حَمْلُ الدعوة هو العملُ الدائمُ لدولةِ الخـلافةِ
2002/07/19م
المقالات
1,614 زيارة
حَمْلُ الدعوة هو العملُ الدائمُ لدولةِ الخـلافةِ
عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله» متفق عليه. وفي رواية مسلم «إلا بحقها».
=======================================
حمل الدعوة واجب على المسلمين أفراداً وأحزاباً ودولة. قال تعالى: (ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين) [فصلت]، وقال سبحانه: (وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ) [الأنعام/19] أي ولأنذر من بلغه، وحتى يكون الذي بلغه منذَراً وهو لم يسمع الخطاب، اقتضى أن من سمع يجب عليه أن يبلغ من لم يسمع، وبذلك يصح إنذاره، فالآية تقسم الناس قسمين: مخاطبين سمعوا من الرسول صلى الله عليه وسلم ومبلغين لم يسمعوا، وإنما جرى تبليغهم ممن سمع أو ممن جرى تبليغهم قبلهم. وهذا التقسيم هو الوارد في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الذي أخرجه ابن حبان في صحيحه وأخرجه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «نضر الله امرءاً سمع منا شيئاً فبلغه كما سمع فرب مبلغ أوعى من سامع»، وقوله سبحانه (لأنذركم به ومن بلغ) قرينة على أن طلب التبليغ جازم، لأنه لا يتم الإنذار إلا بالتبليغ فكان التبليغ واجباً على كل جيل أن يبلغ من بعده من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. ومن القرائن أيضاً على وجوب التبليغ قوله تعالى: (لتكونوا شهداء على الناس) [البقرة/143] ولا يكونون شهداء إلا إذا بلغوا. وكان صلى الله عليه وسلم يرسل من يدعو إلى الإسلام كإرساله الطفيل بن عمرو الدوسي لقومه فأبطأوا عليه روى البخاري عن أبي هريرة قال: «قدم الطفيل بن عمرو على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن دوساً قد عصت وأبت فادع الله عليها فظن الناس أنه يدعو عليهم فقال: اللهم اهد دوساً وأت بهم»، وكإرساله أصحاب بئر معونة قبل نجد يدعون إلى الإسلام روى البخاري عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «كان بعث ناساً يقال لهم القراء وهم سبعون رجلاً إلى ناس من المشركين وبينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد قبلهم…» وفي رواية خليفة بن خياط أن ملاعب الأسنة قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض عليه الإسلام فلم يسلم ولم يبعد من الإسلام وقال: يا محمد لو بعثت رجالاً من أصحابك إلى نجد يدعوهم إلى أمرك…
وحمل الدعوة من قبل الدولة له طريقة ثابتة دائمة لم تتغير لا في زمنه صلى الله عليه وسلم ولا في زمن صحابته من بعده، ولا يجوز أن تتغير. هذه الطريقة بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث بريدة عند مسلم فعن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً، ثم قال اغزوا باسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً. وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم. وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله. وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنـزلهم على حكم الله فلا تنـزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا» وزاد مسلم [وزاد إسحق في آخر حديثه عن يحيى بن آدم قال فذكرت هذا الحديث لمقاتل بن حيان قال يحيى يعني أن علقمة يقوله لابن حيان فقال: حدثني مسلم بن هيصم عن النعمان بن مقرن عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه]. وحديث المغيرة عند البخاري يفصل هذه الطريقة ويبينها بأنها القتال إذا لم يسلموا أو يؤدوا الجزية، هذا الحديث رواه البخاري عن جبير بن حيّة قال: [فندبنا عمر واستعمل علينا النعمان بن مقرن حتى إذا كنا بأرض العدو وخرج علينا عامل كسرى في أربعين ألفاً فقام ترجمان فقال: ليكلمني رجل منكم، فقال المغيرة: سل عما شئت، قال: ما أنتم؟ قال نحن أناس من العرب كنا في شقاء شديد وبلاء شديد نمص الجلد والنوى من الجوع ونلبس الوبر والشعر ونعبد الشجر والحجر فبينا نحن كذلك إذ بعث رب السماوات ورب الأرضين تعالى ذكره وجلت عظمته إلينا نبياً من أنفسنا نعرف أباه وأمه فأمرنا نبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية. وأخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم عن رسالة ربنا أنه من قتل منا صار إلى الجنة في نعيم لم ير مثلها قط ومن بقي منا ملك رقابكم].
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقاتل قوماً حتى يدعوهم. أخرج أحمد والدارمي عن ابن عباس قال: «ما قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً قط إلا دعاهم». وأخرج الطبراني عن أنس بن مالك قال: «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب إلى قوم يقاتلهم ثم بعث إليه رجلاً فقال لا تدعه من خلفه وقل له لا تقاتلهم حتى تدعوهم» قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح غير عثمان بن يحيى القرقساني وهو ثقة. وأخرج أحمد بإسناد رجاله رجال الصحيح عن مرثد بن ظبيان قال: «جاءنا كتاب من رسول الله صلى الله عليه وسلم فما وجدنا له قارئاً يقرؤه علينا حتى قرأه رجل من بني ضبيعة من رسول الله إلى بكر بن وائل أسلموا تسلموا» ورواه البزار وأبو يعلى عن أنس قال: «كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى بكر بن وائل أسلموا تسلموا فما وجدوا من يقرؤه لهم إلا رجل من بني ضبيعة فهم يسمون بني الكاتب» قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح وصححه الضياء في المختارة ورواه ابن حبان في صحيحه. وأخرج أحمد عن مروة بن مسيك قال: «قلت يا رسول الله أقاتل بمقبل قومي مدبرهم فقال لا تقاتلهم حتى تدعوهم إلى الإسلام. وكان صلى الله عليه وسلم يرسل الرسل إلى الملوك يدعوهم أخرج الشيخان من حديث ابن عباس… قال أبو سفيان ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرئ فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فعليك إثم الأريسيين. ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون». وأخرج مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى وقيصر وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله عز وجل. وفي الحديث المتفق عليه عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي يوم خيبر: «انفذ حتى تنـزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم فيه من الحق فوالله لأن يهدي الله بك الرجل خير لك من حمر النعم».
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن أقام الدولة لم يكتف بالدعوة قولاً وإنما بدأ بالقتال، وكان هو شغله الشاغل، يقاتل الكفار بسبب كفرهم إما ليدخلوا في الإسلام وإما ليخضعوا لأحكامه ويؤدوا الجزية، فكان الإسلام أو الخضوع لأحكامه وأداء الجزية مانِعَيْنِ من القتال. ففي قوله تعالى: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) [التوبة] في هذه الآية يأمر الله سبحانه بقتال أهل الكتاب لأنهم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق، أي لأنهم كفار، هذا القتال يمتد حتى يعطوا الجزية، فإذا أعطوها امتنع قتالهم، فكان إعطاء الجزية مانعاً من قتالهم. وفي حديث الباب حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله…» الحديث، والناس لفظ عام يشمل المشركين وأهل الكتاب وعبدة النار والأوثان والملحدين أي كل كافر بالله، وسبب قتالهم هو كفرهم، إلا أن هذا القتال يمتنع إذا أسلموا، فكان الإسلام مانعاً ثانياً من القتال يضاف إلى المانع الأول الوارد في الآية وهو الجزية. فصار عندنا مانعان: المانع الأول مانع حكم وهو الجزية التي تمنع وجوب القتال للكفار، والمانع الثاني مانع سبب وهو يمنع سبب قتالنا للكفار وهو الإسلام، أي أن الإسلام يمنع سبب قتالنا لهم الذي هو الكفر، فبإسلامهم لا يبقى سبب لقتالهم. وليس هناك ما يمنع اجتماع مانعين على أمر واحد. كالقتل أو اختلاف الدين يمنعان التوارث. وفي مسألتنا الإسلام أو الجزية يمنعان القتال. فلا تعارض بين الآية والحديث، ولا حاجة للبحث في النسخ أو التخصيص.
مكث صلى الله عليه وسلم في المدينة عشر سنين يقاتل الكفار، ورد في مسائل الإمام أحمد [فكان مقامه بالمدينة عشر سنين كوامل… فهذه سبع وعشرون غزاة وست وخمسون سرية] أما ابن سعد فقال في الطبقات: [كان عدد مغازي رسول الله التي غزا بنفسه سبعاً وعشرين غزوة وكانت سراياه التي بعث بها سبعاً وأربعين سرية] فاتفقا أن عدد الغزوات سبع وعشرون واختلفا في عدد السرايا، ولو قسمنا مجموع الغزوات والسرايا على عدد الشهور التي أقامها صلى الله عليه وسلم بالمدينة لوجدنا أنه كان يغزو أو يبعث سرية مرة كل شهرين على أقل تقدير، إذ السنوات العشر مئة وعشرون شهراً، ومجموع الغزوات والسرايا عند ابن سعد أربع وسبعون، وإذا دققنا وجدنا أنه كان يغزو أو يبعث سرية كل خمسين يوماً. وعليه يمكن الجزم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان دائم الانشغال إما بغزوة وإما بسريّة، وهذا يثبت أن القتال هو الأصل وأنه عمل دولة الإسلام الدائم، وأنه لا ينقطع كما ورد في حديث أنس عند أبي داود أنه صلى الله عليه وسلم قال: «الجهاد ماضٍ منذ أن بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال» وكما ورد عند البزار بسند رجاله ثقات عن نهيك بن صريم السطوني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتقاتلن المشركين حتى يقاتل بقيتكم الدجال على نهر الأردن أنتم شرقيه وهم غربيه ولا أدري أين الأردن يومئذٍ» والمعنى أن القتال دائم حتى يقاتل الدجال. وقوله صلى الله عليه وسلم: «والجهاد ماض» وقوله: «لتقاتلن المشركين» خبران أريد بهما الطلب، وقوله: «لتقاتلن» يمكن أن يكون أمراً، فهما على كل حال يفيدان أن الجهاد ماض دائم وأنه عمل الدولة لقوله: «لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل» في الحديث الأول. ومن الأدلة أيضاً على أن حمل الدعوة هو العمل الأصلي الدائم لدولة الإسلام ما أخرجه البخاري تعليقاً وأحمد عن ابن عمر وابن أبي شيبة مرسلاً عن طاووس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله بعثني بالسيف بين يدي الساعة وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذل والصغار على من خالفني ومن تشبه بقوم فهو منهم». فقوله صلى الله عليه وسلم: «وجعل رزقي تحت ظل رمحي» يدل بالإشارة على وجوب دوام الجهاد لأن طلب الرزق دائم. وهذا ليس خاصاً به صلى الله عليه وسلم بل هو عام يشمل أمته، وهو خبر أريد به الطلب، فيكون المراد اطلبوا أرزاقكم تحت ظل رماحكم أي من الغنائم.
وقد سار الصحابة رضوان الله عليهم نفس سيرته صلى الله عليه وسلم في الغزو والفتوح، فمعلوم أنه صلى الله عليه وسلم توفي في ربيع سنة إحدى عشرة، وخلفه أبو بكر، وبالرغم من انشغاله بأمر الردة وقصر مدة خلافته إلا أنه أعاد بناء الدولة في أقل من سنتين وبسط نفوذها على كافة أنحاء الجزيرة، وفي أخريات خلافته البالغة حوالي السنتين كان قد أنفذ جيوشه إلى كل من العراق والشام، ثم ولي بعده عمر ثم عثمان رضي الله عنهم أجمعين ولم يأت عام ثلاثين للهجرة أي بعد وفاته صلى الله عليه وسلم بعشرين عاماً إلا والمسلمون قد افتتحوا العراق وفارس والشام ومصر وإفريقية وقبرص والجزيرة (التي بين العراق والشام) وأذربيجان وأرمينية وخراسان وسجستان وطبرستان والجوزجان والفارياب والطالقان واصطخر وأصبهان ومرو وغيرها، وبالإجمال كانوا قد افتتحوا البلاد من أذربيجان إلى الأطلسي في عشرين عاماً. إلا أنهم رضوان الله عليهم شغلوا بعدها بفتنة ابن السوداء التي قتل فيها عثمان رضي الله عنه ففترت الفتوحات حتى استقر الأمر لبني أمية فاستأنفوا الفتوح، وفي هذا عبرة مفادها باختصار أن الفتن الداخلية في الدولة تعيقها عن الفتوحات التي هي مهمتها الأصلية، أي تعيقها عن حمل الدعوة إلى العالم، فليحذر المسلمون بعد قيام دولتنا وهي قائمة بإذن الله ليحذروا الفتن الداخلية، فإن أبناء السوداوات موجودون في كل زمان.
سيرة الصحابة في الفتوح والجهاد تدل بكل وضوح على أنهم كانوا مجمعين على أن عمل الدولة الأصلي هو الجهاد، ولذلك فإنهم قد باشروه بشكل دائم ولم يوقفوه طيلة العشرين عاماً المذكورة، وكان من نوع الجهاد الذي يسمى جهاد الطلب، فالبربر لم يهاجموا الدولة وأهل كابل وهراة وأرمينية وأذربيجان لم يعتدوا عليها، ولذلك فإن الخطأ بل من التزوير لحقائق التاريخ أن يقال إن جهادهم كان للدفع .
2002-07-19