الإسلام هو الحل
1987/09/23م
المقالات
3,354 زيارة
بقلم: أمين الخليلي
من دواعي الأسف أن نضطر للرّد على من يطرحون شعار الإسلام. ولكن الجهل ـ أو التضليل ـ قد بلغ من المسلمين حداً عظيماً، حتى لتجد كثيراً ممن يعدّون أنفسهم مفكرين مسلمين، وحتى ممن يسمون أنفسهم علماء، تجد كثيراً من هؤلاء يَلبسون الحق بالباطل على رؤوس الأشهاد.
قد يفرح المؤن الذي يرى واقع الكفر المستحكم عندما يسمع شعاراً مثل “الإسلام هو الحل”، فيستبشر خيراً، ويظن أن المسلمين قد أدركوا أخيراً أن مردّهم إلى الله ورسوله، وأن الأمة الإسلامية العظيمة مهما شوشتها بعض أفكار دخيلة، لا بد وأن تعود إلى معدنها الصحيح، وهو الإسلام.
وعندما نسمع أن ثمة “ندوة” لمناقشة هذا الشعار، يدعو إليها الحزب الحاكم بمصر، نفرح ونعجب في نفس الوقت كيف تسمح السلطة المصرية ـ وهي التي عوّدت المسلمين على كبت الرأي والإذلال ومنعهم من المطالبة بإعادة حكم الله إلى الأرض ـ بمثل هذه الندوات. ولكن دهشتنا تزول سريعاً عندما نسمع ما دار في الندوة من مناقشات، فنعلم أن السلطة لم تكن تسمح بمثل هذه الجلسة لولا أن ما فيها بعيد كل البعد عن الإسلام، وعن الحرص على إقامة شرع الله، ومرضاة رب العالمين، وذلك على لسان المتحاورين، وعلى رؤوس الأشهاد.
إن الأفكار التي نوقشت في تلك الندوة أفكار خطرة على الإسلام، ولذلك نجد حملة من السلطات الحاكمة في كافة أقطار المسلمين للترويج لها. فهذه الأفكار ليست إلا أفكار الغرب مكتسبة ثوباً إسلامياً لا يتعدى الاسم. وإننا إذ نضع المسلمين أمام حقيقة هذه الأفكار، نسأل الله عز وجل أن يوفق الأمّة لتنفذ عنها مثل هؤلاء ” المفكرين” و ” العلماء”، فتلفظهم وأفكارهم الدخيلة التي يحاولون الترويج لها.
طرح شعار: “الإسلام هو الحل” خلال معركة الانتخابات التشريعية الأخيرة في مصر ونظراً للاختلاف الحاصل بين الفئات التي تطرح هذا الشعار في تحديد وبلورة هذا الحل المطروح، دعا حزب التجمع المصري الحاكم مجموعة من المفكرين إلى ندوة لمناقشة هذا الأمر. وكان من بين هؤلاء الدكتور أحمد كمال أبو المجد، وخالد محمد خالد، وفهمي هويدي، والشيخ مصطفى عامي رئيس الأمانة الدينية بحزب التجمع المصري.
الندوة:
يفتتح الدكتور أبو المجد الندوة بالقول: أن شعار “الإسلام هو الحل” هو شعار سياسيّ قابل للنقاش وللأخذ والرد.
ويأتي خالد محمّد خالد فيقول: أن الحل هو القرار الذي يساعد مجموعة من الناس على تخطي مشاكلها لما هو أفضل وقسم المشكلة إلى اقتصادية واجتماعية وسياسية، وينتهي إلى أن الحل لهذه المشكلة هو الحل الإسلامي. ويتساءل: كيف يكون الحل الإسلامي؟ فيجيب بأن الإسلام عقيدة وشريعة. فالعقيدة من الغيب فلا مجال للاجتهاد فيها. أما الشريعة، يقول خالد محمّد خالد، فهي من عمّل الوحي في أصولها، ومن عمل العقل في فروعها. ويخلص إلى القول: ولهذا نأخذ من الشريعة مجال الاجتهاد ما نشاء، ونضيف إليها ما نشاء، وهو هو الإسلام الذي نرجو منه أن يقدم الحلول.
ويستطرد خالد محمد خالد فيقول: أن الحكم في الإسلام هو حكم ديمقراطي بطبيعته، وأن تقنين نظام الحكم هو أول فقرة من فقرات تطبيق الشريعة. لذلك يدعو إلى ضرورة ترسيخ النظام الديمقراطي الكامل، غير المجتزأ أو المنقوص أو المهترئ ـ يقصد هنا النظام القائم في مصر. ويبرر بأنه لكي نتفادى كافة المخاطر، بما فيها خطر الانقلاب المسلح، علينا أن نجعل الديمقراطية هي الدين السياسي لبلادنا. انتهى كلام خالد محمد خالد.
أما فهمي هويدي فيطرح طرحاً فريداً من نوعه، فيقول: ليس ضرورياً أن يكون هذا الحلّ أو هذه الحلول منصوصاً عليها في الكتاب والسنة، ولكن يكفي لكي يكون الحل إسلامياً أن يجعل الناس أقرب إلى الصلاح منهم إلى الفساد. ويؤكد قائلاً: ليس من الضروري البحث عن حلول المشاكل في نصوص الكتاب والسنة فقط، ذلك إننا إذا استلهمنا مقاصد الشريعة التي تصب في نهاية الأمر في وعاء العدل القسطاس، يمكن أن نجد أنفسنا قائمين على أرضية الحل أو الحلول الإسلامية. انتهى كلام فهمي هويدي.
حقيقة ملموسة:
نقول رداً على الدكتور أبو المجد: إن “الإسلام هو الحل” ليس مجرد شعار فارغ تسوّقه بعض الفئات من أجل غاية آنيّة، ولكنه حقيقة نلمسها ونعيشها في كل يوم وفي كل ساعة. فإن جميع مشاكل المسلمين مردّها إلى تركهم العمل بالإسلام كمنهاج حياة. وأن ما نجده اليوم من انحطاط المسلمين، وتشبثهم بأذيال الأمم، واستعباد الغرب لهم، كل ذلك سببه أنهم تركوا العمل بالإسلام، وقعدوا عن حمل رسالته.
نعم، لقد قالها نبي العالمين محمد صلى الله عليه وسلم: «لقد تركت فيكم شيئين، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبداً: كتاب الله وسنتي». وها نحن تركنا الإسلام فأضلنا الله.
لذلك فإن الإسلام هو الحل حتماً، وهذا غير قابل للنقاش ولا للأخذ والرد. أنه فرض من الله حيث أمرنا أن نتبع شرعه في كل ما يعرض لنا. قال تعالى: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم، واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك). وخطاب النبي خطاب لأمته. ويقول تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً).
صالح لكل الأزمان:
على أن الموضوع الذي يعرض فيه الإسلام هنا هو صلاحيته للحكم. فالإسلام صالح لكل زمان ومكان. فإذا كان الدكتور أبو المجد يشكّك في صلاحية الإسلام للحكم، فالله تعالى يقول: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) ويقول الفقهاء في هذه الآية أنها تنطبق على ذلك الذي لا يحكم بشرع الله معتقداً بعدم صلاحيته. فالحذر الحذر من هذا القول.
ونحسن الظن بالدكتور أبو المجد فنقول: لعل الدكتور أراد بقوله أن النظام الحاكم بمصر، أو أن بعض الفئات من المصريين هي التي تناقش في صلاحية الإسلام. فنرد على هؤلاء بالقول: الإسلام هو النظام الأصلح ليطبق على بني البشر، لأنه وحي من الله تعالى وأما السلطة في مصر، فإنها ترفض الإسلام لأنه يهدمها من أساسها.
ليس كباقي الأديان:
ويبدو لي من كلام الدكتور أبو المجد أنه لا يطرح الإسلام وحده، ولكن يعطيه الأولوية فقط. فهو يقول: لديّ قناعة بأن هناك حاجة عالميّة موضوعيّة للأديان وللإسلام خصوصاً، بسبب التأثيرات التي أحدثتها الثورة الصناعية في البشر. والواقع أن هذا الكلام نسمعه كثيراً: يوضع الإسلام كدين كهنوتي بجانب الأديان الأخرى، ويطلب من الناس العودة إلى الدين بشكل مطلق في مواجهة ما يسمى “بمادية المجتمع” وهذا مخالف صراحة للإسلام. فالله تعالى يقول: (ومن يبتغ عن الإسلام ديناً فلن يقبل منه)، وعلى المسلم أن يدعو كل الناس من غير المسلمين إلى ترك دينهم والدخول في الإسلام.
وحي من الله:
وأما خالد، فإن كلامه يدل صراحة على أنه لا يريد الأخذ بالإسلام بل بالديمقراطية فهو يريد أن يحل المشاكل حسب ما يؤديه إليه عقله من حلول، ثم يضيف ذلك إلى الشريعة، فتصبح إسلاماً!
ليس هكذا يؤخذ الإسلام، والإسلام من هذا الطرح براء!
الإسلام وحي من الله تعالى، وعلى من يدين به أن يأخذه على هذا الأساس، وليس لأي سبب آخر، والأمة الإسلامية تتخذ أحكام الإسلام نظاماً ليس لأنه مناسب أو قابل للتسويق جماهيرياً أو لأي سبب آخر، بل طاعة لله عز وجل. قال تعالى: ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله)، وقال: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون). أما أن تشرع لنفسك قوانينها، وتحل باستنباطك مشاكل الناس، ثم تضيفه إلى شرع الله وتدعي أن ذلك من الإسلام! أي إسلام هذا؟ وأن هذا من شرع الله تعالى. إنك ـ أيها المفكر ـ تتخذ من نفسك مشرعاً، ثم تفتري على الله وعلى الشرع والدين فتقول: هذا تشريعي صار من الإسلام. فما أشبه هذا بأولئك الذين قال الله فيهم: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله).
ثم من قال أن شرع من عمل العقل في فروعه أو أصوله؟ إنما عقيدة المسلمين تثبت بالعقل أو بما ثبت أصله بالعقل أنه من عند الله. أما شرع الله فيُسلّم حين أخذه تسليماً مطلقاً، ولا دور للعقل في التشريع إلا بمقدار ما يلزم لفهم النصوص واستنباط الأحكام. وهذا حكم الله واضح في كل شيء، ودليل ذلك أن الله تعالى أمرنا بالاحتكام إلى الشرع في كل شؤون الحياة، فالشرع واضح في كل هذه الشؤون.
ليس هذا إسلاماً الذي ترجو منه أن يقدم الحلول، إنما هي الحلول بنظرك جاهزة تريد أن تسميها إسلاماً! وهذا ليس احتكاماً إلى الله ورسوله.
تغيير وتبديل:
وبعد، فإن حلال محمد حلال إلى يوم القيامة، وأن حرام محمد حرام إلى يوم القيامة، ولا يحق لأي كان أن يحذف ما يشاء، ويضيف ما يشاء إلى الشريعة. وكيف تصبح شرعاً من الله بعد أن أضفت فيها ثم غيّرت وبدّلت.
إن طرح خالد محمد خالد هذا لا يمت إلى الإسلام، ويؤدي إلى تعطيل الدين، لأننا نسمح للقاصي والداني أن يغيروا ويبدلوا في الشرع.
ترسيخ النظام:
وقوله أن الحكم الإسلامي ديمقراطي بطبعه يثير العجب. كيف يوصف السابق باللاحق، والأول بالآخر. إن الإسلام ونظام الحكم فيه وحي من الله عز وجل، والديمقراطية من وضع البشر، فكيف تصف شرع الله بأنه “بطبيعته” كنظام وضعه البشر؟ لعمري أن هذه مقولة لا يقول بها عاقل مدرك للواقع، فضلاً عن أن يكون مفكراً. لعمري إنك أيها المفكر منضبع ومنبهر بأنظمة الغرب الوضعية التي ظهر فسادها. حتى تفتري على شرع الله فتقول أنه بطبيعته ديمقراطي غربي. وهل تعلم ماذا تعني الديمقراطية؟ أنها حكم الشعب بالشعب لا بالإسلام. فماذا تقول لو أن أكثرية الشعب أرادت الكفر ورفضت الإسلام؟
لم يحمل المسلمون الأوائل الإسلام لأنه مطلوب من الشعب، بل لأن الله تعالى حمّل الأمة الإسلامية أمر هذا الدين، وأمرهم بالقيام عليه. ولذلك حارب الخليفة أبو بكر رضي الله عنه العرب لما ارتدوا عن الإسلام ـ وقد كانوا أغلبية، ولذلك حمل المسلمون لواء الجهاد يحكمون البلاد التي يفتحونها بالإسلام.
وبعد، فإن هدف خالد محمد خالد من كل هذا قد ذكره في ندوته. فهو يدعو إلى ترسيخ النظام القائم بمصر، وذلك لكي يتفادى خطر الانقلاب المسلح. ولكي يتفادى هذا الخطر، يحاول المفكر تلبيس النظام الذي يسمى ديمقراطياً ـ بينما هو حتى عن الديمقراطية بعيد كل البعد ـ ثوب الإسلام . فالله تعالى يقول: (يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أُمِروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلّهم ضلالاً بعيداً).
ولعمري أن كثيراً من المسلمين ينتظرن ما يدّعي حكامهم من الديمقراطية، حتى يبيّنوا رأيهم في نظامهم، فيعلنوا أنهم لا يقبلون بغير الإسلام ديناً وشرعة ومنهاجاً. وحينذاك ستسقط الطروحات والشعارات، ويبقى الإسلام.
إن خالد محمد خالد يريد الديمقراطية ديناً سياسياً لمصر ـ أرض الكنانة، والله تعالى يقول: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون). وكأنه لا يريد أن يقول: الإسلام هو الحل، بل يريد: ليس الإسلام هو الحل إطلاقاً.
طرح فريد:
أما فهمي هويدي فقد تخطّى الجميع بطرحه الفريد. ولست أدري من أين جاء الأستاذ هويدي بهذا الطرح، فهو حقاً طرح فريد من نوعه. فإذا كان الناس أقرب إلى الصلاح منهم إلى الفساد، كان ذلك الحل إسلامياً. ومَنْ غيرُ الإسلام يحدد الصلاح والفساد؟ كيف تعرف الصلاح والفساد أنت أيها الإنسان، حتى تسمي كل ما تجده أنت صلاحاً بأنه إسلام؟
إن الغرب يسمّي الحريّة الشخصية صلاحاً ولا يعتبرها فساداً، فهل نسمّي الحرية الشخصية ـ وما يترتب عليها من ترك الناس وما يعبثون ويزنون ويفسقون ويفجرون ـ إسلاماً؟
ثم أن الإنسان ذو عقل محدود، ويعجز عن الإحاطة بالأمور حتى يعرف الصلاح من الفساد. ولذلك جاء شرع الله تعالى مبيناً للناس الصلاح من الفساد، وأمر الناس باتباعه.
مقاصد الشريعة:
إنك أيها المفكر تريد استبعاد كتاب الله وسنة رسوله بحجة أنك قد عرفت مقاصد الشريعة فتقيس عليها. ثم إذا اعتمدت مقاصد الشريعة، ماذا نفعل بالشريعة نفسها وقد جاءت شاملة لكل صغيرة وكبيرة من شؤون الحكم وكافة شؤون الحياة؟ هل نستبعد الشريعة نفسها لنأخذ “بمقاصد الشريعة”؟ هل هذه وصية رسولنا صلى الله عليه وسلم حين قال لنا: «لقد تركت فيكم شيئين، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبداً: كتاب اله وسنتي»؟ هل هذا مصداق قوله تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول)؟
إن مقولة الأستاذ هويدي تؤدي إلى أن يأتي الحاكم فيقول: حسناً، إن العدل والقسطاس من مقاصد الشريعة، وها أنا أريد العدل والقسطاس. فمن أراد أن يكفر بالله فله الحق في ذلك مثلما كان للمسلم الحق في الإسلام. وسيؤدي ذلك إلى تعطيل الأحكام، وتنحية شرع الله بحجة أن ذلك فيه اتباع لمقاصد الشريعة ومن من الحكام لا يدعي أن نظامه يقوم على غير التماس العدل والقسطاس؟
وبعد، فإن حزب التجمع المصري الحاكم أراد أن يستهلك شعار “الإسلام هو الحل” فحاول أن يلبس الكفر لباس الإسلام، مستخفاً بالشرع وبالدين والأمة. وإننا في مجلة الوعي واثقون من وعي الأمة على مثل هذه الأباطيل، ومتأكدون أن الأمة لن تكون طيعة في أيدي من يريد تضليلها.
(فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً ليضل الناس بغير علم، إن الله لا يهدي القوم الظالمين).
1987-09-23