المسكن وتأثره بمفاهيم الإسلام
1987/08/22م
المقالات
6,031 زيارة
إعداد: المهندس محمد عزّام
l في عصرنا الحاضر، بَعُدَ المسلمون عن الحياة الإسلامية، وغدت المساكن بعيدة كل البعد عن ما تتطلبه أحكام الشرع من ستر وغض للبصر وحفاظ على راحة الجار وغيره. فهل يمكن الاستفادة من التطور العمرانيّ لتصميم المسكن الذي يتّفق ومقتضيات الشرع الإسلامي؟.
(والله جعل لكم من بيوتكم سكناً)
الإسلام هو الدين الذي أنزله الله تعالى على سيّدنا محمد ﷺ، لتنظيم علاقات الإنسان بخالقه وبنفسه وبغيره من بني الإنسان. ولهذا كان لزاماً على الإنسان المسلم أن يسيِّر أعماله وفقاً لهذا النظام الرَّباني المتمثّل بكتاب الله والسنة النبويَّة الشريفة. وفي الصفحات التالية سوف نعرض للأسس التي حدّدها الإسلام للمسكن الإسلامي، وبعض الحلول المعمارية التي تتناسب مع عقيدة المسلم.
من الخطأ الشائع الظن بأن المسكن الإسلامي عبارة عن أشكال مادية وحوائط جوفاء لا ترتكز على أسس وظيفية. ومن خلال تحليل المسكن الإسلامي نلاحظ أن لهذا المسكن شقّان أساسيان: الأول وهو الشقّ الوظيفي المبنيّ حسب المفاهيم الإسلامية، والثاني وهو الماديّ التشكيليّ، عبارة عن ترجمة عملية وواقعية لتلك التوجيهات.
وفي بداية حديثنا سوف نتعرض لبعض التوجيهات التي حدّدها الشرع الإسلامي لبناء مسكن يتلاءم وعقيدة المسلم.
حق الأسرة:
لقد أعطى الدين الإسلامي أهمية خاصة للأسرة في المجتمع، فأمر بغضِّ البصر، وعدم النظر إلى حرمات الغير. قال رسول الله ﷺ: «من أدخل عينه في بيت من غير إذن أهل فقد دمّره» [انظر شكل (1)]. وكما شرّع الله تعالى حرمات للأسرة، شرّع حرمات لمسكنها، حيث أمر بعدم دخول المسكن إلا بإذن ورضى أصحابها. قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا أو تسلموا على أهلها) فنهى الله تعالى الناس عن دخول البيوت إلا بإذن أهلها، واعتبر عدم الإذن استيحاشاً. ومن ذلك نستطيع أن نقول إن لهذا المسكن حرمات يجب مراعاتها.
حق الجار:
وكذلك فقد أولى الإسلام أهمية كبيرة للجار، حيث إن الناس في المجتمع مجموعة جيران، فاحترام الجار لجاره وإحسانه إليه يكون بمثابة احترام وإحسان إلى كل المجتمع. قال رسول الله ﷺ: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنّه سيوَرِّثه». وقال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره». وإذا أمِن الإنسان جاره يكون قد حصل على الاطمئنان والهدوء والراحة، وبذلك يكون السكن مكاناً تسكن فيه النفوس وتأمن. [انظر شك رقم (2)].
حق المجتمع:
أمَّا علاقة المسكن بالطريق العام، فقد حددها حديث رسول الله ﷺ: «إياكم والجلوس على الطرقات. قالوا: يا رسول الله ما لنا بدٌّ إنما هي مجالسنا نتحدّث فيها. قال: فإذا أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقِّها. قالوا: وما حقِّ الطريق؟ قال: غض البصر، وكفّ الأذى، وردُّ السلام، وأمرٌ بالمعروف».
لقد نهى الحديث النبوي الشريف عن الجلوس على الطريق بلفظ “إياكم”، وهو لفظ نَهي مع التوعّد بالعقاب للمخالف، وإن سمح بعد ذلك بشروط قاسية قد يتعذّر على المسلم أن يؤدّيها. ومن هنا كان لا بد للمسلم من الاتجاه إلى الحياة الداخلية أي داخل المساكن، والتي توفّر بدورها الخصوصيّة الكاملة للمسكن، فيكون مكاناً لا يتطلع أحد إلى ما فيه من عورات، فلا يكون مشرّعاً على الطريق، لكي لا يتعارض مع حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
الخصوصية الداخلية:
وتتمثل بضمان درجة عالية من الخصوصية داخل المسكن. فينفصل الجزء المخصّص للحياة الأسريّة الخاصة وما يلحق به من خدماته ـ وهو ما يطلق عليه جناح النوم ـ عن الجزء الثاني وهو الذي يمكن أن يرتاده الغرباء عن البيت من زوّار الأسرة وما يلحق به من خدمات ـ وهو ما يسمّى جناح الاستقبال، بحيث لا يمكن السمع أو النظر فيما بين الجناحين. وهكذا يؤثّر هذا المبدأ على التكوين العام للمسكن. [انظر شكل رقم (3)].
وهذا الكلام لا بدّ له من تطبيق واقعيّ ملموس. ونظراً لضيق المجال فلا يسعنا إلا تناول بعض الحلول التي وُجدت في العمارة في العصور الإسلامية الذهبية.
أما الحلّ الأول، وهو يتعلق بالحياة الداخلية، فيتمثل “بالحوش”، بحيث يتأمن عدم انفتاح المسكن على الخارج إلا من خلال فتحات صغيرة وغالباً ما كانت على ارتفاع كبير.
وأما الحلّ الثاني فهو ما يعرف بـ “الملقف” والذي يؤمن بدوره تكييفاً طبيعياً للمسكن وراحة كاملة لسكّانه.
الحوش:
لا بدّ للمسكن من الاتجاه إلى الداخل [انظر شكل رقم(4)]، أي ارتباط العناصر وانفتاحها على الفراغ الداخلي (الحوش). أما الوظائف التي يؤدّيها الحوش (الفناء)، فهي ما يلي:
أولاً: الحوش هو الفراغ المكشوف داخل المبنى الذي يحقق للإنسان إمكانية الاتصال بالفضاء الخارجي، حيث الهواء المتجدد والاتصال المباشر بالطبيعة [انظر شكل رقم(5)].
ثانياً: تجميع عناصر المسكن حول حوش داخلي، مما يتلاءم ومبدأ الخصوصية للسكان في ممارسة حياتهم العائلية. [انظر شكل رقم (6)].
ثالثاً: يعتبر الحوش منظماً حرارياً، إذ يجتمع فيه الهواء البارد أثناء ساعات الليل، فينتج عنه الحفاظ على درجة حرارة منخفضة خلال فترة النهار، وبالتالي المساهمة في تلطيف درجة الحرارة للفراغات الداخلية للمبنى في الفترة الأولى من النهار، بسبب تظليل أجزاء كبيرة من أرضيّة الحوش، وتقليل أشعّة الشمس المنعكسة، أو لوجود مسطّحات خضراء ونافورات في هذه الأحواش، فيكون الحدِّ من شدة الإبهار وتلطيف درجة حرارة الهواء وزيادة نسبة رطوبته. [انظر شكل رقم (7)].
رابعاً: يمارس السكان أمسياتهم الاجتماعية في الحوش بعيداً عن أعين الناس، متمتعين بخصوصية كاملة، خاصة أثناء فصل الصيف في جوّ مريح بدرجة حرارة معتدلة، كما ينام السكان في كثير من البلدان الحارّة في الفناء هرباً من شدة الحرارة في الداخل، وبذلك تكون عورات المسكن مصونة. [انظر شكل رقم (8)].
الملقف:
نتيجة للحياة الاجتماعية التي يتطلبها الإنسان المسلم داخل مسكنه، نجد أن المسكن ينغلق على نفسه وينفتح على حوش داخلي، ويقلّ وجود فتحات في الجدران الخارجية، وهي صغيرة إن وُجدت. ولذلك كان لزاماً على المصمم المعماري إيجاد حلّ معماريّ سليم وعلميّ لحركة الهواء داخل المسكن، لتوفير الراحة الحرارية. وإن أي مكان مظلل تتخلله حركة الهواء يحتفظ بدرجة حرارة منخفضة، كما أن حركة الهواء تساعد كثيراً على تخفيف حدة المناخ شديد الجفاف مما يجعل التهوية من العوامل التي تحتل أولوية في الاعتبار عند تصميم المسكن، خاصة في البلاد ذات المناخ الحار الجافّ. وتحدث حركة هواء متعاكسة في المناخ الحار الرطب عند مرور تيّار هواء حول مبنى [أنظر شكل رقم (9)]، فتتولد منطقة ضغط مرتفع حول الجزء الواقع باتجاه الريح. وبحدوث اختلاف في الضغط بين الجزئين [أنظر شكل رقم (10)] تتولد تيارات هوائية داخل المبنى ـ إذا وُجدت الفتحات المناسبة، فيندفع الهواء من مناطق الضغط المرتفع إلى مناطق الضغط المنخفض [أنظر شكل رقم (11)]. وكلّما كان توجيه المبنى عمودياً على اتجاه الريح، كلما زادت كمية الهواء الداخل [أنظر شكل رقم (12)]. ومن ذلك نستطيع أن نقول أنَّ الهدف من الملقف هو الحصول على تيار هواء طبيعي للتهوئة والتبريد داخل المبنى.
وبما أن المساكن كانت ملاصقة لبعضها البعض لأن الجدران المتجاورة تعطي عدداً أقل من الأسطح المعرضة للعوامل المناخية الخارجية، استعمل الملقف في معظم المدن الإسلامية [أنظر شكل رقم (13)] كجهاز تكييف دائم، وكلفته بسيطة إذا ما قيست بالأجهزة الحديثة للتبريد. وعلينا أن لا ننسى أن الملقف يعطي حياة طبيعية غير مصطنعة.
المدينة الإسلامية:
وخلاصة القول، إن المحافظة على الحلول المعمارية الملائمة لعقيدة المسلم أمر مهمّ في مدننا الإسلامية، وعلينا أن نربط التطور العمراني بتراثنا القديم من حيث البناء وسائر الأعمال الهندسية؛ لإيجاد المدينة الإسلامية بصورتها المتميزة عن كلّ المدن الأخرى.
ــــــــــــــ
المراجع
1- الدكتور صالح لمعي: التراث المعماري الإسلامي في مصر.
2- الدكتور محمد بدر الدين الخولي: المؤثرات المناخية والعمارة العربية.
3- الدكتور حازم محمد إبراهيم: خواطر قرآنية ـ مجلة عالم البناء.
1987-08-22