الكتاب: ثلاثة كُتُب في ميزان الإسلام
المؤلف: الدكتور عبد المجيد عبد السلام المحتسب
الناشر: دار إحياء التراث العربي/ 1979/ بيروت. 96 صفحة من الحجم المتوسط.
«… وبعد، فهذه صفحات كتبتها في ثلاثة كتب كتبها معاصرون:
الكتاب الأول: التفكير العلمي، للدكتور فؤاد زكريا.
والكتاب الثاني: أزمة الوحدة العربية، للدكتور عبد العزيز الأهواني.
والكتاب الثالث: تجديد الفكر العربي للدكتور زكي نجيب محمود.
والأفكار الواردة في هذه الكتب وزنتها بميزان الإسلام، ونقضت ما يجب أن ينقض منها بأفكار الإسلام…».
الكتاب الأول:
ثم ينتقل المؤلف بعد المقدمة إلى نقضٍ بنَّاء لكتاب “التفكير العلمي” للدكتور من موضوعات تقع في مقدمة وفصول سبعة وخاتمة. فيحدد الدكتور فؤاد زكريا في مقدمة كتابه معنى التفكير العلمي، ويعتقد أن موضوع التفكير العلمي هو موضوع الساعة في العالم العربي. ويركز في الفصل الأول في كتابه على سمات التفكير العلمي ثم يذكر في الفصل الثاني من كتابه العقبات التي تقف في طريق هذا التفكير وينتقل في الفصل الثالث ليدري المعالم الكبرى في طريق العلم. أما في الفصل الرابع فيلقي الدكتور زكريا الضوء في لمحة سريعة على معنى التكنولوجيا وصلتها بالعلم منذ مراحله الأولى حتى عصرنا الحاضر. وفي الفصل الخامس لمحة عن العمل المعاصر منذ مطلع العصر الحديث حسب مفهوم الأوروبيين إلى الوقت الراهن. أما الفصل السادس والسابع فيخصّصها للحديث عن الأبعاد الاجتماعية للعلم المعاصر، ويتحدث عن مجموعة من العناصر التي يعتقد أنها من أهم مكونات شخصية العالم. وهي الأخلاق المتصلة بعمله العلمي وثقافته.
وبعد عرض ما يتضمنه الكتاب، يقوم الدكتور المحتسب بنقضّ، أو بعبارة أخرى بنسف، رأي الدكتور فؤاد زكريا في أن الطريقة العملية هي أساس التفكير ويقول: أنَّ أساس التفكير هو الطريقة العقلية(1)، وباقي الطرق كالطريقة العلمية أو المنطقية هي فروعٌ من الأصل، ألا وهو الطريقة العقليّة ويدعِّم المؤلف (د. المحتسب) نقضه هذا بالأدلة والأمثلة الكافية لدحض كل ما ذهب إليه الدكتور زكريا في كتابه.
الكتاب الثاني:
ثم ينتقل الدكتور المحتسب ليلقي الضوء على الكتاب الثاني وهو “أزمة الوحدة العربية” للدكتور عبد العزيز الأهواني. ويقوم بنقض خمس نقاط رئيسية في كتاب الدكتور الأهواني فيبيَّن فسادها وعدم مطابقتها للواقع:
النقطة الأولى: ـ يقول الدكتور الأهواني في كتابه أن “الوحدة العربية لا تتم إلا بمضمون تقدمي من الناحية الفكرية، ومضمون اشتراكي من الناحية الاقتصادية، وأن الاشتراكية النظام الملائم لمطلب الوحدة العربية” ـ فيرد الدكتور المحتسب بقوله أن الاشتراكية العلمية هي مجرد فروض نظرية لا ترتقي لأن تكن حقيقة علميّة، فضلاً عن أنها تنقض الفكرة الشيوعية الخاصة بتعريف العقل بأنه انعكاس للمادة على الدماغ وأن العملية العقلية هي عملية إحساس وحسب.
النقطة الثانية: ـ يقول الدكتور الأهواني بأن الثقافة التقدمية العربية هي التي تربط بين قلوب المواطنين العرب وعقولهم، وتجعلهم يحسون بالأخوة” فيرد الدكتور المحتسب على هذا القول بأنَّ الكاتب يخلط بين الثقافة الإسلامية والاشتراكية، ولم يتنبه إلى أن الثقافة هي مجموعة المفاهيم والقناعات التي تقوم على فكرة كليَّة عن الكون والإنسان والحياة. ويرى الدكتور المحتسب أن لا أفكار رجعية ولا أفكار تقدمية، فإذا كان الأساس الذي بنيت عليه هذه الأفكار صحيح فكل الأفكار الفرعية صحيحة وراقية، وإذا كان الأساس فاسداً فسد كل ما تفرع عنه من أفكار.
النقطة الثالثة: ـ وهي رأي الدكتور الأهواني في الوعي القومي والمحنة الفلسطينية. فبرأيه أن المحنة الفلسطينية لها أثر كبير في تعميق الوعي القومي. ويذكر مهزلة الجيوش العربية في فلسطين سنة 1947، وتحقيق الوحدة العربية من خلال وحدة شعبية بكل ما تتضمنه الكلمة من مضامين سياسية واجتماعية. فيهمس الدكتور المحتسب في أذن الدكتور الأهواني ويقول له: “إذا قام في فلسطين المحتلة أو ما يسمى بإسرائيل حكم اشتراكي ماركسي، فماذا يفعل العرب؟؟؟. ويزيد الدكتور المحتسب: إنَّ الدكتور الأهواني تناسى أن روسيا الاشتراكية كانت الدولة الثانية التي اعترفت بإسرائيل. ثم ينتهي ردّه بالقول: أن قضية فلسطين جزء من قضية المسلمين، وأما قضية الكبرى فهي إعادة وحدتهم جميعاً على أساس الإسلام.
النقطة الرابعة: ـ وهي النقطة التي يسأل عنها الدكتور الأهواني: لماذا الخوف من العلمية، فمن حق العلم أن يتدخل في الأمور الدينية. فيبيِّن الدكتور المحتسب فساد رأي الكاتب بالقول: إن على المرء أن يفرّق بين الطريقة العلمية والطريقة العقلية، وأن الطريقة العلمية لا يصح استخدامها إلا في الأشياء المحسوسة.
النقطة الخامسة:
ـ وهي عنوان وضعه الأهواني في كتابه “أزمة الثقة بالجماهير العربية”. فيهاجم فيه فكرة الرزق والقدر. ويرد الدكتور المحتسب على الدكتور الأهواني بشرح مسهب للقضاء والقدر، ويوضح فكرة الرزق مستشهداً بآيات وأحاديث.
ويختم الدكتور المحتسب نقضه للكتاب بقوله: “يجب أن يعلم بأن ما قلته في هذه النقاط الخمس لا أريد به الطعن في شخص المؤلف. وإنما أردت به وجه الحق والصواب. وهذه النقاط الخمس من القضايا المصيرية التي لا يمكن السكوت عنها“.
الكتاب الثالث:
وهو كتاب “تجديد الفكر العربي” للدكتور زكي نجيب محمود. يعرض الدكتور المحتسب المشكلة التي عاني منها الدكتور زكي، والتي تتلخص في أنه فتح عينيه فلم يجد إلا الثقافة الغربية في جميع مراحل دراسته وتدريسه، وأنه يريد التوفيق بين ثقافة الغرب وثقافة الأجداد فهو يريد ثقافة منسّقة حتى يندمج فيها المنقول والأصيل وفجأة يجد مفتاح الحل وهو قولٌ لكاتب إنجليزي “أن هناك طرائق قديمة وطرائق جديدة، فما كان من طرائق قديمة نافعة أخذناها وإذا وجدنا العكس نضعها جانباً”.
يرد الدكتور المحتسب بقوله: يجب التفريق بين الوسائل المستخدمة والثقافة ويقول: أن المسلمين لا يمانعون استخدام الطائرات والدبابات بدلاً من الجمل والحصان لأنها من الأشياء التي أجاز الشارع تغييرها وليس لسبب آخر.
ويذكِّر الدكتور المحتسب أن زكي نجيب محمود قد استعار وجهة نظر المفكرين الرأسماليين في اتخاذ الطريقة العلمية أساساً للتفكير وجعلها حَكَماً في الحكم على الأشياء. ثم ينقض هذه الفكرة التي لا يصح أن تطبق إلا على المادة المحسوسة. وقد أخذ المسلمون الطريقة العلمية أساساً للتفكير لانبهارهم بالثورة الصناعية التي تصلح فيها الطريقة العلمية.
ويعود الدكتور المحتسب للرد على الكاتب فيقول: إن الإسلام نظام حياة متكامل ليس فيه اشتراكية ولا ديمقراطية، وأن الأفكار والأعمال راقية لذاتها بغض النظر عن قدمها أو معاصرتها. وينهي الدكتور المحتسب قوله بأنه: كفانا مجافاة لأفكارنا الإسلامية وذلك لحديث رسول الله «لتركبن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموه، وحتى لو أن أحدهم جامع امرأته بالطريق لفعلتموه».
ويُنهي الدكتور المحتسب بأنه اكتفى بنقض الأفكار الأساسية التي بنى الكاتب زكي محمود أفكاره عليها، “وما بني على فاسد فهو فاسد“.