أما آن للمسلمين أن ينفضوا عنهم ذُلَّ الحكام ؟!
2001/07/11م
المقالات
2,114 زيارة
كثيرة هي آيات الله التي يحذرنا فيها من الكفر وأهله، من أعدائنا أعداء الدين، يحذرنا أن يفتنونا عن عقيدتنا، ويذهبوا ملّتنا التي هي سرّ قوّتنا ورأس أمرنا، وشأن عزّتنا حيث يقول جلّت قدرته: (ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك) وقال: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) ، ويقول: إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون) .
هذا شأنهم، وتلك أمانيهم، عملوا ويعملون وسيعملون على ذلك. وحال أهل الكفر هذا ليس وليد أيامنا هذه، بل إن بداياته كانت مع بعثة الحبيب المصطفى، حيث بدأ أهل المحاربة لله ولدينه ولمن آمن بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم يحقدون ويمكرون ويدبّرون ليل نهار، دون كلل ولا ملل ليطفئوا نور الله بأفواههم، ويأبى الله إلاّ أن يتم نوره وينصر من آمن به ولو كره الكافرون، واستمر هذا حالهم بين مدّ وجزر، يعلون تارة، ويعلى عليهم تارةً أخرى، يعلون بتخاذلنا وبما كسبت أيدينا من بعد عن الدين وموالاة للكافرين، وتفرق وتشرذم. ويعلى عليهم بما أعطانا الله من تمسّك بالمبدأ الذي فيه العزّة ورفعة الشأن وعلوّ في الأرض بما يحب الله ورسوله.
لذا فإنه من المعلوم من الدين بالضرورة ـ بمعنى أنه أمر الله الواضح الواجب الاتباع ـ وما عداه من شرع الكفر والناس لا من شرع الله، أنّ العلاقة بين المسلمين وغيرهم ممن عاداهم هي فقط وحصراً علاقة السيف، وساحات الوغى التي فيها عز الإسلام وأهله، وذل الكفر وأهله، يقول الحق تبارك وتعالى: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) ، ويقول: (يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين) .
والحبيب المصطفى يقول: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها»، وفي حديث آخر «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبدالله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود».
ومن اليقين أن الضلالة والخسران متحصل في اتباع المسلمين لأهل الكفر، ومن هذا أيضاً حذرنا نبينا الكريم، ففي حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بمأخذ الأمم والقرون قبلها شبراً بشبر وذراعاً بذراع، فقال رجل: يا رسول الله كما فعلت فارس والروم؟ قال: وهل الناس إلاّ أولئك…» وعن جابر بن عبدالله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء، فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا، فإنكم إما أن تصدّقوا بباطل أو تكذّبوا بحق، فإنه لو كان موسى حيّاً بين أظهركم ما حل له إلاّ أن يتبعني».
لذا، إخوة الإيمان، فإنه لمن نافلة القول ما هو عليه حال الكفار من محاربة لهذا الدين وأهله مع ما بين لنا رب العزة عز وجل ورسوله الكريم مما هم عليه إلى أن نتلاقى وإياهم في ساحات الجهاد، ومن يقول قولاً غير هذا القول فلا سند له ولا حجة أمام الله جل وعلا، ومن يقول في يهود والنصارى غير ما بين الله ورسوله فليحذر سخط الله وعذابه لأنه منكر معلوم من الدين بالضرورة، لا يقوله إلاّ من اتخذ الشيطان لنفسه في قلبه مقعداً لا يبرحه.
وحال الكفار هذا لا يحتاج إلى طويل شرح لمن استقام حاله وسلم عقله وصحّت عقيدته من المسلمين.
أمّا أن تكون هذه المحاربة لدين الله وعباده المسلمين ممن يدّعون أنهم من أبناء جلدتنا وأهل ملّتنا، ممن نصّبوا على رقاب هذه الأمة، يسومونها سوء العذاب ليل نهار، يتآمرون على ديننا كي يبعدوه عن حياتنا عقيدة ومنهاج حياة، فهذا مما يدمي القلوب، ويمزّق الأكباد، ولا أقول أنه لا يصدّقه عقل، لا أقول ذلك لأن الله تعالى كما أخبرنا بحال الكفر وأهله كذلك أخبرنا ورسوله الكريم بحال هؤلاء، يقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم : «سيكون عليكم أئمة يملكون أرزاقكم، ويحدثونكم فيكذبون، ويعملون ويسيئون العمل، لا يرضون منكم حتى تحسّنوا قبيحهم وتصدّقوا كذبهم، فأعطوهم الحق ما رضوا به، فإن تجاوزوا فمن قتل على ذلك فهو شهيد».
ألا إنهم تجاوزوا، واستباحوا حرمة المسلمين ودماءهم بسكوتهم وذلهم ذلك بأنهم رضوا أن يكونوا في الأذلّين، خانعين طائعين لأسيادهم وأوثانهم الذين رضوا بأن يعبدوهم من دون الله، ففي الوقت الذي تسيل فيه دماء المسلمين على يد أبناء القردة والخنازير يقف هؤلاء صمّاً بكماً عمياً لا يحركون ساكناً.
نحن حتماً مأمورون أن ننبذ هؤلاء خلف أظهرنا، ولا نلتفت إليهم، ولا نطيع لهم أمراً، لأن الضلالة في طاعتهم، والخسران في اتباعهم، يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم : «ألا إن رحا الإسلام دائرة، فدوروا مع الكتاب حيث دار، ألا إن الكتاب والسلطان سيفترقان فلا تفارقوا الكتاب، ألا إنه سيكون عليكم أمراء يقضون لأنفسهم ما لا يقضون لكم، فإذا عصيتموهم قتلوكم، وإن أطعتموهم أضلوكم، قالوا: يا رسول الله كيف نصنع؟ قال: كما صنع أصحاب عيسى ابن مريم نشروا بالمناشير، وحملوا على الخشب، موت في طاعة الله خير من حياة في معصية الله» (رواه الطبراني).
إن من يقول غير هذا القول يحاسب عليه أمام الله عز وجل، فرسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى: (إن هو إلا وحي يوحى) فقوله الحق وهو واجب الاتباع، لذلك فإن طاعة هؤلاء الحكام ضلال ومخالطتهم هلاك.
عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «سيكون أمراء بعدي يعرفون وينكرون، فمن نابذهم نجا، ومن اعتزلهم سلم ومن خالطهم هلك».
وهم لا يحفظون فينا إلاًّ ولا ذمة، عن أبي أمامة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أخوف ما أخاف على أمتي من بعدي أعمال ثلاثة، لا أخاف جوعاً يقتلهم، ولا عدواً يجتاحهم، ولكني أخاف على أمتي أئمة مضلين إن أطاعوهم فتنوهم وإن عصوهم قتلوهم»، ولم يزل الرسول صلى الله عليه وسلم يصف ويبين واقع الحكام، لكن، مع هذا الوصف يأمرنا بأعمال وأفعال، فهو لا يقص علينا قصصاً بل يشرع لنا ويبين طريق السداد والرشاد للخلاص ممن هم أس بلاء المسلمين بتسلطهم على رقابنا وبتحكيمهم شرعاً ما كان ليرضى به إلا من هجر قلبه الإيمان واستمرأ أن يسير خلف الركب ناعقاً وراء كل هاتف.
أيها الاخوة… إن عامة المسلمين، فضلاً عمن تتصاعد زفراتهم، وتفيض أعينهم من الدمع حزناً على ما أصاب ملتهم من تفرّق الآراء وتضافر الأهواء، ولولا وجود الغواة من ذوي المطامع في السلطة بينهم، لاجتمع شرقيّهم بغربيّهم، ولبى جميعهم نداءً واحداً، إن المسلمين لا يحتاجون في صيانة حقوقهم إلاّ إلى تنبّه أفكارهم لمعرفة ما يكون به صلاح أمرهم ورفعة شأنهم، وهو يقيناً لا يكون إلاّ باستظلال المسلمين جميعاً تحت راية (لا إله إلا الله محمّد رسول الله) تحت حكم واحد، لأن المسلمين جسم واحد وشرع ربّ العزة واحد.
أيا بقيّة الرجال وخلف الأبطال، ويا نسل الأقيال هل ولّى بكم الزمان؟ هل مضى وقت التدارك؟ إن من إندونيسيا إلى بلاد المغرب أمة لا ينقصها العدد، ولا ترضى لنفسها أن تكون غثاء كغثاء السيل، إن ما ينـزل بالمسلمين منذ هدم دولتهم إلى يومنا ـ وهو مستمر إن لم يتداركوه ـ من تسلّط أحكام الكفر وأئمة الضلالة وبما يصبون إليه من ضياع البلاد وهلاك العباد، كل هذا موجب للمسلمين أينما كانوا أن يدركوا أن منع استمرار ذلك هو فرض عين عليهم، لا فرق بين قريبه وبعيده، ولا تباح المسالمة مع أئمة الضلالة بحال من الأحوال حتى تعود الولاية لله ولرسوله والمؤمنين.
أيها المسلمون… انفضوا عن أجسادكم ذلّ وخيانة حكامكم الذين يسمّون بأسمائكم وليسوا منكم ولا من دينكم، فباطن الأرض أولى بهم من ظاهرها، وموطئ قدم دابة تسبّح الله أسمى من عروشهم، ألا سخط الله عليهم وباءوا بغضب من عنده، فبالله عليكم: أنستجيرهم؟ أنحتمي خلفهم؟ وهل من عاقل يستنصرهم؟ فوالله لو كان للمسلمين حاكم لما جرؤ أبناء القردة والخنازير أن يجرحوا مسلماً بكلمة أو يلمزوه بطرفة عين… لماذا؟ لأن رعاية شؤون المسلمين من حاكمهم فرض من الله يأثم إن يقصر بها. هذا فضلاً عمّا حلّ ويحلّ بنا من تقتيل وتشريد وإذلال وهوان، وليس ذلك علينا بجديد، بل إنه مستمر منذ أن فجع المسلمون بتغييب دولتهم وإبعادهم عن دينهم وعقيدتهم، حتى أصبح المسلمون في كل بقاع الأرض كاليتامى يستجدون من هذا ومن ذاك، تفرقت بهم السبل فلا هادي ولا مرشد، وهذا تماماً أيها المسلمون هو الحال الذي يفرح به هؤلاء الحكام، ويطيل أعمار حكمهم وتسلطهم فوق الرقاب.
أيها المسلمون… إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض سارعوا، ادرءوا عن أنفسكم العذاب، ولا ترضوا إلاّ بكتاب الله وسنة رسوله تطبقها عليكم دولة لا إله إلا الله محمد رسول الله. فأمر الله واضح لا غموض فيه… يجب أن نحتكم إلى الله لا إلى الطاغوت في كل أمور حياتنا وفي كل علاقاتنا حتى نكون مؤمنين الإيمان الذي يرضاه الله تعالى، الذي له الأمر من قبل ومن بعد وإليه ترجعون، يقول ربّ العزّة عز وجلّ: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) وهذا الاحتكام لأمر الله ورسوله في جميع علاقاتنا لا يكون إلا تحت حكم الإسلام بدولة الإسلام التي وعد الله ورسوله بأنها دولة على منهاج النبوة، دولة الخـلافة، التي بها عزنا، ورفعة شأننا، وارجاع الكرامة المفقودة لنا، وبها ومعها يكون النصر على من عادانا وحارب الله ورسوله والمؤمنين، وفي هذا فليتنافس المتنافسون، ليفوزوا بنصر الله في الدنيا، وبصحبة الأبرار الأخيار يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
عن عبد الرحمن بن عمرو أنه سمع العرباض بن سارية يقول: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقلنا: يا رسول الله إن هذه لموعظة مودّع، فماذا تعهد إلينا؟ قال: «قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلاّ هالك، من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضّوا عليها بالنواجذ، وعليكم بالطاعة وإن كان عبداً حبشياً فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد».
هذه وصية الرسول الكريم لأمته، وهي تحكيم كتاب الله وسنة نبيه الكريم، ولا تكون على وجهها وكما أمر إلاّ بأن نكون مستظلين بدولة الإسلام، دولة الخـلافة، وحيث أنها غائبة مغيّبة، فالواجب على كل من أسلم وجهه لله وآمن به رباً وبمحمد نبياً أن يعمل مع العاملين المخلصين لإيجادها على الأرض ليعود الإسلام غريباً كما بدأ غريباً عقيدة ومنهاج حياة، لنبرأ أمام الله ونبيه يوم لا ينفع مال ولا بنون.
أقولها جازماً معتقداً اعتقاد المؤمن بالله عز وجل: إن دولة الإسلام، دولة القران، دولة جند محمد، دولة الذين صبروا وصابروا، دولة العز والسؤدد والكرامة، قادمة لا محالة، وإن محيّاها ليبدو في الأفق القريب، لا يفصلنا عنها ولا يفصلها عنا إلا بعض شراذم الخلق، وشيء من الزبد دوامه من المحال.
يقول رب العزة عز وجل: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم) .
حدثنا سليمان بن داود الطيالسي حدثني داود بن إبراهيم الواسطي حدثني حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير قال: كنا قعوداً مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان بشير رجلاً يكف حديثه فجاء أبو ثعلبة الخشني فقال يا بشير بن سعد: أتحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمراء؟ فقال أبو حذيفة: أنا أحفظ خطبته، فجلس أبو ثعلبة فقال حذيفة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت».
فإلى العمل مع العاملين المخلصين لإقامة دولة الخـلافة الراشدة لتنالوا عز الدنيا وثواب الآخرة.
(يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون) صدق الله العظيم .
راغب أبو شامة
2001-07-11