بين حق المقاومة.. وفرض الجهاد
2010/03/20م
المقالات
2,323 زيارة
بين حق المقاومة.. وفرض الجهاد
عبد الكريم المقدسي – القدس
حينما بدأت الأمةُ بتَحَسُسِ طريقِها للتحررِ من الاحتلال، وقامتْ جماعاتٌ مخلصةٌ من أبناءِ الأمةِ،بإعلانِ الجهادِ (المقدس) ضِدَّ الكافرِالمُستَعمِر لطردِهِ من بلادِ المسلمين، ارتعدتْ فرائِصُ الكفرِ، فتحَرَّكَ قبلَ أن يَفْقِدَ زِمامَ المُبادرةِ مُحاوِلاً استمالة أولئكَ المجاهدينَ المخلصين، ولما لمْ يُفلِحْ في ذلكَ افتَعَلَ حركاتٍ وتكتلاتٍ تابعةً لهُ على أساسِ القوميةِ الضيقةِ والوطنيةِ المنحطة، تتظاهرُ بمُقاومةِ المحُتَلّ والسعيٍ للاستقلالِ مع أنها في الحقيقةِ امتدادٌ للاستعمار وتمكينٌ له في السيطرةِ على البلادِ والعبادِ ونهبِ الثروات، وبما يُشبه المسرحياتِ تظاهرَ الاستعمار بالخروجِ من بلادِ المسلمينَ، مُخَلِفاًَ وراءَهُ حكاماً وأنظمةً يَخْدِمونَهُ أكثَرَ منْ نَفْسِهِ، يُحَرِّكُهُم كالدُمى كيفما شاء، يُطَبقون أنظمةَ الكُفرِ على شعوبِهم ويحاربون مَنْ والى اللهَ ورسولَه، ومَعَ ذلك لم تنطلِ هذه المؤامراتُ على الواعينَ من أبناءِ الأمة الذين عقدوا العَزمَ على إعادةِ الإسلام إلى الحياةِ.
وبعدَ دراسةٍ ومراجعةٍ عميقةٍ وشاملةٍ قامَ بها الغربُ الكافرُ، توَصَّلَ إلى أن قوةَ الإسلامِ (والمسلمينَ) تكمُنُ في العقيدةِ وما ينبثقُ عنها من أفكارٍ، ما دعاهُم إلى إعادةِ النظرِ في خُطَطِهِم وإلى تطويرِها، لتتولى الدولُ الكافِرةُ بأجهزتِها الرسميةِ وعملائِها من الحكامِ والمفكرينَ مُهِمَةَ الإجهازِ على الإسلامِ، بالإجهازِ على عقيدتِه بوصفها عقيدةً سياسيةً، لِيُحِلُوا محَلَّها عقيدةَ فصلِ الدينِ عن الحياة، فبدؤوا ببثِ أفكارٍ تؤدي إلى ما أرادوا، فنشروا أفكارَ القوميةِ والديمقراطيةِ والحرية وحقوق المرأة، وحوار الأديان، وشنوا حرباً على بعضِ أفكارِ الإسلامِ وعلى رسولِنا محمدٍ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعقدوا المؤتمرات وسَخَّروا وسائلَ الإعلامِ ومناهجَ التعليمِ حتى تُصبحَ هذه الأفكارُ السقيمة ثقافةً عامَّةً عند الأمةِ، لِتُغَيِّرَ دينَها كما يتمنى الغربُ الكافرُ مصداقاً لقوله تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) [البقرة 109].
وإلى جانبِ ذلك كلِهِ سَخَّروا أقلاماَ وعلماءَ ضالينَ مُضِلينَ يُحَرِّفون الكَلِمَ عن مواضِعه. ومن المفاهيمِ والأحكامِ التي غيروا وبدّلوا في مضامينِها بتوجيهٍ من الغربِ الحاقِدِ مفهومَ الجهاد، ذلك أنَّ تَرَكُّزَ مفهومِ الجهادِ في أذهانِ المسلمينَ يجعَلُهُم يستَحقرونَ الحياةَ ويبذلونَ المُهَجَ والأرواحَ في حملِ الإسلامِ رسالةَ خيرٍ وهُدىً للعالَمِ، مما يرعبُ الغربَ ويَقُضُّ مضجَعَه.
أما الهُجومُ على الجهادِ كمفهومٍ وكواقعٍ، فإنه لم يظهرْ بشكلٍ جليٍّ إلا بعدَ الاستعمارِ المباشِرِ الذي تعرضت لهُ الأُمَّةُ الإسلاميةُ بَعدَ هدمِ الخلافةِ والذي تزامَنَ مَعَ الغزوِ الفكريِ والثقافيِ والتبشيري، فكما ذكرنا آنفاً فإنَّ المُخلصينَ من أبناءِ الأمةِ أعلنوا الجهادَ على المُستَعمِرِ، فعَمَدَ إلى الطعنِ في فكرةِ الجهادِ وتشويهِ صورَتِه، واستَخْدَمَ أسلوبين ماكِرينِ للإيقاعِ بالمسلمينَ فيما أراد:
الأوَّلً بجَعلِ بعضِ (مستشرقيه) يَشُنونَ هجوماً مباشراً على فكرةِ الجهادِ كما فَعَل المستشرق (إيرفينج) الذي قال: “الإسلامُ انتشَرَ بقوةِ السيف”، وكما جاء على لسان بندكتوس في كلمتِهِ الفاجرةِ نقلاً عن الإمبراطورِ البيزنطيِ التي قال فيها لِمَنْ زَعَمَ أنَّهُ مُحاوِرُه: “دُلَني على شيءٍ جاءَ به محمدٌ كانَ جديدًا، ولن تَجِدَ إلا أشياءَ شريرةً وغيرَ إنسانيةٍ مثلَ أمرِهِ بأن تُنشَرَ العقيدةُ التي جاءَ بها بالسيف”.
والثاني وهُو الأخطرُ، فهو بمثابةِ دَسِّ السُمِ في الدسم، حيثُ لَبِسَ بعضُ المستشرقينَ (جنرالاتُ الغزو الفكري) عَباءةَ الدفاعِ عن الإسلامِ أمام أقرانهم كتوماس أرنولد وهو مستشرقٌ ادعى الإسلامَ وقد ألَّفَ كتاباً بعنوان: (الدعوةُ إلى الإسلام) بيَنَ فيهِ أنَّ الإسلامَ لم ينتشر بالسيفِ، وإنما انَتشَرَ بالدعوةِ السِلْمِيَّةِ المُتَبَرِّئَةِ من كلِ قوة. وقدْ وَقَعَ في أحابيلِهِ أكثَرُ المفكرينَ والباحثينَ المسلمينَ في العصرِ الحديث، ذلك أنَّ بعضَهم خانَتهُ الفِطنَةُ فوقَعَ في الفَخِّ، والبعضُ الآخرُ غَلَبَتهُ الدنيا فارتمى بأحضانِ الغربِ، وصارَ من أبواقِه، ومن أدواتِ الحُكامِ المجرمين، فأصبحَ هؤلاءِ المفكرينَ إذا سَمِعوا من يَتَهَجََّمُ على الإسلامِ بأنَّهُ انتَشَرَ بالسيفِ من المُستَشرِقينَ، قالوا: أخطأتُم واسمعوا الرَّدَ عليكم من بني جِلدتِكم، فهذا توماس يقول كذا وكذا. وهكذا فقد خَرَجَ الانهزاميون من المسلمينَ يدافِعونَ عنِ الإسلامِ، وأرادوا تَبرِئَتًهُ مِنْ هذهِ الفِريةِ على حَدِّ زَعْمِِهِم، فَنَفَوا أن يكونَ الإسلامُ انتَشَرَ بالسيفِ، وَنَفَوا مشروعيةَ الجهادِ في الإسلامِ إلا على سبيلِ الدفاعِ فقط، وأما جهادُ الطلبِ فلا وجودَ له عندهم. وهذا خلافُ ما قَرَّرَهُ أئِمَةُ الهُدى عُلماءُ المسلمين، فضلاً عن مخالَفَتِهِ للقرآنِ والسنة. ولم يختلفْ في هذا الأمرِ اثنان من الأئمةِ الأوائل. ولستُ هنا لأرُدَّ على هرطقاتِ المستشرقينَ والانهزاميين القائلينَ بأنَّ الجهادَ حربٌ دفاعيةٌ، فإنَّ أفضَلَ رَدٍّ عليهم ما سَيَرَوْنَهُ بعدَ أنْ تقومَ الخلافةُ قريباً جداً بإذن الله تعالى. بل المقصودُ هنا تِبيانُ الآثارِ المُدَمِّرةِ للغزوِ الفكريِ الغربيِ على مفهومِ الجهادِ الذي هو في أعلى سُلَّمِ القِيَمِ للسياسةِ الخارجيةِ في الإسلام، جاءَ في الحديثِ الذي رواهُ أحمد عن معاذِ بنِ جَبَلٍ (رضي الله عنه) عن رسولِ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قال: «… ثُمَّ قَالَ: أَلا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذُرْوَةِ سَنَامِهِ؟ فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: رَأْسُ الأَمْرِ وَعَمُودُهُ الصَّلاةُ وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ…».
فبَعدَ أن قَبِلَ هؤلاءِ المفكرونَ والعلماءِ أن يكونَ الإسلام ُ مُتهماً وجهادُ الطلبِ مداناً، صارَ هَمُُّهُم إرضاءَ الغربِ وتحسينَ صورةِ الإسلامِ أمامَهُ، مع أنَّ صورةَ الإسلامِ بيضاءُ نقيةٌ، وصورةَ الغربِ قبيحَةٌ همَجية. وبعد أن كان الجهادُ في رأسِ سُلَّمِ القِيَمِ تراجَعَ وصارَ يُذكَرُ على استحياءٍ، حتى جاءت أحداثُ الحادي عشَر من سبتمبر ألفينِ وواحد والتي تجلَّت فيها الحملةُ الصليبيةُ المسعورةُ على الإسلامِ والمسلمين وعلى فكرةِ الإسلام -أي العقيدة- كما جاء على لسان هنري كيسينجر الذي قال: “إننا يجبُ أن لا نَقِفَ عند حَدِّ القضاءِ على هؤلاءِ الإرهابيينَ (يعني من دَبَّرَ ونَفَّذَ أحداثَ 11سبتمبر) بل يجبُ علينا أن نقضِيَ على الفكرةِ التي انطلقوا منها وَترَبَوا عليها ( أي العقيدةَ والجهاد)”. وهكذا أصبحَ الجهادُ في اصطلاحِ الغربِ إرهاباً، وعُقِدَت مؤتمراتُ كثيرةٌ بهدف مكافحةِ الإرهاب تحت مسمياتٍ عديدةٍ، تهدِفُ إلى ِ مُسايَرَةِ الغربِ بزعامةِ أميركا، وتنفيذِ ِ سياساته في محاربةِ الإسلام والمسلمينَ ولِمَحوِ الجهادِ من مفرداتِ المسلمين وثقافتهمِ، وتم تغييرُ مناهِجِ التعليمِ في معظمِ بلادِ المسلمينَ بما يرضي الغربَ ويتوافَقُ مَعَ سِياساتِهِ، ولا ننسى هنا دَورَ الإعلامِ في دعمِ هذه السياساتِ وتثبيتها.
وكان من نتائجِ ذلكَ كلِّهِ أن طَرَأَ ضَعفٌ شديدٌ على أذهانِ المسلمينَ فيما يتعلقُ بمفهومِ الجهادِ وأحكامِه فكراً وممارسةً، لدرجةِ أنَّ كلمةَ الجهادِ قد اختفَت أو كادت من مفرداتِ الكُتابِ والخُطباءِِ والمفكرينَ والحركات، وهذا هو عينُ ما خططَ له الغربُ الكافرُ. فها هو بطريركُ الاستشراقِ برنارد لويس يقول: “فقد افتقدَ مفهومُ الجهادِ في العصورِ الحديثةِ “قداسَتَه”،وهو ما يبدو جلياً في أدبياتِ الحركاتِ الناشطةِ في كشميرَ والشيشانَ وفلسطين”.
وقد حَلَّ مصطلحُ المقاومة ومفرداتِها محَلَّ الجهادِ . فهل المقاومةُ هي ذاتُ الجهاد؟، ولماذا جرى إطلاقُها بَدَلَ الجهاد؟.
أما المقاومةُ لُغَةً فهي المُنازَلَةُ، جاءَ في لسانِ العربِ: وقاوَمَهُ في المُصارَعَةِ وغيرِها وتقاوَموا في الحَربِ، أي قامَ بعضُهم لبعض. أما في النصوصِ الشرعيةِ وكُتُبِ الفقهِ المعتبرةِ، فلا تجدُ لها ذكراً، ولو أن معنى المقاومةِ اليومَ بقيَ محصوراً في الناحيةِ الُلغَويةِ أي المنازلةُ والمصارعةُ لكان الأمرُ مقبولاً. أما بعدَ أن قامتْ مجموعةٌ من العلماءِ والمُفَكرينَ والرموزِالمعروفةِ في العالمِ الإسلاميِ بوضعِ معنىً اصطلاحِيٍ جديدٍ للمقاومةِ مُفرَغ حتى من مدلولهِ الُلغوي، يُخالفُ معنى الجهادِ في الفقه، وذلك فيما يسمى “بِوثيقةِ مفهومِ الإرهابِ والمقاومةِ رؤيةٌ عربيةٌ-إسلامية” في تموز 2003م، وتم تأكيده وتثبيتُهُ في المؤتمر التأسيسي “للحملة العالمية لمقاومة العدوان” 24 فبراير 2005م في قطر، حيث جاء فيه: “وبناءً على ما تقدم فإنَّ المقاومةَ هي: استخدامٌ مشروعٌ لكلِ الوسائلِ بما فيها القوةِ المسلحةِ لِدَرءِ العُدوانِ، وإزالةِ الاحتلالِ والاستعمارِ، وتحقيقِ الاستقلالِ، ورفعِ الظُلمِ المسنودِ بالقوةِ المسلحةِ، بوصفِها أهدافاً سياسيةً مشروعة، وهو ما يتفقُ مع القانونِ الدوليِ وتُؤَيِّدُهُ الشريعةُ الإسلامية”.
وقد ترأسَ هذا المؤتمرَ سَفَرُ الحوالي، وعُيِّنَ نائباً له عبد اللطيف عربيات وخالد العجمي، وقد حَضَرَهُ ما يقرُبُ من ثلاثمايةِ شخصيةٍ من المفكرينَ وقادةِ الحركاتِ والكُتَّابِ، وَوَقَّعوا على الوثيقةِ المذكورةِ، وهذه مقتطفاتٌ من بعضِ ما وَردَ منهاَ مما تمَّ إقرارُهُ في ذلكَ المؤتمر:
– أكدَ رئيسُ المكتبِ السياسيِ لحركةِ المقاومةِ الإسلاميةِ حماسْ خالد مشعل على أهميةِ تلازُمِ المقاومةِ السِلْمِيَّةِ بكلِ أشكالِها مع تلكَ العسكرية.
– أقَرَّ المؤتمرُ في خِتامِ أعمالِهِ تشكيلَ لجانٍ نوعيةٍ لدعمِ المقاومةِ السِلْمِيَّةِ ضِدَّ كافَّةِ أشكالِ العُدوانِ والتي تنالُ من المسلمينَ المستضعفينَ بالعالم. واعتبرَ المؤتمرُ أنَّ تَجَمُعَهُ الحاليِ حَقَقَ أهدافَهُ بنجاحٍ كبيرٍ، وأوضحَ الكثيرَ من الوسائلِ السِلْمِيَةِ التي يجبُ الاستفادةُ منها وعلى الأخصِ التعاونُ مَعَ المؤسساتِ الدُوليةِ والمنظماتِ الحقوقيةِ في إزالةِ أضرارِ العُدوانِ المستمرِ وآثارِه.
– ورَكَّزَ المؤتمرونَ في بيانِهم على ضرورةِ السعيِ من أجلِ كبحِ ثقافةِ الكراهيةِ والحقد.
وهكذا فقد تَمَّ استبدالُ مفهومِ المقاومةِ بمفهومِ الجهادِ إرضاءً للغربِ، وتَبَعَاً لذلكَ تغيرت أحكامُهُ عندهم، فبعدَ أن كانَ الجهادُ فرضاً أصبحتِ المقاومةُ حقاً، وشتانَ بينَ هذا وذاك. فالمقاومةُ رجعٌ غريزيٌ عندَ الإنسانِ والحيوان وتكونُ دفاعاً فقط، وهي لا تنفصلُ اليومَ عن فكرةِ الوطنياتِ المُنتِنَةِ وتحريرِ الأوطانِ.
أما الجهادُ فهو بذلُ الوُسعِ في القتالِ في سبيلِ اللهِ مباشرةً، أو معاونةً بمالٍ أو رأيٍ أو تكثيرِ سَوادٍ أو غيرِ ذلك، فالقتالُ لإعلاءِ كلمةِ اللهِ هو الجهاد. وهو أمرٌ مفروضٌ من الله تعالى في كل زمانٍ ومكان لا يُبطِلُهُ ٍ جورُ جائرٍ ولا عدلُ عادلٍ، كما جاءَ في الحديثِ الذي رواهُ أبو داود عن رسولِ الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «وَالْجِهَادُ مَاضٍ مُنْذُ بَعَثَنِي اللَّهُ إِلَى أَنْ يُقَاتِلَ آخِرُ أُمَّتِي الدَّجَّالَ، لا يُبْطِلُهُ جَوْرُ جَائِرٍ وَلا عَدْلُ عَادِلٍ».
فإذا كان الجهادُُ في مشروعيَّتِهِ وأحكامِهِ يستَنِدُ إلى التشريعِ الإلهيِ، فإنَّ المقاومةَ في أساسِها تستَنِدُ إلى الشِرعَةِ الدوليةِ والقانونِ الدولي الوَضْعِيِ، فقد أجمَعَ المؤتمرونَ في وثيقَتِهِم على ما يلي: «وتستندُ مشروعيةُ المقاومةِ إلى مجموعةٍ من المبادئِ القانونيةِ الثابتةِ، كحق المقاومَةِ استناداً لِعدَمِ الولاءِ والطاعةِ لسلطةِ الاحتلالِ، واستناداً إلى حقِ الشعوبِ في تقريرِ مصيرِها، والدفاعِ المشروعِ عن النفسِ، والاستنادِ إلى قراراتِ الأممِ المتحدةِ، والاتفاقياتِ الدوليةِ الخاصَّةِ بحمايةِ المدنيينَ أثناءَ الحروب».
وهكذا فقد جعلوا مشروعية المقاومة تأتي من حق الشعوب وقرارات الأمم المتحدة، والأخطر أنهم قرروا لها أحكاماً وضعية كتقسيمها إلى مقاومةٍ سلميةٍ ومُسلَحَةٍ وغيرِها، وحصروها بالدفاعِ فقط، بخلافِ الجهادِ فهو جهادُ دفعٍ وجهادُ طلب، ولا يوجد فيه شيءٌ يُسمى بالجهادُ السِلمي.
ومن الإمعانِ في التحريفِ والتضليلِ تقسيمُ المقاومةِ إلى مقاومةٍ سِلْمِيَّةٍ ومُسلحة، والتضليلُ الأخطرُ ظهرَ في تركيزِ المؤتمرِ المذكورِ على مفهومِ المقاومةِ السلميةِ -كما ورد: “أقرَ المؤتمرُ في خِتامِ أعمالِهِ تشكيلَ لجانٍ نوعيةٍ لدعمِ المقاومةِ السِلْمِيَّةِ ضِدَّ كافَةِ أشكال العدوان..”-، أي أنهم قرروا إلغاءَ المقاومةِ المسلحةِ ضمنياً حينما تبنوا في بيانهم الختامي “دعمُ المقاومةِ السلمية”. فحصلت بذلكَ الطامَّةُ الكبرى بتقريرِ جعلِ السِلمِ والاستسلام أمامَ الاحتلالِ وبَطشِ الأعداءِ هو الأساسُ في المقاومة، وهذا أمرٌ شاذٌّ لم يحصل حتى في شريعةِ الغاب. فضلاً عن أنَّ فكرةَ المقاومةِ السلميةِ تحمِلُ في طياتها معاني المرونةِ والمُيوعَةِ وجوازَ التفاوضِ لانتزاعِ الحقوقِ سِلمياً، أي تَفتَحُ أبواباً لِمَنْ يُريدُ التفاوُضَ مع يهودٍ أو غيرِهم للسَيرِ فيما يُسمى بالحلولِ السِلْمِيَّةِ والتفريطِ في بلادِ المسلمين، وهذا عينُ ما صَدَرَ عن خالد مشعل ممثلِ حركةِ حماس في تصريحِهِ الذي وافقَ فيه على حلِّ الدولتين.
وفي الختامِ أقول: إنّ استخدامَ مصطلحِ المقاومةِ الذي قَرروه بَدَلَ الجهادِ يُعَدُّ بِدعةَ العَصرِ، فوقَ ما فيهِ من إضعافٍ لروحِ الجهادِ الحقيقيِ عندَ الأمةِ، فلماذا يسمون الجهادَ وقتالَ الكفارٍ بمسمياتٍ أُخرى مما لم يرِد في كتابِ اللهٍ أو في السُنة المُطهرة؟
وأودُ هنا الإشارةَ إلى أنَّ هذا التِبيانُ لا يعني التقليل من شأنِ أعمالِ المُقاومةِ والمجاهدينَ الأبطال الذين يقاتلونَ الكفارَ المحتلينَ في العديدِ من بلادِ المسلمين، بل إنَّ قتالَهم جهادٌ ونسألُ اللهَ لهم القبول، بل المقصودُ بهذا بعثُ روحِ الجهادِ في سبيلِ الله عندَ الأُمةَ، باستخدامِ لفظةَ الجهادِ بَدَلَ المُقاومةِ حتى يَصيرَ المُتبادرُ إلى الذهنِ حينَ سَماعِها الفرضُ العظيمُ ذِروةُ سنامِ الإسلام. وعليه فإنني أدعو المسلمينَ عامَّةً، والمفكرينَ والكُتابَ وأصحابَ الحركاتِ خاصَّةً، أن لا يسمحوا لأن يَحِلَّ مصطلحُ المقاوَمَةِ مَحَلَّ الجهادِ في سبيل الله، بل لا بد من إشاعةِ مفهومَ الجهادِ وبيانِ منـزلتهِ وعِظَمِ ثوابِهِ، لتعودَ للأمةِ به عزتَها وكرامتَها، ولِتَحمِلَ به الإسلامَ وتفتحَ به البلاد، وينقل الناس بواسطته من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد بعدَ قيامِ الخلافةِ قريباً بإذن الله تعالى.
2010-03-20