يُعقَد هذا المؤتمر مرة كل عشر سنوات، فقد عُقد سنة 1974 في بخارست، وعقد سنة 1984 في مكسيكو سيتي، ويعقد هذه السنة في القاهرة ( 5 – 13 أيلول 94) وتشارك فيه 180 دولة. وتقع وثيقة «برنامج العمل» التي سيحثها ويقرها المؤتمر في 118 صفحة،وقد تم إعدادها في ثلاثة اجتماعات تحضيرية عُقِدت خلال السنتين الأخيرتين. والحقيقة أن مؤتمر القاهرة يعقد الآن ليس لبحث هذه الوثيقة بل لإقرارها، ولكن تجري مناقشات للشرح وربما تجري تعديلات طفيفة عليها امتصاصاً لنقمة المعترضين.
هذه الوثيقة (118 صفحة) تتبنّى مقررات مؤتمر السكان السابقين، وتتبنّى مقررات مؤتمر قمة البيئة والتنمية التي عقد في ريو دي جانيروا سنة 1992، وتتبنّى «إعلان حقوق الإنسان» و«الاتفاق الدولي بشأن التمييز العنصري» و«واتفاقية إلغاء التمييز ضد المرأة» و«اتفاق حقوق الطفل» وأمور أخرى.
الفاتيكان ثار ضد هذه الوثيقة، وتحركت بعض الجهات الرسمية عند المسلمين ضد هذه الوثيقة. والرأي العام عند المسلمين هو ضد هذه الوثيقة. وقد أقامت مجموعة من المحامين في مصر دعوى ضد حسني مبارك ورئيس حكومته ووزير الإسكان عنده لقبولهم انعقاد هذا المؤتمر في مصر. وهددت بعض الحركات باغتيال المشاركين في المؤتمر.
المسلمون الذين تحركوا ضد المؤتمر رأوا فيه أموراً تتصادم مع دينهم، رأوا فيه:
1- دعوة إلى تأخير سن الزواج.
2- دعوة إلى السماح بتعاطي الجنس دون قيود: بين الرجال والرجال (اللواط)، وبين النساء والنساء (السحاق) وبين الرجال والنساء بدون زواج (زنا).
3- دعوة إلى تقليل إلى إنجاب الأولاد، وتوفير جميع وسائل منع الحمل وتدريب النساء والرجال عليها.
4- دعوة إلى الإجهاض، وإرشاد النساء إلى الإجهاض الذي لا يسبب مشاكل صحية ورأوا أموراً أخرى تخالف الدين.
ولكن الأمور التي غابت عن رؤيتهم أكبر وأخطر من التي رأوها! لماذا لم يَروْا أن الحضارة الغربية بأكملها هي المطبقة عليهم وليس حضارتهم الإسلامية؟ في الأخلاق، في الذوق، وفي الحسن والقبح، في الخير والشر، في الحلال والحرام،… ما هو المطبق على المسلمين؟ في نظام الحكم ونظام الاقتصاد ونظام العقوبات وفي العلاقات الدولية… ما هو المطبق على المسلمين، قوانين الشريعة الإسلامية أم قوانين الكفر المستوردة؟ المسلمون أمة واحدة وكانت لهم دولة واحدة يحكمها خليفة واحد، والآن فرّقهم الكافر المستعمر إلى بضع وخمسين دويلة، ممنوع عليها أن تتوحد، بل مفروض عليها أن يقاتل بعضها بعضاً… لماذا لم يَرَ المسلمون كل هذه المصائب؟ لقد آن لهم أن يروْا أين تكمن المصيبة الأم وأن يروْا أيضاً المصائب الفرعية.
ماذا تريد الدول الغربية من مؤتمر السكان هذا؟ إنهم يسمونه «مؤتمر السكان والتنمية» ولكن الذي يعنيهم في الحقيقة هو السكان وليس التنمية، وإن حاولوا الخداع. الدول الغربية، في معظمها، تعيش في رفاهية وبحبوحة من العيش، وعدد السكان فيها يكاد يكون ثابتاً، أو هو يزداد بشكل طفيف. أما ما يسمونه بالبلدان المتخلفة، أو العالم الثالث، وإليه تنتمي الشعوب الإسلامية، فإنه يعيش في فقر، وتثقل كاهله الديون، والزيادة السكانية فيه كبيرة. ومن هنا جاءت المشكلة التي تقض مضجع الغرب الغنّي. في العلام الثالث يتضاعف عدد السكان كل 25 سنة تقريباً، بينما تكون زيادة الموارد أقل من ذلك بكثير، ما يدفع سكان العالم الثالث إلى الهجرة حيث تتوفر الثروة والمواد، أي إلى الدول الغربية. ولو أخذنا دولة مثل فرنسا عدد سكانها 60 مليون منهم 6 ملايين مسلم، في سنة 2020 يصبح عدد المسلمين 12 مليوناً ويبقى عدد الفرنسيين 55 مليوناً، وفي سنة 1045 يصبح عدد المسلمين 24 مليوناً ويظل عدد الفرنسيين على حاله، وفي سنة 2070 يصبح المسلمون 48 مليوناً والفرنسيون على حالهم ( 55- 60) مليوناً، وفي سنة 2095 يصبح عدد المسلمين في فرنسا 96 مليوناً وعدد الفرنسيين بحدود 60 مليوناً. وهذه النتيجة المتوقعة مرعبة للفرنسيين. وهذه النتيجة تتوقع مثلها بقية الدول الأوروبية وأميركا وسائر الدول الغنية. ولذلك فإن هذه الدول تنظر إلى شعوب العالم الثالث على أنها غول سيبتلع العالم. ولذلك تفكر الدول الغنية بطريقة أو طرق تمنع بواسطتها هذا الخطر الداهم. وبدل أن يقولوا: (زيادة عدد السكان) صاروا يقولون: (الانفجار السكاني).
الدول الغنية (دول الشمال كما يسمونها) تتظاهر بأنها تسعى لمساعدة الدول الفقيرة (دول الجنوب كما يسمونها). ويقدمون النصائح بأن تجعل الدول الفقيرة نسبة زيادة السكان فيها متفقة مع نسبة التنمية الاقتصادية فيها. وبما أن هذه الدول الفقيرة (المتخلفة) عليها ديون وعندها عجز فإن النصائح تُسْدى إليها لتجعل نموها السكان أقل من نموها الاقتصادي من أجل تصحيح وضعها أولاً، وبعد ذلك تجعل توازناً بين زيادة السكان وزيادة التنمية.
هذه النصائح تبدو لأول وهلة صحيحة وبريئة، ولكنها لا تلبث أن تنكشف أنها نصائح لمصلحة الدول الغنية وليس للفقيرة. إنهم ينظرون إلى هؤلاء الفقراء الذين يتزايدون بسرعة ولا يجدون في بلادهم القوت الكافي كما ينظرون إلى الجراد الذي يزحف من مكان إلى آخر ويأكل في طريقه الأخضر واليابس. أصحاب الحقول والبساتين لا يفكرون بجوع الجراد ولا يهتمون إذا أكل الجراد أو مات، إنهم يهتمون بالمحافظة على حقولهم وبساتينهم. والدول الغنية (دول الحضارة الغربية) القائمة على النفعية لا يهمها أكلت الشعوب الفقيرة أو ماتت جوعاً. إنها تهتم بثرواتها ورفاهيتها فقط.
لقد فكرت الدول الغنية بمسألة تحديد النسل، فصنعوا وسائل مختلفة لتحديد النسل، وسخروا الإعلام والتوجيه لإقناع الناس في العالم الثالث (وخاصة المسلمين) بتحديد النسل، وقد نجحت هذه المحاولة في الصين إلى حد كبير، وفي الهند إلى حدٍ ما، ولكنها لم تنجح في البلاد الإسلامية، ذلك لأن المسلمين يقرأون أحاديث رسولهم عليه وآله الصلاة والسلام التي تحضهم على الزواج والتناسل والتكاثر، ويقرأون في قرآنهم: ( وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ).
ولما وجدت الدول الغربية (الغنية) أن المسلمين لا يلتزمون بتحديد النسل رغم كل المحاولات فكروا باللجوء إلى وسائل إضافية. منها إعطاء المساعدات للدول التي تلتزم. وفي الوثيقة المطروحة على مؤتمر القاهرة الآن توجد وعود واغراءات من جهة لمن يلتزم وثيقة المؤتمر، ووعيد وإنذارات من جهة أخرى لمن يتمرد.
ولكن الأخطر من ذلك هو ما لجأت إليه الدول الغربية الغنية من طرق أخرى سريّة مثل زرع الأمراض الفتاكة عن طريق المواد الغذائية والأدوية والأسمدة التي توضع للمزروعات والعلف للحيوانات ومبيدات الحشرات التي ترش بها المزروعات، ومواد الزينة وأنواع الطيب، والسجائر. أضف إلى ذلك الحروب التي يوقعونها بين شعوب العالم الثالث.
نذكر من ذلك أن دول السوق الأوروبية كانت قد قدمت منحة من الحليب إلى تركيا، وقد قام بعض الاختصاصيين بفحص الحليب ووجدوا فيه مادة تسبب مرضاً فتاكاً، وأوصلوا الأمر للحكومة التي طلبت منهم عدم إشاعة الخبر.
ونذكر من ذلك ما كانت نشرته الصحف قبل حوالي سنة عن الدم الملوث بجرثومة الإيدز الذي صدرته فرنسا سوريا وإلى تونس.
ونذكر من ذلك ما نشرته الصحف عن التجارب التي أجرتها أميركا على جزء من شعبها عن مدى تأثير الإشعاعات فيهم. ونذكر من ذلك النفايات المشعة التي وزعت على عدد كبير من دول العالم الثالث.
ونذكر من ذلك ما قامت به دولة اليهود من تجربة الغازات على بنات المدارس في الضفة الغربية قبل حوالي سنتين، وتجربة بعض الغازات على بنات المدارس في مصر حيث نتجت اغماءات جماعية قبل حوالي سنة.
ونذكر من ذلك ما نشرته الصحف عن مبيدات حشرات المزروعات التي صدرتها إسرائيل إلى مصر قبل حوالي سنة واكتشفت مصر أن هذه المبيدات توجد أمراضاً وأوبئة في النبات والحيوان والإنسان. وإسرائيل تعيش عقدة الانفجار السكاني العربي أكثر من الدول الغربية.
ونذكر من ذلك ما ثبت أن بعض الشركات الغربية المصنّعة للمشروبات الكحولية تضع فيها مواد تسبب الأمراض.
هذا غيض من فيض، وهذه اكتشفت بالصدفة. أما الأمور التي لم تُكتَشف فهي أكثر بكثير. وصار الأجدر بالعاقل أن يتجنب استعمال الأدوية التي تصنعها الدول الغنية خصيصاً للبلاد الإسلامية أو لشعوب العالم الثالث التي لا تلتزم بتحديد النسل. وكذلك أن يتجنّب جميع المواد والمستحضرات التي تصنع للعالم الثالث. وإذا استطاع المرء أن يستورد من المواد التي يصنعونها لشعوبهم.
مع أن تجنب المواد المصنعة للعالم الثالث ليس أمراً سهلاً لعدم وجود بديل، ولأن بلاد العالم الثالث معتمدة إلى حد كبير على ما تستورده من الدول الصناعية. ولو كان حكام العالم الثالث واعين ومخلصين لشعوبهم لكانوا جنّبوا شعوبهم المكائد التي تكيدها دول الاستعمار.
إن الدول الغربية لا تشعر بالحرج أو بتأنيب الضمير حين تتصرف مع شعوب العالم الثالث كما تتصرف مع الحشرات الضارة من جراد وغيره (نجد هذا في صميم ثقافة اليهود كما نجده في صميم ثقافة الغرب النفعية). الدول الغربية تتشدق بحقوق الإنسان، وأنها ضد الجهل والفقر والمرض، وتتبجح بأنها حامية العدالة والمساواة والشرعية والحقوق، وما ذلك إلا تغطية ظلمها واستعمارها. إنها السياسة الميكافيلية التي تمارسها دول الغرب.
الدول الغربية لا تكتفي بذلك بل هي تبيح الأسلحة المدمرة الفتاكة للمسلمين، ثم هي توقع بينهم الخلافات والحروب الطاحنة: حرب اليمن، حرب الخليج الثانية، حرب الخليج الأولى، حرب الأكراد في تركيا والعراق وإيران، حرب جنوب السودان، الحرب في لبنان، الحرب في أفغانستان، الحرب بين باكستان والهند، الحرب في الأردن (1970 – 1971)، حرب طاجيكستان وأذربيجان، حرب البوسنة – الهرسك، حرب تشاد، حرب رواند (من العالم الثالث وإن كانوا غير مسلمين)… الخ.
هل هذه الحروب أمر طبيعي عفوي، أو أن هناك يداً خفية تهيئ أسبابها وترتبها وتوسوس في صدور أطرافها من أجل إشعالها؟
لا شك في أنها مخطط لها. من ناحية هي تخفف من عدد سكان العالم الثالث (المسلمين)، ومن ناحية أخرى تكون سبباً لاستهلاك السلاح فتبقى مصانع الأسلحة تعمل، ومن ناحية ثالثة فإن الحرب تدمّر كل شيء فتصبح دول العالم الثالث مضطرة لاستيراد كل شيء من الدول الصناعية وليس السلاح فقط.
حين طرحوا في وثيقة مؤتمر السكان (في القاهرة) مسألة تأخير سن الزواج هم يريدون أن تسن الدول قانوناً يمنع عقد الزواج قبل سن معنية (ربما يجعلونها 30 سنة). وتأخير سن الزواج الشرعي سيجعل الشباب والشابات يلجأون إلى الزنا، كما قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم: «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إن لم تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير». ومن أجل ذلك وضعوا بنداً آخر في الوثيقة بأن تسن الدول قوانين تعطي وتحمي الحرية الشخصية للرجال والنساء بفعل ما يريدون (أي الزنا…) دون مسؤولية كما هو الحال في الغرب الآن. وبما أن حماية القانون لحرية الزنا سينتج عنها حالات حمل كثيرة، فإن هذا الحمل لا بد من إجهاضه. وهذا يتطلب سن قوانين تسهل وتحمي الإجهاض. ومن أجل ذلك تضمنت وثيقة مؤتمر السكان بنداً يفرض حق الإجهاض فلا يجبر رجل أن يكون أباً رغم إرادته ولا تجبر امرأة أن تكون أمّاً رغم إرادتها.
وعلميات الإجهاض لها دور حاسم في تقليل عدد السكان في العالم، فحسب تقرير «وضع السكان العالمي 1994» الصادر عن «صندوق الأمم المتحدة للسكان» يبلغ عدد سكان العالم الآن خمسة بلايين و700 مليون، وهم يزدادون بمعدل 94 مليون سنوياً، وهي أكبر زيادة عرفها تاريخ البشرية، ويقدر التقرير عدد حالات الإجهاض العالمية بنحو 60 مليون سنوياً، وأن هناك 173 بلداً من مجموعة 189 في العالم تسمح بالإجهاض لمختلف الأسباب.