مع القرآن الكريم: (لِيُظهِرَهُ عَلَى الدِينِ كُلِّهِ)
2003/06/20م
المقالات
1,885 زيارة
مع القرآن الكريم:
بسم الله الرحمن الرحيم
(لِيُظهِرَهُ عَلَى الدِينِ كُلِّهِ)
قال تعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) [التوبة].
وقال تعالى: ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً) [الفتح] .
وقال تعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) [الصف].
ـــــــــــــــــــ
إنّ ابتداء هذه الآيات بذكره تعالى أربع مرات عن طريق الضمير المنفصل (هو) ، ثمّ الاسم الموصول (الذي) العائد إليه سبحانه، ثمّ الضمير المستتر الفاعل لفعل (أرسل)، ثمّ الضمير المتصل (الهاء) في )رسوله) ، بالإضافة إلى تكرار هذه الآيات ثلاث مرات في القرآن، يوحي بزيادة جديّة في القول، وتأكيد وعد للمؤمنين الذين يدينون دين الحقّ، ويحرّمون ما حرّم اللَّه، بأنّ الغلبة ستكون لهم. والإظهار سيكون لدينهم على الدين كلّه. وفي هذه الآيات بشارة على أنّ الدين الإسلامي هو الوحيد الباقي القادر على قيادة البشرية إلى قيام الساعة وفي جميع الأحوال. وقد جاءت كلٌّ من آيتي التوبة والصفّ بعد آيتين متشابهتين في المعنى. تقول الأولى: (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون( [التوبة] وتقول الثانية: (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون( [الصف] فكانت آيتا الإظهار في التوبة والصفّ بيانٌ وتوكيد لما سبقهما.
قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى (بالهدى): «هو ما جاء به من الإخبارات الصادقة والإيمان الصحيح والعلم النافع». وفي تفسير قوله تعالى: (ودين الحق): «هو الأعمال الصالحة الصحيحة النافعة في الدنيا والآخرة». وقوله تعالى: (ليظهره على الدين كله) أي على سائر الأديان والمبادئ والأفكار ممّا مضى أو سيبتدع على مرّ الزمان. أما قوله تعالى: ( ليظهره) ففيه إشارةٌ واضحة إلى أنّ الدين الإسلامي يعلو على سائر الأديان ولا يقضي عليها أو يمحوها من الوجود؛ لأنّه ليس من طبيعته إزالة ما يخالفه من الوجود بالقوة وإنّما إخضاع المخالفين المعاندين لحكمه مع تركهم وما يعتقدونه وما يعبدونه إذ إنّ من طبيعة هذا الدين أنّه يقوم بالنسبة لسائر الأديان على قوله تعالى: (لا إكراه في الدين).
والدّين الإسلامي ظاهرٌ على غيره من الأديان من حيث هو دين. فهو الدّين الحقّ بذاته الصحيح بمنهجه، المستقيم مع الفطرة، المقنع للعقل، فهو ظاهرٌ على الدّين بحقيقته. وهذا الدّين الحقّ وعد اللَّه بإظهاره من حيث الواقع إذا ما قام المؤمنون بحقّه تعالى عليهم من إقامة شرعه والجهاد في سبيله الماضي حكمه إلى قيام الساعة.
– فقد ثبت في صحيح مسلم أنّه عليه الصلاة والسلام قال: «إنّ اللَّه زوى ليَ الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإنّ أمّتي سيبلغ ملكها ما زُوي لي منها»
– وورد عند أحمد والطبراني أنّه عليه الصلاة والسلام قال: «ليبلغنّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك اللَّه بيت مدرٍ ولا وبر إلاّ أدخله هذا الدّين بعزّ عزيزٍ أو بذلّ ذليل، عزًّا يعزّ به الإسلام وذلاًّ يذلّ به الكفر» قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح.
– وروى أحمد والدرامي في حديثٍ صحيح يقول أبو قبيل: «كنّا عند عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، وسئل أيّ المدينتين تُفتح أوّلاً القسطنطينية أو روميّة؟ فدعا عبد اللَّه بصندوقٍ له حلق، فأخرج منه كتابًا، قال: فقال عبد اللَّه بينما نحن حول رسول اللَّه، فكتب إذ سُئل رسول اللَّه (صلى الله عليه وسلم) أيّ المدينتين تُفتح أوّلاً يعني القسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول اللَّه (صلى الله عليه وسلم): «مدينة هرقل أولاً» أي القسطنطينية. (ورومية هي روما كما هي في معجم البلدان) وهي عاصمة النصرانية.
– وروى الحافظ العراقي من طريق أحمد حديثًا صحيحًا مرفوعًا عن حذيفة رضي اللَّه عنه: «تكون النبوة فيكم ما شاء اللَّه أن تكون ثمّ يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثمّ تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء اللّه أن تكون ثمّ يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثمّ تكون ملكًا عاضًّا فيكون ما شاء اللَّه أن يكون ثمّ يرفعها إذا شاء أن يرفعها. ثمّ تكون ملكًا جبريًّا فتكون ما شاء اللَّه أن تكون ثمّ يرفعها اللَّه إذا شاء أن يرفعها، ثمّ تكون خلافةً على منهاج النبوة تعمل في الناس بسنّة النبي ويلقي الإسلام بجرانه في الأرض، يرضى عنها ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدع السماء من قطر إلاّ صبّته مدرارًا ولا تدع الأرض من نباتها ولا بركاتها شيئًا إلاّ أخرجته».
– وروى البخاري ومسلم وأحمد، واللفظ لمسلم، أنّه عليه الصلاة والسلام قال: «لا تقوم الساعة حتّى يقاتل المسلمون اليهودَ، فيقتلُهم المسلمون حتّى يختبئ اليهوديُّ من وراء الحجر والشجر، فيقولُ الحجرُ أو الشجرُ يا مسلمُ يا عبدَ اللَّه هذا يهوديٌّ خلفي، فتعالَ فاقتلْهُ إلاّ الغرقدَ فإنّه من شجرِ اليهودِ».
إنّ وعد اللَّه بإظهار هذا الدّين يتطلّب من المسلمين أن يقوموا بما يُرضي اللَّه سبحانه عنهم ليستحقّوا أن يمنّ عليهم بنصره ونسأل اللَّه أن يجعل بشارة النصر تتحقّق على أيدينا، وفي هذه الأيام حتّى يشفي صدورنا ويُذهب غيظ قلوبنا ويُخزي الكافرين، إنّه على ما يشاء قدير .
2003-06-20