وجـهُ الإعجـاز الوحيد للقرآن الكريم الذي تحـدى به الإنسَ والجنَّ يكمن في نظـمه
2001/09/11م
المقالات
2,491 زيارة
العجز هو عدم القدرة وعجَزَ عن الأمر إذا قصر عنه. والمعجزة هي الآية التي يُتحدّى بها ويقصر المتحدّى عنها ولا يقدر على الإتيان بمثلها. وتطلق المعجزة على كل آية على النبوة سواء أكانت مؤنثاً كالعصا أو مذكراً كالقرآن. ووجه الإعجاز هو الأمر الكامن في المعجزة التي من أجله لا يقدر المتحدى على الإتيان بمثلها ويقصر عنه. فإذا قصر المتحدى عن الإتيان بمثلها على الوجه الكامن فيها فقد عجز، وإن أتى المتحدى أو غيره بمثلها على وجهها المعجز فقد بطل إعجازها، وبطلت صلاحيتها للتحدي. وقد يكون للمعجزة أكثر من خاصية ويكون وجه الإعجاز في واحدة من هذه الخواص. فعصا موسى عليه السلام كانت تنقلب حية وكانت تسعى وكانت تخيف، إلا أن عصي السحرة كان يخيل للناس أنها حيات وأنها تسعى واسترهبتهم، مما جعل موسى عليه السلام يوجس خيفة، فأمر بإلقائها وهنا كانت المفاجأة حيث ظهرت الخاصية التي تميزت بها عصاه، وظهر وجه الإعجاز وهو أنها تلقف ما يأفكون، وعند ذلك ألقي السحرة ساجدين. وكذلك القرآن الكريم فإنه باللغة العربية وبحروف عربية ومع ذلك تحدى العرب وعجزوا عن الإتيان بمثله فهو معجزة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من هذا الوجه، ولا يشاركه في هذا الوجه من الإعجاز أي كلام آخر. والإعجاز حتى يكون في أمر من الأمور يجب أن لا يشاركه فيه أمر آخر.
وقد ظهرت في الآونة الأخيرة كتابات حول وجود وجوه أخرى من الإعجاز في القرآن الكريم، علماً بأنّ هذه الوجوه لم يتحدَّ القرآن بها، ولم يستقل بها عن غيره بل هي موجودة في السنّة كذلك.
فقد قالوا إن من وجوه إعجازه أن فيه ذكراً أو إشارات لحقائق علمية لم تكتشف إلا في العصر الحديث كقوله تعالى: (وأنزلنا الحديد) ، وقوله: (والأرض بعد ذلك دحاها) ، وقوله: (وخلق منها زوجها) ، وقوله: (وجعلنا من الماء كل شيئ حي) ، وقوله: (بينهما برزخ لا يبغيان) ، وقوله: (والجبال أوتاداً) ، وقوله: ثم جعلناه نطفة في قرار مكين @ ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً كسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين) وأشباه هذه الآيات، في حين أن القرآن لم يتميز بذكر هذه الأمور التي قالوا إنها إعجاز علمي، بل شاركته في ذلك السنة، ففي حديث أبي هريرة المتفق عليه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما بين النفختين أربعون قال أربعون يوماً قال أبيت، قال أربعون شهراً؟ قال أبيت، قال أربعون سنة؟ قال أبيت، قال ثم ينـزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل، قال وليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظماً واحداً وهو عَجْبُ الذَّنَب ومنه يركب الخلق يوم القيامة» وقد قالوا إن الخلية الأم موجودة في عجب الذنب، وأن هذه الخلية فريدة من نوعها، وفيها من الخصائص ما يجعل فيها قابلية نشوء كل خلايا الجسم على اختلاف أنواعها منها، وكشف العلم كما قالوا إنها تحوي كل الصفات الوراثية، وهذا يثبت أن السنة تشارك القرآن في هذا الوجه الذي قالوا إنه من وجوه الإعجاز، ولو كان ما قالوه حقاً لوجب أن تكون السنة معجزة كالقرآن في حين أن القرآن هو المعجز المتحدى به وليس السنة.
ومن وجوه الإعجاز التي ذكروها ما فيه من تشريعات، ويكفي للإجابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قد أوتيت القرآن ومثله معه» ومن اطلع على كتب الفقه سيجد مصداق هذا، فأين الإعجاز؟ وللكافر أن يجادل فيقول أين الإعجاز في قطع يد السارق وأين الإعجاز في الزواج من أربع وأين الإعجاز في إعطاء الذكر مثل حظ الأنثيين؟ والمطلوب أن تقيم الحجة العقلية عليه، فكيف تساوي بين القرآن والسنة في الإعجاز، بل قد يزعم الكافر أن التشريعات الغربية أفضل مما في القرآن من تشريع ويكفي ما فيه من حريات، أين الإعجاز في دفع الجزية وجلد الزاني وتحريم الخنـزير؟ وعليه فلو أردنا إقامة الحجة على الكافر ليؤمن بالقرآن بقولنا إن فيه تشريعات معجزة لا يستطيع البشر أن يأتوا بمثلها لاضطرب الأمر واختلط وضاعت الحجة. وما لم يؤمن الكافر أولاً بأن القرآن من عند الله فإنه لن يؤمن بأن التشريعات القرآنية معجزة.
ومما ذكروه من الوجوه إخباره عن المغيبات كقوله تعالى: (ألم @ غلبت الروم @ في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون @ في بضع سنين) ، وفي السنة أضعاف ما في القرآن من أخبار غيبية عن المستقبل كقوله صلى الله عليه وسلم : «وليوشكن أن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض حيث يرى من بيت المقدس خير له من الدنيا جميعاً»، وقوله: «من أشراط الساعة إذا تطاول رعاء البهم في البنيان»، وقوله: «يأتي على الناس زمان يتباهون بالمساجد»، وقوله: «لتفتحن القسطنطينية»، وقوله: «لا تقوم الساعة حتى يبني الناس بيوتاً يشبهونها بالمراجل» يعني الثياب المخططة، وقوله لأم حرام: «أنت من الأولين» فركبت البحر فصرعت وهلكت، وقوله: «تقتل عمار الفئة الباغية»، وقوله: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم» وغيرها، فإذا كان الإخبار عن الغيب وجهاً من وجوه الإعجاز فالسنة معجزة.
وقالوا إن من وجوه إعجاز القرآن إخباره عن قصص الأولين، وليس الأمر محصوراً في القرآن فقد أخبرت السنة كذلك عن قصص الأولين كقصة أصحاب الغار الذي انسد بابه عليهم، وقصة الراهب والغلام وغيرها، بل يشاركه في هذا الوجه ما كتب بلغات مختلفة عن أخبار الماضين، ولن يستطيع الكافر أن يؤمن بصدق القصص القرآني وتمييزه من قصص الكتب الأخرى إلا إذا آمن أولاً بأن القرآن من عند الله. وما دام الأمر كذلك فالقرآن غير معجز من هذا الوجه.
هذه الأوجه ليست دليلاً على الإعجاز قطعاً لمشاركة السنة له فيها، ومشاركة غير السنة، والذي يبدو عند التدقيق أن القائلين بهذا يخلطون بين إعجاز القرآن وكونه صلى الله عليه وسلم يوحى إليه ولا ينطق عن الهوى. فالقرآن معجز والسنة غير معجزة، وكلاهما وحي، ويجب التمييز بينهما.
ووجه الإعجاز الوحيد في القرآن الكريم الذي تحدى به الإنس والجن يكمن في نظمه وأسلوبه، أي في كيفية التعبير لتصوير المعاني، والتعبير يكون بألفاظ وتراكيب، وهذه الألفاظ والتراكيب هي قوالب للمعاني، ولا تنفصل عنها مطلقاً، إلا إذا كانت من المهمل وليس منه في القرآن شيء. وإذا ترجمت بعض معاني القرآن إلى غير العربية فإنها لا تكون معجزة، فالإعجاز يكون في النظم الذي يصور المعاني.
هذا هو الوجه الوحيد للإعجاز، وإدراكه يحتاج إلى معرفة بالعربية وآدابها، وهذا يختلف تماماً عن إقامة الحجة على أن القرآن معجز، فإقامة الحجة يمكن أن تكون بأية لغة لإثبات أن القرآن من الله وليس من عند محمد ولا من عند العرب أو العجم، وأن التحدي بالإعجاز كان وما يزال قائماً، فلن يأتي أحد بمثله أي بمثل نظمه وأسلوبه. فالمطلوب لإقامة الحجة إثبات عجز الناس، لا بيان وجه الإعجاز، والأول يكون بكل لغة والثاني لا يكون إلا بالعربية.
وينبغي لمن يتصدى لجدال الكفار والمنافقين أن يفرق بين إعجاز القرآن وبين تلقي النبي صلى الله عليه وسلم للوحي وكونه لا ينطق عن الهوى، ويفرق أيضاً بين إقامة الحجة على أنه معجز وبين بيان وجه الإعجاز فيه. ومن أبى إلا أن يثبت وجود الحقائق العلمية في القرآن فليستعملها في إثبات الوحي لمحمد صلى الله عليه وسلم لا في إعجاز القرآن .
ع.ع
2001-09-11