متزامن والقيام بعمليات مشتركة.
وبهذا نستطيع أن نقول إن النظام السعودي دخل الحرب على الإرهاب من منظور أميركي وليس من منظور إسلامي صرف. واعتبرت التفجيرات من ضمن المواجهة التي تحدث بين أميركا والمسلمين ولم تعتبر أحداثاً داخلية تعالجها السلطات السعودية وحدها. بل كان هناك تنسيق كامل، تطلع فيه أميركا على كل تفاصيله، وترسم خطواته، والمملكة تنفذ وتطيع من غير أن يكون لها أي اعتراض.
نعم، من هذا المنطلق ينطلق حكام السعودية كأداة بيد أميركا. ينسقون معها، يأتمرون بأمرها، يطلعونها على كل التفاصيل.
من هذا المنطلق أعلن سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي أن الذين يقفون وراء التفجيرات سيندمون، وصرّح الملك فهد في 16/5 أنه لن يسمح «بوجود فكر ضال يشجع الإرهاب ويغذيه، ولو حاول هذا الفكر التظاهر بالتديّـن» وأعلن الأمير عبد اللَّه في 20/5 أن من يتعاطف مع المارقين أو يبرّر أعمالهم يعتبر منهم. من غير أن يقول لنا ماذا يعتبر من يتعاطف مع أميركا أو يبرّر أعمالها؟
وكعادة العلماء الرسميين في تنفيذ ما يطلبه منهم حكام السعودية، فقد أتت خطبهم وتصريحاتهم لتصب في مصلحة النظام السعودي، وبالتالي في مصلحة أميركا، فقد صرّحوا وخطبوا وهاجموا الذين قاموا بالتفجيرات وتغافلوا عن وجود التعاون والتنسيق السعودي – الأميركي وعمت عيونهم عما يقترفه النظام السعودي من آثام التعاون مع أميركا وتحقيق أهدافها، والانصياع لأوامرها وليس لأوامر اللَّه تعالى.
ومن ذلك ما صرّح به المفتي العام في المملكة العربية السعودية في 25/6 أن «من أحدث حدثاً في البلاد لا يجوز التستّـر عليه، بل يجب الإبلاغ عنه ورفع أمره مباشرة إلى ولي الأمر بما يتوافق والشريعة الإسلامية.
كذلك اعتبرت هيئة كبار العلماء في السعودية التفجيرات بأنها «كبيرة من كبائر الذنوب العظام»، وأدان خطيب المسجد الحرام الشيخ أسامة عبد الله خياط في خطبة الجمعة في 20/4/1424هـ. الموافق 21/6/2003م. هذه التفجيرات معتبراً إياها «عملاً إرهابياً يأباه اللَّه ورسوله وصالح المؤمنين». كذلك فعل خطيب المسجد النبوي الشيخ عبد الباري الثبيتي في خطبة اليوم نفسه حيث اعتبر التفجيرات «كبيرة من الكبائر ليس لها ما يبرّرها لا شرعاً ولا عقلاً، وحذر من الغلو الاعتقادي».
كذلك فعل من لا يعتبر من العلماء الرسميين كسلمان العودة حيث أدان في صفحته على الإنترنت هذه التفجيرات إدانة صريحة واضحة لا لبس فيها واعتبرها عملاً شائناً محرّماً. وحضّ الشيخ سفر الحوالي المطلوبين للجهات الأمنية على تسليم أنفسهم، وقال «أنا على استعداد دائم لتقديم النصح والمشورة، وذلك بعد أن سلم الفقعسي نفسه للسلطات السعودية عن طريقه.
لكن الأمير نايف وزير الداخلية السعودي نفى أن يكون سفر الحوالي قد لعب دور وساطة لتسليم الفقعسي نفسه واعتبر أنه قام بتسليمه وذلك كما ورد في الحياة في 2/7/2003م. حين قال: «ليست هناك وساطة ولا مبادرات وليس وارداً أو مقبولاً من أي جهة أو أي شخص سعودي أو مجموعة يأتون بوساطة». لكنه أكد تقديره لكل شخص «يعمل على نصح أي شخص بالاستسلام أو القيام بتسليمه لسلطات الأمن».
وكدليل على التنسيق التام بل الانصياع الكامل للرغبات الأميركية أعلنت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية في 27/5/2003م. طي قيد وإعادة تأهيل 1710 من الأئمة والخطباء والمؤذنين في المساجد في مناطق مختلفة من السعودية. وكشفت الوزارة أنها تلقت توصيات رسمية بطي قيد 353 شخصاً من العاملين في المساجد هم 44 خطيب جمعة و160 إمام مسجد و149 مؤذناً، وذلك بعد التأكد من عدم صلاحيتهم للعمل في المساجد. في حين ألحقت بدورات شرعية 517 إماماً و950 خطيباً و750 مؤذناً. وكعادتها نفت السعودية أن تكون هذه الإجراءات بسبب التفجيرات أو أي ضغوط أميركية.. بل هي تندرج في إطار «حملة تقويم» وإعادة تأهيل للأئمة والخطباء والمؤذنين. كذلك فقد أدرجت وزارة الخارجية الأميركية مكاتب مؤسسة الحرمين في البوسنة والصومال على قائمة المنظمات الإرهابية في شهر آذار الماضي. ثم في حزيران أبلغ مسؤول في وزارة الخزانة الأميركية الكونغرس في الأسبوع الأخير من حزيران أن السعودية أغلقت عشرة من مكاتبها في الخارج، وأنها عدّلت مجلس إدارتها. وفي نفس السياق قال مستشار لولي العهد السعودي كان في زيارة لواشنطن في شهر حزيران أن مؤسسة الحرمين ستغلق مكاتبها خارج المملكة. وأنه سيحظر على أي مؤسسة سعودية فتح مكاتب لها في الخارج. وكذلك ما ذكرناه سابقاً من تنويه وزير الداخلية السعودي في مجال مكافحة الإرهاب فقد صرّح في 18/5/2003م. إلى أن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هيئة حكومية وستظل باقية ولكنه أشار إلى تطوير أدائها وتحسينه لتجنّـب الأخطاء الشخصية التي قد تحصل أي لتكون أعمالها غير متعارضة مع التعليمات الأميركية.
هذا واقع ما يحدث في السعودية، ولم نرد التقصـي والتفصـيل وإنما تبيان الجـوانب المفصلية في الموضوع.
ولنا مما يجري في السعودية مما ذكرنا الملاحظات الشرعية التالية:
إن من بديهيات الاجتهاد الشرعي ومعرفة حكم ما يحصل هو أولاً إدراك الواقع الذي يراد إنزال الحكم الشرعي عليه بشكل دقيق وعميق، بحيث يوضع الأصبع على المشكلة الأساسية التي يراد معالجتها بحيث لا يلتبس على المجتهد معرفة حقيقة المشكلة من أعراضها، ثم التفتيش عن النصوص الشرعية المتعلقة بهذه المشكلة ليستنبط منها حل المشكلة بعد أن يفهمها فهماً منضبطاً بحسب أصول الفقه المتبناة لديه.
فـمـن حيث إدراك الواقـع: يوجد في السـعـودية قواعـد عسـكـرية أميركية مدججة بمختلف أنواع الأسلحة، والتي قد يكون فيها النووي أو غيره مما هو محظور دولياً، وقوات أميركية تعد بعشرات الآلاف.
ومن حيث الواقع تعتبر أميركا دولة رأسمالية استعمارية كافرة ولها أطماعها الاستراتيجية في المنطقة بعامة، وفي السعودية بخاصة نظراً لثروتها النفطية الهائلة إذ فيها أكبر مخزون للنفط في العالم. وقد انكشفت هذه الأطماع حتى صار لا يناقش بها أحد.
ومن حيث الواقع: إن هذه القواعد العسكرية الأميركية والقوات الأميركية الموجودة في السعودية إنما هي موجودة بحسب اتفاقات معقودة بين الطرفين.
ومن حيث الواقع إن هذه القواعد والقوات الأميركية تستخدم فعلياً ضد المسلمين في كل مكان يشكّـل خطراً على أميركا، كما حدث في العراق وأفغانستان…
هذا هو الواقع، فما هو حكم اللَّـه فيه؟
إن حكم اللَّـه في هذا الوجود الأميركي حرام، وحرمته قطعية لما فيه من قتل للمسلمين ونهب لثرواتهم، وجعل سلطان للكافرين على المؤمنين. وإعانة لأميركا لضرب المسلمين العاملين المخلصين، وتمكين لأميركا من نشر أفكار الديمقراطية الكافرة ومفاهيمها الخطرة المنحلة، وتغيير مناهج التعليم…
نعم إن حكم اللَّه في هذا الوجود حرام شرعاً وحرمته كبيرة نظراً للآثار المترتبة عليه. وهذا الوجود لا يصبح شرعياً وإن أخذ إذناً وسماحاً من حكام السعودية وإن كان بموجب اتفاقات معقودة بين حكام السعودية وبين الولايات المتحدة، فإنه عقد باطل لا يلزم المسلمين بشيء ولا يترتب عليهم أي أثر من آثاره.
لذلك كـان على الـمـسـلـمـيـن أن يتصرفوا وكأن هـذا العـقـد والاتفاق الذي يسمح بوجود هذه القواعد غير موجود، ويجب عليهم طرد الأميركـيـيـن ولو بقـتـالـهـم. فطردهم وقتالهم واجب شرعي لا يماري فيه مسلم.
ولكن حكام السعودية لما عقدوا هذه الاتفاقات مع الأميركيين أعطوهم مواثيقهم وعهودهم بحمايتهم وتأمين سلامتهم وضرب كل من تمتد يده إليهم، بحكم أنهم حكام دولة. فالاتفاقات الدولية تبرمها الدول وتحافظ عليها وهي المسؤولة عن تنفيذها. وعليه فإنه بحسب القوانين السعودية القائمة على غير أساس الإسلام، والقوانين الأميركية، والقوانين الدولية، لا يحق للمسلم السعودي أن يتعرّض لهذا الوجود الأميركي. ويعتبر هذا التعرض جريمة، والمتعرض خارجاً على القانون، ويطلقون عليه بحسب المفاهيم الكافرة السائدة إرهابياً.
وعليه فإذا جاء المسلم ليقوم بما يمليه عليه الشرع فإنه أول عقبة ستواجهه، وتقف في وجهه، وتمنعه، وتلاحقه، وتضيّـق عليه وتكشفه وتقتله أو تسجنه أو تسلمه لأميركا (بحسب اتفاقات أخرى سرية).. هي عقبة الحكام. والحكام هم أقدر على القيام بذلك من أميركا على اعتبار أن للنظام الحاكم أجهزته الأمنية التي تحصي الأنفاس، وذراعه العسكرية الحديدية التي يُـحكم بها قبضته على المسلمين ويخمد أنفاس معارضيه، وعلماء دين يضفون الشرعية على كل فعل يقوم به هذا النظام.
لذلك، فإن طلب معرفة حكم اللَّه في الوجود الأميركي يجرنا إلى طلب معرفة حكم اللَّه في وجود النظام السعودي نفسه الذي سمح بهذا الوجود الأميركي وأعانه وعمل على ضرب المسلمين وتسليمهم لأميركا. وهذا هو العمق في البحث الذي يحتاج إليه معرفة الواقع الذي يراد معالجته والتفقه فيه. وهذا الذي يجرنا إلى معرفة الواقع بشكل كامل غير منقوص، ويجرنا إلى معرفة ما كان سبباً لوجود غيره، بحيث أنه لولاه لما كان هذا الوجود الأميركي. إن تركيز النظر على الوجود الأميركي المحرم شرعاً دون معرفة واقع النظام السعودي ومعرفة واقع مواقفه لا يعالج المشكلة معالجة جذرية ولا يجعل الأمور تستقيم كما هو مطلوب شرعاً.
نعم، إنه لا بد من معرفة واقع هذا النظام الـسـعـودي، وواقـع مـواقـفـه التي يقفها، ثم معرفة حكم اللَّه فيه.
إن واقع الدولة السعودية ومواقفها كلها تدل على أنها ليست دولة إسلامية، ولا بأي حال من الأحوال، لا من حيث شكل الحكم. ولا أنظمتها السياسية ولا الاقتصادية التي تحكم بها أحكاماً شرعية. ولا علاقاتها الخارجية قائمة على أساس الجهاد في سبيل الَّله والدعوة إلى الإسلام. وتقرّ التعامل مع الهيئات الدولية القائمة على الكفر من مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ومحكمة العدل الدولية، وتستدين بالربا من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ويستأثر حكامها والعائلة المالكة بالنفط وكأنه ملك لهم مع أن النفط ملكية عامة في الإسلام، وسمح حكامها لأميركا بإقامة القواعد العسكرية، وقدموا التسهيلات لها في عدوانها على المسلمين في العراق وأفغانستان وغيرهما، ونسّـقوا معها في محاربة المسلمين العاملين الذين يحاربون أميركا وذلك من منظور أميركي. نعم هذه هي السعودية التي تعتبر أرضها أشرف بقاع الأرض وأطهرها، وفيها المقدسات التي يحج إليها المسلمون سنوياً من كل فج عميق، وفيها نبتت نابتة الإسلام الأولى ومنها أشرقت شمسه التي امتد نورها ليشمل جنبات الأرض جميعها قد حوّلها آل سعود إلى مملكة لهم، وهذا بحد ذاته مجاف للشرع… وعليه، فإنها إذا لم تكن دولة إسلامية فما هي؟ وما حكم اللَّه فيها؟ وكيف يجب أن يتعامل المسلمون مع حكامها؟ وما هو العمل الشرعي الواجب تجاهها؟
إن الحكم في السعودية لا يختلف عن الحكم في أي بلد من بلاد المسلمين، وإن فرض على الحكم السعودي أن يكون ظاهره إسلامياً لوجود الحرمين الشريفين في السعودية ولكنه شكل ظاهري. فأعمال النظام السعودي ومواقفه لا تصدر عن الأحكام الشرعية. فهو يحترم وجود دول متعددة تحكم المسلمين بغير الإسلام، ويسـيـر معها بحسـب نظـرة واحـدة غير إسلامية فـي حـل الـمـشـاكل. كقضية المسلمين في فلسطين من حيث استعداده للاعتراف بدولة يهود، والاعتراف بما تفرضه أميركا من حكم في العراق، حتى المساعدات المادية التي كان النظام السعودي يقدمها للمسلمين في أفغانستان وكوسوفا والبوسنة والهرسك وكشمير والشيشان فإنما كان يفعل ذلك من منطلق أنها أوامر أميركية، وتخدم السياسة الأميركية، وليس من منطلق أنها أحكام شرعية بدليل أنه كان يأمر بإيقافها عندما تأتي الأوامر الأميركية بإيقافها مع استمرار الحاجة إليها…
إن هذا الواقع يفرض علينا أن ننظر إلى السعودية نظرة أعمق.
وعليه، فإن واقع الحكم في السعودية غير إسلامي. ويجب تحويله إلى حكم إسلامي أولاً. فهو لما سمح بالوجود الأميركي، وأعان الأميركيين على الإسلام والمسلمين، ولما أبدى استعداده للتنازل عن أرض فلسطين الإسلامية لليهود وقبوله التعايش معهم… وغيره مما ذكرنا فإنما يفعل ذلك من منطلق أن مواقفه لا يأخذها من الشرع، ولا يقوم بها بناء على أنها أوامر من اللَّه أو نواه. وهذا وحده كافٍ للحكم على السعودية بأنها لا تحكم بالإسلام لا من قريب ولا من بعيد.
فعلى المسلمين أن ينظروا إلى السعودية تلك النظرة الكاملة، لا أن يركزوا فقط على عمل من أعمالها وهو سماحها بالوجود الأميركي ثم يتركوا الباقي. بل لا بد عند معالجة هذا الموضوع، من معالجته معالجة جذرية تقضي على أساس المشاكل ليقضي على كل آثارها.
إن الحـكـم في السعودية ليس إسلامياً، ويجـب العـمـل فيهـا لإقـامـة حـكـم الإسلام، والعمل لإقامة حكم الإسلام في السعودية هو تماماً ما فعله الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وذلك ليس بعيداً عن أرض السعودية حيث قامت الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة.
هـذا هـو أسـاس المـشـكلة في السعودية وهذه هي المشكلة الأساس. وإذا حلّـت هذه المشكلة الأساس حلّـت باقي المشاكل لأنها متفرّعة عنها. والمشاكل الأخرى ليست منفصلة عن المشكلة الأساس، بل هي تابعة لها. وجدت بوجودها، وتحلُّ بانتفائها.
وهذا ما يجب على المسلمين، أن يعملوا له، ويركزوا جهودهم عليه، وإلا فلن يتغيّـر شيء في السعودية، بل ستطول قائمة مشاكل المسلمين وستتعقّـد، وسيزداد تحكّـم أميركا وغيرها بالمسلمين.
أما ما هو موقف العلماء في السعودية من هـذا الواقـع؟ ومـا هـو الـمـوقـف الـشـرعـي مـنـه؟ فهذا ما سنحاول، إن شاء اللَّه أن نناقشه فـي عدد لاحق، واللَّـه المستعان .
[يتبع]
2003-08-20