الأزمة المالية الاقتصادية العالمية وأثرها على البلدان العربية
2010/09/17م
المقالات
2,132 زيارة
الأزمة المالية الاقتصادية العالمية وأثرها على البلدان العربية
الأزمة الاقتصادية.. الأسباب والبدائل
تصاحب كل الأنظمة الوليدة أحاديث تنبئية عن مستقبلها وتوقعات الخبراء والمهتمين بها لاستشراف المستقبل، وعلماء الاقتصاد الوضعي قد تنبؤوا من قبل بانهيار النظام الاقتصادي الاشتراكي؛ لأنه يقوم على مفاهيم ومبادئ تتعارض مع فطرة الإنسان وسجيته ومع أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية.
كما تنبأ العديد من رواد النظام الاقتصادي الرأسمالي بانهياره؛ لأنه يقوم على مفاهيم ومبادئ تتعارض مع سنن الله ومع القيم والأخلاق، كما أنه يقوم على الاحتكار والفوائد الربوية (نظام فوائد القروض والائتمان) التي يرونها أشرَّ شرٍّ على وجه الأرض، حيث تقود إلى عبادة المال وسيطرة أصحاب القروض (المقرضون) على المقترضين، وتسلب حرياتهم وأعمالهم وديارهم وتسبب آثاراً اجتماعية واقتصادية خطيرة.
مظاهر الأزمة
ولقد بدأت إرهاصات ومعالم انهيار النظام المالي العالمي في الظهور وأصابت أصحاب الأموال وغيرهم بالهلع والذعر والرعب، كما ارتبكت المؤسسات المالية والوسطاء معها في التفكير في وضع الخطط للإنقاذ، كما أحدثت للحكومات خوفاً على أنظمتها وديمومتها.
وكان من مظاهر هذه الأزمة على سبيل المثال ما يلي:
– الهرولة في سحب الإيداعات من البنوك؛ لأن “رأس المال جبان”، وهذا ما تناولته وكالات الإعلام المختلفة.
– قيام العديد من المؤسسات المالية بتجميد منح القروض للشركات والأفراد خوفًا من صعوبة استردادها.
– نقص السيولة المتداولة لدى الأفراد والشركات والمؤسسات المالية، وهذا أدى إلى انكماش حاد في النشاط الاقتصادي وفي جميع نواحي الحياة؛ ما أدى إلى توقف المقترضين عن سداد دينهم.
– ازدياد معدل البطالة بسبب التوقف والإفلاس والتصفية، وأصبح كل موظف وعامل مهدداً بالفصل.
– ازدياد معدل الطلب على الإعانات الاجتماعية من الحكومات.
– انخفاض معدلات الاستهلاك والإنفاق والادخار والاستثمار، وهذا أدى إلى مزيد من: الكساد، والبطالة، والتعثر، والتوقف، والتصفية، والإفلاس.
لماذا هى أزمة مالية وليست اقتصادية؟
فهي أزمة في القطاع المالي ولكنها تهدد بإغراق الاقتصاد بأكمله. فكيف؟ ولماذا؟
بداية يجب أن نفهم أن هناك تفرقة أساسية بين ما يمكن أن نطلق عليه “ الاقتصاد العيني أو الحقيقي” وبين “الاقتصاد المالي”.
فأما الاقتصاد العينى “Real Assets” وهو ما يتعلق بالأصول العينية، فهو يتناول كل الموارد الحقيقية التي تشبع الحاجات بطريق مباشر “السلع الاستهلاكية” أو بطريق غيـر مباشر “السلع الاستثمارية”.
فالأصول العينية هي الأراضي والمصانع، والطرق، ومحطات الكهرباء، والقوى البشرية وغيرها.
وبعبارة أخرى هي مجموع السلع الاستهلاكية التي تشبع حاجات الإنسان مباشرة من مأكل وملبس وترفيه ومواصلات وتعليم وخدمات صحية.
ولكنها أيضاً تتضمن الأصول التي تنتج هذه السلع “الاستثمارية” من مصانع وأراضٍ زراعية ومراكز للبحوث والتطوير.. وغيرها.
وهكذا فالاقتصاد العيني أو الأصول العينية هو الثروة الحقيقية التي يتوقف عليها بقاء البشرية وتقدمها.
وإذا كان الاقتصاد العيني هو الأساس في حياة البشر وسبيل تقدمهم، فقد اكتشفت البشرية منذ وقت مبكر أن هذا الاقتصاد العيني وحده لا يكفي، بل لابد أن يزود بأدوات مالية تسهل عمليات التبادل من ناحية، والعمل المشترك من أجل المستقبل من ناحية أخرى.
ومن هنا ظهرت الحاجة إلى “أدوات” أو “وسائل” تسهل التعامل في الثروة العينية. ولعل أولى صور هذه الأدوات المالية هي ظهور فكرة الحقوق على الثروة العينية.
فالأرض الزراعية هي جزء من الثروة العينية، وهي التي تنتج المحاصيل الزراعية التي تشبع حاجة الإنسان من المأكل وربما المسكن وأحياناً الملبس.
ولكنك إذا أردت أن تتصرف في هذه الأرض فإنك لا تحمل الأرض على رأسك لكي تبيعها أو تؤجرها للغير، فكان لابد للبشرية أن تكتشف مفهوماً جديداً اسمه “حق الملكية“ على هذه الأرض، وهكذا بدأ ظهور مفهوم جديد اسمـه الأصول المالية “Financial Assets”، باعتبارها حقاً على الثروة العينية.
وأصبح التعامل يتم على “الأصول المالية” باعتبارها ممثلاً للأصول العينية عن طريق “سندات الملكية” كافياً لكي تنتقل ملكية الأصول العينية (الأرض) من مالك قديم إلى مالك جديد.
ولم يتوقف الأمر على ظهور أصول مالية بسندات الملكية، بل اكتشفت البشرية أن التبادل عن طريق “المقايضة” ومبادلة سلعة عينية بسلعة عينية أخرى أمر معقد ومكلف، ومن ثم ظهرت فكرة “النقود” التي هي أصل مالي، أي أن النقود أصبحت تعطي صاحبها الحق في الحصول على ما يشاء من الاقتصاد، أي من السلع والخدمات المعروضة.
والنقود في ذاتها ليست سلعة وإنما وسيلة اقتصاية لرفاهية المجتمع.
ولم يتوقف على ذلك بل اكتشفت البشرية أن الكفاءة الاقتصادية تزداد كلما اتسع حجم المبادلات ولم يعد مقصوراً على عدد محدود من الأفراد أو القطاعات، فالقابلية للتداول ترفع القيمة الاقتصادية للموارد، ومن هنا ظهرت أهمية أن تكون هذه الأصول قابلة للتداول.
و ساعد وجود هذه الأصول المالية المتنوعة على انتشار وتوسع الشركات وتداول ملكيتها وقدرتها على الاستدامة.
فمن ناحية أخرى ظهرت البورصات التي تتداول فيها هذه الأصول المالية؛ ما أعطى المتعاملين درجة من الثقة في سلامة هذه الأصول المالية.
ثم تطورت الأمور إلى أن صارت أسواق تبادل الأوراق المالية لا تمت إلى الاقتصاد الحقيقي بصلة أكثر من الاسم إن وجد.
إضافة إلى أن تحليل أسباب الأزمة المالية المعاصرة أبرز أنها تتركز حول النظم الوضعية الآتية:
– نظام الفائدة (الربا) على الودائع، ونظام الفائدة على القروض.
– نظام التجارة بالديون أخذاً وعطاءً.
– نظام جدولة الديون مع رفع سعر الفائدة مقابل زيادة الأجل.
– نظام بيع الديون.
وعليه فلا غرابة إذا سمعنا عن ثراء رقمي فاحش أوفقر أو دين رقمي كبير جداً, فلك أن تتصور أن إجمالي الدين الحكومي الداخلي والخارجي في الولايات المتحدة قد بلغ أكثر من 11 تريليون دولار. وتأتي الصين في مقدمة الدول الدائنة للولايات المتحدة حيث قدمت ما يقرب من 450 مليار دولار وتليها بريطانيا ثم اليابان ثم السعودية.
تأثير الأزمة المالية على البورصات العالمية ومنها العربية
زادت الأمور توتراً بعد فشل بنكي الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، والبنك المركزي الأوروبي في التخفيف من حدة تراجع المؤشرات على الرغم من ضخ نحو 121.6 مليار دولار لطمأنة المستثمرين ووقف نزيف التراجع، حيث إنه خلال يوم واحد من التعامل فقد مؤشر داو جونز قرابة 400 نقطة في حين تراجع مؤشر ستاندرد آند بورز بواقع 150 نقطة.
ومن أبرز الأزمات التى حملتها الأزمة المالية فى طياتها هي تدهور أسواق المال العالمية ومن أهمها البورصات الأميركية والأوروبية والآسيوية والمصرية والعربية
فلقد تأثرت سوق الأسهم الأميركية بدرجة كبيرة من جراء الأزمة المالية ما أدى إلى هبوط المؤشرات بدرجات كبيرة، ومن أهم المؤشرات الأميركية هي:
INDEX NASDAQ COMPOSITE STOK
فلقد هوى مؤشر ناسداك من نقطة 2300 التى كان قد وصل إليها فى شهر شباط/ فبراير 2008م إلى 1532 فى شهر شباط/ فبراير 2009م
ولقد تاثرت أيضاً بورصة لندن بسبب الأزمة المالية الأميركية، وقد هوى مؤشر البورصة الرئيسي من 5700 فى شهر فبراير/ شباط 2008م إلى 4200 فى شهر فبراير/ شباط 2009م.
تأثير الأزمة المالية على البورصة المصرية
أما البورصة المصرية فلم تكن بمنأى عن الهبوط الحاد للبورصات العالمية، فلقد تاثرت البورصة المصرية بدرجة كبيرة جداً، وهو ما يوضحه الرسم البياني الذى يعرض مؤشر إيجى إكس 30 كاس 30 سابقاً «الذى يقيس أفضل 30 شركة فى البورصة ، فلقد هوى المؤشر من عند أعلى قمة وصل إليها على مدار السنوات الماضية، حيث إنه قد وصل إلى مستوى 12000 نقطة فى شهر نيسان/ أبريل 2008م إلى أن وصل إلى 3500 نقطة فى شباط/ فبراير 2009م.
البورصة السعودية
General Stock Index
كذلك أيضاً فقد هوت البورصة السعودية “ أكبر البورصات العربية “ متأثرة بالأزمة المالية العالمية مثلها مثل جميع البورصات وأسواق المال العالمية .
بورصة الإمارات
Abu Dhabi Stock Index Dubai Stock Index
كذلك أيضاً قد تأثرت أسواق الإمارات المالية بالأزمة المالية على غرار الأسواق العالمية.
فلقد تأثر مؤشر سوق دبي بدرجة كبيرة، حيث إنه هوى من 6000 نقطة إلى دون مستوى 2000 نقطة أي مستوى 1500 نقطة، أما سوق أبو ظبى فكان أقل حدة من سوق دبي حيث إنه قد هوى من مستوى 5000 نقطة إلى أعلى من 2000 نقطة.
وعن أسباب تأثر البورصات العربية بالأزمة المالية فقد قال أحمد بشتو: ما بين الخميس الأسود والاثنين الأسود والثلاثاء الأسود عاشت بورصاتنا العربية أياماً حالكة، البورصة الأردنية خسرت في أسبوع واحد خمسة مليارات دولار، وكذلك البورصة المغربية. وقال أحد المضاربين في السوق المصرية إنه لم ير أياماً كهذه، المؤشر العام يتآكل والأسهم تهوي بسرعة ومعها تتطاير أموال الناس، البعض يقدر أن قيمة خسائر سوق القاهرة تصل لـ 260 مليار جنيه مصري منذ بداية الأزمة، ثلاثون شركة تم وقف التداول عليها في أحد الأيام لانخفاضها بنسبة 20% مرة واحدة، وهو الحد الأقصى للهبوط. عدد من الخبراء طالب الصناديق الحكومية والبنكية المصرية بالتدخل العاجل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولإعادة الطمأنينة للمتداولين خاصة الصغار منهم والذين وصل الأمر ببعضهم إلى الانتحار كمداً كتاجر الأدوات الكهربائية الذي دفع تحويشة عمله في الكويت لسنوات عدة وباع متجره ليستثمر في البورصة، وعندما خسر كل شيء صنع لنفسه مشنقة لفها حول عنقه ليموت كمداً، لاعناً المال وأسواقه وبورصاته.
انعاكسات الأزمة على الدول العربية
انعكست الأزمة المالية الأميركية على معظم اقتصادات دول العالم حتى إنها أصبحت تلقب بالأزمة المالية العالمية. وبما أن الدول العربية جزء من منظومة الاقتصاد العالمي فإنها سوف تتأثر سلباً بهذه الأزمة، بل في واقع الأمر قد تأثرت بالفعل. ومدى تأثر الدول العربية يعتمد على حجم العلاقات الاقتصادية المالية بين الدول العربية والعالم الخارجي.
في هذا الإطار يمكننا تقسيم الدول العربية إلى ثلاث مجموعات من حيث مدى تأثرها بالأزمة، وهي: المجموعة الأولى: هي الدول العربية ذات درجة الانفتاح الاقتصادي والمالي المرتفعة وتشمل دول مجلس التعاون الخليجي العربية.
المجموعة الثانية: وهي الدول العربية ذات درجة الانفتاح المتوسطة أو فوق المتوسطة ومنها مصر والأردن وتونس.
المجموعة الثالثة: وهي الدول العربية ذات درجة الانفتاح المنخفضة ومنها السودان وليبيا.
بالنسبة للمجموعة الأولى، فإن صادراتها تمثل نسبة كبيرة من الناتج المحلي، ويعتبر النفط هو المصدر الرئيسي للدخل الوطني. وقد لوحظ جراء تداعيات الأزمة انخفاض أسعار النفط من حوالى 150 دولاراً للبرميل في شهر يوليو/تموز الماضي إلى حوالى 77 دولاراً للبرميل حالياً، أي بانخفاض بنسبة 50%. ومما لا شك فيه أن هذا الانخفاض الحاد سيؤثر على وضع الموازنات العامة القادمة وعلى معدلات النمو الاقتصادي، إذ إن معدلات النمو في النصف الثاني من العام 2008م والعام 2009م ستنخفض مقارنة بمعدلات عام 2007م والنصف الأول من العام 2008م.
من ناحية أخرى، يلاحظ أن النشاط المالي لدول الخليج في العالم الخارجي كبير، حيث تم استثمار جزء لا يستهان به من عوائد النفط، وحيث يلاحظ أن دول الخليج أصبحت تمتلك صناديق ثروات سيادية تستثمر في الخارج خصوصاً في الولايات المتحدة وأوروبا.
ومما لا شك فيه أن هناك بعض الصناديق التي يمكن أن تكون لها استثمارات في بعض المؤسسات المالية المتعثرة.
وتشير بعض التقديرات إلى أن خسائر صناديق الثروات السيادية في الدول الناشئة بما فيها دول الخليج تقدر بحوالى 4 مليارات دولار.
وتقدر الاستثمارات العربية بالخارج بحوالى 2.4 تريليون دولار، وكما هو معلوم فإن هذه الاستثمارات مملوكة للحكومات والأفراد، ولكن معظمها يعود لدول الخليج، وسوف تتأثر تلك الاستثمارات بحسب الجهة التي يتم الاستثمار فيها.
وكلما كانت تلك الجهة تتميز بدرجة عالية من المخاطر، فإن درجة التعرض إلى خسائر تكون أكبر، ومما لا شك فإن هناك بعض الخسائر ولكن غير معلن عنها
أما بالنسبة لدول المجموعة الثانية، فإن تأثرها بالأزمة سيكون أقل من دول المجموعة الأولى باستثناء تأثر البورصات فسيكون في مستوى تأثر بورصات المجموعة الأولى.
أما بالنسبة لدول المجموعة الثالثة، وهي ذات درجة الانفتاح الاقتصادي والمالي المحدودة، فسيكون التأثير عليها محدوداً أيضاً.
المواقف العربية بين الرسمية وما يجب أن تكون عليه:
وفي أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي ضخ المصرف المركزي الإماراتي نحو 50 مليار درهم (حوالي 13.6 مليار دولار)؛ لتخفيف التوترات القائمة في القطاع المصرفي الذي يعاني من نقص السيولة، وأعلن المصرف عن هذا التمويل بعد أن كادت تتوقف حركة الإقراض بين المصارف الإماراتية.
كما أعربت الكويت عن استعدادها لإجراء مشابه؛ إذ قال محافظ المصرف المركزي الكويتي الشيخ سالم عبد العزيز الصباح في وقت سابق: إن المصرف سيضخ أي كمية لازمة من الأموال لضمان سيولة كافية.
بدوره، اتخذ المصرف المركزي المصري عدة إجراءات قال مصدر مسؤول في المصرف إنها أدت إلى انحسار الخسائر محلياً جراء الأزمة المالية الأميركية، وما تبعها من أزمة عالمية
وعن مدى كفاية إجراء ضخ الأموال لمواجهة الأزمة المالية وقدرته على حماية الاقتصادات العربية من الوقوع في براثن الأزمة المالية العالمية، قال علي الموسى نائب محافظ بنك الكويت سابقاً لشبكة “إسلام أون لاين.نت”: إن “ضخ الأموال هو الإجراء الميسر؛ كون ضخ السيولة لا يحتاج إلى سن تشريعات أو اتخاذ إجراءات غير معتادة
أما الدكتور عصام خليفة العضو المنتدب لشركة الأهلي المصرية لإدارة الصناديق المالية فقال: إنه “ليست هناك إجراءات يمكنها منع التأثر بالأزمة، ولكن توجد إجراءات تقلل من آثار الأزمة قدر الإمكان”،
بعد هذا العرض لهذا الواقع وما أفرزه من آثار فإننا لا نملك إلا أن نؤكد أن الحل الناجع وما يجب أن يكون عليه الأمر هو الكفر بالنظام الاقتصادي الرأسمالي بل وبكل الأنظمة الوضعية، ووضع النظام الإسلامي بدلاً منها موضع التطبيق العملي, فهو من لدن حكيم خبير (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك 14].
ولن يكون ذلك إلا في ظل دولة الخلافة الإسلامية التي نسأل الله أن يكون وجودها قريبا بإذن الله.
2010-09-17