استخدام الأقليات العرقية ذريعة فى تمزيق السودان
2010/10/17م
المقالات
2,067 زيارة
استخدام الأقليات العرقية ذريعة فى تمزيق السودان
مر السودان هذا البلد المحب للإسلام المترامي الأطراف هذه الأيام بمرحلة من أدق المراحل؛ حيث يراد له من قبل دول الكفر وعلى رأسها أميركا وبريطانيا وبتنفيذ من أتباعهم من الحكام والسياسيين أن يتم تمزيقه إلى دويلات بدءاً بجنوب السودان، ومهدوا لذلك بأن ضمنت اتفاقية نيفاشا المشؤومة ما يسمى بحق تقرير المصير. وقد استغلت هذه الدول التنوع العرقي وتعدد الجماعات الإثنية لتمرير مخططها بدعوى رفع الظلم الواقع على أهل الجنوب، وأنه بسبب هيمنة العرب فى الشمال على مقاليد السلطة وسيطرتهم على موارد البلاد وعدم إتاحة الفرصة لحكم أنفسهم، متناسين أن سبب الظلم إنما هو تطبيق الأنظمة الرأسمالية الفاسدة، وأن هذا الظلم يشمل كل أهل السودان، حتى إن أحد أبناء الجنوب عندما زار شمال السودان وأحس بالظلم الواقع عليهم ووجود نفس المعاناة عندهم قال لهم: أنتم أولى بالتمرد منا نحن. فتلقف أبناء الأقاليم الطعم، بل وصدقوه لدرجة أن أحد أبناء دارفور أصدر كتاباً أسماه (الكتاب الأسود) ندد فيه باختلال تقسيم السلطة والثروة في السودان، معدداً جوانب سيطرة أبناء الشمال على السلطة والثروة، فقد ورد فيه ما يلى: «يعكس هذا الكتاب بشاعة الظلم الذي مارسته الأنظمة السياسية المتعاقبة على البلاد منذ الاستقلال إلى اليوم بصرف النظر عن توجهاتها وألوانها.. علمانية كانت أم إسلامية، ديمقراطية مزعومة كانت أم دكتاتورية، هذا الظلم البشع المتمثل في محاباة جهة واحدة من السودان على حساب باقي جهاته، مؤثرة إياها بالعناية والرعاية والاهتمام والتنمية. لقد جعلت الحكومات المختلفة من الحكم أداة لتكريس سلطة الإقليم الشمالي (ولايتي نهر النيل والشمالية) على باقي أقاليم السودان الأخرى، والتي قسمناها لأغراض الكتاب إلى خمسة أقاليم بما فيها الإقليم الشمالي وهي:- الإقليم الشرقي (القضارف، كسلا، البحر الأحمر)، الإقليم الأوسط ويضم ولايات (الجزيرة، سنار، النيل الأزرق، النيل الأبيض، الخرطوم)، الإقليم الجنوبي ويضم ولايات (أعالي النيل، بحر الغزال، الاستوائية)، الإقليم الغربي ويضم ولايات (كردفان ودارفور). وقد تعمقت هذه المحاباة وتجذرت ضاربة عرض الحائط بكل القيم الإنسانية والإسلامية، وحقوق المواطنة المتعلقة بواجبات الدولة تجاه مواطنيها، فلم تنظر اليهم بعين الأب، أو تعاير مطالبهم واحتياجاتهم بمعيار العدل الذي لا استثناء فيه ولا إيثار لجهة دون أخريات. فاستمرأت هذه الحكومة وكذلك تلك الجهة المعنية لحال الظلم هذه فصارت تبكي وتوسم غيرها بالعنصرية والكيل بمكيالين، هي تمارسهما صباح مساء منذ فجر الاستقلال وحتى اليوم».
وقد لعبت السياسة البريطانية دوراً كبيراً بعد استعمارها للسودان في عام 1315هـ عندما دخلت الجيوش البريطانية مدينة أم درمان بعد موقعة كرري الشهيرة، ورفع بعد يومين العلمان المصري والبريطاني على سراي غوردون بالخرطوم (القصر الرئاسي الحالي) وأطلق على البلاد اسم السودان المصري الإنجليزي.
وكان أقل عمل قام به الإنكليز إقامة صلاة على روح غوردون الذى قتل على أيدى الثوار، ثم بدأوا الثأر له وانتقموا من أهل البلاد أشد انتقام، وعملوا على إيقاف تقدم الإسلام نحو الجنوب وذلك بعمل الآتي:
تقرر استعمال اللغة الإنكليزية وتشجيع العودة إلى العادات الجنوبية المحلية مع حجب كل ما هو شمالي. وفي عام 1922م صدر رسمياً قانون جوازات وتصاريح السفر، كما قررت الحكومة استشارة خبير في علم الإنثروبولوجيا لتطبيق الجوانب المتعلقة بخطة الجنوب، وتأسيساً على رأي الخبير، خططت الحكومة لأساليب نشطة وفعالة لإعادة التنظيم في عام 1930م، وهي تقوم على بناء سلسلة وحدات عرقية أو قبلية متكاملة ذاتياً، بحيث يكون هيكلها وتنظيمها قائماً على العادات والتقاليد والمعتقدات المحلية.
كذلك، اتساقاً مع هذه السياسة، تم تشجيع التجار الإغريق والسوريين بدلاً من (الجلابة) الشماليين، مع تقليل التصاريح للجلابة (تجار الشمال) إلا في المدن الكبيرة إذا ما دعت الضرورة إلى ذلك. وكان الشمالي يوصف بواسطة الإداري البريطاني إما قناصاً للرقيق أو تاجراً، وأن الجلابي الشمالي كان غير مرغوب فيه لأنه يأخذ الرقيق لبيعه في أسواق بعيدة في الشمال، ويمارس الغش في التجارة مع الجنوبيين البسطاء، وينقل الأمراض الجنسية. ودائماً ما كان يوصف بأنه يستغل الجنوبي ويهدد بالتدخل ضد حركة التقدم على حد زعم الإنجليز.
عندما شعر الجنوبيون بتعاطف البريطانيين معهم، وثقوا بهم وأصبحوا أقرب إلى الأوروبيين ومتقبلين لسياستهم، وتم ذلك من خلال العمل التبشيري، كان كل ذلك يصب في سياسة فصل الجنوب عن الشمال على أساس الهوية.
كذلك، لتنفيذ هذه السياسة، تم منع المواطنين في دارفور وكردفان من الدخول إلى اقليم بحر الغزال، حيث كانت القبائل العربية – خاصة البقارة (رعاة البقر) تتحرك في موسم الجفاف بمواشيها نحو الجنوب حتى منطقة بحر الغزال (بحر العرب) للحصول على الماء والكلأ لحيواناتهم، فيحدث الاحتكاك والتواصل بين الجنوبيين والشماليين، وقد نشأت من ذلك مدينة أبيي حيث تعايش فيها الشماليون (المسيرية الحمر) مع الجنوبيين (دينكا نجوك)، وهو تعايش سلمي دام برعاية وحكمة زعماء الطرفين عدة قرون (منذ عام 1745م) ولم يظهر التوتر إلا بعد اتفاقية نيفاشا للسلام عام 2005م.
ثم تطور الأمر إلى الاتفاق بين مسؤولي الإدارة البريطانية ومحافظي المقاطعات (الشمالية والجنوبية) المتاخمة لبعضها البعض بتطبيق أو إنزال عقوية السجن على أي مواطن من محافظة شمالية يدخل دون تصريح إلى محافظة جنوبية، وبالعكس، علماً بأن الحصول على تصريح بالدخول ليس بالأمر السهل للحد من التواصل بين الطرفين. أي إن سياسة الفصل العنصري كانت سياسة عليا في بريطانيا بحيث إن تصاريح العبور من الشمال إلى الجنوب، وبالعكس كانت تصدر في إنكلترا ولا يمنحها إلا المحافظ بتوقيعه. ومن خلال نظام التصريح المعقد هذا تم الحد من الحركة بين الشمال والجنوب.
عندما لاحظت الإرساليات انتشار الإسلام في المناطق الوثنية شجعت الوثنيين على اعتناق المسيحية حتى لا يعتنقوا الإسلام وبالتالي تعاونت الإرساليات مع البريطانيين في تطبيق السياسة البريطانية في الجنوب، وقد تركز تعاون الجنوبيين المسيحيين مع البريطانيين في مجال التعليم والتدريب. وشهدت الفترة ما بين عامي 1933م و1938م اجتماعات مكثفة بين ممثلي مصلحة التعليم والجمعيات التبشيرية بغرض زيادة التسهيلات لهذه الإرساليات في مجال التعليم وإصلاح نظام التعليم ليتسق مع السياسة الجنوبية، وضاعفت الإدارة البريطانية من ميزانية التعليم في الجنوب، وتضاعف عدد المدارس في الفترة بين عامي 1927م و1938م. وعلى مستوى الكادر فقد أبعدت الحكومة العناصر الشمالية في عملية هدفت إلى (جَنْوَبَة)، التعليم في الجنوب، وهذا يعني ضمنياً إبعاد اللغة والثقافة الإسلامية، وتشكيل هوية في الجنوب مختلفة تماماً عن هوية الشمال تمهيداً لبلورة دولة نصرانية في الجنوب.
وعلى الصعيد الاقتصادي اعتمد البريطانيون سياسة خاصة، ففي عام 1930م تم اتباع عدة تدابير اقتصادية وإجراءات إدارية لتنفيذ هذه السياسة التي تهدف في نهاية الأمر إلى فصل الجنوب عن الشمال، وتأكيداً على هذا الهدف، كتب حاكم عام السودان إلى المندوب البريطاني السامي في القاهرة في عام 1948م شارحاً له أن السياسة المتبعة تنطلق من حقيقة أن شعب جنوب السودان أفارقة وزنوج، وأن واجبنا أن ندفع بأسرع ما يمكن بالتنمية الاقتصادية والتعليمية في خط أفريقي – زنجي وليس في خط التطور الشرق أوسطي والعربي الذي يناسب شمال السودان، وحتى تتحقق التنمية لشعب الجنوب ليقرر مصيره مع شرق أفريقيا أو شمال السودان عليهم الآن بوصفهم أقلية أن يقاوموا مخطط الشمال العربي، وفي نهاية الأمر لاشك في أنهم سوف يختارون الانضمام إلى شرق أفريقيا.
ولمعرفة كيف نجح الكفار فى هذا المسعى نريد أن نقف على واقع التركيب الإثني والعرقي لأهل الجنوب حيث إنه يضم ثلاث مجموعات سلالية رئيسية هي: النيليون، والنيليون الحاميون، والمجموعة السودانية. ويأتي على رأس هذه السلالات من حيث العدد والنفوذ والقوة النيليون. ومن هذه السلالات انحدرت قبائل الجنوب السوداني مشكلة نسيجاً اجتماعياً معقداً.
أولاً: النيليون
ينتمي إلى هذه المجموعة ثلاث قبائل تلعب دوراً مهماً في الجنوب السوداني وهي الدينكا والنوير والشلك. ويذهب علماء السلالات إلى أن هذه القبائل تنتهي إلى جد واحد.
1- قبيلة الدينكا
يقدر عدد الدينكا بنحو 3 ملايين نسمة، وهي كبرى المجموعات الإثنية في السودان الذي يضم حوالى 500 مجموعة إثنية غير الدينكا. وتعيش الدينكا في فضاء جغرافي يمتد من شمال مديريات الإقليم الجنوبي (بحر الغزال والنيل الأعلى) إلى جنوب كردفان (حول مجرى النيل) حيث يقع خط تماسهم مع قبائل البقارة. ويعرف المركب الإثني والثقافي الذي تنتمي إليه الدينكا بمجموعة الشعوب الناطقة باللو والممتدة في أقاليم شرق أفريقيا (الذي يجمع قبائل الماساي بكينيا والتوتسي برواندا وبوروندي بل وبعض المجموعات البشرية بمالي والسنغال المشهورة بطول القامة وسواد البشرة الداكن). ومن أهم بطون الدينكا النجوك وأبوك وأدوت والدينكا بور والنويك ملوال، وإلى عشيرة الدينكا بور ينتمي إليها الهالك جون قرنق زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان.
2- قبيلة النوير
يسكن النوير في فضاء جغرافي يقع أساساً في إقليم أعالي النيل أي مناطق السوباط والناصر وميورد وأيود ومحافظة اللير ويمتدون إلى داخل حدود الحبشة. وتكثر المستنقعات في هذا الفضاء، وقد زاد ذلك من عزلة النوير ونزوعهم الاستقلالي والاعتزاز بالنفس كما زاد في صعوبة اختراق مناطقهم. ويمتاز النوير بأن لهم لهجة واحدة وأسلوباً في الحياة متشابهاً إلى حد بعيد.
ومن أبرز سياسيي النوير رياك مشار الذي شغل بداية التسعينات نائب رئيس جمهورية السودان بعدما انشق عن جون قرنق ونائب رئيس حكومة الجنوب الحالي.
3- قبيلة الشلك
هي أقل المجموعات الثلاث تعداداً، وتعيش في شريط على الضفة الغربية للنيل الأبيض من كاكا في الشمال إلى بحيرة نو في الجنوب. وقبيلة الشلك ذات نظام سياسي مركزي تحت قيادة سلطان يطلقون عليه لقب «الرث» ويجمع الرث بين السلطة الزمنية والسلطة الروحية في صبغة مشابهة للتقاليد المصرية الفرعونية القديمة. ومن أبرز سياسيي الشلك لام أكول الذي انشق عام 1990م عن جون قرنق وأصبح وزيراً للنقل في حكومة البشير قبل أن يعود عام 2003م من جديد إلى صفوف الجيش الشعبي لتحرير السودان.
ثانياً: النيليون الحاميون
أطلق عليها هذا الاسم نظراً لاشتراكها مع المجموعة النيلية في كثير من السمات السلالية واللغوية وفي نمط الحياة الاقتصادية (الاعتماد على تربية الماشية خاصة البقر والاعتزاز بها). إلا أن هنالك فرقاً بين المجموعتين خاصة لون بشرتهم الأقل سواداً من النيليين. ومن أهم قبائل النيليين الحاميين: الباري والمنداري والتوبوسا والتوركاتا ويخضع أفرادها لسلطة سياسية قبلية جماعية.
ثالثاً: المجموعة السودانية
ينتمي إلى هذه المجموعة قبائل الزاندي والموز والمادي والبون جو والقريش، وعبارة المجموعة السودانية اصطلاح سلالي عرقي وليس اصطلاحاً سياسياً، وتوجد قبائل هذه المجموعة في فضاء جغرافي يقع أساساً غرب النيل وقرب الحدود الجنوبية والجنوبية الغربية للسودان. ويغلب على طبيعة الحياة الإنتاجية لهذه السلالة الزراعة وليس تربية الماشية بسبب انتشار ذبابة التسي تسي في أماكن وجودها. ومن أبرز قبائل هذه المجموعة الزاندي.
من هذه التركيبة المذكورة يظهر التباين الواضح بين هذه القبائل، إلا أن عدم التمازج بين الشمال والجنوب كان مفتعلاً بواسطة الاستعمار البريطاني؛ حتى إن مؤتمر جوبا عام 1947م قد طالب المؤتمرون فيه (ضمن مطالب أخرى) بإزالة قانون المناطق المقفولة، ورفع الحظر عن التجارة بين الشمال والجنوب، وإطلاق حركة السودانيين من الشمال إلى الجنوب وبالعكس، وبإلغاء الازدواجية في نظام التعليم، وعدم تخصيص الدعم للمدارس المسيحية فقط، وتوحيد مناهج التعليم في الشمال والجنوب. غير أن الحكومة البريطانية تجاهلت هذه المطالب، ومضت قدماً في تنفيذ سياستها.
وبعد تحول السودان إلى النفوذ الأميركي تواصلت نفس السياسة وذلك بدعم المتمردين ومدهم بالسلاح والمؤن ليحاربوا الحكومات القائمة، وللمطالبة بحقوقهم تحت ما أسموه بمطالبتهم بالسودان الجديد، فأوصلوا الأمور إلى ما وصلت إليه الآن!!
المهندس/ عوض الهادي- الخرطوم
2010-10-17