الفيضانات في باكستان ورياح التغيير والخلافة
2010/12/17م
المقالات
1,852 زيارة
الفيضانات في باكستان ورياح التغيير والخلافة
حجم الدمار الذي أحدثته الفيضانات في باكستان
عند أول وهلة من مشاهدة الأراضي التي غمرتها المياه في تموز 2010م في منطقة تشارسادا الباكستانية والتي هي على مد البصر، شعرت بنفس الرهبة والخوف عند رؤية بلدة بالاكوت في تشرين الأول 2005م، حيث سويت البلدة بالأرض كما لو أن خسفاً أصاب البلدة من جراء الزلزال الذي ضرب باكستان في ذلك الحين.
إنّ الكم الهائل من الأمطار التي هطلت، لم تشهد له البلاد مثيلاً منذ حوالى ثمانين عاماً، وقد أحدث فيضانات لم يسبق لها مثيل. حيث سجلت معدلات سقوط الأمطار أكثر من 200 ملليمتر خلال أربعة أيام من 27 تموز لغاية 30 تموز 2010م في إقليم خيبر والبنجاب، وفي 30 تموز كانت الفيضانات قد أصابت 36 مقاطعة، وتأثر بها أكثر من 950.000 شخص، وبعد فترة قصيرة كان ما يقرب من خُمس مساحة باكستان تحت الماء بسبب الفيضانات.
مع حلول منتصف آب كان أكثر من ثلاثة آلاف شخص قد قُتلوا، وهُدم أكثر من مليون منزل، وأصبح أكثر من 21 مليون بلا مأوى نتيجة للفيضانات، وهو ما تجاوز مجموع من تضرروا من كارثة تسونامي التي حصلت في المحيط الهندي عام 2004م، وزلزال كشمير عام 2005م، والزلزال الذي ضرب هايتي عام 2010م. وفي أعقاب الفيضانات اضطر عشرة ملايين إلى شرب مياه غير صحية، مما أدى إلى تفشي أمراض الإسهال، وأدى في كثير من الحالات إلى الموت. وفي أيلول 2010م كان حوالى 70٪ من سكان باكستان لا يتمكنون من الحصول على التغذية السليمة، معظمهم من سكان المناطق الريفية من البلاد، وفقدت أكثر من 5.3 مليون وظيفة بسبب الفيضانات.
وبالإضافة إلى الجانب الإنساني، حيث الموت والمعاناة والتشرد، فقد كانت هناك خسائر مالية جسيمة في الاقتصاد الباكستاني، ويرجع ذلك إلى إلحاق أضرار جسيمة في البنية التحتية والمحاصيل الزراعية، فالأضرار في البنية التحتية تُقدر بـ4 مليارات دولار، وتقدر الأضرار في محصول القمح بأكثر من 500 مليون دولار، ويقدر المسؤولون الخسارة الاقتصادية الكلية ب 43 مليار دولار أميركي.
وفيما يتعلق بالجانب الزراعي فقد غمرت الفيضانات أكثر من 17 مليون فدان من الأراضي الأكثر خصوبة، وأسفرت عن مقتل 200,000 رأس من الماشية، وجرفت الفيضانات كميات هائلة من الحبوب، وقدرت الأضرار الزراعية بأكثر من 2.9 مليار دولار، تشمل ما يزيد على 700,000 فدان من محاصيل القطن و200,000 فدان من قصب السكر و200,000 فدان من الأرز، بالإضافة إلى فقدان أكثر من 500,000 طن من مخزون القمح و300,000 فدان من العلف الحيواني.
وفيما يتعلق بالبنية التحتية فقد دمرت الفيضانات نحو 2433 ميل من الطرق السريعة و3508 ميل من السكك الحديدية، ودمرت نحو 5000 مدرسة، وتُقدر أضرار المباني العامة بمليار دولار أميركي.
صبر الأمة على امتحان الله سبحانه وتعالى
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ» (أخرجه أحمد)، فما من شك أنّ الفيضانات هي اختبار عظيم للمسلمين داخل باكستان وخارجها، مهما كانت كبيرة أو صغيرة، وهي فرصة لمن يحب الله سبحانه وتعالى أن يصبر ويحتسب، وهي فرصة للمؤمنين للوقوف إلى جانب بعضهم البعض ومساعدتهم، ومن دون شك فإنّ الأمة الإسلامية أمة عظيمة، وهي كريمة وشجاعة وتشعر بألم بعضها البعض، فالصدر ينشرح وتمتلئ العيون بالدموع عندما ترى الإقبال الكبير من المسلمين لينجدوا إخوانهم المنكوبين.
في مواجهة الأزمة كان عطاء الناس بنفس القدر إن لم يكن أكثر أثناء زلزال 2005م. ولكن كمية المال والسلع المتبرع بها لم تدون في السجلات الحكومية الرسمية، لأن المسلمين أدركوا من تجربتهم من الزلزال الذي وقع في أكتوبر 2010م أنه لا يمكن الوثوق بالحكومة على الإطلاق، ولا يمكن أن تؤتمن حتى على روبية واحدة. فقد كان المشهد مذهلاً، حيث أرسل المتبرعون مئات الآلاف من الدولارات مباشرة إلى المنكوبين، وإلى مشتري الأدوية والأغذية، ثم تم نقل السلع للمحتاجين.
في غضون ساعات من حــــــصـول الفيضانات في خيبر، قام المسلمون من إقليم العاصمة وبيشاور بتوفير المعونات لعشرات الآلاف في المنطقة، في حين أنّ الحكومة ادعت أنها ارتبكت فلم تستجب لعدة أيام. حيث كان الناس قد قدموا الكثير من الإغاثة، فعلى سبيل المثال كان هناك ندرة في القمح ما أدى إلى ارتفاع في أسعار القمح، ولكن بعد أسابيع في السند أي في فترة العيد، قال المتضررون من الفيضانات لإخوانهم المسلمين أنّ عندهم ما يكفي من الغذاء وطلبوا منهم إرسال المساعدات إلى أماكن أخرى، ومن المفرح أنّه حصل في منطقة ما أن كان للناس قائمة من مختلف أنواع الأغذية للاختيار من أصنافها.
ويمكن رؤية هذا السخاء من قبل عامة المسلمين في العالم من خلال حجم التبرعات، حيث كان مجموع التبرعات من جميع أنحاء العالم من المساعدات الإنسانية 687 مليون دولار لغاية 27 آب 2010م، وكان للمسلمين أنفسهم مباشرة وليس من الحكومات نصيب الأسد من التبرعات. فقد جُمع 242 مليون دولار من المسلمين في الحجاز، تم جمعها من خلال الصندوق السعودي للإغاثة مباشرة من المسلمين، وهذا المبلغ أكثر من ضعف ما تبرعت به الحكومة السعودية نفسها.
تقدم المسلمون بهذه التبرعات السخية الضخمة في وقت الركود الاقتصادي العالمي، إلى درجة أنّ الذين كانوا يجمعون أموال الإغاثة دهشوا من سخاء الناس الذين كانوا في مشقة واضحة. حقاً إنّ هذه الأمة كما وصفها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» (رواه مسلم).
إنّ ادعاء الحكومة بأنّ المانحين قد أجهدوا هو عار عن الصحة؛ لأن الواقع أنّ الناس لم يعطوا للصناديق الحكومية لأن الشعب سئم من الحكام وفسادهم، وهم ليسوا متعبين من العطاء لأنّهم يسعون لإرضاء الله سبحانه تعالى.
الحكام همهم الوحيد خدمة مصالحهم وأسيادهم الأميركيين
إن الخير الكامن في هذه الأمة يتباين تبايناً واضحاً مع شرور حكامها. فعلى الرغم من قيادة هؤلاء الحكام لملايين الجنود وحيازتهم لتريليونات الدولارات من الموارد الطبيعية والغاز والفحم والنحاس والمعادن فإنّ ضعف استجابتهم للأزمة جعلت الدم يغلي في العروق، فقد كانوا غافلين عن الأمة لأنهم كانوا مشغولين في تأمين مصالحهم الخاصة والمصالح الاستعمارية لأسيادهم الأميركيين.
فقد كان قلق الحكام الحاليين في باكستان قبل وأثناء الأزمة هو على مصالحهم الخاصة. ففي 11 آذار 2010م، حذر مستشار التطوير من الفيضانات التي ستكون واسعة النطاق، وقال بأنّها ستكون مشابهة لتلك التي حصلت عام 1858م، وبعد مرور الوقت بدأت الفيضانات في يوم 14 يناير 2010م في منطقة جيلجيت – بالتستان. وحينها أعرب عن أسفه في أنّ الحكام كانوا منهمكين في مبارياتهم الديمقراطية للاستحواذ على السلطة وقال: “من المثير للاهتمام أنّه لم يكن هناك عمل جدي اتخذته الحكومة الاتحادية والأعضاء المنتخبون حديثاً في الجمعية التشريعية لمواجهة الفيضانات في منطقة جيلجيت، بل يبدو أنّهم كانوا منشغلين في إسلام أباد للحصول على مناصب سياسية في الحكومة”، أما الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري فقد غادر البلاد للقيام بجولة خارجية، والتي تضمنت الإعلان عن مستقبل ابنه السياسي في مؤتمر عقد في برمنغهام في بريطانيا. وقد كان زرداري ينزل في فندق كلفته 7000 دولار لليلة الواحدة، بينما كان شعبه يواجهون الموت بسبب العطش والمرض والمجاعة. فليس من المستغرب من الرجل العجوز الذي أصابه الإحباط أن يلقي بحذائه على زرداري خلال مؤتمره في 7 آب 2010م بينما كان حزب التحرير يقود مظاهرة كبيرة خارج قاعة المؤتمر. وبعد عدة أيام من حالة الطوارئ الواضحة والجلية، قرر رئيس الوزراء يوسف رضا جيلاني الدعوة لعقد اجتماع “طارئ” لمجلس الوزراء. وخاضت المعارضة والحكام صراعاً شديداً حول من سيكون له السيطرة على المعونات الدولية في الأسبوع الثالث من آب 2010م كي يتمكنوا من زيادة ثرواتهم الشخصية. أما بالنسبة لحكام المسلمين وبعد ثلاثة أسابيع من الفيضانات عقدوا اجتماعاً “طارئاً” لمنظمة المؤتمر الإسلامي لبحث مسألة الفيضانات الباكستانية يوم 18 آب 2010م. وبسبب إهمال الحكام عانى الشعب كثيراً -على الرغم من الموارد الهائلة التي يسيطرون عليها- بسبب النقص الحاد في المواد والذي أدى إلى زيادات هائلة في الأسعار حيث تضاعف سعر رغيف الخبز الواحد إلى أكثر من اثني عشر مرة.
وما يضاف إلى خيانة الحكام أنّه بينما كان المسلمون يعانون، كان الحكام الحاليون حريصين على الإبقاء في جدول أعمالهم خدمة مشاريع أسيادهم الاستعمارية في محاولة منهم للحفاظ على عبوديتهم لأميركا، لقد كانت الحكومة غارقة في كثرة التناقضات، ففي الوقت الذي كانت الحكومة تدّعي فيه أنها كانت تعمل على إنقاذ الناس تسببت في تضرر مئات الآلاف من المسلمين في محاولتها لإنقاذ القاعدة الجوية الأميركية، ففي 14 آب حذرت بعض التقارير أنّ مياه الفيضانات وصلت إلى حدود 1 كيلومتر من القاعدة الجوية شهباز والتي تسيطر عليها أميركا، فمن أجل ذلك رتبت الحكومة تحويل مياه الفيضانات كي تتخطى القاعدة الجوية لحمايتها، مما تسبب في فيضانات في بلدة ديرا الله يار وتشريد 800,000 شخص. وكما لو أنّ هذا لم يكن سيئاً بما فيه الكفاية، لذا لم تسمح لعمليات الإغاثة من مساعدة المتضررين في تلك المنطقة بسبب سيطرة الولايات المتحدة على القاعدة. قال وزير الصحة كاشنود لاشاري خلال جلسة اللجنة الدائمة في مجلس الشيوخ الخاصة “ إنّ عمليات الإغاثة الصحية ليست ممكنة في المناطق المتضررة من الفيضانات في يعقوب أباد بسبب القاعدة الجوية التي تسيطر عليها الولايات المتحدة.” وعلق عضوٌ في مجلس الشيوخ محبطاً بالقول “من المؤسف جداً أنّ الأميركيين يمكنهم شن هجوم بطائرات بدون طيار من قاعدة شاهباز، ولكن الحكومة عاجزة حتى عن استخدام قاعدة في البلاد لعمليات الإغاثة”.
أما بالنسبة لهجمات الطائرات بدون طيار فقد زاد الأميركيون من هجماتهم في أعقاب الفيضانات ما زاد من معاناة الناس أكثر فأكثر. وأميركا لا تسيطر على قاعدة شاهباز في بلوشستان فحسب، بل وتقوم بإطلاق طائرات من مطار شامسي في بلوشستان منذ عام 2002م. وفي فترة الأسابيع الأربعة ما بين 3 أيلول 2010م و29 أيلول 2010م شنت الولايات المتحدة هجمات بالطائرات من دون طيار بشكل يومي، ويعتبر هذا العام عاماً قياسياً بالنسبة لهجمات الطائرات بدون طيار. ولا يفوتنا ذكر أنّه في 20 تموز 2009م، أصدرت مؤسسة بروكينغز تقريراً جاء فيه أنّ عشرة مدنيين كانوا يقتلون في هجمات الطائرات بدون طيار من أجل قتل مسلح واحد.
اسـتغـلت الحكـومــــة الفيضانات من أجل إدخال المزيد من القوات الأميركية على الأراضي الباكستانية، على الرغم من أنّها ادعت أنه لا يوجد حاجة إلى مزيد من القوات الباكستانية للمساعدة في جهود الإغاثة. وعلاوة على ذلك أصر حكام باكستان على الرغم من أنّ هناك حاجة واضحة لمزيد من القوات في جهود الإغاثة على أنّه لن يكون هناك حل وسط في حرب أميركا الفتنة على طول الحدود الغربية لباكستان مع أفغانستان. ففي 12 آب 2010م وصل 1000 من مشاة البحرية الأميركية و24 طائرة هليكوبتر إلى كراتشي، فبعد أن فشل حكام باكستان في استحضار الآلاف من مشاة البحرية الأميركية لحراسة السفارة الأميركية في إسلام أباد بسبب الضغط الهائل من الرأي العام، ولكن الآن نجحت الولايات المتحدة في استحضارهم تحت ستار تقديم الإغاثة لضحايا الفيضانات. وادعى رئيس الوزراء جيلاني أنّ هناك حاجة إلى القوات الأميركية. وفي 13 آب 2010م قال المتحدث باسم الجيش الباكستاني الميجر جنرال أطهر عباس “إنّ مشاركة قواتنا في أنشطة الإغاثة لن يكون له تأثير على كفاحنا ضد المتشددين… وقد كنا وضعنا في حسباننا هذا العامل عندما نفذنا نشر قواتنا لأنشطة الإغاثة، وأنا لا أعتقد أنّه سيكون هناك أي حاجة لسحب قواتنا من الحدود الغربية.” هذا هو السبب الذي دفع الجنرال الأميركي مايكل ناجاتا وهو الرجل الثاني في جيش الولايات المتحدة في باكستان إلى القول يوم 25 آب 2010م بأنّه واثق من أنّ حكام باكستان سيحافظون على ‘’تكريس نضالهم ‘’ في حرب أميركا على الحدود الغربية لباكستان، على الرغم من الأزمة الهائلة التي يواجهها المسلمون.
لقد أمّنت الحكومة الباكستانية أيضاً خط إمداد الناتو الذي يمر عبره النبيذ والأسلحة للغربيين الكفار في أفغانستان، حتى إبان مواجهة شعبها للجوع في المناطق المتضررة من الفيضانات. وحتى بعد انتهاك ثلاثة مروحيات تابعة للناتو للمجال الجوي الباكستاني على بعد خمسة كيلومترات داخل باكستان، وقصفت نقطة تفتيش عسكرية لمدة حوالى 25 دقيقة في 30 أيلول 2010م ما أسفر عن مقتل ثلاثة جنود، إلا أن الحكومة لم تغلق خط إمداد الناتو بشكل دائم، ولكن جزئياً فقط ومؤقتاً.
وتتعاون الحكومة أيضاً مع المستعمرين وتستغل الفيضانات في زيادة تفاقم الأوضاع الاقتصادية في باكستان. فباكستان تدفع المليارات من الدولارات سنوياً لسداد القروض الربوية للمؤسسات الأجنبية، وصندوق النقد الدولي لا يزال يصر على فرض مزيد من الضرائب وإجراء «إصلاحات» في قطاع الطاقة خلال السنة المالية الحالية، والتي سوف تضيف عبئاً إلى أعباء الشعب من خلال المزيد من زيادة الضرائب على الوقود والغاز الطبيعي والكهرباء.
حان وقت التغيير… حان وقت الخلافة
حكام باكستان وحكام المسلمين عموماً لا يهتمون بأمر المسلمين، لأنّ النظام الرأسمالي تم تصميمه ليخدم الطغمة الحاكمة وحاشيتهم. ففي العالم الإسلامي يتم التضحية باحتياجات المسلمين من أجل تنفيذ الحكام مشاريع أسيادهم الاستعمارية. وفي جميع أنحاء العالم تقوم الطغم الحاكمة بحرمان الناس من المليارات من موارد العالم الهامة، ويتركونهم للعطش والجوع والتشرد. لذا من المتوقع أن يكون حال الناس أسوأ في وقت الأزمات. وقد كان هذا واضحاً عام 2005م في عهد الرئيس بوش في الولايات المتحدة معقل الرأسمالية، حيث تم التخلي عن شعب الولايات الجنوبية وتركوهم يعانون العطش والجوع والعنف بعد أن ضربهم إعصار كاترينا. وعلى هذا النحو فإنّ الرأسمالية هي نظام الكفر الذي يؤمّن الاحتياجات الكمالية لجزء صغير من الناس، من مثل شرائهم اللوحات والمساكن باهظة الثمن، في حين أنّ معظم الناس محرومون من أبسط الحقوق والاحتياجات الأساسية. إنّه من دون شك أنّ زمن الرأسمالية قد أزف على الانقضاء، كما أن زمن الحكام الذين يحكمون بها قد انتهى.
إنّه الخليفة الذي سيطبق الإسلام الشامل والكامل هو وحده الذي سيُحدث التغيير الحقيقي في باكستان في فترة وجيزة جداً. وسيضع الخليفة حداً بشكل فوري لجميع أشكال التعاون مع الصليبيين، ويطرد كل موظفيها الدبلوماسيين والعسكريين من بلاد المسلمين. وسيقطع الخليفة خط إمداد الناتو الذي يعبر باكستان لتجويع الاحتلال الكافر الغربي في أفغانستان. وسيستعيد المنشآت العسكرية الحيوية التي يمكن استخدامها لدعم جهود الإغاثة مثل القاعدة الجوية بالقرب من يعقوب أباد والأجواء التي تستخدمها الطائرات الأميركية. وسيشجع المخلصين من المسلمين في المناطق القبلية وبلوشستان للانضمام إلى صفوف القوات المسلحة للخلافة، وسيقصي ويفضح المنافقين بين قادة الجيش المسلم في باكستان، وسيوحد الأمة الإسلامية للعمل يداً واحدة في الدفاع عن المسلمين والإسلام في أوقات الحاجة. وسيستغل مليارات الدولارات من الثروة من خلال وضع حد للملكية الخاصة للممتلكات العامة مثل الغاز والمعادن، واستخدام عائداتها الهائلة لتعود بالفائدة على جميع تابعي دولة الخلافة، وإنهاء جميع أشكال الربا المخصصة لخدمة الديون من المؤسسات الاستعمارية، وسيطبق النظام الاقتصادي الإسلامي حيث سيتم جمع الأموال من الأغنياء من المسلمين لإغاثة الفقراء، وسيعمل الخليفة على توحيد جميع البلدان الإسلامية في دولة واحدة ذات مصادر عظيمة. وسيكون ذلك كله نتيجة طبيعية لتنفيذ الخليفة الإسلام الشامل.
إن الخليفة القادم الذي سيقود الأمة سيسير على خطى الخلفاء الراشدين، ففي زمن المجاعة في المدينة المنورة، زمن الخليفة الراشد عمر (رضي الله عنه)، قال أبو عبيدة بن الجراح (رضي الله عنه) والي الشام البعيدة عن المدينة لعمر (رضي الله عنه): “سأرسل لك القوافل التي ستكون نهايتها عندي هنا في الشام وآخرها في المدينة”. علاوة على ذلك وفي وقت لاحق، قام أبو عبيدة (رضي الله عنه) بزيارة شخصية إلى المدينة المنورة وعمل كضابط عند الخليفة في إدارة الكوارث التي كان يرأسها عمر (رضي الله عنه) شخصياً. وقد كان عشرات الآلاف من بادية الصحراء قد تجمعوا بالفعل في المدينة المنورة، ولما وصلت الإمدادات التموينية إلى المدينة المنورة طلب عمر (رضي الله عنه) من رجاله القادمين من العراق وفلسطين والشام أن يأخذوا قوافل الإمدادات إلى المسلمين في عمق صحراء الجزيرة العربية ما حفظ مئات الآلاف من الهلاك. وبالنسبة للنازحين داخلياً استضافهم عمر (رضي الله عنه) على العشاء كل ليلة في المدينة المنورة، حيث كانت المائدة تُعَد لعشرات الآلاف من الحضور، وكان (رضي الله عنه) يطهو لهم ويطعمهم بنفسه. كل ذلك تحقق من خلال الحاكم الإسلامي الرشيد، في عصر كان الجمل والحصان فيه هما وسائل النقل والترحال، وقد تمكن حينها المسلمون من إقامة دولة الخلافة، فماذا عن عصر الطائرة والإنترنت؟ حيث يمكن رؤيتها مرة ثانية في زمن ظلم وإهمال الرأسمالية.
إلى أهل القوة في باكستان… إلى ضباط القوات المسلحة في باكستان!
ألم تروا لغاية الآن ما يكفيكم لتتحركوا ضد هؤلاء الحكام الأشرار؟ وهل ستخذلون أولئك الذين أقسمتم أن تحموهم؟ وهل الأمة التي أرسلت يوماً سفن المعونات الإنسانية لأيرلندا في عهد الملكة فيكتوريا لا تستحق أن تحصل على حاجاتها الأساسية؟ وهل هذه الأمة العظيمة التي كانت على مدار حكمها بالخلافة تؤوي كل مظلوم ومضطهد لا تستحق أن تشعر بالأمن والأمان؟ وهل هذه الأمة الكريمة لا تستحق حاكماً كريماً مثلها، يحزن لحزنها ويفرح لفرحها، يعمل بكد لتوفير حاجات الناس حتى لو حرم نفسه من النوم، ولا يدّخر جهداً في رفع معاناة الناس.
يا أهل القوة في باكستان! يا ضباط القوات المسلحة في باكستان!
لا يكفي أن تساعدوا الناس بالقليل من الجهود، فالله سبحانه وتعالى أعطاكم من القدرة أكثر من ذلك بكثير، وسيحاسبكم الله سبحانه وتعالى على هذه القدرة يوم لا ينفع الندم، ويوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، اعلموا أيها الأخوة الكرام أنّ الله سبحانه وتعالى لا يعذب الظالمين الذين تسببوا بمعاناة الناس فحسب، بل الله سبحانه وتعالى يعذب أيضاً أولئك الذين يظلون يتفرجون ولا يحركون ساكناً لمنع الظلمة من ظلمهم فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ».
كيف بكم وأنتم تمتلكون سابع أكبر جيش في العالم وهو أكبر من أكبر جيش في أوروبا؟! وكيف بكم وأنتم تمتلكون السلاح النووي؟! وكيف بكم وأنتم تعيشون في البلد السادس في العالم من حيث التعداد السكاني؟! وكيف بكم وأنتم في بلد مساحته أكبر من مساحة فرنسا وبريطانيا مجتمعتين؟ وكيف بكم وأنتم تقودون شعباً يحب الشهادة في سبيل الله أكثر من حبه للحياة وهو ما تفتقده جميع دول الكفر في العالم؟! تذكروا بأن حكامكم الظلمة متمكنون في عروشهم بسبب دعمكم وحمايتكم لهم، ولو رفعتم أيديكم عن حمايتهم فإن عروشهم ستنهار وتصبح أثراً بعد عين، فما الذي يمنعكم من التحرك وإنهاء ظلمهم؟! ما الذي يمنعكم أن تكونوا أقرب إلى الله ورسوله والمؤمنين من هؤلاء الحكام الظلمة الخونة لله ولرسوله وللمؤمنين؟!
يا أهل القوة في باكستان! يا ضباط القوات المسلحة في باكستان
إنّ عليكم التحرك لتقتلعوا النظام الذي فرضه علينا المستعمر من جذوره من البلاد، وأن تعطوا النصرة لحزب التحرير لإقامة دولة الخلافة، فهلموا إلى الإطاحة بالحكام الحاليين وتنصيب قيادة مخلصة ومباركة من الله سبحانه وتعالى حيث قال: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النور 55].
إنّ الأمر كله معلق في رقابكم، فإنّ هذه الخطوة الجريئة ستلبي حاجات الناس سواء واجهتهم الكوارث أم لم تواجههم، وفي ذلك مرضاة لله سبحانه وتعالى، فمتى تعطون النصرة لحزب التحرير لإقامة الخلافة، متى؟
قوموا وسطروا لأنفسكم ولأمتكم تاريخكم وتاريخها بأسطر من نور. قال تعالى: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج 40].
2010-12-17