اتحاد العمال في لبنان يطالب بزيادة في الأجور مقدارها 310,7%. وحصل إضراب في 05/04/88 لمدة يوم واحد، تحذيراً للحكومة من أنها إذا لم تقرر هذه الزيادة، فإن إضراباً مفتوحاً سيبدأ يوم 15/04/88 ويستمر حتى تحقيق المطالب.
اتحاد موظفي مصارف بدأ يوم 09/04/88 إضراباً مفتوحاً، ويستمر حتى تحقيق مطالبه من إدارة جمعية المصارف. ثم علق إضرابه في 12/04/88.
نقابة عمال ومستخدمي النقل المشترك أعلنت في 08/04/88 عزمها على تنفيذ إضراب عام ومفتوح ابتداء من 15/04/88 حتى يحقق لها المسؤولين مطالبها.
نقابة سائقي ومالكي السيارات العمومية دعت جميع السائقين للمشاركة في الإضراب العام في 15/04/88.
في 25/03/88 بدأ أساتذة الجامعة اللبنانية إضراباً عاماً مفتوحاً، يستمر حتى تحقيق المطالب، وبذلك توقف أكثر من 60 ألف طالب عن متابعة الدارسة.
في 06/04/88 أصدر مكتب المعلمين بياناً حذّر فيه المسؤولين من مغبة إهمال مطالبه، وحدد يوم 20/04/88 كحد نهائي، وإلا لجأ المعلمون إلى السلبية ومنها الإضراب.
وقبل ذلك أضرب موظفو الإطفائية، وعمال البلدية، وموظفو شركة الكهرباء، وموظفو شركة الماء، ورجال الأمن، وأهالي التلاميذ…الخ.
كل هؤلاء يضربون من أجل زيادة الرواتب، أو تحسين التقديمات، أو تخفيض الأقساط، لأن مدخولهم لا يكفيهم.
ولكن هل هذه الحالة خاصة بلبنان، أو هي عامة تشمل جميع البلاد الخاضعة للنظام الرأسمالي الغربي؟؟
إن هذه العلة ليست ناتجة فقط من الأشخاص الذين يتولون المسؤولية، بل هي ناتجة، في المقام الأول، من النظام الرأسمالي الغربي العفن. وكما هي موجودة في لبنان هي موجودة في كل بلد رأسمالي.
وتكفي الأمثلة المذكورة أعلاه دليلاً على فساد النظام الرأسمالي وعفونته. وإذا تحققت مطالب هذه الفئات اليوم، فإنها ستجد نفسها بعد أيام قليلة، وقد عادت إلى وضع أسوأ من وضعها الأول، بفعل فساد آلة النظام، فتعود من جديد إلى التهديد بالإضراب، ثم الإضراب، وهكذا دواليك في حلقة مفرغة.
إن الذين يعالجون شؤون الاقتصاد، وإدارة الاقتصاد، والذين يدرسون نظم الاقتصاد وعلوم الاقتصاد في بلادنا، يضعون عقولهم على الرف قبل أن يبدأوا دراستهم أو إدارتهم. ذلك أنهم لا يفكرون تفكيراً أصيلاً، ولا يفطنون إلى علاج جذري، بل يأخذون عن الغرب، ويرددون كالببغاوات، ويقلدون كالقرود. وقد آن لكل ذي عقل أن يدرك فشل النظام الرأسمالي الغربي، وأنه هو الذي يولد هذه السلسلة من المشاكل التي يأخذ بعضها برقاب بعض.
واليوم يقولون، في لبنان، لو حصلت زيادة رواتب للعمال والموظفين، في القطاع العام وفي القطاع الخاص، فهل ستحل المشكلة وتستقر الأمور؟
اتحاد العمال يطالب بزيادة 7،310%، ولكن المتوقع أن تقرر الحكومة زيادة بنسبة أقل، أي بنسبة ترواح بين 100% و125%. فهل يرضى العمال ينهون الإضراب، أو يستمرون فيه؟
من ناحية أخرى، ماذا سيفعل صاحب العمل الذي زاد رواتب موظفيه 100%. إنه سيزيد السلع التي ينتجها بالنسبة نفسها كي يحصل من المستهلكين ما دفعه إلى عماله. إذاً سترتفع أسعار هذه السلع 100%. وهناك أرباب عمل سيضطرون إلى تقليص عدد موظفيهم، مما يؤدي إلى استغنائهم عن عدد من الموظفين، وهذا يزيد عدد العاطلين عن العمل. والمدارس التي تزيد رواتب المعلمين والخدم ستزيد الأقساط على التلاميذ. وسائقو السيارات سيزيدون الأجرة حتى يحصلوا كفايتهم.
وهكذا يجد الموظف الذي تضاعف راتبه أن الأسعار جميعها تضاعفت، وأن حالته عادت من أول أسبوع كما كانت إن لم تكن أسوأ. فيعود إلى المطالبة بالزيادة والتهديد بالإضراب من جديد.
هذه حالة الموظف الذي تضاعف راتبه، بقي دون أن تحل مشكلته. ولكن ما قولكم بالعاطلين عن العمل الذين ليس لهم دخل بالمرة، كيف يعملون، كيف يواجهون وحش الغلاء؟
والدولة حين ستضاعف الرواتب لموظفيها، وهم كثر، من أين ستأتي بالمال، ومواردها تأكلها (الميليشيات)، وممنوع عليها أن تتصرف بشيء من الذهب، ولا أحد يقرضها ما دامت غير مستقرة. الأرجح أن الدولة ستلجأ إلى طبع أكداس جديدة من العملة كما فعلت من ثلاث سنوات حتى الآن. وطبع العملة من جديد، سيقود إلى دورة التضخم من جديد، وإلى هبوط العملة اللبنانية أمام العملات الأخرى، مما يزيد من ارتفاع الأسعار، وتفاقم المشاكل.
الدواء لهذه الأمراض، والحل لهذه المشاكل يرشدنا إليه قوله تعالى: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا).
الحل الجذري موجود في نظام الإسلام الذي أنزله الله رحمة للعالمين، قال تعالى: (قَدْ جَاءكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ). فما هي الخطوط العريضة لحل مشكلة العمال والموظفين في الإسلام؟
أولاً: في الإسلامي الدولة هي الراعي، أي أن الخليفة هو الراعي المسؤول. قال صلى الله عليه وآله وسلم: «الإمام راعٍ وهو مسؤول عن رعيته». وهذا يعني أن رب العمل يعطي العامل أجرته التي يستحقها بحسب العمل الذي يؤديه. فإن كانت الأجرة تكفي العامل أو تزيد عن كفايته، فلا مشكلة. وأما إن كانت أقل من كفايته فإن صاحب العمل ليس هو المسؤول عن تأمين كفايته، لأن هذا يصبح من الرعاية، والرعاية واجبة على الإمام.
ثانياً: لا يجوز أن تكون هناك نقابات تقوم برعاية شؤون أية جماعة في المجتمع بشكل إلزامي. الرعاية بشكل غير إلزامي (أي طوعي) هي جائزة. أما الرعاية بشكل الإلزامية فقد حصرها الشرع بالدولة لأن الرعاية الإلزامية هي الحكم. فلا نقابات تنظم الإضرابات، ولا مسيرات تتلف الأموال العامة أو الخاصة. وهذا لا يعني أنه لا تجوز محاسبة الدولة إذا قصرت، أو أنه لا يجوز تحصيل حق العامل من رب العمل، بل المحاسبة أمر لازم، وتحصيل الحقوق أمر لازم، ولكن بالطرق المشروعة.
ثالثاً: لا يجوز شرعاً الإضراب عن العمل. لأن العامل أو الموظف، سواء كان عند الدولة، أو عند فرد، أو عند شركة، متى كان بينه وبين صاحب العمل عقد، فإنه يجب الوفاء به. والفقهاء متفقون على أن عقد الإجارة عقد لازم، أي لا يحل لأحد العاقدين أن يفسخ العقد من طرف واحد. والإضراب عن العمل هو إخلال بشروط العقد وهو حرام. وإذا حصل ظلم من صاحب العمل للعامل، أو من العامل لصاحب العمل فهناك قضاء ومحاكم تفصل النزاع.
رابعاً: الأساس الذي تقدر بموجبه أجرة الأجير. الرأسماليون يجعلون الأساس الذي يقدرون بموجبه أجرة الأجر هو ما يحتاج إليه العامل من أسباب المعيشة عند أدنى حدٍ لها، ويزيدون هذا الأجر إذا زادت تكاليف المعيشة عند أدنى حدٍ لها، وينقصونه إذا نقصت، فأجر العامل عندهم يقدر بحسب تكاليف المعيشة، بغض النظر عن المنفعة التي أدها جهده. ولهذا فإن الأجراء حسب النظام الرأسمالي سيظلون محدودي الملكية بحدود ما يحتاجونه لسد حاجاتهم عند أدنى حد لها بالنسبة للجماعة التي يعيشون بينها، سواء أكانت معيشتهم لسد حاجاتهم الأساسية فقط كما هي حال الأجراء في البلدان المتخلفة كالبلاد الإسلامية. أو لسد حاجاتهم الأساسية والكمالية كما هي حال العمال في البلدان المتقدمة، كأوروبا وأميركا.
أما الاشتراكيون فإن قاعدتهم التي يعطون الأجير أجرته بحسبها هي: (من كل حسب قوته أي قدرته، ولكل بنسبة عمله) أي بمقدار ما ينتج. وهذا ظلم وخطأ. لأنه إذا كان سعر السلعة التي ينتجها منخفضاً في السوق فإن أجرته تكون قليلة، ربما لا تكفيه فيضطر إلى ترك العمل. وإن كان سعرها مرتفعاً، يقع الظلم على المستأجر، لأنه يكون أعطى أرباحه للأجير وهو لا حق له بها.
فأجرة الأجير لا يصح أن تقدر على أساس الإنتاج الذي أنتجه لا كماً ولا كيفاً. وكذلك لا يصح أن تقدر على أساس مستوى المعيشة في الوسط الذي يعيش فيه، أو مقدار حاجاته.
وإنما تُقدّر الأجرة على أساس منفعة الجهد الذي يقوم به الأجير. وهذه المنفعة للجهد هي كالسلعة، لها سوق تُطلب فيها، ويجري التبادل داخلها، وتقدر أسعارها بأسعار تلك السوق ولا بد أن يترك تقدير ثمن منفعة الجهد، أي أجر الأجير، لما تفرضه السوق لمنافع الأجراء. وكما أن أسعار السلع في السوق تتغير، كذلك فإن أسعار الجهود (أي منافع الجهود) في السوق تتغير حسب العرض والطلب والإتقان.
والإسلام سار على هذا الأساس. فقد عرّف الفقهاء الإجارة بأنها عقد على المنفعة بعوض، فجعلوا العقد مسلطاً على المنفعة، وجعلوا العوض مقابل تلك المنفعة. أي جعلوا المنفعة أساساً لتقدير الأجرة، وقالوا إن الإجارة تمليك من الأجير للمستأجر منفعة، وتمليك من المستأجر للأجير مالاً. وقد استنبط ذلك من الأدلة التي جاءت على جواز الإجارة. قال تعالى: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) فجعل إعطاء الأجور مقابل الإرضاع. قال عليه وآله الصلاة والسلام في الحديث القدسي: «قال الله عز وجل: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يوفه أجره» فجعل استيفاء المنفعة يلزم بإيفاء الأجر فتكون المنفعة أساساً لتقدير الأجر.
ولا بد أن تكون الأجرة معلومة، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يستعملن أجيراً حتى يعلمه أجره» فإن لم يسميا أجراً معيناً، أو اختلفا على ما سمياه، أو سميا شيئاً مجهولاً، فإنه في جميع هذه الحالات يعطى الأجير أجر مثله، ويحكّم أهل الخبرة.
خامساً: تأمين الحاجات الأساسية للأفراد بالمعروف، وتأمين الحاجات الأساسية للرعية كلها:
أ- حدد الشرع الإسلامي الحاجات الأساسية لكل فرد بذاته بأنها المأكل والملبس والمسكن. وهذه الأشياء الثلاثة هي حق لكل فرد من أفراد الرعية. وقد جاء تحديدها في نصوص شرعية. قال تعالى: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ) وقال: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ) وقال: (وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ) وقال: (وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) وقال: (فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن» وقال: «وحقهن أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن» وقال: «ليس لابن آدم إلا كسرة خبز يسد بها جوعته، وشربة ماء يطفئ بها ظمأه، وقطعة ستر يستر بها عورته، وما زاد على فهو فضل».
ب- قرر الشرع أن تأمين الحاجات الأساسية لا يكون عند حدها الأدنى فقط، بل لا بد أن تكون بالمعروف. أي يجب تأمين الحاجات الأساسية لكل فرد حسب ما هو معروف لأمثاله في المجتمع. وهذا واضح من قوله تعالى: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ). وقال صلى الله عليه وآله وسلم لهند زوج أبي سفيان: «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف». وقال: «ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف». فالله تعالى يقول في القرآن: (بالمعروف)، والرسول يقول في الحديث: «بالمعروف»، ويقول: «ما يكفيك وولدك بالمعروف»، وهذا دليل ظاهر على أن النفقة يجب أن تكون كافية، أي مشبعة الحاجات الأساسية، وأن يكون هذا الإشباع حسب مستوى معيشة الشخص الذي فرضت له النفقة.
ج- أما الحاجات الأساسية للرعاية كلها فهي الأمن والتعليم والتطبيب. قال صلى الله عليه وسلم: «من أصبح آمناً في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما زويت له الدنيا». فجعل الأمن والصحة حاجة أساسية كالقوت، فيكونان من الحاجات الأساسية للرعية. وأما كون التعليم من الحاجات الأساسية، فلما أخرج البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث أصاب أرضاً فكان منها نقبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس، فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه الدين ونفعه ما بعثني الله به فعَلِمَ وعلّم، ومثل من لم يرفع ذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به». وقد شبه العلم بالغيث، والغيث من الحاجات الأساسية للناس. وأنه وإن كان المقصود بالعلم في الحديث هو عمل الدين، فإنه يقاس عليه علوم الدنيا الضرورية بجامع الضرورة في كل منهما.
وهذه الحاجات الثلاث: الأمن والتعليم والتطبيب هي حاجات للرعية كلها، وهي واجبة على الدولة مباشرة. فالأمن الخارجي، وهو الدفاع عن البلاد، معروف أنه بحماية الجيش وبحماية الناس الذين تضعهم الدولة في الثغور. والأمن الداخلي معروف أنه بحماية الدولة التي تعاقب المعتدين.
وبالنسبة للتعليم فقد انعقد إجماع الصحابة على إعطاء المعلمين قدراً من بيت المال أجراً لهم. فقد روي أنه «كان بالمدينة ثلاثة معلمين يعلمون الصبيان، فكان عمر يرزق كل واحد منهم خمسة عشر كل شهر» وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم فداء الأسير من أسرى بدر تعليم عشرة من أبناء المسلمين، مما يدل على أنها واجبة على الدولة.
وبالنسبة للتطبيب فإن معافاة البدن من أعظم شؤون الرعية. ورعاية شؤون الرعية واجب على الإمام بنص الحديث: «الإمام راع وهو مسؤول عن رعيته». وعدم توفير الطب لمجموعة الناس يؤدي إلى الضرر، وإزالة الضرر واجبة على الدولة، قال عليه السلام: «لا ضرر ولا ضرار». وقد أهدي للرسول صلى الله عليه وسلم طبيب فجعله للمسلمين.
د- وقد عيّن الشرع الجهة التي يجب عليها تأمين الحاجات الأساسية للأفراد، أي تأمين المسكن والمأكل والملبس بالمعروف:
1- جعل الشرع العمل فرضاً على القادر من الذكور، إذا كان محتاجاً للنفقة. قال تعالى: (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا) وقال صلى الله عليه وسلم: «لأن يأخذ أحدكم حبلة فيأتي بحزمة حطب على ظهره، فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه». والشرع لم يفرض الكسب على الأنثى، بل فرض لها النفقة حين تكون فقيرة سواء كانت قادرة على الكسب أم عاجزة عنه. والعاجز عن الكسب من الذكور فإن الشرع فرض له النفقة، سواء كان عاجزاً جسدياً، أو كان عاجزاً حكماً بسبب عدم توفر العمل.
2- وقد جعل الشرع نفقة الزوجة على الزوج، ووردت في ذلك آيات وأحاديث كثيرة.
3- وجعل نفقة الأولاد الصغار، ونفقة البنات الصغيرات والكبيرات على الأب.
4- وجعل الشرع نفقة الأب والأم على أولادها. ووردت النصوص في ذلك.
5- وجعل الشرع نفقة قريب ذي الرحم المحرم على قريبه. قال عليه الصلاة والسلام: «وابدأ بمن تعول: أمك وأباك وأختك وأخاك، ثم أدناك أدناك». وقال: «أمَّك وأباك وأختك وأخاك ومولاك الذي يلي ذاك حق واجب ورحم موصولة».
والنفقة شرعاً هي المأكل والمسكن والملبس. وهذه النفقة تحصلها الدولة جبراً ممن فُرضت عليه، وتعتبر مقدمة على سائر الديون. فلو حكم على رجل بدين عليه لآخر، وحكم عليه بنفقة، يقدم تحصيل النفقة على تحصيل الدين، فتحصل النفقة أولاً، فإن بقي لدى الرجل مال حصل الدين منه. وذلك لأن الله أمر بانظار المعسر فقال: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) ولكنه أمر بدفع النفقة ولم ينظر فيها ما دامت قد فرضت، ولا تقبل دعوى الإعسار.
6- إذا وُجد في الرعية من هو عاجز عن الكسب فعلاً أو حقاً، ولا يوجد له رحم محرم ينفق عليه، أو كان يوجد له أرحام محارم ولكنهم لا يفضل عنهم ما ينفقون منه على ذوي الأرحام، في هذه الحالة أوجب الشرع النفقة على بيت المال، أي على الدولة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ترك كَلاًّ فإلينا، ومن ترك مالاً فلورثته» والكَلَّ الضعيف الذي لا ولد له ولا والد.
في هذه الحال’ أي حالة وجود أفراد من الرعية تنقصهم حاجات أساسية من مأكل وملبس ومسكن، وليس لهم أقارب ذوي رحم محرم ينفقون عليهم يجب على الدولة أن تنفق عليهم من بيت المال، فإن كان بيت المال ليس فيه مال يكفي، وجب على الدولة أن تفرض ضرائب على المسلمين بالمقدار الذي يؤمن الكفاية، لأن لهذا الفقير حقاً في أموال المسلمين الأغنياء لقوله صلى الله عليه وسلم: «أيما أهل عرصة أصبحة فيهم امرؤ جائعاً فقد برئت منهم ذمة الله تبارك وتعالى». وإذا كان تحصيل الضرائب يأخذ وقتاً يخشى معه الفساد، يجب على الدولة أن تقترض بسرعة لتلافي الضرر.
من هذه الخطوط العريضة نرى أن النظام الإسلامي فيه حلول المشاكل التي تقع وفيه تنظيم ورعاية تبعد وقوع المشاكل من البداية، وهو نظام ليس من وضع البشر، بل هو من الله خالق البشر وخالق كل شيء. وإذا كان الكفار لا يهتدون إلى الحق ولا يعقلون، كما وصفهم الله تعالى: (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) فما حجة المسلمين الذين يُعرِضون عن كتاب الله وسنة رسوله؟
اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.