قال تعالى: (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ * لاَ يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ * إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ) [سورة الصافات: 6 – 10].
وقال تعالى: (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ * إِلاَّ مَنْ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ) [سورة الحِجْر: 16 – 18].
وقال تعالى: (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعْ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا) [سورة الجن: 8 – 9].
سنركز على المعنى الوارد في العنوان والذي تتضمنه هذه الآيات الكريمة. فقوله تعالى: (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعْ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا) يشير بوضوح إلى أن الشياطين – وهم الجن – كانوا يتخذون مقاعد في السماء لاستراق السمع، فإذا سمعوا كلمةً نقلوها إلى الكُهان بعد أن يزيدوا عليها مائة كلمة من كذبهم. وهكذا كانت تصدق بعض الكلمات من كلام العرّافين. وبعد بعثة محمد -صلى الله عليه وسلم- حَرَس الله السماء من الشياطين. والضمير في (لمسنا) يعود إلى الجن.
وقوله تعالى: (إِلاَّ مَنْ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ)، وقوله: (إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ) يشير إلى أن هناك شياطين مردة عُتاة يحاولون استراق السمع وخطف الكلمات، ولكن هؤلاء يُقْذَفون بالشهب الحارقة من كل جانب ويُدْحرون. فهل هذه الشهب تقتلهم أو تخبلهم فقط؟ (الخَبْلُ: فساد الأعضاء). وهل قذفهم بالشهب يمنعهم من إيصال ما خطفوه إلى الكهان، أو أنهم يستطيعون إيصاله إلى الكهان رُغْمَ الحراسة ورغم الحفظ ورغم القذف بالشهب؟ يقول القرطبي – رحمه الله – بأن الكَهانة انتهت بعد بعثة محمد -صلى الله عليه وسلم- وأن الشياطين لا يستطيعون إيصال شيء إلى الكهان وأن الشهب تقتل كل شيطان يسترق أو يخطف قبل أن يوصله إلى الكهان أو إلى غيره من الشياطين. قال القرطبي: [الضمير في (يسّمّعون) للشياطين. وقرأ جمهور الناس (يَسْمَعون). وقرأ حمزة وعاصم في رواية حفص (لا يسَّمَّعون) فينتفي على القراءة الأولى سماهم وإن كانوا يستمعون، وهو المعنى الصحيح، ويعضده قوله تعالى: (إِنَّهُمْ عَنْ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ). وينتفي على القراءة الأخيرة أن يقع منهم استِماع أو سَماع]. ويضيف القرطبي: [فصاروا لا يقدرون على سماع شيء مما يجري فيها، إلا أن يختطف أحد منهم بخفة حركته خطفة، فيتبعه شهاب ثاقب قبل أن ينـزل إلى الأرض فيلقيها إلى إخوانه فيحرقه؛ فبطلت من ذلك الكهانة وحصلت الرسالة النبوّة].
ويَرِدُ هنا سؤال: هل الشهب التي نراها في الليل تنفضّ في اتجاهات مختلفة في السماء هي التي ترجم الشياطين؟ والجواب: أن جميع المفسرين الذين قرأنا لهم يقولون بذلك. وهذا لا يعني أن تفسيرهم صحيح بشكل قطعي، فهؤلاء المفسرون كلهم ينكرون كروية الأرض، ومع ذلك ثبتت كرويتها وثبت خطأهم في هذه المسألة بشكل قطعي. والمعروف علمياً الآن بشكل قطعي أن هذه الشهب هي قطع صغيرة متناثرة في السماء من بقايا الأجرام التي تفتت، وجذبتها الأرض، وحين تدخل جوّ الأرض بسرعة هائلة وتحتك بالهواء تسخن وتشتعل وتضيء، وأكثرها يذوب ويتبخر من شدة حرارة الاحتكام ولا تصل إلى الأرض.
وقد تكون هي نفسها تضرب شياطين الجن (الذين هم غير مادة) وتؤدي هذا الدور دون أن تدرك عقولنا تفصيل ذلك.