هذه أقوالُهم وخُبْثُ فِعالِهم(1)
2002/04/19م
المقالات
2,016 زيارة
أحد عقول أميركا الكبار:
الحرب الحقيقية لا تنتهي إلا بعد تدمير
كل قوة تقاوم الهيمنة الأميركية
في كتاب أصدره الخبير الأميركي بريجنسكي ـ عضو مجلس العلاقات الخارجية والمستشار السابق لشؤون الأمن القومي لدى الرئيس كارتر ـ سنة 1997 بعنوان «رقعة الشطرنج العظيمة» ـ التفوق الأميركي ومتطلباته الاستراتيجية ـ جاء فيه أن تحدي الولايات المتحدة لفرض الهيمنة على العالم، هو التحكم في منطقة يوراسيا (وهي كل المنطقة الواقعة شرقي ألمانيا وبولندا، وتمتد عبر روسيا والصين إلى المحيط الهادي، وتشمل ما يسمى بـ «الشرق الأوسط» ومعظم شبه القارة الهندية) ويعتبرها مركز السلطة في العالم، وبوابة السيطرة على قارة يوراسيا هي آسيا الوسطى، ومفتاح هذه الأخيرة هو أوزبيكستان حسب بريجنسكي.
ويبرر بريجنسكي لهذا التحدي بقوله: «أميركا الآن هي القوة الفائقة العالمية الوحيدة، ويوراسيا هي المحرك الرئيس الدولي وساحة التنافس، ومن هنا فإن ما يحدث لتوزيع السلطة في قارة يوراسيا سوف يكون ذا أهمية حاسمة لنفوذ أميركا الدولي، وميراثها التاريخي». ويستطرد قائلاً: «يوراسيا هي أكبر قارة في العالم، والقوة التي تسيطر عليها سوف تتحكم في اثنتين من المناطق الثلاث الأكثر تقدماً في العالم، والأكثر إنتاجاً على الصعيد الاقتصادي، ونظرة واحدة على الخريطة توحي بأن الهيمنة على يوراسيا سوف يتلوها خضوع آلي تقريباً لإفريقيا، مما يجعل نصف الكرة الغربي ومنطقة المحيط الهادي وأستراليا ونيوزيلندا تابعاً جغرافياً وسياسياً لقارة العالم المركزية، ويعيش 75٪ من سكان العالم في يوراسيا… وهي مسؤولة عن 60٪ من مجمل الناتج القومي في العالم، وعن نحو ثلاثة أرباع مصادر الطاقة المعروفة في العالم». ويسترسل في مصادر الطاقة: «ومن المتوقع أن يزيد استهلاك العالم من الطاقة بكمية هائلة خلال العقدين أو الثلاثة عقود القادمة وتتوقع وزارة الطاقة الأميركية أن يرتفع الطلب العالمي بما يزيد عن 50٪ بين سنتي 1992ـ2015، وأن تحدث أكبر زيادة في الاستهلاك في منطقة الشرق الأقصى… ومن المعلوم أنَّ منطقة آسيا الوسطى وبحر قزوين تحتوي على احتياطيات من الغاز والنفط تتضاءل أمامها احتياطيات الكويت، وخليج المكسيك وبحر الشمال».
وعليه، يخطئ من يظن أن الحملة الأخيرة في أفغانستان ما هي إلا رد فعل على التهديدات والمخاطر التي تعرضت لها أميركا في الآونة الأخيرة!، وإنما هي حرب حقيقية لبسط النفوذ والهيمنة الكلية لأميركا على مناطق الثروة في العالم ـ على الأقل هذا ما يفهم من كلام بريجنسكي وهو ما تنبأ به أيضاً.
وقد أشار د. يوهانس كوبيل مستشار الأمين العام السابق لحلف شمال الأطلسي وصاحب كتاب «أهم الأسرار في العالم» في 6 نوفمبر المنصرم إلى هذا التوجه بعبارات هامة وخطيرة: «إن جماعات التأثير المتنفذة خلف إدارة بوش، ومجلس العلاقات الخارجية، واللجنة الثلاثية التي أسسها بريجنسكي وجماعة بلدر بيرج (منظمة تضم في عضويتها أكبر الأثرياء في العالم وأبناء العائلات المتنفذة وأصحاب الشركات في العالم)، قد مهدت السبل، وهي تتحرك الآن نحو تطبيق دكتاتورية عالمية مكشوفة خلال السنوات الخمس القادمة، وهي لا تحارب الآن ضد الإرهابيين، بل تقاتل ضد المواطنين».
وإيراد مثل هذا الكلام، يكفي حجةً ودليلاً لأن يصنف ضمن «الفكر التآمري» (والإسلاميون متهمون بالترويج لهذا الفكر)، لكن أصحاب هذا التوجه ـ أن الحرب الحالية حقيقية وليست رد فعل ـ من الأميركان والغربيين دافعوا عن طرحهم بجدارة وقد جاء في تصريح لنائب الرئيس الأميركي ديك تشيني أن هذه الحرب أو بالأحرى الحملة «لا تنتهي خلال حياتنا» بمعنى أنها قد لا تنتهي إلا بعد تدمير كل قوة (مهما كان حجمها) تمتلك قدرة سياسية أو اقتصادية أو عسكرية لمقاومة الهيمنة والتفرد الأميركي، وقد يجد صناع القرار الأميركي من الصعوبة تحقيق إجماع على قضايا السياسة الخارجية ـ في ظل مجتمع متعدد الأعراق والثقافات، إلا في الظروف التي يدرك خلالها الشعب الأميركي على نطاق واسع أنه يتعرض لتهديد خارجي حقيقي مباشر!
وفي الختام لا يخفي الخبير بريجنسكي قلقه وتخوفه، ومعه صانعو القرار مما يشكل تهديداً لهذا المخطط، ويعبر عنه بقوله: «في الحقيقة يحتمل أن يصبح الانبعاث الإسلامي الدافع المحرك للقوميات الجديدة التي تزداد تغلغلاً ـ في آسيا الوسطى ـ والمصممة على معارضة أي إعادة اندماج تحت لواء هيمنة روسيا» .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) من مقال للكاتب خالد حسن رئيس تحرير صحيفة العصر الإلكترونية نشر في جريدة “الزيتون”.
2002-04-19