الأزَمات الاقتصادية واقعها ومعالجاتها من وجهة نظر الإسلام (4)
2001/09/11م
المقالات
1,512 زيارة
أما المعالجة الصحيحة لأزمة المديونية في الدول القائمة في بلاد المسلمين اليوم فهي كما يلي:
1ـ عدم دفع الفوائد المترتبة على الديون لأنها ربا: (وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) .
2 ـ تسديد المديونية دون الفوائد الربوية:
إن الطريقة الصحيحة للتخلص من المديونية هي أن يتحمل مسؤوليتها جميع من شارك في الحكم وكل من كانت له صلاحية الحكم طوال فترة المديونية لأنهم أثروا خلال تلك الفترة فتسدد المديونية من فائض أموالهم عن حاجاتهم الاعتيادية بنسبة فائض أموالهم لبعضهم البعض، فلو كان فائض أموال هذا مليوناً والآخر نصف مليون والثالث ربع مليون… وهكذا فمعنى ذلك يتحملون تسديد المديونية بنسبة 1:2:4… .
أما لماذا يتحمل الحكام مسؤولية المديونية فللأسباب التالية:
أ ـ مسؤولية الحاكم في الإسلام هي رعاية شؤون الرعية في جميع نواحي الحياة ومنها الاقتصادية «الإمام راع وهو مسؤول عن رعيته».
ب ـ لا يجوز لمن يتولى الحكم أن يمارس أي عمل مالي تجاري وليس له سوى تعويضه أي مخصصاته الشهرية، فإذا أثرى خلال ولايته فيحاسب على ذلك، والإثراء هو واقع جميع الحكام خلال فترة المديونية. وقد كان عمر رضي الله عنه إذا اشتبه في والٍ أو عامل صادر منه أمواله التي تزيد عن رزقه المقدر له أو قاسمه عليها، وقد كان يحصي أموال الولاة والعمال قبل أن يوليهم وبعد توليتهم فإن وجد عندهم مالاً زائداً أو حصلت عنده شبهة في ذلك صادر أموالهم أو قاسمهم ويضع ما يأخذه منهم في بيت المال. ولا يعتبر هذا تعدياً على ملكيتهم الخاصة لأنهم لم يكسبوها بطريق مشروع، فإن الرجل إذا كان حاكماً وأثرى خلال ولايته ثراءً لافتاً للنظر فإن هذا بينة كافية لمصادرة بعض ماله لأنه يكون قد اكتسبه بطريق غير مشروع أي من غير راتبه، أما غير الحكام من الموظفين فلا يصادر شيء من مالهم إلا إذا ثبت ببينة قضائية أنهم قاموا بالاختلاس أو ما هو في حكمه. ويكون ما يؤخذ من الحكام والموظفين على النحو المبين أعلاه ملكاً لبيت المال تسدد المديونية منه.
ج ـ إن أخذ القروض وإغراق الناس في المديونية يلحق ضرراً بالأمة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «لا ضرر ولا ضرار» والضرر يزال ويتحمل مسؤولية إزالته من تسبب فيه.
3 ـ عدم أخذ أية قروض جديدة لأن طريق القروض الخارجية للتمويل أخطر طريق على البلاد وكانت في السابق طريقاً للاستعمار المباشر على البلاد وهي اليوم طريق أساسي لبسط النفوذ والتآمر على البلاد، وعادة لا تعطى القروض إلا بعد إرسال خبراء للإحاطة بأسرار البلاد الاقتصادية ثم تحديد المشاريع التي تنفق عليها القروض، والدول الدائنة تحدد الطريقة التي يحصل بها ارتباك وفقر للدول المدينة بفرض مشاريع معينة وشروط معينة حتى تؤدي القروض إلى الفقر وبسط النفوذ ولا تنتج غنىً، والدليل على ذلك أن مصر مثلاً أخذت آلافاً من الملايين وحالتها الاقتصادية في تأخر. ومن هذا يتبين أن أخذ القروض لا يؤدي إلى تنمية الثروة وإنما إخضاعها للدول المقرضة.
إن القروض خطرة في جميع الحالات حتى لو صرفت لمشاريع إنتاجية، لأن القرض إما أن يكون قصير الأجل وهو في هذه الحالة يؤدي إلى ضرب العملة المحلية لإيجاد اضطراب فيها لأن السداد لا يقبل بعملة البلاد بل بالقطع الأجنبي، وقد تعجز البلاد عن التسديد بهذه العملات لندرتها لديها فتضطر للحصول عليها بأسعار عالية فتهبط قيمة عملتها في السوق فتلجأ إلى صندوق النقد الدولي فيتحكم حينئذ في اقتصادياتها حسب السياسة التي تراها أميركا لهيمنتها على السوق. وأحياناً تضطر الدولة لأن تعرض سلعاً في الخارج بأسعار رخيصة لتقدر على السداد فتخسر اقتصادياً.
أما إن كانت القروض طويلة الأجل فإنه يكون مقصوداً منها تراكمها لتصبح مبالغ ضخمة يضطرب بسببها الميزان التجاري وتعجز البلاد عن تسديدها نقداً أو ذهباً أو أموالاً منقولة فتضطر لتسديدها أموالاً غير منقولة من عقارات وأراض وربما مصانع.
ولذلك فإن الأخطار المترتبة على القروض متحققة فعلاً يضاف إلى ذلك أنها بالربا ولذلك فهي لا تصح شرعاً بحال من الأحوال. وهنا قد يرد سؤال، هب أننا تخلصنا من المديونية فكيف سننشط اقتصادياً من جديد بدون مال موجود وبدون قروض جديدة؟
إن الإسلام قد حل هذه المشكلة بأمرين:
الأول: رسم سياسات اقتصادية سليمة في الزراعة والتجارة والصناعة وملحقاتها.
الثاني: أوجب إيجاد المشاريع الضرورية على بيت المال حال الوجود والعدم.
أما الأول فنجمله مع قليل من التفصيل على النحو التالي:
أ ـ الزراعة:
1 ـ زيادة الإنتاج في المواد الغذائية.
2 ـ زيادة الإنتاج في المواد اللازمة للكساء كالقطن والصوف والقنب والحرير.
3 ـ زيادة الإنتاج في المواد التي لها أسواق خارج البلاد سواء أكانت من المواد الغذائية كالحبوب أم من مواد الكساء كالقطن والحرير أم غيرها كالحمضيات والتمور والفواكه.
ب ـ التجارة:
عدم أخذ ضريبة جمارك من المسلمين والذميين بل يتاجرون بدون رخصة استيراد أو تصدير إلا في حالتين: تمنع التجارة مع الدول المحاربة فعلاً وتمنع استيراد أو تصدير أية سلعة فيها ضرر على الأمة. وأما الدول التي بيننا وبينها معاهدات فحسب شروط المعاهدة، وأما الدول المحاربة حكماً كالسويد مثلاً فهؤلاء يحتاجون إلى رخصة استيراد لدخول مالهم.
ج ـ الصناعة:
1 ـ العمل الجاد لاستغلال الثروات الطبيعية في البلاد وتصنيعها والانتفاع بها داخلياً والتصدير خارجياً.
2 ـ التركيز على إيجاد صناعة الآلات حتى يمكننا بواسطة الآلات المصنعة عندنا أن نبني مصانعنا الفرعية لأن عدم إيجاد هذه الصناعة يجعل مصانعنا تحت رحمة الدول الصناعية، فإذا تعطلت آلة أو قطعة غيار يتوقف المصنع حتى نستوردها وفي ذلك ما فيه من إهدار للجهد والوقت والسلعة.
وأما الثاني وهو إيجاد المشاريع الضرورية، فإن الإسلام قد أوجد الحل على النحو التالي:
1 ـ أن كل ما كان واجباً على بيت المال من رعاية شؤون للناس وفيه مصلحة لهم فهذا مرهون تنفيذه على الموجود في بيت المال، فإن وجد أنفق وإن لم يوجد لا ينفق مثل فتح طريق يوجد غيرها أو بناء مدرسة أو مستشفى يوجد غيرها يفي بالحاجة.
2 ـ وما كان واجباً على المسلمين مثل فتح طريق لا يوجد غيرها يغني عنها أو بناء مستشفى أو وحدة صحية لا يوجد غيرها أو مدرسة ضرورية وما شاكلها، فإن هذه المشاريع وأمثالها التي يصيب الأمة ضرر من عدم وجودها، تكون واجبة على بيت المال وعلى المسلمين، فإن وجد في بيت المال مال أنفق عليها وإن لم يوجد تفرض بقدرها ضرائب على أغنياء المسلمين وتؤخذ من فضل أموالهم عن حاجاتهم الأساسية والكمالية، أي ما زاد عن عيشهم المعتاد تؤخذ منه وبنسبته بالقدر اللازم للمشروع الواجب، وتكون هذه الأموال قد حصلت بموجب نصوص الكتاب والسنة لأن الإسلام لا يجيز للدولة جباية الضرائب كيف تشاء فإن أخذ أموال الناس بلا دليل حرام وإثمه كبير مثل ضريبة الجمارك على التجار المسلمين وأهل الذمة «لا يدخل الجنة صاحب مكس» أي الذي يجبي ضريبة الجمارك، «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه» كما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم .
غير أنه بالنسبة للمشروع الواجب على بيت المال والمسلمين كما ذكرنا فإن فرض الضريبة بقدره إن لم يوجد في بيت المال يكون حلالاً وليس حراماً لأن الشرع يقره فهو فرض على المسلمين، وجمع المال منهم لأداء هذا الفرض بالنيابة عنهم واجب لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وهذا ينطبق على المشاريع العمرانية كما ذكرنا سابقاً وكذلك المشاريع الإنتاجية المماثلة الواجبة على الأمة مثل مصانع الآلات فهي ضرورية للأمة ويترتب على عدم وجودها ضرر لأنه يجعل المسلمين يعتمدون على الدول الكافرة في الصناعة والتسليح وهذا ضرر «لا ضرر ولا ضرار» والضرر يُزال، فيصبح إيجاد صناعة الآلات فرض على المسلمين، فيجب على الدولة أن توجد هذه المصانع سواء وجد في بيت المال مال أو لا.
ومن الجدير ذكره أن الضرائب التي تفرض على أغنياء المسلمين لإنشاء المشاريع الواجبة على بيت المال والأمة، يجب أن لا تزيد عن تكاليف المشروع الفعلية وتجمع بقدره تماماً، فإن كان شراء بثمن عاجل جمعت كامل الثمن، أما إن كان شراء بثمن آجل جمعت بقدر الأقساط المستحقة في أوقاتها كما يتم بالنسبة للتسهيلات الائتمانية أي استيراد الآلات والأدوات اللازمة للمشاريع بثمن مؤجل، فالإسلام يقر جواز أن يكون للسلعة سعران ثمن معجل إذا دفع حالاً وثمن مؤجل إذا دفع آجلاً، أي أخذ ديناً لأجل لأن هذا يدخل في باب المساومة، والمساومة على ثمن البيع جائزة فيساوم المشتري على أي السعرين، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم ساوم كما روى أنس رضي الله عنه وقد قال علي رضي الله عنه “من ساوم بثمنين أحدهما عاجل والآخر نظرة فليسم أحدهما قبل الصفقة” ولكن حتى يصح ذلك يجب أن يحدد أي السعرين ابتداء ويتم البيع بموجبه ولكن لا يصح أن تُشترى الآلات بثمنها حالاً ويكتب الدين على المشتري بالثمن وفائدته كما هو جار الآن، فإن هذا ربا وليس بيعاً آجلاً بالتقسيط.
وهنا لا بد من وقفة لنوضح موضوع فرض الضرائب بشيء من التفصيل:
إن أموال الناس في الإسلام مصانة حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل من قتل دون ماله أي دفاعاً عن ماله جعله شهيداً للدلالة على عظم أجره في الدفاع عن ماله، وأنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه، ولذلك لا يصح لأحد سواء كان حاكماً أو محكوماً أن يعتدي على مال أحد ما دام تملكه بسبب من أسباب التملك الشرعي.
ولهذا لا يجوز للدولة أن تفرض ضرائب على أموال الناس كما تشاء، ففرض ضريبة على الدخل حرام، وفرض ضريبة جمارك على التجار المسلمين وأهل الذمة الذين يعيشون مع المسلمين كذلك حرام، وفرض رسوم على رعاية شؤون الناس حرام مثل فرض رسوم حراسة على المحلات التجارية أو ما شاكلها، كل ذلك حرام لا يصح بحال لأن أسباب التملك الشرعي تعطي المالك بموجبها حق الانتفاع بماله وحق صيانته من عبث العابثين والفاسدين المعتدين، ولا يملك سلب إذن الشارع في الملكية إلا الشارع نفسه، ولذلك فلا تؤخذ الأموال من الناس (كضريبة) إلا بنص شرعي وهذا النص موجود في حالة واحدة هي وقوعه ضمن القاعدة الشرعية المشهورة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. فإذا ثبت أن مشروعاً ما واجب على المسلمين وأن ما في بيت المال لا يكفي لإتمام هذا الواجب، ففي هذه الحالة تقوم الدولة نيابة عن الأمة بتنفيذ هذا الواجب من أموالهم فتفرض ضريبة مقدرة بما يكفي لذلك المشروع فقط، وتكون الضريبة مفروضة على أغنياء المسلمين لأن الإسلام قد بين بالنصوص الصحيحة أن النفقة الواجبة تؤخذ عن ظهر غنى، فتكون الضرائب كذلك فتؤخذ عن ظهر غنى والغني في الإسلام هو ما كان ماله يزيد عن عيشه المعتاد.
ولذلك فإن فرض الضريبة في الإسلام يحتاج إلى تحقق شرطين حتى يجوز فرضها لتنفيذ المشاريع وبالقدر اللازم فقط:
1 ـ أن يكون المشروع واجباً على بيت المال أي الدولة وعلى المسلمين كذلك، ويكون وجوبه ثابتاً بنص شرعي، كطريق ضروري لا يوجد غيره أو مستشفى لا يوجد غيره في منطقة ما أو مصانع الآلات الثقيلة أو ما شابهها مما يلحق بالأمة ضرر في عدم وجوده لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم «لا ضرر ولا ضرار».
2 ـ لا يكون في بيت المال أي خزينة الدولة ما يكفي لذلك، فإذا لم يتحقق الشرطان لا يجوز أن تفرض الضريبة، فإن كان المشروع واجباً على الدولة فقط من باب رعاية الشؤون كإنشاء طريق يوجد غيرها كافياً، أو إنشاء مستشفى ثانٍ يوجد غيره كافياً ففي هذه الحالة ينفق عليه من بيت المال إن وجد. كذلك إن كان المشروع واجباً على المسلمين ولكن يوجد في بيت المال ما يكفي فينفق عليه منه ولا تفرض ضريبة.
وبالكيفية المذكورة سابقاً تكون المديونية قد وجدت حلاً شافياً لها وكذلك تنشيط الاقتصاد وتنفيذ المشاريع العمرانية والإنتاجية الواجبة على الأمة بدون قروض أو مديونية .
[يتبع]
2001-09-11