أيها المسلمون: الخلاف الأميركي – (الإسرائيلي) حقيقي… وقضية فلسطين لا يحلها إلا الإسلام
2010/05/18م
المقالات, كلمات الأعداد
1,864 زيارة
أيها المسلمون: الخلاف الأميركي – (الإسرائيلي) حقيقي…
وقضية فلسطين لا يحلها إلا الإسلام
تشهد العلاقات الأميركية – (الإسرائيلية) أزمة حادة حول حل قضية فلسطين، إحدى أهم قضايا المسلمين، فما هي حقيقة هذه الأزمة؟ وما الموقف الشرعي مما يطرح؟ وكيف يجب أن يتعامل المسلمون معه؟
بداية نقول: إن أميركا بعد فشل سياسة التفرد في حكم العالم التي انتهجها بوش الصغير، قررت مع أوباما التخلي عنها والعودة إلى قيادة العالم عبر سياسة الشراكة والاحتواء، وأميركا التي احتلت كلاً من أفغانستان والعراق بمقتضى سياسة التفرد، تريد الانسحاب منهما مع الإبقاء على نفوذها فيهما عن طريق العملاء بمقتضى سياسة الاحتواء التي عادت إليها من جديد. بيد أن هناك أمراً يقلق أميركا، وهو تنامي حالة إسلامية عارمة ناقمة بشدة عليها بسبب ما ارتكبته من مجازر (ولا تزال) وهذه الحالة تريد أن تحكم بالإسلام، وهذه الحالة لم تستطع أميركا القضاء عليها من خلال ما أعلنته من حرب على الإسلام تحت اسم الحرب على الإرهاب، بل فرضت نفسها وزادت في تناميها وصارت تشكل تهديداً حقيقياً للمصالح الأميركية في المنطقة، وهي الآن تريد القضاء عليها من خلال خطة جديدة تحوّل طبيعة الصراع القديم بين المسلمين و(إسرائيل) إلى وجه جديد من الصراع يكون بين طرفين من حكام المسلمين، وتكون (إسرائيل) دولة في طرف لا طرفاً بحد ذاتها. وهذا يقتضي تغييب الصراع الإسلامي (الإسرائيلي) وإنجاز عملية سلام بين (إسرائيل) وبين سائر دول المنطقة، فالصراع القديم أصبح ضرره على أميركا أكبر من نفعه؛ لذلك هي تريد السير بخطة جديدة لاستعمار المنطقة وتحقيق مصالحها. إذاً فالخطة الأميركية الجديدة تتعلق باستعمار المنطقة وليس بإيجاد السلام، بل قل إن السلام الذي تريده أميركا هو السلام الذي يحقق مصالحها. هذا وقد تعددت التصريحات الأميركية التي تتكلم صراحة عن ذلك، فقد صرح أوباما في 13/4 في ختام قمة الأمن النووي بأن حل قضية الشرق الأوسط يمثل «قضية أمن قومي بالنسبة إلى الولايات المتحدة». وقال: «إن صراعات مثل صراع الشرق الأوسط تكلفنا الكثير من دمائنا وثرواتنا» أما نائب الرئيس بايدن فقد قال لنتنياهو: «إن ما تفعله يقوض أمن قواتنا في العراق وأفغانستان» ولعل التصريحات التي تكون أكثر صراحة وأقل ديبلوماسية هي تصريحات العسكريين، فقد قال بترايوس وهو قائد القيادة المركزية (آسيا الوسطى): «إن إسرائيل باتت تشكل عبئاً على المصالح الأميركية، وإنه بسبب سياستها أصبحت تتسبب بعداء شديد لأميركا، وفي مقتل جنود أميركيين» إنه من الواضح كثيراً أن هذه التصريحات وغيرها من مثلها الكثير، تربط خطة السلام الجديدة بتحقيق مصالح أميركية عليا، وتعلن أن سياسة (إسرائيل) تمس الدم الأميركي وهذا من المحرمات الأميركية، ولعل تطورات الأحداث وشدة الجذب بين أوباما وإدارته ونتنياهو وإدارته تشير بوضوح إلى جدية أميركا في خطوتها للسلام وهذا يدلل على أن المصالح القومية العليا لدى كل من أميركا و(إسرائيل) وصلت إلى حد الافتراق والتخاصم إذا لم يتنازل أحدهما للآخر.
ثم إن اللافت في هذا التحول والتغير الأميركي أنه يحظى بدعم الحزبين في أميركا: الديمقراطي والجمهوري، وليس الديمقراطي فقط، فقد ورد بصورة مبكرة في توصيات بيكر (الجمهوري) – هاملتون (الديمقراطي) في البند 12: «لن تكون الولايات المتحدة قادرة على تحقيق أهدافها في الشرق الأوسط ما لم تتفاعل مباشرة مع الصراع العربي – الإسرائيلي» وفي البند 17: «… يجب أن يكون هناك التزام متجدد ومستمر من الولايات المتحدة بتسوية سلمية شاملة بين العرب والإسرائيليين على الجبهات كافة». ومما يدل كذلك على وجود إجماع أميركي حول هذه الخطة الجديدة هو الاجتماع الدوري الذي يعقد في البيت الأبيض بين ستة من مستشاري الأمن القومي (3 من الديمقراطيين و3 من الجمهوريين) بطلب من رئيس مجلس الأمن القومي الحالي جيم جونز للتداول حول هذا الموضوع، وقد اقترح سكاو كروفت، وكان مستشار بوش الصغير للأمن القومي، إطلاق مبادرة سلام ترتكز على أمور تم الاتفاق عليها في السابق. وهناك أمر لا يقل في دلالته أهمية على ما ذكرنا، ويدل دلالة عميقة على بدء تحول النظرة الأميركية للدور (الإسرائيلي) في المنطقة، وهو أنه تم الإعلان عن إنشاء منظمة يهودية أميركية جديدة باسم «جي ستريت» في أيار سنة 2008م أي في أواخر عهد بوش الصغير لتكون “لوبي” بديلاً ومنافساً لـ”اللوبي” اليهودي الأميركي “أيباك” المشهور بتأييده لليمين (الإسرائيلي)، ويسمي حكام (إسرائيل) اليمينيون مسؤولي «جي ستريت» بالخونة.
أما ما هي خطة السلام الأميركية التي أعلن أن أوباما سيعلنها في الخريف المقبل؟ ولماذا (إسرائيل) هي متخوفة منها كثيراً، خاصة وأنها ليست المرة الأولى التي ترعى فيها أميركا محادثات السلام؟
إن ما يريد أوباما طرحه في هذه الخطة يرتكز على ما تم الاتفاق عليه في كمب ديفيد سنة 2000م بين عرفات وإيهود باراك في أواخر عهد كلينتون. وقد ذكرت مجلة الوعي في عددها (273) ما تسرب من بنودها. وفيها من التنازلات ما لم يقدم لـ(إسرائيل) من قبل. وجديد هذه الخطة أن أميركا لن تكون كعادتها وسيطاً يجمع الأطراف المتنازعة، وتقرب بين المواقف المختلفة، وتقدم الاقتراحات التي تسد الثغرات… بل ستقدم طرحها للحل، مأخوذاً مما توصل إليه الطرفان من قبل، أي أنها تريد أن تنتهي من سياسة المماطلة وتقطيع الوقت (الإسرائيلية)، تريد أن تسرع عملية الصلح لتنتقل إلى تطبيق استراتيجيتها الجديدة التي لا تحتمل التأخير بنظرها، وهي بدأت العمل بهذا الاتجاه، فقد ترددت الأنباء أن إعلان الدولة الفلسطينية سيكون سنة 2011م وهذا يعني أنها لن تنتظر نهاية المفاوضات بين الطرفين التي اعتادت (إسرائيل) أن تجعلها مفتوحة. وصرح دينيس روس مستشار أوباما بأنه «يجب بناء الدولة من أسفل إلى أعلى» وهذا ما يقوم به سلام فياض مع فريق عمله في وزارته بعيداً عن عباس وزمرته الغارقين في مشاكل الفساد، وهذا ما صرح به سلام فياض نفسه بقوله إن الدولة ستقوم سنة 2011م وعاصمتها ستكون القدس الشرقية. وأكثر ما يقلق (إسرائيل) في هذا المجال هو ما أعلن من أن إعلان الدولة الفلسطينية، إن لم توافق (إسرائيل) عليه في المفاوضات أو حتى إن لم يكن هناك مفاوضات، سيكون من جانب واحد، أي الجانب الفلسطيني، وهذا يعني أن أميركا ستعمل على فرضه على (إسرائيل) كأمر واقع عبر الحصول على تأييد المجتمع الدولي له.
أما لماذا تقف (إسرائيل) ضد هذه الخطة، وتخاطر بعلاقتها مع أميركا على هذا النحو الخطير، فالسبب واضح، إنه يكمن في الذهنية (الإسرائيلية) المعروفة التي تقوم على أنها تريد أن تحصل على كل شيء من غير أن تقدم شيئاً. إن خطة يهود أن يقوموا بقضم القضية الفلسطينية شيئاً فشيئاً حتى لا يبقى من مسائلها التي يقال عنها إنها أساسية شيء. فالقدس تعمل على تهويدها، وتعمل كذلك على إسقاط حق اللاجئين في العودة كلياً، وتريد تحقيق يهودية (دولة إسرائيل)، وتريد عدم التوقف عن بناء المستوطنات في الضفة حتى لا يبقى لأهلها سوى بعض الجزر المسورة، وتريد المياه، ولا تريد أن تنسحب من الجولان… يريدون ويريدون لأنهم تعودوا أن لا يجدوا معارضة حقيقية لسياساتهم واعتداءاتهم ومجازرهم؛ لذلك كانوا في مؤتمراتهم السابقة يقطعون الوقت، ويستفيدون من كل تنازل يقدم عليه حكام فلسطين وحكام المسلمين بينما هم، أي يهود، لا يلتزمون بشيء مما تلزمهم به هذه الاتفاقات.
على مثل هذا الذي ذكرنا يقوم التوتر بين أميركا و(إسرائيل) وهو يحمل جدية وتحول أساسي في نظرة أميركا لطبيعة الصراع في المنطقة، وذلك لا يعني أن أميركا تحولت ضد (إسرائيل) وأنها تخلت عنها، فالأمر مازال بعيداً عن مثل هذا التصور، ولكنه يعني أنه تحول مفصلي، ومنعطف في العلاقات غير مسبوق بهذه الجدية، وستعمل أميركا على أن تغير (إسرائيل) موقفها بحسب السياسة الأميركية، وستقوم بإقناع (إسرائيل) واليهود في أميركا أن هذه السياسة هي لمصلحة أميركا و(إسرائيل) وأن السياسة القديمة أصبحت ضارة لكل من أميركا و(إسرائيل).
ولكن في خضم هذا الذي يحدث، أين موقف حكام المسلمين ودورهم؟ إنهم بكل بساطة لا دور لهم الآن، دورهم يأتي فيما بعد وهو تنفيذ ما يؤمرون به، وتسويقه، وفرضه على شعوبهم… إنهم أشباح بلا أرواح، إنهم أحجار انتهى دورهم في اللعبة السابقة، وأصبحوا مصفوفين خارج طاولة اللعب، بانتظار اللعبة الجديدة حيث سيأخذ كل واحد منهم موقعه في المربع المرسوم له ضمن اصطفافات الصراع الدولي في المنطقة.
هذا هو الواقع، فما هو حكم الشرع فيه؟
إننا نعلن -وللمرة الألف وأكثر- إن قضية فلسطين إسلامية، وتتعلق بالمسلمين جميعاً، وهي أمانة في رقبتهم، والمحافظة عليها أرضاً إسلامية وداراً إسلامية، فرض عليهم أجره عظيم، وفي المقابل فإن التهاون فيه إثم كبير… وإن قضية فلسطين لم تستطع حلها قرارات الكفر المتمثلة بالأمم المتحدة، ولا تآمر دول الغرب، ولا خيانات حكام المسلمين كلهم من غير استثناء، ولن يحلها اليوم لا أوباما ولا غيره، إنها قضية مستعصية على الحل غير الإسلامي. لن تحل إلا بحسب قوله تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ) [الأعراف 167]. لن تحل إلا بحسب ما أخبرنا به الصادق المصدوق منذ 1400 سنة «تقاتلكم يهود فتقتلونهم» أي عن طريق الجهاد… فالجهاد الذي يحاربه الغرب ويصفه بالإرهاب هو الذي سيقضي على الإرهاب (الإسرائيلي) والإرهاب الأميركي… نعم إن الجهاد ينتظر أميره، وينتظر قائد جيوشه الأعلى، أي خليفته، والكلام خارج هذا الإطار لا طائل منه، والناظر في الأمور يرى أنها تتقدم في هذا الاتجاه، ألم يصرح أساطين السياسة وشياطين الحكم في العالم متخوفين من عودة الخلافة؟
إننا نتوجه إلى المسلمين لنذكرهم بهذه الكلمات الطيبة، إنه ينتظركم أيام خداعات سيحاول فيها حكام العرب، ووسائل الإعلام أن يسوقوا لهذه المبادرة الأوبامية، بتصوير أنهم -أي هؤلاء الحكام الأشباح- ينتزعون الحق من براثن يهود، وأنهم في لحظة تاريخية لا يجوز تفويتها، وأنه يجب أن نستغل الخلاف الأميركي – (الإسرائيلي) لمصلحتنا… إننا نتوجه إلى المسلمين لنقول لهم: أعلنوها صراحةً أنه لن يحل قضية فلسطين إلا الجهاد، ودولة الخلافة الراشدة الثانية القادمة قريباً بإذن الله… ونقول للحكام العرب: لا تنتظروا الأوامر من أسيادكم حكام الغرب، بل انتظروا أمر ربكم الذي سيحصدكم حصداً، ويقطع دابركم، قال تعالى: (قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) [يونس 102].
اللهم اشفِ صدور قوم مؤمنين، اللهم اجعلنا شهود ذلك اليوم، اللهم آمين.
2010-05-18