كلمة الوعي: يـوم الهـجـرة … هـو يـوم الاسـتخـلاف
2001/04/11م
المقالات, كلمات الأعداد
2,102 زيارة
إن يوم الهجرة كان من أيام الله التي منّ بها على المؤمنين، نذكُره ونذكّر به المسلمين عسى أن تنفعهم هذه الذكرى فتدفعهم للعمل لإقامة مثله في حياتهم، وإلا فما قيمة الذكرى الماضية إن لم يكن فيها عبرة للحياة الحاضرة. لقد دارت الأيام دورتها، وها نحن بانتظار مجيء مثل هذا اليوم الذي بدأت تباشيره تلوح، وفجره يؤذن بالانبلاج. والانتظار هنا لا يعني انتظار القاعدين بل انتظار العاملين الذين يرجون مالك الملك أن يعزهم بإقامة الخـلافة التي يعزّ بها الإسلام وأهله، ويذل الكفر وأهله، جزاءً وفاقاً منه، ومنّة يمنّ بها سبحانه على من يستحقّ هذا الجزاء من عباده المستضعفين. قال تعالى: (ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمةً ونجعلهم الوارثين).
إن يوم الهجرة هو من أيام الفصل في تاريخ الدين الإسلامي. به فصل الله سبحانه بين مرحلتين في الدعوة: مرحلة الاستضعاف والقلة والخوف، ومرحلة آوى فيها الله سبحانه المسلمين بإقامة دولة الإسلام، ونصر المسلمين وفتح أبواب الرزق الطيّب لهم. قال تعالى: (واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيّبات لعلكم تشكرون).
إن هذا اليوم قد عرف قيمتَه ودلالاته ومعانيه سيدُنا عمر t ببصيرته الفذة، فجعل تاريخ المسلمين يسطّر ابتداءً من ذلك اليوم بعد أن استشار كبارَ الصحابة رضوان الله عليهم في ذلك، وهذا من أروع اللفتات منه t حيث قال: «الهجرة فرّقت بين الحق والباطل فأرّخوا بها».
إن يوم الهجرة في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم يعادله اليوم يومُ الاستخلاف والتمكين ونشر هذا الدين الذي ما زال وعده قائماً من الله سبحانه لعباده المؤمنين إذ يقول سبحانه: (وعد الله الذين ءامنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنّهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً) إذ إن يوم الاستخلاف سيفرّق الله به بين الحق والباطل ويفصل بين مرحلتين: مرحلة يعيش فيها المسلمون مستضعفين يتخطفهم الناس كما هي حالهم اليوم، ومرحلة يجتمع فيها المسلمون على كلمة سواء تحت راية الإسلام وتجتمع طاقاتهم ويتحولون معها إلى عزّ بعد ذلّ، وظهور بعد هزيمة.
إنه يوم سمّاه الله سبحانه يوم نصر حمى الله فيه رسول الله وصاحبه، وكان معهما بنصره وحفظه ورعايته، وأنزل فيه سكينته وأيّده بجنوده، وكان من نتائجه أن جعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الذين ءامنوا هي العليا. قال تعالى: (إلاّ تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيّده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم).
إن قريشاً عندما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب النصرة من أجل هذا اليوم، عملت على منعه من دخول مكة لأنها اعتبرت أنه صلى الله عليه وسلم ذهب يستعدي القبائل عليها. وعندما وصلتها أنباء بيعة العقبة الثانية راحت تتحرى الأمر وتستوثق والخوف يملأ قلبها ويطيش عقلها. وعندما علمت بأمر الهجرة ذاتها ائتمرت على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم تريد قتل الدعوة بقتل صاحبها. ولكن الله سبحانه كان هو الغالب على أمره فكان له ما أراد من إعزاز دينه وإظهاره. ولم يكن للكافرين سوى الخيبة. وكان درساً من الله سبحانه للمسلمين، أن الفرج مع الشدة وأن النصر مع الصـبر، حيث كان قرار كفار مكة بقتل رسـول الله صلى الله عليه وسلم هو بداية عز المسـلمين بهـجـرة الرسـول صلى الله عليه وسلم وإقامة الدولة.
لقد تعامل الكفّار سابقاً مع هذا اليوم على المستوى الذي يشكّله، تعاملوا معه بكل قسوة وشدّة خوفاً من الوصول إليه؛ لأنهم كانوا يعلمون أنه يوم يصبح معه الأمر كله لله، وتجتمع فيه كلمة المسلمين، ويصبح لهم كيان يأوون إليه وشوكة سيتأذون منها، لذلك صدّوا عنه صدوداً كبيراً. ولكن الله سبحانه حفظ الدعوة وأنجى الرسول الكريم بعد أن أحاطوا بمنـزله يريدون قتله جاعلاً مكر هؤلاء يبور. قال تعالى: (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثْبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) فخرج من بينهم ذاراً التراب على رؤوسهم قائلاً: (وجعلنا من بين أيديهم سدّاً ومن خلفهم سدّاً فأغشيناهم فهم لا يبصرون) فلم يبصروه، وحماه الله بالحمامة والعنكبوت، وصرف أنظار الكفار عنه في الغار، وساخت قوائم فرس سراقة بالتراب… وكل هذا إنما يدلّ على إرادة الله بحفظ الدعوة وبلوغ يومها المشهود: يوم الهجرة يوم النصر، يوم إظهار الدين.
وكذلك الحال اليوم، فإن دول الغرب، ومعها حكام الدول التي تحكم المسلمين بغير ما أنزل الله، لا يقلّون معرفةً بمدى خطورة مثل هذا اليوم عليهم؛ لذلك لا يقلّون كرهاً وبأساً وكيداً وتنكيلاً بالإسلام ودعاته؛ فقد جندوا ويجندون ضده كل إمكاناتهم، ويوجهون صوبه مختلف أسلحتهم الفكرية والمادية والإعلامية والسياسية والعسكرية… ويحاربون كل من يسعى لمثل هذا اليوم،… ولكن الله سبحانه الذي حفظ ونصر بالأمس يحفظ اليوم وينصر ما استمسك الدعاة بالوحي وكانوا عليه أمناء وكانوا على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، قال تعالى: (وكان حقاً علينا نصر المؤمنين).
نعم، إن الهجرة تعني الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام، وهو ما يحتاج إليه المسلمون اليوم، وهو ما يخافه الغرب وعملاؤه، ويعمل بجهد ومكر وكيد لمنعه. إن المسلمين بحاجة للانتقال من هذا الواقع السيئ، من دار الكفر المفروض عليهم إلى دار الإسلام حيث يأمنون فيه، وتحمى ذمارهم وترتفع أيدي الكفر والظلم عنهم، وعلى المسلمين أن يعملوا بجهد أكبر لإقامة دار الإسلام عن طريق إقامة الخـلافة التي تعتبر الطريق الشرعي لإقامة الدين، وإقامة الحياة الإسلامية، وجعل كلمة الله هي العليا.
إن على المسلمين أن يعملوا، بمختلف مستوياتهم، لمثل هذا اليوم، ولْيطمئنوا إلى أن الله سبحانه مؤيّدهم وناصرهم رغم كيد الكائدين قال تعالى: (من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم لْيقطع فلْينظر هل يذهبنَّ كيدُه ما يغيظ).
إن ذكرى الهجرة التي يتوقف عليها المسلمون جميعاً كذكرى غالية عليهم، وتعني لهم الكثير، هذه الذكرى بابها يمكن أن يفتح لهم من جديد إذا نصروا الله ورسوله ففعلوا تماماً كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم. وكل من سار على درب الرسول صلى الله عليه وسلم وصل، بإذن الله العزيز الحكيم.
نسأل الله أن يوفق المسلمين العاملين لنصرة هذا الدين، وبلوغ هذا اليوم، الذي نشعر جميعاً بأن فجره قد آذن بالانبلاج وزمنه قد أظل. وعندها يعيش المسلمون في واقع هذا اليوم، لا في ذكراه… وهذا هو المطلوب. قال تعالى: (إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً)
2001-04-11