ملك السويد يطلب اللجوء لدى الإمبراطورية العثمانية
2010/09/17م
المقالات
2,997 زيارة
ملك السويد يطلب اللجوء لدى الإمبراطورية العثمانية
هذا المقال بهذا العنوان مترجم من اللغة الدنماركية إلى العربية، نقلاً عن موقع الصحيفة الدنماركية «كريستليت داوبلاذ» (Kristeligt Dagblad)، وهي صحيفة ذات توجه مسيحي.
عنوان موقع الصحيفة:
WWW.Kristeligt-dagblad.dk
كان كارل الثاني عشر ملك السويد الكبير يلقب بـ«الملك المحارب» لخوضه العديد من الحملات العسكرية، إلا أنه لم تسر جميع حملاته العسكرية على ذات المنوال.
لقد ارتكب الملك خطأً استراتيجياً حينما حاول اجتياح روسيا سنة 1707م وخاض الحرب ضد بيتر الكبير. وفي معركة بولتافا (Poltava) بتاريخ 8 تموز/ يوليو 1709م وقعت الكارثة، حينما تلقت قوات كارل الثاني عشر ضربات موجعة، حتى إن من نجا من قواته البالغ عددهم حوالى 20.000 جندي لم يكن لهم خيار إلا الاستسلام للاعتقال الروسي. ومع ذلك فقد تمكن الملك السويدي من الفرار مع حوالى 1000 من جنوده، لكن الروس استمروا في ملاحقته.
وبعد بضعة أيام عبر الملك كارل الثاني عشر الحدود الروسية – العثمانية مع رجاله بحثاً عن مكان يحتمي فيه قرب آزوف (Assov)، وهي تقع قرب الجهة الشمالية لبحر قزوين. وهناك هاجم الروس الملك وقتلوا معظم رجاله.
في عام 1700م كان الروس قد وقعوا اتفاقية مع الإمبراطورية العثمانية، يتعهد بموجبها الطرفان بعدم انتهاك السيادة الجغرافية للطرف الآخر، وهو ما فعله الروس بملاحقة الملك السويدي داخل المناطق العثمانية. ولذلك فقد أرسل السلطان أحمد الثالث قواته إلى آزوف لنجدة ملك السويد.
قرر كارل الثاني عشر طلب اللجوء لدى الإمبراطورية العثمانية، واستقر في مدينة بندر (Bender)، المسماة حالياً بمولدافيا، يصحبه معظم رجاله. وعاش ملك السويد ما يقارب 6 سنوات في ظل الحماية العثمانية، وأُنفق عليه من قبل نظام المساعدات اليومية المعمول به في الإمبراطورية لتغطية نفقات إقامته.
والأمر العجيب أن الملك كارل الثاني عشر تلقى معاملة نظيره السلطان أحمد، وليس كما جرت العادة بالنسبة للأمراء الغرباء الذين تجري معاملتهم كوزير محلي. لقد مكث الملك كارل لمدد طويلة في إسطنبول، بينما بقي جنوده في بندر وشاركوا في النزاعات الحدودية بين الإمبراطورية العثمانية والروس. وقد بلغت النزاعات ذروتها في موقعة النصر في بروث (Pruth) تحت قيادة أحد الجنرالات العثمانيين ويُدعى بلطشي محمد باشا، حيث شارك فيها كارل الثاني عشر أيضاً.
أمضى كارل الثاني عشر فترة مدهشة في الإمبراطورية العثمانية، حيث درس بعناية التقدم الاجتماعي والعسكري والتكنولوجي فيها، وعندما عاد إلى السويد في عام 1714م طبّق العديد من الأمور التي شاهدها محمد باشا، حيث شارك فيها كارل الثاني عشر أيضاً.
حصل كارل الثاني عشر أثناء إقامته في الإمبراطورية العثمانية على لقب (ديمرباس سارل)، بسبب حصوله على نفقات إقامته، حيث يمكن ترجمتها حرفياً بـ(كارل ذو المساعدة)، وبما أن لفظة (ديمرباس) يمكن أيضاً ترجمتها حرفياً بـ(رأس الحديد)، فقد اختار الملك كارل قبول اللقب مع احتمال التأويل الساخر.
لكن ما هو التأثير الذي أحدثته الثقافة العثمانية في السويد أثناء حكم كارل الثاني عشر؟
لقد تعلم السويديون على سبيل المثال طريقة إعداد الطعام العثماني حيث أعجبوا به، فهناك مثلاً (دولمه)، وهو طعام محشو بالخضروات، وحلوى الفاكهة والقهوة، وهذه الأمور الثلاثة تعتبر أساسية في ثقافة الطعام السويدية. وهناك أيضاً مفردات من مثل (Sofa)، أي كنبة، و(Kisok) أي كشك، و(Divan) أي ديوان، و(Kalabalik) أي صخب، وهي مفردات ظهرت للمرة الأولى في اللغة السويدية في تلك الفترة.
وقد أعجب كارل الثاني عشر بشكل خاص بتخطيط المدن العثماني، وبمجرد عودته إلى بلده السويد، حمل مساعديه على إقامة حدائق وفقاً للنموذج القائم في إسطنبول، كما أُطلق على اثنتين من السفن الحربية التابعة للملك اسمي (Jilderim) و(Jaramaz)، وفق الألفاظ التركية، فالأولى تعني “البرق”، والثانية تعني “المارقة”. ومن الأشياء التي تعلمها كارل الثاني عشر أثناء إقامته هي لعبة الشطرنج، حيث جلب هذه الرياضة لضباطه في السويد.
وفي ذلك الحين، وخلال إقامته في الإمبراطورية العثمانية، أمر كارل الثاني عشر بإرسال بعثة علمية إلى العالم الإسلامي. تحت قيادة الجنرال كورنيليوس لووس.
لقد حافظ كارل الثاني عشر على اهتمامه بالعالم الإسلامي بعد عام 1714م. وبعد عودته إلى السويد حافظ الملك السويدي على علاقاته الحسنة بالإمبراطورية العثمانية من خلال القنوات الدبلوماسية. وتكشف الوثائق أن الإمبراطورية العثمانية دعمت السويديين مرات عديدة بمبالغ كبيرة، ولم يتمكن السويديون من تسديدها، مع قيامهم ببعض المحاولات من خلال إرسال الأسلحة والسفن إلى السلطان العثماني.
تضمنت بعض هدايا الإمبراطورية العثمانية إلى الملك السويدي مجموعات من الإبل يصحبها رعاتها، وقد وضعت في قصر الملك. كما أن بعض الطهاة العثمانيين أقاموا في فترات معينة في قصر الملك وأعدوا له الطعام الذي اعتاد على تناوله إلى حد كبير أثناء إقامته لدى العثمانيين.
ويوجد في مكتبة رولنسون (rawlinson) في أكسفورد وثيقة تروي بدقة فترة إقامة كارل الثاني عشر ومشاهداته في الإمبراطورية العثمانية. وتتضمن الوثيقة أيضاً تفاصيل المشاكل التي نشأت في بندر حينما امتعض السكان في عام 1714م من تجهيزات كارل الثاني عشر للحرب ضد روسيا، وبسبب من مكائده وتدخلاته في الشؤون السياسية العثمانية قام السكان بإضرام النيران في منزله ليحملوه على الرحيل، حيث انتقل بعدها إلى الإقامة في أدريانوبيل (Adrianopel)، وعملياً فقد وضع تحت الإقامة الجبرية وطُلب منه الرحيل إلى السويد. إلا أن الملك رفض الرحيل، وأصر بعناد على البقاء في سريره ما يقارب 10 أشهر، وطلب من السلطان أحمد الثالث تزويده بـ05 ألف جندي عثماني لاصطحابه إلى دياره، لكن طلب الملك لم يستجب، وغادر الإمبراطورية العثمانية في عام 1714م يحمل في جيبه كتاب حماية عثمانية، وعاد إلى دياره في السويد خلال 15 يوماً.
لقد حمل كارل الثاني عشر معه العديد من الفتاوى من الإمبراطورية العثمانية كنموذج للقيم الأخلاقية، وإرشادات عملية في الشؤون السياسية، وتضمنت إعلاناً للجهاد من قبل المفتي الأكبر قبيل إحدى الحملات العسكرية السويدية – العثمانية ضد الروس. وهذه الفتاوى، معها عدد من الوثائق العثمانية، متوفرة ويمكن الاطلاع عليها في الأرشيف السويدي (Carolina Redivivas) للمحفوظات العثمانية، ويمكن مشاهدتها في المكتبة الملكية السويدية.
ووفقاً لهذه الوثائق ينادي السلطان أحمد الثالث الملك السويدي بـ(أسدي)، ويسأله: متى يرى كارل الثاني عشر مهاجمة بيتر الكبير الروسي. وكانت والدة أحمد الثالث السلطانة فاليدة غالباً ما تستقبل كارل الثاني عشر ضيفاً في بيتها بحضور طبيب برتغالي يهودي وزوجته. وكان كارل الثاني عشر قد أصيب في معركة (Paltova) برصاصة، وعانى من جراء ذلك من ارتفاع متكرر في الحرارة، وتلقى العلاج في الإمبراطورية العثمانية.
وحينما وُضع كارل الثاني عشر –بشكل أو بآخر- تحت الإقامة الجبرية في أدريانوبيل بسبب مكائده السياسية، منع السلطان أحمد الثالث أن يتعرض له أحد بقتله، ويُنقل عن السلطان أحمد قوله: «ينبغي إكرام الضيف حتى وإن كان كافراً».
إن إقامة كارل الثاني عشر الطويلة لمدة 6 سنوات في الإمبراطورية العثمانية لتؤكد على نفوذ الإمبراطورية العثمانية في السياسة الأوروبية، وتؤكد كذلك على تأثير الإمبراطورية العثمانية في الثقافة الأوروبية. وإنه لولا تدخل الإمبراطورية العثمانية العسكري والسياسي لكان تاريخ إسكندنافيا وأوروبا غيره الآن.
2010-09-17