روّاد الإصلاح بين الماسونية والتغريب
1987/08/22م
المقالات
3,332 زيارة
جمال الدين الأفغاني
بقلم: سمير الزين
l “لبست الماسونية مع تطوّر وتصاعد عدائها ضد الإسلام أثواباً عديدة، وكان كل ثوب يلائم المرحلة أو العصر الذي تمر به تنظيمات الماسونية كقوة خفية تعمل في الظلام جيلاً بعد جيل.
ومن الأثواب التي ارتدتها الماسونية في حربها للإسلام المذاهب والاتجاهات والتيارات التي دست على الإسلام، حتى حسبها العامة من المسلمين في مراحل القهر والاستعباد من الإسلام وتعبيراً عنه”(1).
وبعدما أضحى المسلمون لا يميزون العالم إلا من خلال لباسه، غاضّين النظر عن علمه وفكره الإسلامي، دخل الكثير من أعداء الإسلام تحت ستار “رجال الدين” يبثّون الأفكار الدخيلة على الإسلام بين المسلمين عاملين جاهدين لهدم الإسلام وتشويه أفكاره. فكان منهم عدد ممن يسمّون “علماء” في عصرنا الحاضر “وروّاد للإصلاح” بمصطلح الكثيرين، الذين عملوا تحت غطاء الإسلام، ولكنهم في الحقيقة كانوا من أعضاء المحافل الماسونية التي أنشئت في الشرع، ومنهم – وهو موضوع بحثنا – جمال الدين الأسد أبادي المسمّى الأفغاني.
جمال الدين الأفغاني:
لسنا هنا في صدد سرد حياة جمال الدين الأفغاني، ولا بصدد التطرُّق إلى نسبه وتجواله بقدر ما نحن بصدد التطرُّق إلى الوجه الحقيقي الذي أخفاه جمال الدين متستراً بالإسلام، مع أنه كان يشن حرباً على الإسلام ودولته.
فالكثير من المسلمين سمعوا عن جمال الدين الأفغاني كزعيم للإصلاح في العصر الحديث، وكثير منهم سمعوا عنه كرائد من روّاد الفكر الإسلامي. ولكن القليل النادر كشف حقيقة جمال الدين الأفغاني ووجهه الحقيقي كمروِّج لأفكار الغرب بين المسلمين، وكرائدٍ من روّاد الماسونية في الشرق.
أحد دعائم الماسونية:
لقد كان جمال الدين الأفغاني أحد دعائم الماسونية في مصر. “لقد كان… ميالاً بفطرته إلى السياسة، وكان قد انتظم في سلك الجمعية الماسونية وتبنّى في المحفل الاسكتلندي، وقد قال الأفغاني في بحث إجمالي عن الماسونية في ذلك المحفل ما يأتي:
“أما نحن معاشر الماسون، فيؤلمني أنني للآن ما عرفت لنفسي بصفتي ماسونياً، ولا لمطلق الماسونية تعريفاً يجعل لها صورة في الذهن، أو وصفاً ينطبق على من ينخرط في تلك العشيرة. أول ما شوقني للعمل في بناية الأحرار(2) عنوان كبير خطير – حرية مساواة إخاء – غرضه منفعة الإنسان وسعي وراء دك صروح الظلم، وتشتد معالم العدل المطلق فحصل لي من كل هذا وصفٌ للماسونية، وهو همّة للعمل، وعزّة للنفس، وشمم، واحتقار الحياة في سبيل مقاومة من ظَلَمْ… ماسونيتكم أيها الأخوان اليوم لا تتجاوز كيّس أعمال وقبول أخ – يتلى عليه من أساطير الأولين ما يملّ ويخلّ في عقيدة الداخل، ويسقط مكانة الماسونية في عينيه، أنتم اليوم بين رئيس ومرؤوس ، تابع ومتبوع، شرق يأمر ومستشرق يرضخ، مال يجمع، وجزية للشرق تؤدى، وليس من عمل يدل على أدنى أثر من الحياة للماسونية في الشرق”.
|
وعلم جمال الدين أنه لا يمكنه العمل مع أولئك الأخوان، وهم على ذلك الخمول والتخوّف أو الجبن، فأنشأ محفلاً وطنياً تابعاً للشرق الفرنساوي، وفي برهة وجيزة بلغ عدد أعضائه العاملين أكثر من ثلاثمائة من نخبة المفكرين والناهضين من المصريين من مريدي جمال الدين(3).
إذاً بعد أن ترك جمال الدين المحفِل الاسكتلندي لخمول أعضائه وعدم تعاطيهم بالسياسة انتقل إلى مصر ليترأس محفلاً ماسونياً على المذهب الفرنساوي. فضمّ إلى محفله في مصر تلاميذه المقربين وعدداً من الكبراء والوجهاء، وبدأ العمل على بث أفكاره بين المسلمين في مصر.
بث الأفكار المشبوهة:
لقد علم جمال الدين الأفغاني دَوْرَ الصحافة في الغزو الفكري وبث الأفكار، فـ “… حبب – لتلاميذه في المحفِل – الكتابة، ورسم لهم خطتها، وأوحى إليهم بالمعاني الجديدة التي يكتبونها، وشجعهم على إنشاء الجرائد يكتُبْ فيها ويستكتب منهم من توسَّمَ فيه المقدرة. ومثال ذلك انه شجَّع أديب اسحق – أحد تلامذته في المحفِل على أن ينشئ جريدة اسمها “مصر” ، وكان جمال الدين يرسم له خطة السير فيها ويكتب بنفسه مقالاتها باسم مستعار هو “مظهر بن وضاح”(4). وبعدها أنشأ جريدته المعروفة ” العروة الوثقى” وبدأ ببث أفكاره باسمه الحقيقي.
الدعوة للفرعونية:
من الدعوات التي زرع بذرتها في العالم الإسلامي جمال الدين الأفغاني، الدعوة للقومية والوطنية، وذلك لتقسيم الدولة الإسلامية إلى دويلات عرقية وطنية. فدعى المصريين للعودة والنظر إلى أمجاد أجدادهم الفراعنة ليستخلصوا العِبَر كما ادَّعى، فوجه رسالة إلى المصريين يقول لهم فيها: “انظروا أهرام مصر، وهياكل منفيس، وآثار طيبة، ومشاهد سيوه، وحصون دمياط، فهي شاهدة بِمِنْعَةِ آبائكم، وعزّة أجدادكم”، ومن هنا تظهر دعوته المصريين للفرعونية الكافرة. فأين هذا من الإسلام، والإسلام يحرِّم العصبيات القبلية وما شاكلها. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ليس منا من دعى إلى عصبية». والقومية عصبية مُكَبَّرة. وقال عليه السلام أيضاً: «من تَعَزَّى بعزاء الجاهلية فأعضّوه بهن أبيه ولا تَكْنُوا». وعزاءُ الجاهلية هو العصبيات القبلية.
التحريض على الدولة الإسلامية:
ويقول جمال الدين الأفغاني في ذات الرسالة التي وجهها للمصريين: “إنكم معاشر المصريين قد نشأتم في الاستعباد، ورُبيتم في حجر الاستبداد، وتوالت عليكم قرون منذ زمن الملوك الرعاة حتى اليوم، وأنتم تحملون عب نير الفاتحين، وتَعْنون لوطأة الغُزاة الظالمين، تسومكم حكوماتكم الحيف والجور، تناوبتكم أيدي الرعاة ثم اليونان والرومان والفرس، ثم العرب والأكراد والمماليك الخ..” وفي هذه الرسالة يتضح أن جمال الدين المتأفغن يصف العرب الذين نشروا الإسلام في مصر بقيادة عمرو بن العاص رضي الله عنه بأنهم مستعمرون كاليونان والرومان والفرس.
“ويقال إن المتأفغن يعني الأفغاني قد روّج لفكرة الطورانية بين الأتراك عندما فرض عليه السلطان عبد الحميد رحمه الله الإقامة الجبرية في الآستانة، وكان يعقوب بن صنّوع اليهودي تلميذ المتأفغن ينادي بفكرة مصر للمصريين وتأييد نفوذ فرنسا الثقافي”.
وثائق:
ويقول الدكتور محمد محمد حسين في كتابه الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر “…وقد أصبح ذلك – أي ترؤس جمال الدين المتأفغن للمحفِل الماسوني مصر – ثابتاً ثبوتاً قطعياً من مجموعة الوثائق التي نشرتها جامعة طهران مصورة”(5).
وإننا هنا نعرض إحدى هذه الوثائق التي نشرها الكاتب حسين عمر حمادة في كتابه شهادات ماسونية الذي صدر في دمشق عن دار قتيبة وهذا نصها:
“يقول مدرس العلوم الفلسفية بمصر المحروسة جمال الدين الكابلي الذي أنهى من عمره سبعة وثلاثين سنة، بأنني أرجو من إخوان الصفا واستدعي من خلان الوفاء أعني أرباب المجمع المقدس الماسون الذي هو عن الخلل والزلل مصون، أن يمنّوا علي، ويتفضلوا إليَّ بقبولي في ذلك المجمع المطهم، وبإدخالي في سلك المنخرطين في ذلك المنتدى المفتخر. ولكم الفضل
يوم الجمعة 22 ربيع الثاني سنة 1292هجرة”
إن انتماء جمال الدين الأفغاني إلى المحفل الماسوني وترؤسه للمحفل في مصر أمرٌ لا شك فيه، وهذا ما اعترف به محمد رشيد رضا أحد تلامذة الأفغاني وأكّدها في كتابه (تاريخ الأستاذ الإمام)(6).
وللاطلاع على الأفكار التي أخذ يبثها جمال الدين الأفغاني بين المسلمين والأعمال التي قام بها، سنتطرق إن شاء الله في العدد القادم إلى اليد اليمنى وشريك في الماسونية لجمال الدين وتلميذه المخلص وأقصد هنا محمد عبده الذي أخذ يتابع ما بدأه أستاذه بعد وفاته.
_____________________________________________________
هوامش
(1) أخطار الغزو الفكري على العالم الإسلامي – صابر طعيمة – ص 341.
(2) بناية الأحرار: وهو رمز الماسونية، وقد كثر التساؤل عن هذا البناء الذي يحاولون تشييده، وهو الذي يظهر واضحاً من خلال الأنظمة والتشكيلات الماسونية: ويعني بناء هيكل سليمان في القدس.
(3) كتاب شهادات ماسونية لمؤلفة/ حسين عمر حمادة – دار قتيبة.
(4) كتاب زعماء الإصلاح في العصر الحديث – أحمد أمين – دار الكتاب العربي ص 69.
(5) طه حسين مفكراً؟- عبد المجيد المحتسب – ص 221
(6) الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر – د. محمد محمد حسين – دار النهضة العربية – ص329.
(7) تاريخ الأستاذ الإمام – محمد رشيد رضا – ص 40 – 46 – 48 – 819 – 873.
1987-08-22