كلمة الوعي: اجتماع استانبول هل هو: مبادرة لإنقاذ العراق أو مؤامرة لتبرير عدوان أميركا عليه؟
2003/02/20م
المقالات, كلمات الأعداد
1,618 زيارة
عقد في استانبول بتاريخ 23/01/2003م مؤتمر لوزراء خارجية الدول القائمة في بلاد المسلمين حول العراق: سوريا، الأردن، السعودية، إيران، تركيا ومصر. وقد كان الهدف المعلن للمؤتمر البحث عن حل سلمي لموضوع العراق. وقد سبقه اجتماع لخبراء من هذه الدول الست عكفوا فيه على إعداد البيان المشترك للمؤتمر. وبعد ساعات طوال، وقبيل منتصف ليل الخميس/الجمعة صدر بيان مؤتمر وزراء الخارجية.
لقد ركز البيان على توجيه طلبات متعددة للعراق معتبراً أن العراق هو سبب الأزمة وأنه سبب عدوان أميركا عليه! كما لو أنَّ العراق اجتاز الأنهار والبحار والمحيطات وارتكب الموبقات في بلاد الأميركان، وبالتالي كان هو البادئ بالعدوان وليس الولايات المتحدة الأميركية!
لقد طالب البيان العراق بمزيد من التعاون مع المفتشين، وكأن استباحة المفتشين لمزارع الناس وبيوتهم والتدخل في شئونهم الخاصة والجامعات والمؤسسات التي لا تمت بصلة للسلاح ومشتقاته، لا بل أكثر من ذلك فقد انتهك المفتشون حرمات المساجد، وفسدوا وأفسدوا وتجسسوا في العراق… كأنّ كل هذه التنازلات المهينة من الحكم في العراق وكل هذا الخضوع والخنوع للمفتشين لم يكف وزراء الخارجية الست فيطالبوا العراق بالمزيد! وطالبوا كذلك بأن يسلم العراق للمفتشين الوثائق اللازمة والبيانات الكافية الوافية التي تضمن إظهار السلاح من تحت الأرض السابعة ليتم تدميره ويتطاير شرره إلى أن يراه بوش الصغير فتقر به عينه وينشرح صدره. كما طالب البيان كذلك العراق بالمزيد المزيد من الالتزام الشامل والكامل والتام بقرارات الأمم المتحدة ليحظى برضا الولايات المتحدة ولا تشن الحرب عليه.
ومع كل هذه المطالبات الغريبة العجيبة من العراق فإن البيان لم يشر إلى الولايات المتحدة بشيء كأن الأمر لا يعنيها، وكأنها ليست هي القادمة من وراء الأطلسي للعدوان على العراق والاستيلاء على نفطه والهيمنة على المنطقة بكاملها. والأغرب والأعجب أنهم يجتمعون ويأتمرون وأميركا تحشد جيوشها للعدوان على المنطقة جهاراً نهاراً أمام أبصارهم وأسماعهم، ومع ذلك لم ينبسوا ببنت شفه تجاه هذه الحشود المتراكمة المتحفزة للعدوان.
إن تحرك حكام هذه الدول لعقد قمة سداسية الغاية منه إظهار أن هذه الدول طالبت العراق بطلبات معقولة! لإبعاد شبح الحرب عنه ولكنه لم يتجاوب معهم وبذلك يكون عدوان أميركا عليه مبرراً. وكذلك إعذار الحكام أمام شعوبهم، فهم بهذا يظهرون بأنهم ضد الحرب على العراق، وأنهم لم يدخروا وسعاً في محاولتهم لتجنبها، وأن العراق رفض ذلك. ليس هذا فحسب بل إن بعض الوكالات أذاعت أن مباحثات كانت تدور خلف الكواليس أثناء المؤتمر تطلب من صدام أن يتنحى عن الحكم، ويختار منفىً له من دون التعرض لمحاكمته. كل هذا يجعل رفض العراق لهذه الطلبات متحققاً فتكون ذرائع العدوان جاهزة. وبذلك يكون مؤتمر القوم ليس مؤتمراً لإنقاذ العراق بل مؤامرة لتبرير عدوان أميركا على العراق ووضع يدها على نفطه وترتيب أوضاعه بل أوضاع المنطقة. وهكذا تسير المبادرة التركية واجتماع الوزراء الستة في خط موازٍ للحشود العسكرية الهائلة والتصريحات المحمومة والتهديدات الشديدة، فإذا وقع العدوان يروج إعلام هذه الدول أن اللوم على العراق، وأنه المسؤول عن كل ما يحدث، فلم يسمع نصيحة هؤلاء الحكماء العملاء. إن هؤلاء الحكام سيقفون ضد العراق متى نشبت الحرب وسيعينون أميركا كل بحسب الدور المرسوم له.
إن أميركا التي أعلنت على لسان رئيسها أن حربها صليبية ضد الإسلام، وأن من لم يكن معها فهو ضدها، وأميركا التي تتصرف بعنجهية وصلف، ولا تقيم حساباً لأحد، ما كان يمكنها ذلك لولا أنها تدرك أن حكام المسلمين في المنطقة رهن إشارتها، فلو لم تأذن لهم أن يجتمعوا لما اجتمعوا، فهم قد طلبوا من العراق طلبات أميركية وقعوها بأسمائهم دون أن يستحيوا من الله ولا من عباد الله.
لقد كان الواجب على هؤلاء الحكام أن يتداعى ممثلوهم لوضع الخطط القتالية للرد على عدوان أميركا على بلاد المسلمين، لا أن يتداعوا لإيجاد الذرائع للعدوان الأميركي، وإيجاد سبيل للكفار على البلاد والعباد، والواحد القهار يقول: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً) [النساء]. إن أميركا تدق طبول الحرب صباح مساء، وهؤلاء يأتمرون ويتآمرون دون خجل أو حياء.
إن المآسي في الأمة أصبحت تتكرر، وبوتيرة سريعة، فمنذ عشر سنوات فقط كان بوش الأب يخوض عاصفة الصحراء ضد المسلمين التي خلفت وراءها آلاف القتلى والتي استعمل فيها الأسلحة المحرمة دولياً. وها هو بوش الابن البار لأبيه على خطاه يريد أن يذهب أكثر بكثير مما ذهب إليه أبوه من قتل وتدمير وتشويه. فهو بدأ بأفغانستان، وأعطى الضوء الأخضر لشارون في فلسطين ليقتل ويدمر ويشرد، ويريد أن يكمل في العراق، ولا يعلم إلا الله أين سينتهي. وكل مجازره يرتكبها ضد المسلمين.
إن على المسلمين أن يتحركوا ولا يكتفوا بالدعاء، فإنَّه لا يرضي الله سبحانه أن يرفعوا أيديهم بالدعاء والتضرع ويستغيثوا وقد تركوا الطريق الشرعي الذي يوصلهم إلى النصر. إن الدعاء واستمداد العون من الله مطلوب مع التوكل على الله والأخذ بأسباب النصر. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس إن الله يقول لكم: مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوني فلا أجيب لكم، وتسألوني فلا أعطيكم، وتستنصروني فلا أنصركم». وقال أيضاً: «لتأمرُنَّ بالمعروف ولتنهوُنَّ عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم».
إن المسلمين إذا نظروا في تاريخهم وجدوا أن كل قارعة كانت تحل بهم كانت نتيجة البعد عن الله. وأن كل مصيبة كانت تقتل منهم عشرات الآلاف أو مئاتها أو الملايين كان لا يكفي الدعاء وحده لردها. إن التتار والصليبيين من قبل، عندما أعملوا السيوف في رقاب المسلمين لم يرد الدعاء عنهم شيئاً وإنما الذي قوّم اعوجاج الأمور حينها جهاد الأمة تحت راية واحدة يقودها أمثال صلاح الدين الأيوبي ونور الدين زنكي وقطز والظاهر بيبرس.
إن المسلمين اليوم في أشد حاجتهم إلى من يمد إليهم يده، إلى حاكم مخلص، يتحرك مع أمته ليقودها في جهادها ضد أعدائها وليهيئ لها أسباب القتال والجهاد. فالحكام اليوم مفتاح الشر كله فيجب تغييرهم وإيجاد الحاكم الصالح فهو مفتاح الخير كله. والمسلمون مطالبون شرعاً، من أجل أن تستقيم أمورهم على دينهم، بإقامة خليفة يقودهم بكتاب الله وسنة رسوله ويجاهد بهم أعداء الله. وعندها يستجيب الله لهم بعد أن يستجيبوا هم أولاً لله ولرسوله. قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) [الأنفال/24] وقال تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) [البقرة].
إن تكبير الله على ألسنة الجند في الدعاء يجب أن يقترن مع تكبير الله على ألسنتهم في ميدان القتال. وعندها يكون النصر بإذن الله (والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار) [آل عمران] .
2003-02-20