وضع المرأة في جنوب السودان في ظل اتفاقية نيفاشا
2010/10/17م
المقالات
1,843 زيارة
وضع المرأة في جنوب السودان في ظل اتفاقية نيفاشا
(التضييق على المسلمات)
د. غادة حمدي – الخرطوم بحري
اتفاقية السلام الشامل أم الظلام الحالك؟
حربٌ شرسة استمرت أكثر من عشرين عاماً وقُتل فيها أكثر من مليونين ونصف المليون من أبناء السودان من الجنوب والشمال! حربٌ شنتها الحركة الشعبية المتمردة بقيادة جون قرنق النصراني الحاقد على المسلمين، فدفع كل بيت من بيوت البلاد شهيداً ليرد كيد الكائدين وليعمل على ردع الانفصاليين العملاء المرتزِقة الذين يسعون لزعزعة أمن البلاد وبث الرعب في نفوس مواطنيها الذين يعانون أصلاً أوضاعاً مزرية وسوء الرعاية في الجنوب والشمال، بل والغرب والشرق. هذه الحرب التي قادها المتمردون في الجنوب المتعطشون لإراقة الدماء خدمة لمصالح غربية بحتة أميركية وأوروبية في المنطقة، هذه الحرب بين الحكومة وحركة التمرد في الجنوب، ليست بجديدة، فقد زرعت بريطانيا هذه الشوكة في جنب السودان لتنزف نزفاً مستمراً فاستهلكت الموارد، واستنزفت طاقات الجيش الذي خرج مجاهداً في سبيل الله ليرد العدو الذي يريد تمزيق البلاد ونهب ثرواتها، مخلفين وراءهم أرامل وأيتاماً، وأمهات شهداء لم يفهموا سبب فقدانهم لأبنائهم عندما ركعت حكومة الإنقاذ بقيادة عمر البشير بعد سنوات من التفاوض بين الحكومة السودانية وحركة التمرد نتج عنه بنود اتفاقية العار، اتفاقية «نيفاشا»، اتفاقية «السلام الشامل» كما سموها تضليلاً والتي هي في حقيقتها اتفاقية «الانفصال»، والتي وقُعت في نيفاشا في كينيا في 9/1/2005م، والتي تُعتبر كسباً غير مسبوق لأهل الجنوب؛ لأنها منحتهم فوق ما كانوا يتطلعون إليه في ظل كل الحكومات السابقة. فبموجب هذه الاتفاقية تم طمس الهوية إلاسلامية للسودان وتبديلها بهوية علمانية لا لون لها ولا طعم، بدستور وقوانين على أساس المواطنة بغض النظر عن الدين بحجة التعايش بين الأديان والثقافات المختلفة. وبموجب الاتفاقية استحوذ سكان الجنوب على أراضي الجنوب الممتدة بحجة “حق تقرير المصير”.
وبعد انفصال الجنوب واستقلاله عن الشمال، ستفقِد حكومة الإنقاذ سيطرتها على هذه المنطقة، وسيتم إسقاط حق أي مواطن من الشمال في هذه الأراضي. وذلك بموجب الاستفتاء القادم في يناير 2011م، والذي سيصوت الجنوبيون لهذا الانفصال بين الشمال والجنوب، وستقوم دولة جديدة لها كيانها المنفصل، من نظام حكم، وجيش وحدود جديدة؛ دولة علمانية تفتح الباب واسعاً لاغتصاب حق الأمة الإسلامية. فالانفصال يعني تمزيق البلاد ونهب الثروات، ويعني تمكين الغرب الكافر وتسهيل السيطرة على البلاد شمالها وجنوبها، وإضعافها بحجة إيقاف الحرب. فالاتفاقية احتضنت النصارى وحدهم، فقد ركزت فقط على ما يسمى بحقوق غير المسلمين ممن يعيشون في الشمال والجنوب، فالمطلع على بنود الاتفاقية المشؤومة يلاحظ أنه لم يأت فيها ذكر لوضع المسلمين الذين يعيشون في جنوب السودان، وماذا ستكون أحوالهم بعد الانفصال، علماً بأنهم يعانون الهجمات الشرسة ضدهم، ويعانون الاضطهاد حتى قبل الانفصال. فقد جاءت هذه الاتفاقية لتعطي الولاية للكافرين على المؤمنين، ولتؤجج الحقد والكراهية بين الناس واقتتالهم على الثروة والسلطة. لقد كانت «نيفاشا» فتيلاً أشعلت به الحرب من جديد ولم تتوقف، بل استمرت هنا وهناك، في معارك ضارية في الجنوب، وهذه المرة صارت الحرب علانية ورسمية بل وقانونية بين أهل السودان بمختلف معتقداتهم، وبالذات ضد المسلمين منهم.
إن البلاد تعاني الغلاء الفاحش والبطالة، وتعاني انعدام الرعاية الصحية ومياه الشرب النظيفة، وتعاني الفقر والأمية. فالمسلمون وغير المسلمين في كل أنحاء البلاد يعانون من هذه الأوضاع السيئة. ولقد تدهور الوضع أكثر بعد اتفاقية «نيفاشا» التي أثارت طمع كل من هب ودب، وصارت المطالبة بحق تقرير المصير غطاءً لهذه الأطماع في السلطة وفي الثروات وفي الأراضي، بل وفي الأعراض. فالملاحظ تصاعد حالة عدم الاستقرار في الجنوب وفي الشمال حتى قبل الانفصال رسمياً وقبل إجراء الاستفتاء. فبدلاً من مطالبة النظام الحاكم بتطبيق الإسلام لرعاية شؤون الناس في الجنوب وفي الشمال، أعطت الاتفاقية حق تقرير المصير للجنوب بإنشاء حكم علماني رأسمالي فاسد فيه (وهذا لا يعني أن النظام القائم في الخرطوم ليس علمانياً)، وخلعت يده عن النظام الحاكم، وأنشأت جيوشاً متعددة المراكز تهدد أمن البلاد بطولها وعرضها، وأغلقت أبواب أعماق أفريقيا عن المسلمين، (أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ) [الأنعام 31].
تأثير اتفاقية “نيفاشا” على المرأة المسلمة في جنوب السودان:
وفي ظل هذه الأحداث القاتمة الظالمة لا بد لنا من تسليط الضوء على المرأة المسلمة في السودان. فهي أم الشهيد، وهي الأرملة، وهي مربية الأيتام، وهي التي تكد وتتعب لتأمين عيشها، وهي المشتتة في جنوب البلاد والتائهة في شماله… فماذا قدمت لها اتفاقية «نيفاشا»؟
فالاتفاقية لم تتحدث عن حال مسلمي جنوب السودان الذين يشكلون ربع سكان الجنوب والذين يشكلون أعلى نسبة من حيث العقيدة (18% من سكان جنوب السودان مسلمون)، هذا حسب إحصاء الكنيسة، ولكن الحقيقة أن عدد المسلمين ربما يكون ضعف هذه النسبة بحسب خبراء. فهناك عمليات تضييق على المسلمين عامة في جنوب السودان بالرغم من السلام المزعوم في البلاد، وحتى قبل الانفصال، وتتمثل في منع الأذان في كثير من ولايات الجنوب، وتم تحويل بعض الخلاوي (أماكن تحفيظ القرآن) والمساجد إلى مصانع للخمور، فقد احتلت قوات الحركة الشعبية مسجد الكاستم بالاستوائية، وهدموا المئذنة، وجعلوا المسجد سكناً لهم. وكما يمنع إنشاء مساجد جديدة وتحويل الموجودة منها بالقوة لكنائس. وتم إغلاق الجامعات والكليات الإسلامية، وتم استبدال المنهج السوداني العربي بالمناهج الكينية والأوغندية. وسبق أن كشفت وثيقة صادرة عن رئاسة الجمهورية السودانية مؤرخة بتاريخ سبتمبر/ أيلول 2007م عن «الخروقات» التي قامت بها الحركة الشعبية- الشريك الجنوبي، فيما يخص اتفاقية سلام «نيفاشا» الموقعة في يناير 2005م ضد المسلمين في الجنوب.
في ظل هذه الأوضاع الرديئة تعاني المرأة المسلمة هناك؛ من منعها من ارتداء الخمار، ففي ولاية أعالي النيل مُنِعت الطالبات من ارتداء الزي الشرعي في المدارس. فالمرأة المسلمة أصبحت أداة لإشاعة الفاحشة وتجريدها من هويتها الإسلامية بملاحقتها قانونياً لخلع الحجاب، وإلباسها ثوب العري والفساد. وكذلك تعاني المرأة المسلمة في الجنوب من الهجمات المتكررة عليها من قِبل عصابات متخصصة في اغتصاب المسلمات اغتصابات جماعية، فقد تم اغتصاب قاصرات من قبل جنود قوة حفظ السلام التي دخلت جنوب السودان بحجة متابعة تنفيذ اتفاقية «نيفاشا» وحفظ السلام في المنطقة. وتعاني المرأة المسلمة في الجنوب أيضاً من الفقر ونقص الغذاء والأمراض الفتاكة، وتعاني من الهجمات الإجرامية على البيوت لسرقتها واحتلالها والاستحواذ على ممتلكاتها وتشريدها وطردها وأسرتها من أراضيهم ومساكنهم، هذا إن لم يقتلوهم. وكما تستهدفها حملات تنصيرية مستمرة وشرسة لتترك الإسلام ، ويتم حرمانها من غذاء الإغاثات إذا لم تستجب لهذه المحاولات الخبيثة، ويحاولون إغراءها أحياناً بالهدايا الثمينة. وهناك نوع آخر من التضييق؛ هو المضايقة المستفزة لأولادها ومنعهم من دخول المدارس أو مطالبتهم برسوم أعلى من بقية الناس. وكثير من نساء المسلمين يفقدن أزواجهن بسبب الصراعات القبلية الدائرة على الأراضي وعلى الثروات، وكما يمضين حياتهن في الهروب والتنقل والاختباء من مكان لآخر حفاظاً على حياتهن وأعراضهن.
فالمرأة عامة أوضاعها سيئة في السودان وفي الجنوب بخاصة، ولكنها ازدادت سوءاً بعد اتفاقية السلام المشؤومة التي جعلت من المرأة المسلمة في الجنوب إنساناً مستضعفاً ومستباحة العِرض والدين والمال، ومستهدفة من كل الجهات ولا تجد من يحميها وينصفها في ظل صمت مطبق من الأنظمة الحاكمة الظالمة والتي تهمش المسلمين في الجنوب أكثر من أي وقت مضى لطمس هويتهم الإسلامية وجعلها هوية علمانية. لذلك كان الهجوم على الحجاب ومظاهر العبادة وحملات التنصير تتم بمباركة الحكومة لها وذلك بموجب اتفاقية نيفاشا المشؤومة. فالمنطقة ملأى بمنظمات الغرب التي تسمى الخيرية والتي تعمل على تنصير الرجال والنساء والأطفال تحت غطاء الإغاثة والمساعدات وحفظ السلام. ولقد ظلت هذه المرأة المسلمة في الجنوب هدفاً لأفكار غربية تضرب ثقتها بالإسلام وتحجمه بالتعامل معه كدين كهنوتي، لا مجال فيه إلا للعبادات فقط ولا دخل له بالمعالجات الحياتية في كل جوانبها. فهذه المنظمات تعمل على تنفير النساء من الإسلام بحجة العصرنة والحداثة ومواكبة الزمان الجديد، وبحجة أن الإسلام لم يعط المرأة حقوقها، وكل هذا يتم بتوافق مع الهجمة الثقافية الغربية العلمانية على الأحكام الشرعية التي تخص المرأة.
إن المرأة في الإسلام هي أم وربة منزل وعرض يجب أن يصان. والإسلام منهج حياة كامل وطراز عيش مميز يدير حياة الناس بحسب قوانين من عند الخالق عز وجل. لذلك فهو منهج متكامل غير ناقص لا تشوبه شائبة. فالإسلام قد كفل للمرأة المسلمة وغير المسلمة كافة حقوقها.
أما المشكلة الكبرى اليوم فهي في غياب الإسلام عن حياة الناس بسبب غياب الحكم بما أنزل الله تعالى. فحكومة الإنقاذ لا تحكم بقوانين مصدرها القرآن الكريم والسنة الشريفة بل تحكم بقوانين وضعية، قوانين من وضع البشر التي دائماً ما تكون خاضعة لمصلحة جهة ما. فالمرأة المسلمة في الجنوب تعاني بسبب غياب الحكم بالإسلام في الجنوب، وحتى غير المسلمة تعاني من ذلك. فحكومة الجنوب وحكومة الشمال هم سواء في تطبيق العلمانية والحكم بالمبدأ الرأسمالي الفاسد الفاشل في رعاية شؤون الناس.
إن على المرأة المسلمة هناك المطالبة بتطبيق شرع الله تعالى عليها لتحصل على كافة حقوقها في الدنيا وفي الآخرة، فهو سبحانه خبير بما يصلح النساء والناس أجمعين (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك 14]. فاتفاقية “نيفاشا” هي تخلٍّ صريح عن رعاية شؤون الناس في الجنوب وتسليم رقابهم للكفار ليفعلوا بهم كما يحلو لهم! ولن يضمن الحياة الآمنة غير خليفة المسلمين الذي يحكم بما أنزل الله ويرعى شؤون العباد بما يرضي الله تعالى.
فعلى المسلمين في السودان العمل الجاد لإيقاف هذا الاستفتاء القادم، وإلغاء اتفاقية “نيفاشا”، وعدم الانصياع لتهديدات الغرب الكافر، وعدم موالاة حكومة الجنوب ولا الشمال. فانفصال الجنوب عن الشمال هو بداية حقيقية لعصر الدم والطحن في السودان، هذا البلد الطيب أهله، الذي أسلمته حكومة البشير إلى ماكينة التمزيق في سابقة هي الأولى في العالم، حيث لم نر أبداً حكومة تمزق بلادها بيدها كما هو حادث في السودان الآن.
2010-10-17