الإسلام السياسي في آسيا الوسطى والدور الذي يلعبه حزب التحرير
2010/06/18م
المقالات
1,848 زيارة
الإسلام السياسي في آسيا الوسطى والدور الذي يلعبه حزب التحرير
م. حسن الحسن
نشرت مجلة يوراسيا ريفيو للأخبار والتحليل مقالاً للكاتب أمانيويل كراغيانيس بعنوان: «الإسلام السياسي في آسيا الوسطى والدور الذي يلعبه حزب التحرير».
والكاتب امانيويل كاراجيانس هو بروفيسور مساعد في السياسة الروسية والاتحاد السوفييتي سابقاً، في جامعة مقيدونيا في سالونيك واليونان، ويعمل أيضا كمفتش في جامعة ميريلاند في مركز ستارت، ألف كتاباً جديداً عن حزب التحرير في آسيا الوسطى، وأسماه: «الإسلام السياسي في آسيا الوسطى والتحدي الذي يشكله حزب التحرير».
وإليكم ترجمة أهم ما جاء في المقال:
يُعتبر حزب التحرير واحداً من أسرع الأحزاب الإسلامية السُنية نمواً في العالم.،وغالباً لا يتم تناوله من قبل المراقبين بالتحليل والتمحيص الدقيقين بسبب عدم استخدام الحزب العنف للوصول إلى التغيير السياسي، ونتيجة لذلك فإنّه غير مدرج على اللائحة الأميركية للمنظمات الإرهابية، مع أنّ حزب التحرير يتّبع أجندة تتعارض مع مصلحة الغرب، وبالتالي فإنّ الحزب يمكن أن يشكل تهديداً فعليا للولايات المتحدة وحلفائها.
إنّ معرفة حزب التحرير أمر في غاية الأهمية، لأنّ الحزب يُعتبر واحداً من أكثر الأحزاب الإسلامية شعبية، وعدد أعضائه يساوي عشرات الآلاف. صحيح أنّ الحزب يرفض استخدام العنف في هذا الوقت، إلا أنّه ترك باب الجهاد مفتوحاً في حال إقامة دولة إسلامية.
يتّبع حزب التحرير أجندة لجعل المجتمع أقرب إلى الإسلام من أجل إقامة الدولة الإسلامية بطريقة سلمية، إلا أنّ الحزب ذهب إلى تبني استراتيجية تسمى النصرة، والتي تعني أنّ الحزب يمكن أن يدعم انقلاباً تقوم به قوات مسلحة إذا كانت تلك القوات تتبع أجندة إسلامية.
سأحاول في هذا المقال أن أعطي معلومات أساسية عن حزب التحرير، بالإضافة إلى استراتيجيته في إقامة الخلافة الإسلامية، والتعريف بدور حزب التحرير في آسيا الوسطى، وفي أي المناطق يكثر نشاطه.
معلومات أساسية عن حزب التحرير
تأسس حزب التحرير شرق مدينة القدس في سنة 1953م على يد العالم الفلسطيني الأصل تقي الدين النبهاني، منذ العقود الأولى لتأسيسه أصبح الحزب حركة عالمية، وينتمي إليه عشرات الآلاف من الأعضاء في العالم. مع أنّ الحزب نشط منذ بدايته في وسط آسيا، فإنّ لديه أتباعاً بأعداد كبيرة في الدول الغربية مثل الولايات المتحدة. يقود الحزب اليوم عطا أبو الرشتة، وهو فلسطيني الجنسية، درس الهندسة المدنية في القاهرة، وعمل في السابق كناطق باسم الحزب في الأردن.
حزب التحرير لا يعرّف عن نفسه على أنّه حزب ديني، بل حزب سياسي مبني على القيم الإسلامية. إنّ الحزب أثناء سيره لا يريد أن يصل إلى الدولة عن طريق إكراه الناس ليقبلوا بأجندته السياسية، بل يريد الحزب أن يقنع المجتمع بقبول أفكاره طوعاً، وهذا سيقود حتماً إلى تغيير الأنظمة.
ويضيف الكاتب: إنّ الحزب لا يستخدم السلاح ولم يلجأ إلى العنف، ولم يستخدم أياً من الوسائل المادية في دعوته. ويقول إنّ الحزب لا يتوقع سقوط هذه الأنظمة والحكام من تلقاء نفسها، بل على العكس، صبر المؤمنين مطلوب لزعزعة هذه الأنظمة ومن ثم اجتثاثها. بالإضافة إلى ذلك فإنّ حزب التحرير طوّر مفهوم طلب النصرة لإزالة الأنظمة من الحكم. وهذا يعني أنّه يمكن لحزب التحرير أن يدعم انقلاباً منظماً من قبل الجيش إذا تبنى الإسلام كمبدأ له، مثال ذلك، تشجيع حزب التحرير لعناصر في الجيش الأردني للإطاحة بالحكومة الأردنية في سنة 1968م وسنة 1969م.
ويضيف الكاتب: إنّ الحزب يمكن أن يحقق هدفين من خلال طلبه النصرة لإقامة الخلافة، الأول هو تمكين حزب التحرير من الاستمرار في صراعه السياسي من غير التورط في مواجهة عسكرية مع الحكومة، والثاني دعوة القوى الأمنية إلى مبدأ الحزب للإطاحة بالأنظمة الموجودة وإقامة الدولة الإسلامية.
ويقول: إنّه من المهم أن يُلاحظ أنّ حزب التحرير لم ينشىء أي جناح عسكري له قط، وأن أعضاءه لم يقوموا بتوفير أي دعم عسكري لمحاولة الانقلاب في الأردن أو مصر، مع أنّ هذه المحاولات كان الهدف منها إقامة دولة إسلامية، بالإضافة إلى ذلك، فإنّ حزب التحرير لم يتورط في أي أعمال عنف أو أي انقلابات مدنية -انقلاب عن طريق الشعب- في العالم الإسلامي منذ منتصف السبعينات.
دور حزب التحرير في آسيا الوسطى
على الرغم من أنّ حزب التحرير له تأثير على الصعيد العالمي، بما في ذلك الولايات المتحدة والغرب، إلا أنّ نشاطه الأكبر هو في وسط آسيا، لأنّه يواجه منافسة قليلة من جماعات إسلامية أخرى في هذه المنطقة. وهناك عوامل كثيرة أدت إلى صعود حزب التحرير في آسيا الوسطى، من بين هذه العوامل كون غالبية سكان وسط آسيا من المسلمين، بالإضافة إلى سوء الأوضاع الاقتصادية في وسط آسيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، حيث وفرت هذه العوامل تربة خصبة للجماعات الإسلامية من أجل دعم تغيير النظام الاجتماعي الحالي. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ فكرة الدولة الإسلامية جذبت الكثير من السكان، بسبب غياب التوجهات الحقيقية للاحتجاج والتظاهر ضد الحكومات الديكتاتورية في المنطقة. وهناك عامل آخر وهو انهيار النظام الاشتراكي الذي أدى إلى إيجاد فراغ أيديولوجي في آسيا الوسطى، والذي سعى الحزب لملئه عن طريق الثقافة الدينية.
يوجه الحزب دعوته إلى الأفراد والى كل من يريد الوحدة على أساس المبدأ، ويوجد لدى الحزب أجوبة جاهزة، ليس فقط على الأسئلة الدينية، لكن على جميع المسائل الواقعية.
هناك شعور واسع الانتشار بين الناس بعدم قدرة حكومات وسط آسيا على رعاية شؤون الناس وتوفير حاجاتهم. إنّ مطلب تطبيق أحكام الشريعة يزداد من قبل حزب التحرير لأنّه يعد الناس بحياة كريمة وعادلة. إنّ نظرته المتطرفة تدعو إلى الإطاحة بالأنظمة من خلال إجراءات سلمية، وهذا يلقى قبولاً من قبل العديد من الناس، الذين يرفضون استخدام العنف كطريقة للتغيير السياسي، حيث إنهم فقدوا الأمل في إمكانية إصلاحات حكومات وسط آسيا لنفسها.
إنّ ظاهرة صعود حزب التحرير في آسيا الوسطى بداية كانت في أوزبكستان. فمنذ نهاية التسعينيات نجح حزب التحرير في نشر رسالته في جميع أنحاء آسيا الوسطى، ونتيجة لذلك يعتبر حزب التحرير، الجماعة الإسلامية الرائدة في طاجاكستان وأوزبكستان وكازاخستان وقرغيزستان، حيث يضم الآلاف من الأعضاء في كل بلد من هذه البلاد، لقد كان رد هذه الحكومات على صعود الحزب إجراءات قمعية ضد أعضائه والمناصرين له، فكان لهذه الإجراءات القمعية تأثير عكسي، حيث زادت شعبية الحزب، وهذا يمكن لمسه عن طريق قدرته على الاستقطاب بين قطاعات واسعة من الجماهير في المجتمع، بالإضافة إلى الطلاب ورجال الأعمال والمفكرين والنساء، باستثناء تركمانستان، وهذا قد يعود إلى القمع الشديد الذي تمارسه الحكومة.
لقد سلك حزب التحرير استراتيجية مختلفة في كل بلد من بلاد آسيا الوسطى في أماكن نشاطه، ففي أوزبكستان نشر الحزب رسالته بطريقة سرية، وفي قرغيزستان استغل جو الهدوء النسبي سياسياً للحكومة لشن حملة علاقات عامة، وفي كازاخستان ما زال كوادر الحزب يتكاثرون، بينما يتجنبون المواجهة مع الحكومة، وفي طاجاكستان اختار الحزب مواجهة الحكومة وحزب النهضة الإسلامي المنافس السياسي الرئيس للحزب، فاستطاع الحزب أن يحافظ على تماسكه وعلى أجندته الصلبة، واستطاع أن يركز بشكل تكتيكي على المشاكل الفريدة لكل بلد.
توقعات مستقبلية
حزب التحرير لا يشكل تهديداً فورياً لأمن دول آسيا الوسطى، إلا أنّه على المدى المتوسط والمدى البعيد يمكن أن يشكل تهديدا،ً خصوصا إذا استطاع أن يتحالف مع عناصر متطرفة داخل المؤسسة الأمنية أو القوات المسلحة للإطاحة بحكومة أو أكثر في منطقة آسيا الوسطى بالتنسيق مع جهازه للنصرة. إنّ رفض حزب التحرير للعنف السياسي مشروط بظروف الانتصار السياسي، فعندما لا تكون النصرة خياراً له، يهدف الحزب إلى أسلمة المجتمع ومن ثم الإطاحة بالنظام بشكل سلمي.
ومع أنّه لا يمكن تصنيف الحزب على أنّه منظمة إرهابية إلا أن الآثار السياسية المترتبة على نفوذه المتنامي في المنطقة لا تزال خطيرة. إنّ الحزب يشكل عقبة أمام ظهور الديمقراطية في آسيا الوسطى، لأنّ شعبيته المتنامية سمحت لزعماء المنطقة بتدعيم مواقفهم ومقاومة دعوات غربية لتطبيق إصلاحات سياسية واقتصادية. بالإضافة إلى ذلك، إذا ما استطاع الحزب بالتعاون مع القوات العسكرية من إقامة الدولة الإسلامية، سيكون هدفه التالي هو إقامة الخلافة الإسلامية، والذي سيضع هذه الدولة بلا شك في صراع مع جيرانها في المنطقة.
2010-06-18