مال المسلمين العام: ينهبه الحكام ويحرم منه المسلمون
2010/03/20م
المقالات
4,095 زيارة
مال المسلمين العام: ينهبه الحكام ويحرم منه المسلمون
م. موسى عبد الشكور
جاء الإسلام بنظام كامل للحياة، ورسالة شاملة للعالم، وكان لا بد له من دولة تطبّقه وتحمله إلى العالم. وقد جعل الإسلام هذه الدولة شكلاً مميزاً، وطرازاً فريداً، يختلف عن جميع أشكال الدول في العالم في أركانها التي تقوم عليها، وأجهزتها التي تتكون منها، ودستورها، وقوانينها المأخوذة من كتاب الله وسنّة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، التي يجب على الخليفة، وعلى الأمّة، الالتزام بها، وتطبيقها، والتقيّد بأحكامها؛ لأنّها من شرع الله، وليس من تشريع البشر.
إن السياسة الاقتصادية الإسلامية في الإسلام حيازةً وتوزيعاً مرتبطة بالعقيدة الإسلامية التي لها تأثير على سلوك المسلم بشكل عام مثل ربط الرزق والكسب والإنفاق بالإيمان والاستغفار والذكر, حيث قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) [الأعراف 96] يستعين بها المتخصصون في الاقتصاد الإسلامي للتدليل على كفاءة النظام الاقتصادي الإسلامي وصلاحيته للتطبيق.
وقد نظر الإسلام للمال على أنه لله، وأن ما في الكون مسخر للإنسان، وأن ما بيد الإنسان من مال على اختلاف أنواعه وأشكاله ومقاديره وما ينتجه هذا المال من أموال، إنما هو جميعاً مال الله، استخلفهم فيه واعطاهم حق الانتفاع به تطبيقاً لقوله تعالى: (ءَامِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) [الحديد 7].
وقد أناط الإسلام بدولة الخلافة أن تقوم برعاية شؤون الأمّة، وأناط بها القيام بإدارة الأموال الواردة للدولة، وإنفاقها، حتى تتمكن من الرعاية، ومن حمل الدعوة، وقد بيّنت الأدلة الشرعية احكام المال العام وهو الأعيان والأموال الناتجة عن الملكية العامة التي تخص جميع المسلمين والتي توضع في بيت المال لصرفها لعامة الناس للانتفاع بها، فهم أصحابها وتستغرق كل مسلم على وجه الأرض من رعايا الدولة.
وتحظى السياسية الاقتصادية ومنها المالية بدور كبير في الدولة الإسلامية، وتسعى لتحقيق سياسة اقتصادية ومالية ناجحة حتى تتمكن من الرعاية، ومن حمل الدعوة. فالقوة المالية والاقتصادية هما من الأركان الأساسية في الدولة؛ لذلك لم يهمل النظام الإسلامي تدبير الأمور المالية، بل أعطاهما حقهما من التنظيم والضبط لما لهما من أهمية
والدولة في النظام الإسلامي هي راعية للمال وليست خازنة له، بحيث توزع على المجتمع كل الموارد الزائدة عن متطلبات تسيير إدراة الحكم والمرافق العامة. ويذكر في هذا الشأن أن علياً (رضي الله عنه) لم يكن يترك شيئاً في بيت المال لأكثر من عام. وكان عمر يقول: «ما زاد المال لأعدنّه لهم عداً، وإن أعياني لأكيلنّه لهم كيلاً، فإن أعياني حثوته بغير حساب».
والمال العام هو كل مال كان أرضاً أو كان بناءً أو معدناً أو نقداً أو عروضاً استحقه المسلمون وفق الأحكام الشرعية وجعل الشارع ملكيته لجماعة المسلمين وجعله مشتركاً بينهم، وأباح للأفراد أن ينتفعوا منه ومنعهم من تملكه وهو ثلاثة أنواع رئيسية:
أولاً: المرافق العامة للجماعة التي لا تستغني عنها الجماعة في حياتها الجماعية وتتفرق عند فقدها كالماء قال رسولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم): «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلاثٍ: فِي الْكَلإِ وَالْمَاءِ وَالنَّارِ» وكان الماء والكلأ والنار أول ما أباحه الله للناس كافة وجعلهم شركاء فيه ومنعهم من حمي أي شيء منه، وهو لمن سبق، ويلحق بهذا النوع من المال العام كل آلة تستعمل فيه مثل آلات ضخ الماء وكذلك آلات توليد الكهرباء من مساقط المياه العامة وكذلك أعمدتها وأسلاكها…
ثانياً: الأعيان التي تكون طبيعة تكوينها تمنع اختصاص الأفراد بحيازتها مثل الشوارع والساحات العامة ومثل عرفة ومنى ومزدلفة قال رسولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم): «مِنًى مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ» وكذلك القطارات وأعمده الكهرباء وأنابيب المياه لأنها تأخذ قسماً من الطريق العام أخذاً دائماً.
ثالثاً: المعادن العد التي لا تنقطع وهي المعادن الكثيرة غير محدودة المقدار؛ فلا يجوز أن يختص بها الأفراد. أما باقي الأراضي والأملاك فتكون ملكاً للدولة وتتصرف بها الدولة من صحارى وجبال وشواطئ وموات الأرض غير المملوكة للأفراد وليست من الملكية العامة يستغلها ويحييها ويتصرف بها خليفة المسلمين لصالح المسلمين.
ويوضع المال العام في بيت المال لتسجيله وتوثيقه بحثاً وتنقيباً واستخراجاً وتسويقاً ووروداً وتصريفاً، ويفرد للمال العام مكاناً معيناً في بيت المال ولا يخلط بغيره لأنه مملوك لجميع المسلمين يصرفه الخليفة وفق ما يراه مصلحة للمسلمين حسب رأيه واجتهاده ضمن الأحكام الشرعية ويكون المال العام كما يلي:
1- النفط والغاز وكل ما تستخرجه من باطن الأرض.
2- الكهرباء.
3- البحار والأنهار والبحيرات والغابات والعيون.
4- الغابات والمراعي.
5- الحمى.
حقوق ولي الأمر في المال العام:
السياسة المالية العامة في الدولة الإسلامية ضبطها الإسلام بأحكام شرعية تفصيلية، وأناط بالخليفة تنفيذها، وبيت المال كان العنوان الأبرز في تنفيذ تلك السياسة من خلال تلك الأحكام. وجعلت توزيع المال العام والتصرف به من صلاحيات الحاكم المسلم قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [الأنفال1] فجعلت للرسول بوصفه رئيساً للدولة الإسلامية صلاحية توزيعها وفق ما يرى لمصلحة المسلمين، وألزمت الإمام بحفظه وصونه وصرفه في الوجوه الشرعية، ووردت الأدلة بالوعيد الشديد على من يفرط في ذلك، روى البخاري من حديث خولة الأنصارية عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «إِنَّ رِجَالاً يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَهُمْ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قال ابن حجر: «… وفي هذا الحديث ردع الولاة أن يأخذوا من المال شيئاً بغير حقه، أو يمنعوه من أهله…». وفي عهد عمر (رضي الله عنه) ورد عنه أنه قال: «لا يحل لعمر من مال الله إلا حلتين: حلة للشتاء وحلة للصيف، وما أحج به وأعتمر، وقوتي وقوت أهلي كرجل من قريش ليس بأغناهم ولا بأفقرهم، ثم أنا بعدُ رجل من المسلمين».
كما أن الإمام يأخذ من المال العام لنفسه وعياله بمقدار الكفاية. فعن المستورد بن شداد الفهري (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «مَنْ كَانَ لَنَا عَامِلا فَلْيَكْتَسِبْ زَوْجَةً، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خَادِمٌ فَلْيَكْتَسِبْ خَادِمًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْكَنٌ فَلْيَكْتَسِبْ مَسْكَنًا، قَالَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ أُخْبِرْتُ أَنَّ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قَالَ مَنْ اتَّخَذَ غَيْرَ ذَلِكَ فَهُوَ غَالٌّ أَوْ سَارِقٌ» وقال له علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) «لك من هذا المال ما يقيمك ويصلح عيالك بالمعروف وليس لك من هذا المال غيره». فيد ولي الأمر غير مطلقة في المال العام.
وقد وضع الإسلام سياسات عامة للمال العام منها:
1- أحقية المسلمين جميعاً على وجه الأرض بالمال العام فلا فرق بين المسلم القاطن في الجزيرة العربية أو القاطن في باكستان أو القاطن في أفريقيا أو القاطن في الصين أو أوروبا أو أميركا وغيرها، وكان عمر (رضي الله عنه) يحلف على أيمان ثلاثة ويقول: «والله ما أحد أحق بهذا المال من أحد، وما أنا بأحق به من أحد. والله ما من المسلمين أحد إلا له في هذا المال نصيب».
2- ليس لأحد أن يحرم ملكية الانتفاع التي جعلها الله حقاً للأفراد. فقد قال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «مَا أُعْطِيكُمْ وَلا أَمْنَعُكُمْ، إِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْتُ».
3- توظيف الأموال في الوصول بالمجتمع إلى سد الحاجات الأساسية، بحيث تحل مشاكل الإنسان في المجتمع الإسلامي ومنها ظاهرة الفقر وتمكين ولي الأمر من التوسعة على الناس.
4- التسوية بين الناس في العطاء من المال العام، والمراد: التسوية بين المسلمين في دفع الحاجات، لا في قدر العطاء.
5- الرفق بالرعية في تحصيل الأموال فلم ينحصر مبدأ رعاية الدولة في المال العام بالتوزيع بل شمل أيضاً الجباية. فهذا علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) يوصي عامله على الخراج قائلاً: إذا أقدمت عليهم فلا تبيعنّ لهم كسوة شتاء ولا صيف ولا رزقاً يأكلونه ولا دابة يحملون عليها، ولا تضربنّ أحداً منهم سوطاً واحداً في درهم.
6- أن ولي الأمر والعمال لا يملكون ما أهدي إليهم عندما يكونون على رأس أعمالهم، بل يكون رشوة محرمة؛ لأنه إنما أهدي إليهم من أجل مكانهم من المسلمين، لا من أجل أشخاصهم، فلم يكن أولى بالهدية منهم، وحديث أبي حميد الساعدي في قصة ابن اللتبية حيث أنكر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عليه أخذ ما أهدي إليه بسبب ولايته، وعدَّه غلولاً.
7- المحاسبة في كل الأمور ومنه الأمور المالية إذا خالف فيه الحق، فوضعه في مصارف غير مشروعة «مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا».
8- مسؤولية الدولة في مراقبة كيفية التصرف في المال العام.
9- تأمين الكفاية الاقتصادية للمجتمع، وسد الحاجات الأساسية للأفراد، وضمان الحد الأدنى من المعيشة لكل واحد منهم، والعمل على تحسين مستوى الرفاهية حتى لا تكون هناك تبعية اقتصادية لدول أخرى.
10- التطلع للاحتياجات المستقبلية للأجيال بعد حد الكفاية, فقد رأى عمر بن الخطاب عندما زادت إيرادات بيت المال مع فتح العراق، ضرورة رعاية احتياجات الذرية والأرامل ومصلحة أجيال المستقبل وحماية الثغور لدولة الإسلام.
أما كيفية الانتفاع بالمال العام والذي هو ملك لكل مسلم، فإن لكل مسلم، ذكراً أو أنثى، صغيراً أو كبيراً، أن ينتفع بهذه الملكية مباشرة وبآلته مثل الماء والكلأ والنار والطرقات والأنهار أو غير مباشرة. والذي ما لا يسهل الانتفاع به مباشرة كالنفط والمعادن فعلى الدولة استخراجه نيابة عن المسلمين، ويتم توزيعه من قبل الحاكم بالتساوي، حسب ما يراه الحاكم بعد أجور موظفي ديوان الملكية العامة وأجور الخبراء والعمال وبعد دفع ثمن المعدات اللازمة من مضخات وقطارات. ويكون الانتفاع من أعيان الملكيات العامة بما يحتاجونه من ماء وكهرباء ونفط في منازلهم وأسواقهم من غير ثمن أو بسعر التكلفة، كما ويستطيع أن يوزع عليهم نقوداً مما ينتج عن المال العام وفق ما يراه الحاكم المسلم.
وفي حالة عدم كفاية واردات بيت المال من فيء وجزية وخراج وعشور وخمس لنفقات الدولة لكثرة المسؤوليات العامة وخاصة في الإنفاق العسكري، ينتقل الإنفاق عليها إلى المسلمين، وذلك مقابل تأمين أرزاق الجند وتوفير الماء وإقامة المدارس والجامعات والمساجد والمستشفيات والإنفاق على الفقراء والمساكين والأيتام والأرامل والجهاد ومتطلباته من أسلحة وطائرات وبوارج… هذابالإجمال ما سار عليه المسلمون سابقاً.
هذا ما ستسير عليه الدولة الإسلامية القادمة بإذن الله وتطبقه كأحكام شرعية كما طبقته من قبل، وأحسنت تطبيقه زمن الخلفاء الراشدين.
أما سياسة الدول القائمة في العالم الإسلامي فهي تقوم على استغلال وسرقة الأنظمة للمال العام، وهي سياسة تجعل موظفيها يفكرون في قضايا مثل الرشوة والسرقة والتزوير ونحو ذلك، إما لانخفاض الأجور والظلم حتى أصبح منتشراً بين موظفي الدوائر الحكومية التسابق لسرقة المال العام. فالصحف مليئة بقضايا اختلاس ورشوة بمبالغ كبيرة جداً، وتحويل أموال إلى البنوك في الخارج، ويكفينا ما روي أن عمر بن الخطاب لما رأى الأموال الكثيرة المنقولة من الأقاليم بين يديه، قال: «إن قوماً أدوا الأمانة في هذا لأمناء، فقال له بعض الحاضرين: إنك أديت الأمانة إلى الله تعالى فأدوا إليك الأمانة، ولو رتعت لرتعوا». وأما في مجال التصرف بالأموال العامة وأموال الدولة وجمعها وصرفها فلا يُعلم أحد أكثر إجراماً من حكام المسلمين اليوم، وسوف يشهد التاريخ أنهم ضيعوا على أمة الإسلام أكبر ثروة مالية مرت في تاريخها، وأنهو تخوّضوا في مال الله، وصرفوه بغير حقه على أنفسهم وعلى قرابتهم وعلى زبانيتهم حيث يتميز الآلاف من أبناء الأسرة الحاكمة عن عامة الناس في استغلال المال العام وتمتعهم بكل الحقوق، وإعفائهم من كل الواجبات، وحصانتهم ضد القضاء، وإطلاق يدهم في إهانة الناس وأكل أموالهم وهتك أعراضهم، بل وحتى قتلهم وإزهاق أرواحهم، إلى أن يصل الحال بالإنسان إلى مستوى الرق والعبودية، كما هو حال بعض العمال المستقدمين من بلاد المسلمين. وصرفت الأموال العامة حتى تحول واقع الدولة من فائض بمئة وخمسين مليار دولار في السعودية مثلاً إلى ديون ومستحقات بمئة وخمسين مليار دولار، بينما قدّرت ممتلكات الأسرة في الخارج بما لا يقل عن خمسمئة مليار دولار وهذا المال مصدره المال العام وهو النفط وغيره في الجزيرة الذي هو ملك لجميع المسلمين، وقد تحولت الدولة إلى شركة مساهمة تملكها عائلة اقتسمت الإمارة فيما بينها حتى تم توظيف المقربين وأكثرهم جريمة وخيانة ليوضع في المناصب الحساسة، سواء أكانت مالية أم عسكرية أم سياسية أم استخباراتية، ويكون هؤلاء جميعاً معصومين من كل أشكال المحاسبة، ولديهم كل الحصانة ضد أي مساءلة، وقد مارس الحكام شتى أنواع الفساد والإسراف وتبذير ثروة الأمة بعد أن كان يصرف في صالح المسلمين والجهاد في سبيل الله، وهذه صورة من صور إنفاق المال العام التي يتبعها حكام المسلمين المفروضين على الأمة:
1- بناء الأبراج والتطاول في بنيانها، وبناء الجزر التي لا هدف من بنائها إلا المتع الرخيصة، وبناء الحكام القصور بتكاليف خيالية سواء في بلدانهم أو حتى في سائر العواصم العربية والأجنبية لتكون ماخوراً لنـزواتهم.
2- الاستثمار في الدول الأجنبية وإنشاء الفنادق والمنتجعات وإقامة المتاحف على غرار متحف اللوفر والمتاحف العالمية مثل امتلاك شركة دبي العالمية فندقاً ونادياً للقمار ضمن مشروع “سيتي سنتر” الذي يكلف 8.7 مليار دولار في مدينة لاس فيغاس الأميركية وتمتلك شركه دبي 50% منه.
3- إبرام صفقات التسلح الخيالية التي ينتهي الأمر بها للخردة والتلف.
4- صرف مبالغ خيالية على الحفلات وشراء الخيل والكلاب والأسود والنمور والصقور…
5- مصروفات الوجود العسكري الأجنبي مثل القواعد العسكرية وغيرها.
6- الامتيازات التي تمنح لشركات الاستثمار الأميركية. لنهب الأموال والاستثمارات الخليجية في الدول الأجنبية.
7- رواتب دائمة لأبناء العائلات الحاكمة، وهي تتفاوت بحسب القرابة للحاكم الملك أو للأمير الحاكم. وبالنسبة إلى الأعطيات إلِى صغار الحكام فالابن الصغير لأحد الحكام الملوك يعتبر أغنى طفل في العالم إذ تقدر أمواله وأرصدته عام 1987م بـ 1600 مليون دولار.
8- الهدايا بدون حساب فقد دفع مبلغاً مقداره “450960” دولار كهدية لزوجة ريغان إضافة إلى هدية بمبلغ 200.000 دولار إلى وصيفتها، وكذلك كان يصرف إلى موظفي المطاعم الهدايا مثل ساعات الذهب التى كان يلبسها جميع الجرسونات، وتصرف لهم رواتب خيالية علاوة على مصاريف أخرى لموظفين يديرون قصورهم وسياراتهم وطائراتهم الخاصة.
9- دعم المؤسسات الأجنبية مثل دعم قطر لشركة فولكسفاجن الألمانية للسيارات بمبلغ 7 مليارات دولار.
10- شراء ودعم مؤسسات مصرفية أجنبية ودفع الإتاوة لأوروبا وأميركا تحت أسماء شتى مثل العقود الاستشارية الكبرى، والتوكيلات التجارية، والمنح الأجنبية.
11- صرف أموال طائلة تحت عناوين شتى مثل الخدمات الاجتماعية دون تحديد كيف صرف، ولا تحديد مبررات الصرف، ولا تحديد أسماء من صرف لهم ولا نوعية الخدمات التي قدموها.
12- إيداع ما تبقى في بنوك سويسرا خدمة للكفار فأين يذهب ثمن الإنتاج اليومي المعلن عنه من النفط. إن مثل هذه المبالغ توضع في مثل هذه المصاريف لأنها تحافظ على سرية هذه المبالغ المسروقة عن أعين المسلمين ومن ثم هي توضع في حسابات الربا المحرم شرعاً.
إنه لا توجد بيانات إحصائية لإسراف الحكام وفسادهم، وما يتسرب قليل من كثير، ولكن بهذا القليل يدرك كيفية التصرف بالمال العام والفرق الكبير بين الحاكم والمحكوم في معيشته وحياته، فالأمة منفصلة انفصالاً تاماً عن الدولة، أي عن حكامها، وإن العلاقة بين جمهرة الناس والحكام علاقة فئتين متباينتين لا علاقة بين رعية ودولة، وفضلاً عن ذلك فهي علاقة كره وتضاد وتناقض للشعور بأكل حقوقهم، وليس فيها أي تقارب ولا ما يشعر بإمكانية التقارب.
إن الأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامي يعتقدون أنهم يملكون الأرض وما عليها وما تحتها وما ينتج عنها، وأن أي قرار بخصوص الاقتصاد هو حق مطلق لهم لا لغيرهم، وأنهم ليسوا عرضة لأي محاسبة أو مساءلة عن قراراتهم الاقتصادية، وأن أي معلومة عن دخل الدول وحفظه وصرفه هي ملك للحكام، إن شاؤوا أعلنوها وإن شاؤوا أخفوها، فهم غير خاضعين لدين ولا لمنطق ولا لمصلحة، فأموال الدولة هي أموالهم لا فرق بين المال العام والمال الخاص لأن الناس وأموالهم ملك لهم. هذا ما يتصرف على أساسه الحكام.
ولو أخذنا مثالاً لواحدة من دول العالم الإسلامي ففي عام 2005م مثلاً بلغت عائدات إحدى دول الخليج من صادرات النفط “المال العام” حوالى 220 مليار دولار بعد كل المصاريف. ولكن الحقيقة أن هذه الأرقام ليس لها أدنى علاقة بواقع الحال للمسلمين جميعاً. وهنا نتساءل: أين نفط الخليج كله؟ وأين نفط العراق؟ وأين نفط مصر؟ ونفط ليبيا؟ وأين نفط الجزائر؟ وأين نفط إيران؟ والسودان؟ والقائمة تطول وتطول لخيرات وثروات العالم الإسلامي الأخرى من المعادن والذهب إلخ… إن المال العام ليس ملكاً للحاكم، بل هو أمانة في يد الأمة، والأمة يفترض أن تكون وضعته في يد الحاكم، وهذا المال في الأصل استخلفه الله بأيدينا حتى يرى كيف نتصرف فيه، لذلك يقول الله سبحانه وتعالى: (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) فلاحظ قوله تعالى: (جَعَلَكُمْ) ولم يقل جعل الحاكم ولا جعله مستخلفاً فيه، بل قال: (جَعَلَكُمْ) ولذلك فالدولة نائب وأمين ووكيل عن الأمة في خدمة هذا المال العام، والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول فيما رواه البخاري: «مَا أُعْطِيكُمْ وَلا أَمْنَعُكُمْ، إِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْتُ»، وكان عمر (رضي الله عنه) يحلف ثلاثاً ويقول: «والله ما أحد أحق من هذا المال من أحد, وما أنا أحق به من أحد, ووالله لو بقيت لأوتينّ الراعي بجبل صنعاء حظه من هذا المال وهو يرعى مكانه» رواه أحمد في المسند.
فلا يحل للحاكم ولا أي مسؤول أن يأخذ لنفسه إلا ما يفرضه له الناس بالمعروف، ويكفينا قصة أبي بكر حينما استلم الحكم وكان يريد أن يتاجر ويعيش من كدّ يده، فقالوا له: ليس لديك من الوقت ما يكفي لكي تتاجر وتعيش من كدّ يدك، بل لا بد أن يُفرض لك مال، والصحابة هم الذين فرضوا المال الذي يأخذه، وانطبق هذا الحكم على عمر وغيره من أمراء المؤمنين؛ ولذلك كان من أهم أحكام المال العام تحريم الغلول فقال تعالى: (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [آل عمران 161]، والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ رِزْقًا فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ» حديث صحيح. وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «مَنْ كَانَ لَنَا عَامِلاً فَلْيَكْتَسِبْ زَوْجَةً، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خَادِمٌ فَلْيَكْتَسِبْ خَادِمًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْكَنٌ فَلْيَكْتَسِبْ مَسْكَنًا، قَالَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ أُخْبِرْتُ أَنَّ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قَالَ مَنْ اتَّخَذَ غَيْرَ ذَلِكَ فَهُوَ غَالٌّ أَوْ سَارِقٌ» وهو حديث صحيح كذلك قال (صلى الله عليه وآله وسلم): « إِنَّهُ سَيُفْتَحُ لَكُمْ مَشَارِقُ الأَرْضِ وَمَغَارِبُهَا، وَإِنَّ عُمَّالَهَا فِي النَّارِ إِلا مَنْ اتَّقَى اللَّهَ وَأَدَّى الأَمَانَةَ ».
وقال رجل لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): «يا أمير المؤمنين، لو وسعت على نفسك في النفقة من مال الله تعالى؟ فقال له عمر: أتدري ما مثلي ومثل هؤلاء [يعني الرعية] كمثل قوم كانوا في سفر، فجمعوا منهم مالاً وسلموه إلى واحد ينفقه عليهم، فهل يحل لذلك الرجل أن يستأثر عنهم فيأخذ من أموالهم؟» هذا رأي عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) في تمثيل أو تصوير المال العام في يد الحاكم، فأين عمر من حكام اليوم حين أتاه مال من البحرين فقال عمر لعامله: «بما جئت؟ قال: بخمسمائة ألف درهم، فاستكثره عمر وقال: أتدري ما تقول؟ قال: نعم، مائة ألف خمس مرات، فصعد عمر المنبر وقال: أيها الناس قد جاءنا مال كثير، فإن شئتم كِلنا لكم كيلاً، وإن شئتم عددنا لكم عدّاً» وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إِنَّ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَجْلِسًا إِمَامٌ عَادِلٌ، وَأَبْغَضَ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ وَأَبْعَدَهُمْ مِنْهُ مَجْلِسًا إِمَامٌ جَائِرٌ».
يجب تطبيق النظام الإسلامي علينا كمسلمين، فهو نظام محدد واضح من حيث مصادر الثروة العامة وبيت المال وكذلك وجوه الصرف من خلال نصوص القرآن والسنة، فإن كثيراً من الفرعيات لا يمكن البت فيها برأي الفرد الحاكم، ولا بد من الرجوع إلى آراء الفقهاء للاجتهاد، ولذلك لا يظنن أحد أن الدولة دولة قديمة لا يوجد فيها تشريعات اقتصادية تستطيع أن تعالج مشاكل المسلمين اليوم، بل سيكون لدى الدولة الإسلامية نظام اقتصادي ناجح يقوم بدوره في إيجاد القوة للدولة والكفاية للمسلمين. بل أكثر من ذلك سيكون لدى الدولة الإسلامية القدرة على حل مشاكل العالم الاقتصادية والتي يعجزون عن حلها بأنفسهم.
إن الدولة الإسلامية هي الدولة الوحيدة التي تسير أعمالها كلها بالكتاب والسنة، وتطبق وتحفظ المال العام للمسلمين، وتمكن الناس من الاستفادة منه، وتؤدب من يستغله بغير حق، هذه كفاءة النظام الاقتصادي الإسلامي الصالح للتطبيق في كل زمان ومكان والذي يقضي على الفقر في كافه أجزاء العالم الإسلامي، بل ستكون آثار تطبيق النظام الإسلامي الاقتصادي من خلال الدولة الإسلامية القادمة قريباً بإذن الله الأنموذج للشعوب الأخرى لتتخلى عن أنظمتها الاقتصادية الرأسمالية الجائرة التي كدست الأموال في أيدٍ قليلة جشعة ظالمة وحرمت منها الشعوب بل واستعبدتهم. وبعبارة أخرى سيكون الإسلام كنظام، ومنه النظام الاقتصادي الأنموذج العادل لكل البشرية.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) عَنْ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قَالَ: «حَدٌّ يُقَامُ فِي الأَرْضِ خَيْرٌ لِلنَّاسِ مِنْ أَنْ يُمْطَرُوا ثَلاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا» رواه أحمد.
2010-03-20