مع القرآن الكريم
(وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ ءَايَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ).
جاء في كتاب «التيسير في أصول التفسير» لمؤلفه العالم في أصول الفقه أمير حزب التحرير عطاء بن خليل أبو الرشتة (حفظه الله تعالى وسدد خطاه):
يذكر الله في هذه الآية الكريمة الأمور التالية:
-
تحريم تزويج المؤمنة من مشرك وتحريم زواج المؤمن من مشركة مهما كان نوع الإعجاب بالمشركين والمشركات أكان مالاً أم جاهاً أم غير ذلك.
والقول بالتحريم ناتج من أن هناك نهياً (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ) (وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ) وهناك قرينة تفيد النهي الجازم وهي: (أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) فيكون النهي جازماً أي حراماً.
-
المشرك والمشركة هنا يشمل كلّ كافر بدلالة (أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) أي يدعون إلى الكفر المؤدي إلى النار، وذلك لأن النار ذكرت هنا في مقابلة الجنة وأصحاب النار الذين لن يدخلوا الجنة هم الكفار، ولذلك فإن (أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) علة للتحريم ولخيرية الأَمَة المؤمنة على الحرة المشركة وخيرية العبد المؤمن على الحرّ المشرك وذلك في موضع النكاح (الزواج).
أي أنَّ (أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) علة لخيرية المؤمنين وتحريم زواج المؤمنين من مشركات أو المؤمنات من مشركين.
وهذا التعليل بهذا المعنى يشمل (الذين يدعون إلى الكفر المؤدي إلى النار) وهو لكلّ كافر مهما كانت نوعيته.
ولا يقال إن (لفظ مشرك) لا يشمل (أهل الكتاب) فتحريم الزواج من المشركين والمشركات لا يشمل أهل الكتاب، حيث وردت آيات تفصل المشركين عن أهل الكتاب (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) البقرة/آية105 لا يقال ذلك من وجهين:
أ. أن اليهود والنصارى مشركون بنصّ الكتاب، فقد قال الله سبحانه: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ، اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) التوبة/آية30-31 فاليهود والنصارى مشركون.
ب. إنَّ {المشركين} إذا أطلقت عرية من القرائن فهي تدلّ على من جعل مع الله أنداداً شركاء، أي للدلالة على نوع من أنواع الكفر فإذا وردت مع قرينة فهي بحسب القرينة، وهي هنا وردت معللة (بأنهم يدعون إلى النار ولا يدخلون الجنة) وهذه العلة تشمل كلّ كافر من أهل النار وليس من أهل الجنة.
أما الآية (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ) البقرة/آية104 فهي أسماء لأنواع من الكفر: أهل الكتاب والمشركين، وكلّ منهما تدل على مسماها، ولذلك فإن (الْمُشْرِكَاتِ) و(الْمُشْرِكِينَ) في الآية تشمل كلّ كافر من أهل الكتاب أو من غيرهم كما بينّا.
أي أن هذه الآية تفيد:
تحريم زواج المؤمن من كافرة.
وتحريم زواج المؤمنة من كافر.
-
لقد ورد تخصيص هذه الآية العامة في كل كافر بآية المائدة (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) المائدة/آية5.
فهنا تخصيص لنوع من أنواع الكفر، وهنَّ المحصنات الكتابيات، أي اليهوديات والنصرانيات فهنَّ اللاتي يطلق عليهن هذا اللفظ شرعاً، ولذلك فالزواج من نساء أهل الكتاب المحصنات (العفيفات) يجوز للمسلمين.
أما زواج المسلمة من الكفار فقد بقي على عمومه، ولم يرد له تخصيص في أي نوع من الكفار سواء أكانوا من أهل الكتاب أم من غيرهم.
-
أما لماذا قلنا إن (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ)، أي (أهل الكتاب)، تطلق على اليهود والنصارى فالنصوص في ذلك كثيرة في الكتاب والسنة منها: (يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) آل عمران/آية 65 أي أن أهل الكتاب هم اليهود (التوراة) والنصارى (الإنجيل). ولما سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن التعامل مع المجوس قال صلوات الله وسلامه عليه: “سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير آكلي ذبائحهم ولا ناكحي نسائهم” (الموطأ، المعجم الكبير للطبراني، البيقهي، ابن أبي شبية، عبدالرزاق) أي كاليهود والنصارى إلا في الذبائح والنساء. وغير ذلك من النصوص.
-
إلا أن المستثنى من التحريم من نساء أهل الكتاب أي العفيفات، أما ما يفعله بعض المسلمين الذين ينتقلون في بلاد الكفار من الشرق والغرب فيتزوجون من نسائهم دون أن يهتموا بالعفاف فهذا مخالف للحكم الشرعي لأن واقع تلك البلاد يهيمن عليه ما يسمونه بالحرية الشخصية والتي تجعل الزنا عندهم أمراً معتاداً، ولذلك فمن الأهمية بمكان أن يهتم الشباب المسلم بهذا الأمر، فإن وجدوا العفيفة من أهل الكتاب فيحلّ لهم ذلك وإن لم تكن فلا تحلّ لهم حفاظاً على أحكام الشرع وعدم اختلاط الأنساب وعدم الوقوع في مآسٍ كثيرة نتيجة تلك الحالات.
روى ابن عطية أن حذيفة بن اليمان تزوج بكتابية، فأراد عمر أن يفرق بينهما فقال له حذيفة: أتزعم أنها حرام فأخلي سبيلها يا أمير المؤمنين؟ فقال: لا أزعم أنها حرام، ولكني أخاف أن تعاطوا المومسات منهن.
وروي عن ابن عباس نحو هذا، أي أن عمر كره له ذلك لاحتمال عدم العفاف فكيف إذا تحقق كما في بلاد الكفار هذه الأيام؟
وفي رواية أخرى أخرجها ابن جرير تزوج يهودية فكتب إليه عمر: خلِّ سبيلها. فكتب إليه: أتزعم أنها حرام فأخلي سبيلها؟ فقال: لا أزعم أنها حرام ولكني أخاف أن تعافوا المؤمنات.
فقد كره عمر ذلك لئلا يزهد الناس بالمسلمات. ومن ذلك يتبين أن الشاب المسلم إن أراد الزواج من كتابية عليه أن يطمئن أنها عفيفة لا تتعاطى الزنا، فإن عثر على هذه يجوز له الزواج منها ولكن الأولى أن يتزوج من المسلمات.
يقول (صلى الله عليه وآله وسلم): “تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك” (البخاري ومسلم والترمذي).
-
وبناء على ما سبق، فإنه لم يستثن من تحريم الزواج من الكافرات إلا نساء أهل الكتاب المحصنات – أي العفيفات – وغير ذلك فالآية تحرمه على نحو ما بيناه.