مقابلة صحفية
2002/09/19م
المقالات
2,018 زيارة
مقابلة صحفية
أجرت صحيفة “الوفـاق” السودانية مقـابلة صحفية مع الناطـق الرسمي لحـزب التحـرير في السودان (علي سعيد – أبو الحسن) حول موضوع جنوب السودان ومخططات أميركا والغرب لفصله عن السودان. وقد نشرت “الوفاق” المقابلة في عدديها الصادرين في 20،19/ جمادى الآخرة/ 1423هـ الموافق 29،28/08/2002م.
و«الـوعــي» تنشر المقابلة على صفحاتها لإطلاع القراء عليها لأهميتها:
======================================
حوار: بكري المدني – صحيفة الوفاق
الأستاذ على سعيد أبو الحسن – الناطق الرسمي باسم حـزب التحـرير بالسودان له من المواقف باسم الحزب من مجريات الأحداث في السودان ما يعد مخالفاً لكل أطروحات الجماعات السياسية الإسلامية والعلمانية معاً. ففي الوقت الذي حصلت فيه حركة قرنق على اعتراف من كافة القوى السياسية السودانية بما في ذلك الحكومة يقطع حـزب التحـرير بأن هذه الجماعة ما هي إلا عصابات وقطاع طرق يجب على الجيش تأديبها وفي الوقت الذي ينـزل فيه الجميع إلى دولة المواطنة يتشبث حـزب التحـرير بدولة الخـلافة ولا يألو في ذلك جهداً ولأن الحزب يسير عكس التيار العام والمحلي كان لا بد أن نصل إليه عبر الأمواج لنسمع ونرى ما يعد غريباً في هذا الزمان الغريب وإن بدا مألوفاً لمن يعتقد في عودة الإسلام غريباً كما بدأ.
الأستاذ أبو الحسن يجتمع حوله ثلة من الشباب الداعين للخـلافة عبر الإنترنت والبيانات التي تصدر بكرةً وعشياً تلمح على وجوههم اليقين بقرب الزمان وإن بدا بعيداً يرونه قريباً. ولكن بعد تساقط الجماعات والحركات الإسلامية مثل أوراق الخريف تكون مهمة حـزب التحـرير شبه مستحيلة على الأقل في مثل هذه الأجواء والأزمان فهي جماعات أضحت إما نافرةً أو منفّرةً ولندع أبو الحسن يحكي بنفسه.
l أستاذ علي أبو الحسن كيف تنظرون لمجريات الأحداث والتي تمخض عنها الإطار العام لاتفاق مشاكوس؟
< بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. حقيقةً نحن ننظر للأمور نظرة مبدئية واحدة سواء أكان الأمر متعلقاً بالقتال الدائر في جنوب السودان أم بما تمخضت عنه اجتماعات نيروبي وبروتوكول مشاكوس أم كان متعلقاً بفلسفة الحكم في البلد بصورة عامة. والزاوية التي ننظر بها إلى هذه الأمور هي زاوية العقيدة الإسلامية، وعلى ضوئها نحدد مواقفنا حسب فهمنا الشرعي لهذه الأمور. وبذات الطريقة نطالب الآخرين أن يحاكمونا على مواقفنا من زاوية العقيدة الإسلامية.
وبالنسبة لما تم مؤخراً في نيروبي فقد اتفقوا على إعطاء أهل الجنوب حق تقرير المصير أي حق اختيار الانفصال عن السودان. وبالنسبة لعلاقة الدين بالدولة اتفقوا على أن يكون هناك دستور مركزي علماني كما هو الحال الآن على أن يسمح لأهل الشمال أن يسنوا قانون العقوبات من الشريعة الإسلامية وما يسمى بالأحوال الشخصية. وبالنسبة لهيكلة الحكم اتفقوا على كيان لجنوب السودان وكيان لشمال السودان وكيان مركزي يجمع الكيانين. ومن المعلوم أن إعطاء خيار الانفصال لأهل الجنوب وتقسيم البلد إلى كيانات حرام قطعاً لقول الحق تبارك وتعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) [آل عمران/103] وقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «من جاءكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم ويفرق جماعتكم فاقتلوه كائناً من كان».
وكل الحكومات التي تعاقبت على حكم السودان مسئولة عن ما تم التوصل إليه في مشاكوس بعدم معالجة المشاكل وظلم أهل البلاد في الجنوب والشمال. والإنقاذ قاتلت المتمردين عما ادعت أنه نظام إسلامي وروجت لذلك في الدنيا كلها ولم تقض على الفتنة بل أعطت المتمردين المسوغ ليواصلوا هذه الحرب الظالمة نتاج رفع شعار الإسلام بدون تطبيق وإعلان الجهاد من قبل الدولة لم يكن إلا للوصول لعلمنة البلاد بعد تمزيقها. والدليل على ذلك أن الجهاد في الإسلام يكون لإحدى ثلاث غايات: إما الدخول في الإسلام، أو أن يلقوا السلاح، ويخضعوا لحكم الإسلام، ويدفعوا الجزية، أو القتال قال تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) [التوبة] أي خاضعون لأحكام الإسلام. فلماذا تريد الحكومة إيقاف الحرب الآن هل لأنهم أسلموا؟ أم لأنهم خضعوا لأحكام الإسلام أم ماذا؟!
l إذا لم يكن الأمر في الجنوب جهاداً فماذا تسميه إذن؟
< كل حرب بين المسلمين والكفار سواء أكانوا أهل كتاب أم مشركين تعتبر جهاداً. والجهاد نوعان إما ابتداء فنخرج إليهم نحن بجيوشنا لحمل الإسلام إليهم، أو دفاعاً في حالة هجومهم علينا. أما في حالة تمرد مجموعة من الرعية، فإن كانوا كفاراً يكون عقد الذمة قد سقط عنهم، ويقاتلون حتى يرجعوا للذمة مرة أخرى أي قتال حرب لكفار متمردين خارجين على القانون وقطاع طرق وعصابات نهب ويعاقبون وفق الشرع. دون التعرض لأهلهم المسالمين وذويهم ويسمى جهاداً كذلك… أما السؤال عن الجهاد فيوجه للحكومة هل كان ما فعلتموه جهاداً؟ فلماذا التفاوض على العلمانية وفصل الجنوب إذن؟ وإن لم يكن جهاداً فماذا تسمونه؟!
l أستاذ علي تصف الحركة الشعبية بأنهم مجموعة قطاع طرق مع أنهم حركة سياسية ولها مطالب وجناح عسكري وتفاوض الحكومة معها اعتراف بذلك؟
< في الحقيقة هم مجموعة عصابات نهب مسلح وقطاع طرق لا أكثر من ذلك ولا أقل وأميركا ومن قبلها بريطانيا ومعهم الغرب الكافر الحاقد على السودان وأهل السودان هم الذين أمدوهم بالسلاح والغذاء والفكرة وصوروهم على أنهم منظمة سياسية ووضعوها في موضع الند للحكومات التي تعاقبت على حكم البلاد في الوقت نفسه الذي يصورون فيه منظمات المسلمين التي تعمل لطرد الاحتلال اليهودي والاحتلال الهندوسي بأنهم عصابات وإرهابيين وخلافه. فالمتمردون عصابات تعمل لحساب أميركا. أما المطالب السياسية فهذا ذر للرماد في العيون ولم يفعلوا ذلك إلا بعد أن وجدوا الضوء الأخضر من الحكومة نفسها بل والحكومات السابقة بل والمعارضة كذلك من دعوة لعقد المؤتمرات في ما قبل 69 إلى اتفاق ما سمي بالوحدة الوطنية في 3 مارس 1972م إلى اتفاق ما سمي بالميرغني قرنق الذي عرض فيه حق تقرير المصير وفصل الدين عن الدولة إلى مؤتمر الحوار حول قضايا السلام الذي عرضت فيه الفيدرالية وموافقة الرئيس البشير على ما سمي بإعلان مبادئ دول الإيغاد عام 94 والذي نص على حق تقرير المصير وفصل الدين عن الدولة. ثم مؤتمر أسمرا الذي أكد على ذلك في 95، وميثاق السلام في 97، واتفاقية الخرطوم في 98، وما سمي بدستور السودان الدائم بعد ذلك إلى أن جاءت ميشاكوس وعرضت الكونفدرالية قبلها. ففي كل مرة كانت الحكومة والمعارضة تعطي أميركا الضوء الأخضر لتوعز لعصاباتها العاملة في جنوب السودان لرفع سقف المطالب والذي وصل حد تمزيق البلاد وعلمنتها وتمكين الاستعمار الأميركي السرطاني من جسم البلاد وإهمال الحكومات لمناطق الجنوب والشمال أيضاً والظلم الواقع على الناس إضافة لرفع شعار الإسلام دون تطبيق كل ذلك كان بمثابة إعطاء المبرر لاستمرار الحرب.
l ولكن واقع الحال أيضاً يقول إن للجنوبيين ظلاماتهم عبر التاريخ والمطالبة بها غير منكورة؟
< أقول لك يا أخي الكريم بأن المتمردين قطاع طرق وعصابات نهب مسلحة تعمل لصالح أميركا يجب ألا يعاملوا بأكثر من ذلك فيدعم الجيش بكل قوة ممكنة لقتالهم حتى يرجعوا لسلطان الدولة. أما المظالم فهي مظالم أهل الجنوب وليس المتمردين، فإنّ من رفع السلاح في وجه الدولة يكون قد فقد حقه الشرعي في المطالبة برفع المظالم لأنهم صاروا جزءاً من الظلمة، وهذا هو الوصف الحقيقي لهم. ولكن التضليل بشتى أساليب الدجل السياسي أوهم الناس بأنهم حركة سياسية لها مطالب عادلة والحق أنهم مجموعة خارجة على القانون وتهدد الأمن في الجنوب، وتقيم خارج البلاد. ويجب اعتبار إيوائهم إعلان حرب. ولكن تواطؤ الحكومات هو الذي فاقم المشكلة وأوصل الأمر حد التنازل عن الدين وعن وحدة البلاد.
أما حقوق وظلامات أهل الجنوب فهي تشمل كذلك كل السودان. وحـزب التحـرير نذر نفسه لمواصلة العمل السياسي لانتزاع هذه الحقوق للرعية انتزاعاً سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين في الجنوب أو في الشمال، وإزالة جميع ظلاماتهم بتطبيق نظام الإسلام الذي أوجبه رب العالمين.
l إذاً أنتم ترفضون ميشاكوس وحل ميشاكوس فما هو بديلكم؟
< الخـلافة!
l أقصد بديلكم لحل مشكلة الجنوب؟
< 1/ إلغاء ميشاكوس فحكومة البشير لا تمثل إلا نفسها وهي غير مفوضة من قبل الشعب لتوقيع هذه الاتفاقية لا شرعاً ولا حتى بديمقراطيتهم التي يزعمونها. وما يسمى بالحركة الشعبية لتحرير السودان لا تمثل إلا نفسها وهي كذلك غير مفوضة من قبل الشعب ولا حتى بديمقراطيتهم المزعومة اللهم إلا إذا كانوا يؤمنون بشرعية جديدة هي شرعية البندقية!! وما يسمى بالتجمع الوطني الديمقراطي لا يمثل أحداً وهو غير مفوض من قبل الشعب لمباركة أو المشاركة في هذه العملية. لذلك فإن اتفاقية ميشاكوس غير ملزمة لأحد أصلاً. ومن الخيانة الكبرى أن الذين كانوا يقولون بعدم مشروعية الحكومة ويتشدقون بإعادة الديمقراطية المزعومة ورفض كل ما يأتي من قبل الحكومة حتى ولو جاءت مبرأةً من كل عيب الآن أيدوا الحكومة في هذه العملية تأييداً قوياً!!
2/ إيقاف التدخل الأميركي في شئوننا ووقف تدويل القضية وإبعاد كافة الأطراف الخارجية.
3/ عدم المساومة أو التفريط في وحدة السودان وذلك بإلغاء حق تقرير المصير.
4/ اعتبار قضية جنوب السودان قضية أمنية وليست سياسية.
5/ فصل قضية أهل الجنوب عن قضية المتمردين فالمتمردون لا يقبل منهم أي قول أو مطلب قبل إلقاء السلاح أما أهل الجنوب فلهم الحق الشرعي في الحياة الكريمة بأرقى صورة ممكنة في كافة مجالات الحياة.
6/ تقوية الجيش ودعمه دعماً بلا حدود لتأديب عصابات جون قرنق وإرغامها على وضع السلاح.
7/ وهو الحل الجذري: العمل الجاد لإعادة الخـلافة الإسلامية التي تحل مشكلة الجنوب وأهل السودان والأمة وكل الناس.
l ولكن كيف خالفت مشاكوس عقيدة الإسلام وهي قد ثبتت قانون الشريعة الإسلامية كمصدر للأحكام في الدستور الاتحادي؟
< مشاكوس لم تثبت حق الشريعة الإسلامية هي اعتبرت الشريعة أحد مصادر التشريع في الدستور كما قالوا لكيان شمال السودان ثم جعلت لكيان جنوب السودان حق الاعتراض على أي نص أو قانون يتعارض مع الدستور الاتحادي حتى لو كان أحكاماً شرعية بالنسبة للشمال أو الجنوب. وعلى هذا فإن الدستور الاتحادي علماني وهذه حقائق بثها من يسمى بالناطق الرسمي للجيش الشعبي ولم يستطع أحد نفيها حتى مفاوضو الحكومة وإنما قالوا إن الدستور الاتحادي قد سكت عن مصادر التشريع.
l كيف تعتبر الدستور الاتحادي علمانياً حتى وإن نص على أنّ الشريعة هي أحد مصادر التشريع؟
< حتى وإن نص الدستور على أن الشريعة أحد مصادر التشريع يعد دستوراً علمانياً فالشريعة ليست مصدراً من مصادر التشريع بل هي المصدر الوحيد للتشريع، فالعقيدة الإسلامية وحدها هي أساس الدولة. وللعلم فإنّ كل دساتير الدول في بلاد المسلمين علمانية لأنها تضع الشريعة كمصدر من مصادر التشريع الشيء الذي يعني أن هناك مصادر أخرى وهذا دليل علمانية – لهذا يا أخي نرفض مشاكوس من منطلق عقدي ثابت ويجب إلغاؤها ومعاملة المتمردين كقطاع طرق والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «من جاءكم وأمركم جميع يريد أن يشق عصاكم فاقتلوه كائناً من كان» يعني «ولو كان مسلماً» واقتلوه معناها أن يقاتل وإذا لم ينته إلا بقتله قتل ويترك إذا ألقى السلاح. ليس في الأمر وساطة ولا تقبل فيهم الشفاعة. والبديل لمشاكوس كما سبق القول هو تجهيز الجيش ليقوم بمهمته وبشكل قوي مع الاهتمام بأمور التنمية والتعليم والأشياء الإيجابية في الجنوب وهذا ما يجب أن يجري الآن وحتى قبل أن يلقوا السلاح.
l ولكن كيف يتم ذلك والحرب دائرة رحاها؟
< هناك مدن في الجنوب في أيدي الحكومة بل هناك مدن في الشمال والشرق والغرب ماذا فعلت لها الحكومة؟ الحكومة ليست ظالمة ومقصرة في حق أهل الجنوب فقط هي مقصرة في حق كل أهل السودان. ولكن هناك من استغل ظلم أهل الجنوب وربما يستغل غداً أهل الشرق أو الغرب أو الشمال طالما صارت هناك سابقة سياسية وهي «من لم يحمل السلاح يهمل» وبهذا المنطق يمكن أن يتكرر السيناريو ولا ننسى أن الغرب هو الذي أوجد الحرب بتمويلهم لقرنق ولتقتيل الناس ثم ها هم يأتون ليتوسطوا بزعم أنهم يريدون إحلال السلام الشامل والعادل والدائم في السودان.
l أستاذ أبو الحسن بمنطق حـزب التحـرير هذا يعني أن تستمر في الحرب بمعادلتها الصعبة الآن وإلى ما لا نهاية أو ليس هذا هو الواقع؟
< هو حقيقة بهذه الكيفية السلام الآن مستحيل. وإذا كان السلام هو إيقاف الحرب فليس هناك دولة في الدنيا لا تخوض حرباً. وإذا كانت الحكومة تظن أن حرب الجنوب هي آخر الحروب فهذا يعني أنها لا تفهم الواقع السياسي فالقتال يمكن أن يكون حتى بين المسلمين (وإن طائفتان) إلى آخر الآية. ولئن كان الظن أن السلام هو انتهاء الحرب فهذا وهم وخيال بل هو من أفظع أنواع الدجل السياسي ولن يفضي إلا لتمزيق البلاد وتكريس العلمانية والتمكين لأميركا عبر إنزال قواعدها وجيوشها في أرضك… ألم يكتب نكسون في كتاب نصر بلا حرب «إن الذين يبحثون عن سلام وأمن أناس واهمون يجب على الشعب الأميركي أن يعي – أنه عليه أن يخوض الحرب في كل مكان نسبةً للاختلاف العقدي والثقافي واختلاف المصالح» وهذه حقيقة ثابتة كما أن القول بأن السلام في ظل التمسك بالشريعة الإسلامية مستحيل هذا قول غير صحيح وباطل من أساسه ونحن لا نغفل دور الغرب بل نؤكده. والسودان الآن لا يفاوض قرنق، كما أن لا علاقة لبروتوكول مشاكوس أيضاً به، وما مشاكوس إلا محطة في قطار العولمة المنطلق من واشنطن. وأي حديث عن سلام دون النظر في الوضع الدولي سطحي. ويجب العودة للعقيدة لتحديد المواقف. إن هؤلاء مجرد متمردين بدليل أن بعض أهلهم موجودون الآن بالشمال بل وبعض أهل الجنوب بالجيش وفي كل مكان فليس هناك استعباد. ودولة السودان قديمة وفي ظل الحصار والمقاطعة الأميركية جاءت الصين بل وجاءت غيرها وتم استخراج البترول وتم الاكتفاء الذاتي منه وفائض للتصدير. وإن الاحتياطي كما تقول الدراسات يفوق المكتشف. كل ذلك تم قبل مشاكوس فما الذي حدث؟! وكيف يعطى المتمردون حق الانفصال ويوقف القتال؟ حتى القانون الدولي لا يمنح حق تقرير المصير لمواطنين تمردوا على دولتهم.
l أستاذ علي ماذا لو طالعنا مطالب الحركة الشعبية مثل مناداتها بقسمة الثروة والسلطة والعدالة الاجتماعية ورفض الدستور الإسلامي على غير المسلمين ألا تبدو هذه مطالب عادلة؟
< يا أخي الكريم كيف تكون مطالب رفض الدستور الإسلامي وتمزيق البلاد بحجة قسمة الثروة والسلطة والتمكين لأميركا، كيف تكون مطالب عادلة؟!
إن السودان بلد إسلامي، والدستور الإسلامي هو الذي يُسعد أهله مسلمين وغير مسلمين، وليس الدستور العلماني الذي تريد أميركا فرضه على السودان الذي يؤدي إلى شقائه وتمزيقه.
l ولكن هناك مسلمون علمانيون وآخرون اشتراكيون؟
< لا يوجد مسلم علماني ومسلم اشتراكي. إنَّ هذه أباطيل أوعز بها الغرب الكافر لعملائه لترويج بضاعته لتضليل المسلمين.
l أستاذ علي الغرب معظمه يدين بالنصرانية ولكنه أبعدها عن الحياة السياسية ونجحت تجاربه الديمقراطية مما حدا ببعض أبناء الشرق لاقتفاء أثره والالتزام بمبدأ المواطنة كأساس للحقوق والواجبات؟
< هل نجاح الديمقراطية في الغرب مسوغ لنا لأخذه وتطبيقه على المسلمين؟! أنا أريد أن أسألك سؤالاً إذا ذهب أحد المرضى لبعض المشعوذين لتلقي العلاج ونجحت تجربته وشفي من المرض فهل هذا مسوغ لشخص آخر أن يذهب للمشعوذين والدجالين إن كان يحترم عقله وفكره وعقيدته التي يؤمن بها؟!
ثم إنّ هذا النجاح مزيف خادع، فأنت عندما تقول نجحت تجاربه الديمقراطية ما مقياس هذا النجاح؟! المبدأ الرأسمالي العلماني الديمقراطي مقياسه النفعية البحتة بغض النظر عن أي دين أو قيم أو تقاليد. فالمجتمع الديمقراطي الناجح في الغرب مثلاً هو المجتمع الذي يتيح لأفراده أكبر قدر من الحرية الشخصية مثلاً دون وضع اعتبار للقيم السماوية أو الشرف أو الفضيلة أو غيرها؟!
أما مقياس الإسلام فهو الحلال والحرام وهو معيار النجاح وهو المقياس الحق وهو من عند الله عز وجل. وبهذا المقياس تكون الحضارة الغربية العلمانية الديمقراطية فاشلة ومتخلفة ومنحطة وإن شئت فاقرأ الكتاب السابع والخمسين لروجيه جارودي والذي نقله للعربية الأستاذ عمرو زهيري «أميركا طليعة الانحطاط».
l ولكن كيف نثبت للغرب أن الإسلام يقدم نظاماً عادلاً للجميع حتى غير المسلمين؟
< بإحسان تطبيقه على الرعية كافةً مسلمين وغير مسلمين وهذا هو البرهان العملي بأن الإسلام يقدم نظاماً عادلاً للجميع بل النظام العادل الوحيد في الدنيا كما قال ذلك اليهودي للقاضي شريح: «والله لا يحكم بهذا إلا الأنبياء».
يحمل الإسلام إلى العالم بالدعوة والجهاد ليخرج العباد من عبادة أميركا إلى عبادة رب أميركا ومن ظلم الرأسمالية إلى عدالة الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة.
l شيخ علي أليس هذا إكراهاً في الدين؟
< ليس هذا إكراهاً في الدين فالإكراه أن نكره أحداً على أن يترك عقيدته أو أن يعتنق عقيدةً لا يريد اعتناقها ولا يجوز للدولة أن تكره أحداً على الاعتقاد، ولكن أن تدعو بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن وتطبق نظام الإسلام على جميع أفراد الرعية بما يكفل لهم حياةً طيبةً، فهذا ليس إكراهاً بل فرض من رب العالمين.
l وهل تعتبرون جنوب السودان جزءاً من بلاد المسلمين؟
< لسنا نحن الذين نعتبر ذلك بل الإسلام هو الذي يعتبره كذلك. وابتداءً لم تكن هناك دولة اسمها السودان فالدولة كانت مصر وهي التي كانت تضم مصر والسودان والكيان كان واحداً والآثار خير شاهد. ولقد فصل فيما بعد السودان عن مصر بمؤامرة إنجليزية تبنتها أميركا وعن طريق حق تقرير المصير والذي سمي استقلالاً وحتى الاتحاديون الذين رفعوا شعار الوحدة وفازوا بناءً على هذا الطرح خانوا جماهيرهم بتخطيط من الإنجليز والأميركان. والآن تعمد أميركا لفصل جنوب السودان عنه سعياً منها لتفتيت كل كيان إسلامي كبير يمكن أن يعيد وحدة المسلمين وقوتهم. إن السودان أصلاً جزء من مصر، وإمعاناً في التضليل والخبث سموا أقل من ربع المساحة مصر، وأصبح المسلم عندما يقرأ القرآن ويمر على كلمة مصر ينصرف ذهنه إلى حدود 22 درجة شمالاً مع العلم أن مصر دولة واحدة نحن جزء منها، وربنا لم يقل خط 22 درجة شمالاً!!
l أستاذ علي أبو الحسن تبدو الاختلافات الثقافية بين أهل الجنوب والشمال في السودان كبيرة وبائنة فما بالك بين أهل الجنوب السوداني ومصر وكيف يمكن أن تكون كل هذه دولة واحدة وما هي عوامل الوحدة المشتركة بين الجنوب السوداني ومصر حتى تكون دولة واحدة؟
< دولة الإسلام امتدت في كافة الأقطار وضمت كافة الأعراق من طنجة إلى جاكرتا فما هي المشكلة إذن؟! الإسلام جاء أصلاً ليمزج الثقافات كلها في ثقافة واحدة هي الثقافة الإسلامية وهذه هي عظمة الإسلام.
l ولكن ثقافة الجنوب الآن ليست إسلامية؟
< الثقافة لا يمكن أن تفرض بقوة السلاح وعندما جاء المغول واحتلوا عاصمة الخـلافة بغداد وقتلوا الخليفة وحكموا المسلمين بقوة السلاح، لكنهم بعد ذلك اعتنقوا عقيدة المهزومين وتحولت ثقافاتهم إلى ثقافة إسلامية فكانت الثقافة الإسلامية هي الوحيدة في التاريخ التي حطمت فكرة الانبهار بالغالب فكان أن اعتنق الغالب ثقافة المغلوب ودخل دينه…
وواجبنا اليوم هو إحسان تطبيق أحكام الإسلام على الرعية كافةً مسلمين وغير مسلمين في الشمال أو في الجنوب والاجتهاد في حمل الدعوة وشرح أفكار الإسلام لغير المسلمين بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي أحسن لنجعل ثقافتهم ثقافة إسلامية وهذا واجبنا جميعاً وأوجب واجبات الدولة.
l أبو الحسن ما هي توقعاتك لما سوف تتمخض عنه الأحداث؟
< في ظل هذا الواقع المزري الذي يتمثل في الضعف الشديد لحكومة السودان وارتماء المعارضة فيما سمي بالتجمع الوطني في أحضان أميركا التي أمدتهم بملايين الدولارات واليوم تعقد لهم الحلقات الدراسية لرفع كفاءتهم التفاوضية ضد الحكومة!! والمباركة المريبة من حكومات الشرق الأوسط خاصة حكومتي مصر وليبيا بالرغم من علمهم المسبق بأن هذا الاتجاه سيقود في النهاية لقيام دولة جديدة ذات طابع نصراني تهدد مصالح المسلمين، وغير المسلمين في السودان ومصر، والمنطقة، والتدويل للقضية بالتدخل السافر لأميركا وتابعتها بريطانيا، ومن خلفهم الغرب الكافر الحاقد على الإسلام والمسلمين، وفي ظل الحرب على الإرهاب ويقصدون به الإسلام، فإن الجريمة قد شارفت على النهاية ويتكرر سيناريو فصل تيمور الشرقية عن إندونيسيا أكبر بلاد المسلمين…
l وهل يدعو حـزب التحـرير لموقف جماعي؟
< نعم ندعو لموقف سياسي جامع ندعو منه عقلاء القوم وأكابر القوم وقادة الرأي والفكر وزعماء القبائل والعشائر وأهل السودان بل والأمة بأسرها لإطفاء هذه النار وإفشال هذه المؤامرة الإمبريالية الصليبية الحاقدة ورفض كل ما تتمخض عنه هذه المفاوضات، والأخذ على أيدي الذين وقعوا عليه، ومنعهم من إتمام الجريمة، ودعم الجيش بكل قوة لتأديب المارقين وتنفيذ أحكام الإسلام وتفويت الفرصة على أميركا والغرب الكافر. فهذه هي أميركا تتحداكم جميعاً على لسان جون دانفورث عندما قال: «لن ندع هذه الفرصة تفلت من يدنا»!!
2002-09-19