مع القرآن الكريم: (يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ)
2003/03/20م
المقالات
1,478 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
مع القرآن الكريم:
(يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ)
قال تعالى: (يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ)
[المائدة:109]
تصور الآية مشهداً عظيماً يوم القيامة عندما يجمع الله الرسل الذين أرسلهم – والله أعلم بعددهم – فيسألهم توبيخاً لأقوامهم: ماذا أُجِبتم حين دعوتم إلى التوحيد، فكان جوابهم في منتهى الأدب مع الله بإسناد العلم المطلق إليه سبحانه، بأن قالوا لا علم لنا، إنك أنت علام الغيوب، وأنت تعلم الظاهر والباطن وأما نحن فعلمنا مقتصر على الظاهر. من هذا المشهد المهيب لا بد لنا أن نستلهم المعاني العظيمة المتعلقة بالدعوة إلى الله وأن ذلك العمل لا بد وأن يكون من أجل الأعمال لما فيه من دعوة الناس لعبادة الله وحده لا شريك له، وصدق الله سبحانه حيث يقول: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت:33] أي لا أحد أحسن عملاً منه. ونبقى مع ذلك المشهد المهيب، الذي لا بد أن يكون للرسول صلى الله عليه وسلم فيه موقع متميز كونه سيد المرسلين وخاتم النبيين، وكون الرسالة الإسلامية آخر الرسالات، والشريعة الإسلامية هي الشريعة الشاملة والناسخة لكل ما سبقها من شرائع، فالله سبحانه وتعالى يقول: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) [المائدة/48] يعني ناسخاً له ومسلطاً عليه. وسيكون كل نبي شاهداً على قومه، وسيكون رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم شاهداً على قومه حتى وفاته. فكيف سيكون الموقف مع الأمم التي جاءت بعده حتى يرث الله الأرض وما عليها. إن المسؤولية حتماً تقع على عاتق المسلمين، فهم المكلفون بحمل رسالة الإسلام إلى العالم أجمع منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يوم القيامة. ولهذا الحمل آليته في الداخل وفي الخارج: ففي الداخل بوجود دولة الخلافة الإسلامية التي تطبق الإسلام على كل من يحمل التابعية، وفي الخارج تحمل الإسلام رسالة هدى ونور إلى العالم أجمع عن طريق الجهاد في سبيل الله.
وقد كان هذا الأمر حاصلاً في خلافة أبي بكر، وجميع الخلفاء من بعده حتى آخر خليفة عثماني، على تفاوت بينهم قوة وضعفاً. وليس هذا هو مقام تحديد نقاط القوة والضعف لدى خلفاء المسلمين، ولكنا نكتفي بالقول: اللهم أحسن لمحسنهم وتجاوز عن مسيئهم، وفي نفس الوقت نستفيد من إبداع المبدعين ونتجنب أخطاء المخطئين في تبنياتنا التي سيعمل بها إن شاء الله في دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة القادمه قريباً باذن الله. ويوم يجمع الله الرسل ليسألهم عن إجابة أقوامهم، فإنه من البدهي أنهم قد بلغوا، وبالطريقة التي أمروا بها، وكذلك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد بلغ ما أنزل إليه من ربه، وبالطريقة التي أوحي إليه بها، وسيكون عنده جواب عن مواقف قومه، من استجاب منهم وآمن، ومن عاند واستكبر. ومن بعده قام الخلفاء يهتدون بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويطبقون الإسلام في الدولة ويحملون رسالته إلى العالم بالدعوة والجهاد في سبيل الله، فما كفت خيول المسلمين عن السعي شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً يعلو ظهورها رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، حتى عم الإسلام معظم العالم القديم وفي وقت قياسي، ووصلت حدود دولة الإسلام إلى طنجة على المحيط الأطلسي غرباً، وحدود الصين شرقاً، وقلب أوروبا (النمسا) شمالاً وأواسط إفريقيا جنوباً.
ولكن بعد هدم دولة الخلافة العثمانية عام 1924م، وقف هذا الأمر كلياً، فوقع المسلمون منذ ذلك التاريخ في حرج شديد وإثم عظيم، إذ إنهم لم يبلغوا بل لم يطبقوا الإسلام في بلادهم، فكيف سيكون موقفهم يوم يجمع الله الرسل، وأتباع محمد صلى الله عليه وسلم. لا شك أنهم سيصابون بالخزي والخيبة حين لا يستطيعون الإجابة بسبب أنهم لم يبلغوا ابتداءً فكيف سينقلون إجابات أقوام لم تبلغهم الرسالة في عهودهم؟ واخزياه على أقوام فرطوا في أثمن ما يملكون، فلا جرم أنهم سيلاقون ما يكرهون، يوم يجمع الله الرسل. ولا عجب فنحن الشهداء على الناس، والله سبحانه وتعالى يقول: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) [البقرة/143].
فالعجلة العجلة أيها المسلمون لاستئناف الحياة الإسلامية بالعمل لإقامة الدولة الإسلامية، التي تعيد العمل بحمل الإسلام إلى العالم أجمع، وعندها يجد المسلمون لهم موقعاً بين أسلافهم الذين قاموا بواجب التبليغ، ويتخذ الجميع مواقعهم مع الأنبياء والرسل يوم يجمعهم الله ليسألهم عن إجابات أقوامهم.
والله ولي التوفيق وبه الثقة وعليه التكلان .
عصام عميرة – رام الله
2003-03-20