نُصْرَةُ المسلمين فَرْضٌ وسبيلُها الجماعةُ على إمام
2002/01/19م
المقالات
1,851 زيارة
قبل عقد من الزمان هاجمت أميركا العراق وعركته عرك الأديم، وفرضت عليه حصاراً ظالماً أهلك الحرث والنسل، ولا زال هذا الحصار قائماً، والمسلمون في العراق يستغيثون ويستنصرون، وبعضهم يهيم على وجهه في أرجاء المعمورة، باحثاً عن قوام من عيش، قد يعثر عليه وقد يهلك دونه. ومنذ شهرين بدأت أميركا حملة صليبية جديدة على الأفغان، فأحرقتهم ومزقتهم وأخرجتهم من ديارهم، ومن وقع منهم أسيراً دكّته بالطائرات إن لم يقتله حلفاؤها وأولياؤها، ضاربة عرض الحائط مواثيق جنيف وحقوق الإنسان التي تتشدق بها، فعلت بهم ما فعلته بإخوانهم مسلمي العراق من قبل، فاحفظوا لها هذا الصنيع أيها المسلمون، فالأيام دول، وهي حبالى تلد كل عجيب.
أمس هدد الرئيس الأميركي العراق إن لم يوافق على إدخال المراقبين قائلاً: [سوف يرى] أي الرئيس العراقي، وقبله هدد عدد من المسؤولين الأميركيين العراق، وكأنه الثاني على قائمة حملة بوش الصليبية. هذه الحملة الظالمة طويلة، وستشمل عدداً كبيراً من بلدان المسلمين وسنسمع الكثير من الاستغاثة وطلب النصرة، ومن بكاء الثكالى والأرامل، وسترى الأوصال المقطعة والأطفال الذين سيموتون جوعاً، والجرحى الذين لا يجدون الدواء، وبعض المسلمين مشغول بالعنود وماء الورود، وأخبار الرياضة والفيديو كليب. والجيوش مشغولة بالاستعراضات، وقمع المظاهرات، والمحافظة على الأسلحة من الصدأ، انتظاراً للتقاعد. جعل الحكام همها ووظيفتها المحافظة على الذين يدفعون لهم أرزاقهم ويشبعون بطونهم. يدخل أحدهم الجيش حتى يتقاعد ويمنع من حاكمه أن يخوض معركة، أو أن يغزو. فقد جعل الحكام للجيش وظيفة كسائر الوظائف، لا فرق بين رئيس أركان أو رئيس بلدية، ولا بين قائد كتيبة أو مدير إطفائية، فالكل وظائف يعتاش منها. والمفكرون والمفكرات مشغولون بحقوق المرأة وحوار الأديان والتفاهم بين الحضارات، والاستغناء عن الجهاد بحديث القنوات الفضائية. وعن جهاد الطلب بالمقاومة. والأمة تائهة حيرى، وقد ملئت صدورها غيظاً، وإذا سألت عن العلاج وما يجب عليها قيل لها أرسلي إلى الأفغان أرزاً وبطانيات، وإلى فلسطين طحيناً ودولارات، فتتبرأين من التبعات. وربما أضيف إلى العلاج مقاطعة الكولا والهمبورجر. وأما من يلون أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم اليوم، فهم كما وصفهم صلى الله عليه وسلم لا يهتدون بهديه ولا يستنون بسنته. قد ظهر لعوام الأمة تقصيرهم وبان عوارهم، من أطاعهم أضلوه، ومن عصاهم قتلوه أو حبسوه، إن حوسبوا قمعوا، وإن تركوا رتعوا، استراتيجيتهم السلام ومحاربة الإسلام، يلعنون الأمة وتلعنهم، يسرهم ما يسوؤها، ويغضبهم ما يفرحها، فهم في فسطاط، وأكثر الأمة في فسطاط آخر. والمسلمون يكثرون من التساؤل عما يجب عليهم، وما يستطيعون فعله لنصرة إخوانهم، وما هو حكم نصرتهم إياهم وكيف تكون؟
فنصرة المسلمين لإخوانهم المحتاجين للنصرة فرض، والدليل على ذلك قوله تعالى: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) (الأنفال) وأولياء أعوان وأنصار، ووجه الاستدلال أنه سبحانه يطلب من المؤمنين أن ينصر بعضهم بعضاً كما أن الكفار أنصار بعضهم لبعض، فإن لم يتناصر المؤمنون كما يفعل الكفار تكن فتنة في الأرض وفساد كبير، وهذا قرينة على أن طلب التناصر بين المؤمنين جازم. هذا هو الدليل من الكتاب، أما الدليل من السنة فحديث ابن عمر المتفق عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه…»، وحديث أنس عند البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أُنصرْ أخاك ظالماً أو مظلوماً قالوا يا رسول الله هذا ننصره مظلوماً فكيف ننصره ظالماً قال تأخذ فوق يديه»، وحديث أبي هريرة عند مسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله…». وأخرج أحمد من حديث أبي أمامة بن سهل عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أذل عنده مؤمن فلم ينصره وهو يقدر على أن ينصره أذله الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة»، وأخرج أبو داود والبيهقي والطبراني بإسناد حسن عن جابر وأبي أيوب النصاري قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما من امرئٍ يخذل مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئٍ ينصر مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته» وخذلان الله سبحانه يوم القيامة قرينة على وجوب نصرة المسلم المحتاج إليها. ولا خلاف في أن فلسطين والأفغان والعراق والشيشان والكشميريين بحاجة إلى نصرة. والزرية كل الزرية أن بعض الحكام في البلاد الإسلامية يتحالفون مع أميركا وينصرونها عند ضربها للمسلمين فعلوها في كل من العراق والأفغان، وفعلهم هذا ومن أطاعهم من أكبر الكبائر، بل إن السكوت عن هذا الفعل لا يجوز بدليل كتابه صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار في السنة الأولى وفيه: «ولا يقتل مؤمن مؤمناً في كافر ولا ينصر كافراً على مؤمن، وإن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم، وإن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس… وإن سلم المؤمنين واحدة لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم…».
والنصرة تكون يتجهيز المقاتلين، وبالقتال، وقول الحق، والدعاء، وإيجاد الكيان القادر على النصرة من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. فالدعاء وقول الحق والعمل على إيجاد الكيان القادر على نصرة المظلومين من المسلمين مقدور لكل مسلم، أما التجهيز والقتال فمنوطان بالاستطاعة. ومن أمثلة نصرة المسلمين بعضهم بعضاً بخرق الحصار وبالقتال ما فعله أهل بيروت وأهل مصر مع أهل عكا أثناء حصار الصليبيين لها، وكان ذلك بطلب من صلاح الدين في شهر شعبان من سنة 586هـ قال ابن كثير: [وكتب متولي عكا من جهة السلطان صلاح الدين وهو المير بهاء الدين قراقوش في العشر الأول من شعبان إلى السلطان إنه لم يبق عندهم في المدينة من الأقوات إلا ما يبلغهم إلى ليلة النصف من شعبان، فلما وصل الكتاب إلى السلطان أسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم، خوفاً من إشاعة ذلك فيبلغ العدو فيقدموا على المسلمين وتضعف القلوب، وكان قد كتب إلى أمير الأسطول بالديار المصرية أن يقدم بالميرة إلى عكا، فتأخر سيره، ثم وصلت ثلاث بطش ليلة النصف، فيها من الميرة ما يكفي أهل البلد طول الشتاء، وهي صحبة الحاجب لؤلؤ، فلما أشرفت على البلد، نهض إليها أسطول الفرنج ليحول بينها وبين البلد، ويتلف ما فيها، فاقتتلوا في البحر قتالاً شديداً، والمسلمون في البر يبتهلون إلى الله عز وجل في سلامتها، والفرنج أيضاً تصرخ براً وبحراً، وقد ارتفع الضجيج، فنصر الله المسلمين، وسلّم مراكبهم، وطابت الريح للبطش، فسارت، فأحرقت المراكب الفرنجية المحيطة بالميناء، ودخلت البلد سالمة، ففرح بها أهل البلد والجيش فرحاً شديداً، وكان السلطان قد جهز قبل هذه البطش الثلاث بطشة كبيرة من بيروت، فيها أربعمائة غرارة، وفيها من الجبن والشحم والقديد والنشاب والنفط شيء كثير، وكانت هذه البطشة من بطش الفرنج المغنومة، وأمر من فيها من التجار أن يلبسوا زي الفرنج حتى إنهم حلقوا لحاهم، وشدوا الزنانير، واستصحبوا في البطشة معهم شيئاً من الخنازير، وقدموا بها على مراكب الفرنج، فاعتقدوا أنهم منهم، وهي سائرة كأنها السهم إذا خرج من كبد القوس، فحذَّرهم الفرنج غائلة الميناء من ناحية البلد، فاعتذروا بأنهم مغلوبون عنها، ولا يمكنهم حبسها من قوة الريح، وما زالوا كذلك حتى ولجوا الميناء فأفرغوا ما كان معهم من الميرة، والحرب خدعة، فعبرت الميناء فامتلأ الثغر بها خيراً فكفتهم إلى أن قدمت عليهم تلك البطش الثلاث المصرية].
هذا ما يجب أن يكون عليه المسلمون، ومن نقب في بطون كتب التاريخ الإسلامي فسيجد مثل هذه الحوادث. ولكن تنبغي الإشارة إلى أن قائد الأسطول المصري وأهل بيروت كانوا يأتمرون بأمر السلطان صلاح الدين، وهذا الأخير كان يتصرف بتفويض من الخليفة العباسي في بغداد، وهذه الحقيقة ثابتة في مراسلات السلطان مع دار الخلافة، وقد نقل القلقشندي في صبح الأعشى هذه الرسائل التي كان يكتبها القاضي الفاضل بأمر السلطان. فتجميع طاقات الأمة يحتاج إلى رأس، أي إلى أمير يجتمع عليه المسلمون، ولا يخفى ما عليه الحال اليوم من بعثرة للجهود، وإهدار للطاقات، وتقصير في الذب عن البيضة، فالمسلمون فيهم خير كثير، أعني عامة المسلمين، لكنهم تحبسهم الحدود، وينقصهم من يقود، فيبقى غيظهم في صدورهم، وتظل طاقاتهم مخزونة، فهم يتشوقون لنصرة إخوانهم، فلا يجدون إلى ذلك سبيلاً، وليس لهم مخرج مما هم فيه، إلا بإقامة الخلافة على منهاج النبوة، التي وعدهم الله بها، بها تكون الجماعة وتنتهي الفرقة، بها ينتهي تداعي الأمم عليهم، بها يكونون جمرة لا قصعة، بها يعدون ما يرهب عدو الله وعدوهم، بها تنتهي الغثائية ويبلغ دينهم ما بلغ الليل، بها يكونون شهداء على الناس، تحت ظلها يتناصرون، وينامون ويسهر الراعي. بها ينخنس ويندحر وينقمع فسطاط النفاق، وبها يجاهد فسطاط الكفر ويشدخ نافوخه. فمن هنا الدرب، ومن هنا الصراط المستقيم، فلا تتفرقنّ بكم السبل .
ع.ع
2002-01-19