الانقلابُ العسكَرِيُّ الفاشلُ في تركيا: علامةٌ فارقةٌ في تاريخِ السياسةِ التركِية
2016/09/11م
المقالات
2,149 زيارة
بســم الــلــه الرحــمــن الرحــيــم
الانقلابُ العسكَرِيُّ الفاشلُ في تركيا:
علامةٌ فارقةٌ في تاريخِ السياسةِ التركِية
أبو حنيفة – الأرض المباركة فلسطين
رَجَّحَ أميرُ حزبِ التحريرِ العالمُ الجليلُ عطاءُ بنُ خليل أبو الرشتة حفظه الله في جواب سؤال بعنوان: «خطوطٌ عريضةٌ حولَ الانقلابِ العسكريِّ الفاشلِ في تركيا» أَنَّ الذينَ قاموا بمحاولةِ الانقلابِ الفاشِلِ في تركيا منتصفَ الشهرِ الماضي – يوليو حزيران – هم ضباطٌ مغامرونَ موالونَ للإنجليز، حيثُ جاءت هذهِ المحاولةُ الفاشلةُ كضربَةٍ استباقِيَّةٍ يتفادى بها عملاءُ الإنجليزِ – ورثةُ مصطفى كمال – ما يمكنُ أن يُتَّخَذَ بِحَقِّهِم من إجراءاتٍ تصفوِيَّةٍ في اجتماعِ المجلسِ الاستِشارِيِّ العسكريِّ التركيِّ الذي كان سيُعقدُ في أواخِرَ يوليو حزيران – أوائلَ اغسطس/آب 2016م.
وَلَئن كانَ العسكرُ الموالونَ لبريطانيا قد نجحوا في الانقلاباتِ التي سبقت الانقلابَ الأخيرَ الفاشلَ في الحفاظِ على نفوذِهِم في تركيا، إلا أنَّهم هذه المرةِ – ومِن ورائِهم بريطانيا – قد تَلَقَّوا صفعةً جِدَّ مُؤلمةٍ بعدَ سلسِلَةٍ مِنَ الإجراءتِ التي كان أردوغانُ وحزبُهُ قد اتخذوها بِحَقِّهِم منذ وصولِ حزبِ العدالةِ والتنمِيةِ الإسلامي إلى الحُكمِ عام 2002م ، لِتقتَحِمَ أميركا بذلكَ حصونَ السياسةِ التركيَّةِ فَيَقِرُّ لها القرارُ في بَلَدِ العثمانيين، ولكن إلى حين .
سعت أميركا جاهِدةً إلى دخولِ تركيا منذُ عهدِ أوزال لِما لتُركيا من عمقٍ استراتيجِيٍّ ذي تأثيرٍ عظيمٍ في المنطقة، فكانَ لها ما أرادت على يَدِ حزبِ العدالةِ والتنميةِ الذي اقتحمَ معتركَ الحياةِ السياسيةِ في تركيا على إثرِ الهزَّةِ الاقتصاديةِ التي أحدَثَتها أميركا في تركيا أواخرَ حكمِ بولند أجاويد، ما أوجَدَ حينها رأيًا عامًا مُلِحًّا لضرورةِ إجراءِ انتخاباتٍ مُبَكِّرةٍ في 3/11/2002م، أَدَّت في نهايةِ المطافِ إلى وصولِ حزبِ العدالةِ والتنميةِ إلى الحُكمِ بعدَ أن حصدَ أغلَبِيَّةَ مقاعدِ البرلمانِ التركيِّ 363 مقعدًا من أصل 550 مقعدًا، مستغِلًا مشاعرَ المسلمينَ الذينَ ضاقوا ذرعًا بعلمانيةِ الكماليينَ التي حاربت كُلَّ مظهرٍ يُذَكِّرُ أهلَ تركيا بعقيدتهِم وتاريخهِم وهُوِيَّتِهِم الإسلامية، والذينَ تعلَّقت آمالُهُم بالشعاراتِ الإسلاميةِ لِحزبِ العدالةِ والتنمية، هذه الشعاراتُ التي لم تعدُ عن كونِها مُجرَّدَ بريقٍ يُخفي وراءَهُ علمانيَّةً أميركيةً هذه المرة، أرادت أن تجعَلَ من تركيا أردوغانَ واحةً ديمقراطيةً فيها مُسوحٌ إسلاميةٌ تستهوي الدهماءَ وسطَ دكتاتورياتٍ كتمت على الناسِ أنفاسَهُم، وبذلكَ حازَ حزبُ العدالةِ على ثُلثيِّ الأصواتِ وأصبحَ بإمكانِهِ تشكيلَ الحكومةِ بمفرَدِهِ في البرلمان، ومنذُ ذلكَ التاريخِ وتركيا تدورُ في فلَكِ أميركا، غيرَ أنَّ دَوَرانَها في فلَكِ أميركا صارَ مَحَلَّ تساؤُلٍ بعدَ التِزامِ أردوغانَ وحكومَتِهِ الكاملِ بمخططاتِ أميركا في المنطقة، وعدمِ خروجها أي تركيا عن أيِّ جزئيَّةٍ يظهرُ فيها شيءٌ من تعارُضٍ في المصالِحِ بين أميركا وتركيا، أي أنَّ مِنَ الأدقِّ اعتبارُ العلاقةِ بين الدولتينِ علاقةَ السيِّدِ بالعَبدِ لا أكثر، ومن الشواهِدِ على ذلك:
أولًا: تركيا وثورةُ الشامِ المباركة:
لقد ملأ أردوغانُ الآفاقَ ضجيجًا عندما صرحَ بأنهُ لن يسمحَ بحماةٍ ثانيةٍ في سوريا، ولا يحتاجُ المرءُ في هذا المقامِ إلى كبيرِ جُهدٍ لِكشفِ رَوَغــانِ أردوغانَ وفضحِهِ بعدَ مرورِ أكثرَ من خمسِ سنواتٍ عِجافٍ على ثورةِ الشامِ المباركة، فاحتضانُ تركيا لقاعدةِ أنجرلك، ودخولُها مع التحالُفِ الأميركيِّ الذي تَحَزَّبَ لِضربِ ثورةِ الشامِ لمنعِ قيامِ دولةِ الخلافة فيها، وسوءُ معاملتِها للاجئينَ السوريينَ الفارِّينَ من جحيمِ بشار، واحتضانُها لمعارضةِ الفنادقِ العلمانِيَّةِ، وسعيُها الحثيثُ إلى جانبِ السعوديةِ لمصادرةِ قراراتِ بعضِ الفصائلِ المقاتِلةِ في سوريا بصرفِها عن المقارعةِ الحقيقيةِ لنظامِ بشار والضغطِ عليها، وصولًا إلى اعتذارِ تركيا أردوغان لروسيا ذَبَّاحةِ الأطفالِ والنساءِ والشيوخِ في سوريا عن أسقاطِ الطائرةِ الروسيةِ التي كانت أسقطتها جهاتٌ عسكريةٌ محسوبةٌ على الإنجليز في تشرين ثاني/2015م. كُلُّ ما سلفَ ذِكرهُ وغيرُهُ يدحضُ أكذوبَةَ وقوفِ تركيا إلى جانبِ الثورةِ الشامية، بل ويؤكِّدُ وقوفَ أردوغانَ واصطفافَهُ مع فُسطاطِ أميركا رأسِ الكُفرِ عدوَّةِ الإسلامِ والمسلمين.
فقد تحدَّثَ رئيسُ الوزراءِ التُّركِيِّ بن علي يِلدريم كما نقلت (الدرر الشامية) في 15/8/2016م، عن خارطةِ الطريقِ التي تقترحُها تركيا لِلحلِّ في سوريا مُعرِبًا عن تفاؤُلِهِ بِإمكانيَّةِ التوصُّلِ إِليها بِمشاركةِ اللاعبينَ الإقليميين وقال: إِنَّ ذلكَ ممكنٌ بعدَ التغييراتِ التي عملت عليها أنقرةُ في السياسةِ الخارجيةِ ناحيةَ تطبيعِ العلاقاتِ معَ كُلٍّ من روسيا و(إسرائيل)، وكذلكَ التقاربِ معَ إيران… وقد جاءت هذه التصريحاتُ من يِلدريم بعدَ زيارةِ أردوغانَ لروسيا في 9/8/2016م حيثُ أعلنَ أردوغانُ أَنَّ العلاقاتِ التُّركيةَ الروسيَّةَ ستدخلُ مرحلةً مختلفة، وأنَّ بلادَهُ وروسيا مُصممتانِ على إعادةِ العلاقاتِ بينَهُما إلى سابِقِ عهدِها وأن تُصبحَ أقوى، وأكدَ أَنَّ دعمَ بوتينَ لَهُ بعدَ المحاولةِ الانقلابيةِ كانَ مهمًا، وأَنَّ الجانبينِ يمتلكانِ الإرادةَ اللازمةَ لتطويرِ العلاقات، وتمَّ الاتفاقُ معَ الروسِ على إحياءِ آلياتِ التعاوُنِ على كافةِ الصُّعُدِ، ورفعِ مستوى التعاونِ في الصناعاتِ الدفاعِيَّةِ. وأشارَ إلى أهميةِ التعاوُنِ بينَ تركيا وروسيا في سوريا مؤكِّدًا استحالةَ تسويةِ القضيةِ السوريةِ وإيجادِ حلٍّ سياسيٍّ بمعزلٍ عن روسيا… فيِلدريم وكبيرُهُ الذي علَّمهُ السحرَ لا يخجلانِ مِنَ الجهرِ بالسوءِ، وانخراطِهما إلى جانبِ كُلِّ الأطرافِ التي وَظَّفَتها أميركا لوأدِ مشروعِ الخلافةِ المتعاظِمِ أمرُهُ في الشام.
ثانيًا: تركيا والتوجُّسُ من الأكراد.
يُعدُّ الأكرادُ – البالغُ عددُهُم في تركيا حوالى 15 مليون كردي – شوكةً في خاصرةِ حكامَ تركيا، وقد كانت أميركا تسعى لاستغلالِ وجودِهِم في جنوبِ شرقِ البلاد بدعمِ انفصالِهم في كيانٍ مستقلٍ، هذا عندما كانَ الإنجليزُ أصحابَ الصولةِ والجولةِ في تركيا عبرَ العسكر الكماليين، ومع أنهُ ليسَ منَ المنظورِ اليومَ بعدَ أن تغيرت المعطياتُ السياسيةُ في البلادِ لصالِحِ أميركا وعميلِها أردوغان، خصوصًا بعدَ محاولةِ الانقلابِ الفاشلِ الأخيرةِ في البلاد أن تسيرَ أميركا في اتجاهِ منحِ الأكرادِ كيانًا مستقلًا على غرارِ كردستانَ العراق، إلا أنَّ الأسيادَ عادةً ما يستمتِعونَ بالتلويحِ بعصا الأقلياتِ في وجوهِ عملائِهِم درءًا لمفسدَةِ الخروجِ عن الطاعة، وجلبًا لمصلحةِ الهيمنةِ على الجميع.
ومع أنَّ حكامَ تركيا قد أبدوا انزعاجَهُم الشديدَ من تقارُبِ أميركا مع حزبِ الاتحادِ الديمقراطيِّ الكرديِّ الذي تُوظِّفُهُ أميركا هو الآخرُ في حربِها على ثورةِ الشام، إلا أنَّ ذلكَ لم يخرج عن كونِهِ ثورةَ كبشٍ في حظيرةِ أغنامٍ تنتَطحُ أمامَ راعيها، فيُسكتُ ثورَتَها بحباتٍ من العلفِ أو بتلويحةٍ بعصًا؛ فقد قالَ مسؤولٌ في وزارةِ الخارجيةِ التُّركيةِ: إنَّ أنقرةَ استدعَت السفيرَ الأميركِيَّ لَديها في 8/2/2016م على إثرِ تصريحاتِ المتحدثِ باسمِ الخارجيةِ الأميركيةِ (جون كيربي) يوم 7/2/2016م عندَ سؤالِهِ عن الاختلافِ في الرأيِ بينَ البلدينِ – تركيا وأميركا – قال: كما تعلمونَ، نحنُ لا نعتبرُ حزبَ الاتحادِ الديمقراطيِّ منظمةً إرهابيةً… وهذه الصفعةُ الأولى، وقد أدانَ الرئيسُ التركيُّ أردوغانُ كما نقلت (أ ف ب) دعمَ الولاياتِ المتحدةِ للمجموعاتِ الانفصاليةِ الكرديةِ في سوريا بعدَ نشرِ صورٍ لأفرادٍ في القواتِ الخاصةِ الأميركيةِ يحملونَ شاراتِ حزبِ الـ (بي كا كا – PKK ) الكرديِّ، وقال أردوغانُ في مدينةِ ديارِ بكر: يجبُ على هؤلاءِ الذينَ هُم أصدقاؤُنا ومعنا في حلفِ شمالِ الأطلسِيِّ – يقصد أميركا – أن لا يرسلوا جُنودَهُم إلى سوريا وهُم يرتدونَ شاراتِ الوحداتِ التي تعتبرُها أنقرةُ مجموعةً إرهابيةً… وهذه صفعةٌ ثانية، وكانَ الرئيسُ أردوغانُ قد اتَّهمَ الولاياتِ المتحدةَ بعدمِ الموافقةِ على إقامةِ منطقةِ حظرٍ للطيرانِ فوقَ سوريا، لكنها في المقابلِ صمتَت حيالَ المقاتلاتِ الروسيةِ التي تسرَحُ وتمرَحُ هناكَ فيموتُ الآلافُ مِنَ المظلومينَ – على حَدِّ قولِه – وهذه لطمةٌ أخرى.
ثالثًا: تركيا والتطبيعُ مع كيانِ يهود:
«… فالمادةُ السادسةُ منَ التوراةِ تقول: لا تقتل ولكنكم تقتلون… أنا أشكرُكَ أشكركَ جدًا، بالنسبةِ لي لقد انتهى دافوس، لن أعودَ إلى دافوس مرةً أخرى…» بهذهِ العباراتِ عبَّرَ رئيسُ الوزراءِ التركي حينئذٍ رجب طيب أردوغان عن موقِفِهِ من عُدوانِ كيانِ يهودَ على قطاعِ غزةَ عام 2008م، ولكن هل كانَ انسحابُ أردوغانَ من مؤتمرِ دافوس موقفًا سياسيًا يُحاكي صَــولَــةَ سلاطينِ بني عثمان؟ أم كانَ كما قال القائل:
ألقابُ مملكةٍ في غَيرِ مَوضِعِها كَالهِرِّ يحكي انتِفاخًا صَولةَ الأَسَدِ
فقد أعلنَ الرئيسُ التُّركيُّ رجب طيب أردوغان، كما نقلت (سكاي نيوز العربية) في كانون ثاني/ 2016م أَنَّ تركيا بحاجةٍ إلى (إسرائيل) على غِرارِ (إسرائيل) التي تحتاجُ أيضًا إلى تركيا في منطقةِ الشرقِ الأوسطِ، داعِيًا إلى المضِيِّ في تطبيعِ العلاقاتِ بينَ البلدين، التي تَوتَّرت منذُ 2010م على إثرِ حادِثَةِ سفينةِ (مافي مرمرة)، وقالَ الرئيسُ التركيُّ في تصريحٍ نقلَت أبرزُ الصُّحُفِ التركيةِ والعربيةِ ما وردَ فيهِ: أنَّ (إسرائيل) في حاجَةٍ إلى بلدٍ مثلِ تركيا في المنطقة، وعلَينا أيضًا القبولُ بحقيقَةِ أننا نحنُ أيضًا في حاجةٍ إلى (إسرائيل)، إنها حقيقةٌ واقعةٌ في المنطقة، وأضافَ أردوغانُ: أنهُ في حالِ تَمَّ تطبيقُ إجراءاتٍ مُتبادلةٍ بشكلٍ صادقٍ سَنَصلُ إلى تطبيعِ العلاقاتِ لاحقًا، وأعلنَ مسؤولونَ (إسرائيليونَ) في منتصفِ كانونِ الأولِ/2015م: أَنَّ (إسرائيل) وتركيا تَوصلتا إلى تفاهُمٍ لِتَطبيعِ علاقاتِهِما بعدَ مفاوضاتٍ سِريَّةٍ جرت في سويسرا… ونشرت (سكاي نيوز عربية) في 17/8/2016م خبرًا بعنوان «تركيا تُسقطُ دعاوى ضِدَّ (إسرائيل) وتطرحُ التطبيعَ بالبرلمان» جاء فيه: وبموجَبِ اتفاقِ المصالحةِ هذا الذي تَمَّ التوصلُ إليهِ أواخِرَ يوليو بينَ تركيا و(إسرائيل) لِوضعِ حَدٍّ لخلافٍ مستمِرٍّ منذُ سِتِّ سنواتٍ ستدفعُ (إسرائيل) 20 مليونَ دولار كتعويضاتٍ لتركيا، أما تركيا فستُسقطُ من جانِبِها الملاحقاتِ القضائِيةَ ضِدَّ العسكَرِيِّينَ (الإسرائيليينَ) لتَوَرُّطُهِم في الهجومِ على أسطولِ مساعداتٍ إنسانيةٍ أدَّى إلى مقتَلِ عشرةِ أتراكٍ في 2010م قُبالةَ قطاعِ غزة .
رابعًا: تركيا والتقاربُ مع إيران:
بعدَ انحسارِ البدائلِ في يدِ أميركا لتركيعِ ثورةِ الشامِ المباركة لم تجد (الدولةُ الأولى في العالم) بُدًا من تقارُبِ أدواتِها التي كانت أميركا وظفتها توظيفًا ظاهرُهُ التعارُض وباطِنُهُ تسخيرُ الجميعِ في اتجاهِ إجهاضِ ثورةِ الشام بِحَلٍّ سياسيٍّ يُبقي سوريا تحتَ الهيمنةِ الأميركية فلا تفلت من يدِها، فقد وظفت أميركا نظامَ بشارِ وإيرانَ وحزبَها ثُمَّ أتبَعتهم بروسيا لكسرِ رَقَبَةِ الثوارِ فلم تُفلح، وهذا هو المحورُ الأول، ووظَّفت تركيا والسعوديةَ لِلعِبِ على ورقةِ دعمِ الثوارِ والضغطِ عليهِم وسَوقِهِم إلى حَــتــفِ المفاوضاتِ معَ النظام السوريِّ، فلم تُفلح أيضًا، وهذا المحور الثاني… لذلكَ رأت أميركا ضرورةَ إطلاقِ تركيا أردوغانَ – آخرِ سهمٍ في كنانَتِها – نحوَ التقارُبِ معَ الجيرانِ ،ومنهُم إيران، أمَلًا بأن يكونَ اللعِبُ على المكشوفِ أنجَعَ لأوباما الذي يسعى لتسجيلِ إنجازٍ يُذكرُ لهُ قبلَ مغادرَةِ بيتِهِ البيضاوي، فهل يستقِرُّ سهمُ أميركا الأخير (أردوغان) في نحرِ ثورةِ الشامِ التي شَيَّبت رأسَ أوباما؟
فقد التقى وزيرُ خارجيةِ تركيا السابقُ أحمدُ داود أوغلو بالرئيس الإيراني حسن روحاني كما نقلت (الجزيرة نت)، وبحثَ معهُ جملةً مِنَ الملفاتِ بينها الصراعُ في سوريا، وتعهَّدَ بتطويرِ العلاقاتِ معَ إيرانَ ورفعِ التبادُلِ التِّجارِيِّ بينَ البلدَينِ إلى 50 مليارِ دولار، وأكَّدَ أوغلوا خلالَ اللقاءِ على جِدِّيَّةِ بلادِهِ في فَتحِ فصلٍ جديدٍ مِنَ التعاوُنِ معَ إيران… وفي مُؤتمرٍ صَحفِيٍّ مشتركٍ بينَ الرئيسَينِ التركيِّ والإيرانيِّ عَقِبَ ترَؤسِهِما الاجتماعَ الثالثَ لمجلسِ التعاوُنِ رفيعِ المستوى بينَ بلَدَيهِما في القصرِ الرِّئاسِيِّ بالعاصِمَةِ أنقرة السبت 14/4/2016م، قال روحاني: قرَّرنا تطويرَ العلاقاتِ بينَ البَلَدَينِ بكافَّةِ أبعادِها (وكالة الأناضول)
إِنَّ تركيا بلدٌ إسلامِيٌّ عريق، تعاقبت عليهِ أحقابٌ تاريخيَّةٌ وأوضاعٌ سياسيَّةٌ مختلفة، فقد تولى العثمانُّيونَ قيادةَ العالَمِ الإسلامِيِّ لأربعَةِ قرونٍ متصلةٍ انطلاقًا من هذا البلد، فكانت لهمُ الصولةُ والجولة، ولو لم تَنل الدولةُ العثمانيَّةُ مِنَ الشرفِ والعظمةِ إلا فتحَ القسطنطينيةِ مدينةِ هرقلَ بُشرى رسولِ الله – عليه الصلاةُ والسلام – لكفاها، فكيفَ بحيازَتَها على الخيرِ كُلِّهِ من حُكمٍ بالإسلام وغزوٍ للكفار وحفاظٍ على الأرضِ المباركةِ فلسطين؟ ثم كانَ الانقلابُ المـرَوِّعُ على الخلافةِ وعلى الأمةِ الإسلاميةِ جمعاءَ على يدِ مجرمِ العصرِ مصطفى كمال الذي صَيَّرَ تركيا إلى جمهوريةٍ علمانيَّةً تدينُ بالولاءِ لبريطانيا عام 1924م، ومعَ التَدَفُّقِ الأميركِيِّ الكاسِحِ على المنطقة الذي بدأ بعدَ انتهاءِ الحربِ العالميَّةِ الثانية، صار الصراعُ سِجالًا بين أميركا القادمةِ من وراءِ الأطلسِيّ، وبريطانيا صاحبَةِ النفوذِ في البلادِ من خلالِ عملائِها الكماليين العسكر. وإذا كانت أميركا قد أمسكت بثلثيِّ مفاصلِ الحكمِ في تركيا على يدِ حزب العدالةِ والتنميةِ الإسلاميِّ منذُ وصولِهِ إلى الحكمِ عامَ 2002م؛ فإنها اليومَ بعدَ فشَلِ الكماليينَ في تحقيقِ مُرادِهِم أصبحت عبرَ عميلِها المخادعِ أردوغانَ صاحبةَ الصولَةِ والجولة! وأمامَ هذا المشهَدِ السياسيِّ المـلَبـَّد في أرضِ العثمانيين، يبقى الصراعُ محتدمًا بينَ ثلاثةِ تياراتٍ تتسابقُ نحوَ الأخذِ بناصيةِ البلاد، مع تبايُنٍ في طبيعةِ ووُجهةِ ونوعيةِ وحجمِ تأثيرِ هذهِ التياراتِ الثلاثة:
الأول: تيارُ الكماليينَ الذين رضَعوا لِبانَ الحقدِ على الإسلامِ والمسلمينَ من أولِ يوم، وتأثيرُ هؤلاء اليومَ ليسَ لهُ ثِقَلٌ ذو بال خصوصًا بعدَ خيبَتِهِم الأخيرة.
الثاني: تيار أردوغان المراوغ، وهذا التيارُ كما قُلنا آنفًا، شَقَّ طريقَهُ نحوَ سِدَّةِ الحكمِ على أنقاضِ الكماليين، فهوَ التيارُ الحاكمُ للبلادِ المهيمِنُ على الوسَطِ السياسِيِّ فيها، المتَّجِهُ بقوةٍ نحوَ تمكينِ أميركا التي وجدت في حزبِ العدالةِ والتنميةِ ضالَّتَها في صراعِها الدولِيِّ معَ الإنجليزِ على تركيا؛ لذلكَ فحِزبُ العدالةِ حزبٌ علمانِيٌّ لا يدعو إلى تطبيقِ الإسلام، وحُكَّامُهُ لم يُطبِّقوا شيئًا منَ الإسلامِ، بل ولا يدورُ في خَلَدهِم شيءٌ من ذلك، فقد قالَ الرئيسُ التركيُّ أردوغان في 27/4/2016م (رويتر): إنَّ رئيسَ البرلمانِ إسماعيلَ كهرمانَ كانَ يُعبِّرُ عن آرائِهِ الشخصيةِ عندما قال: إِنَّ تركيا تحتاجُ لدستورٍ دينِيٍّ… إِنَّ آرائي معروفةٌ في هذا الشَّأن، الواقعُ أنَّ الدولةَ يجبُ أن تقفَ على مسافةٍ متساوِيةٍ من كُلِّ المعتقداتِ الدينية، هذهِ هيَ العلمانِية… وقد ذكرَ في 19/3/2015م (الأناضول):… وتركيا لن تتراجعَ عن العلمانيةِ التي تضمنُ حُريةَ العقيدةِ لمواطِنيها… فسلوكُ أردوغانَ السياسِيِّ مفضوحٌ لا يخفى إلا على الذينَ يُنكرونَ إشعاعَ الشمسِ في رابعةِ النهار ليسَ دونَها سحاب.
الثالث: تيارُ الشعبِ التركيِّ المسلم، وهوَ التيارُ الأقوى القادرُ على استرجاعِ سلطانِ الأمةِ المفقود، وكُلُّ مؤشراتِ النجاحِ تصُبُّ في كَفَّتِه، فالإسلامُ الذي يدينُ بِهِ أهلُ تركيا ويفخرونَ به، والموروثُ الحضارِيُّ الضاربُ في أعماقِ التاريخ، ووحدةُ المعتقدِ التي تجمعُ أهلَ تركيا بإخوانِهِم المسلمين في العالم، والرأيُ العامُّ المندفعُ المقبلُ على تحكيمِ الإسلامِ المدبرُ عن العلمانيةِ بنُسخَتَيها الكماليةِ القديمة والأردوغانيةِ الحديثةِ، كُلُّها تجعلُ من بلدِ العثمانيينَ بلدِ المالِ والرجالِ والعُدةِ والسلاح، بلدِ الشعبِ الذي خرجَ من بيوتِ اللهِ مُكبرًا يقفُ أمامَ غطرسةِ الكماليينَ وانقلابِهم حتى أحبَطَه، تجعلُ منهُ التُّربةَ الصالحةَ لإنباتِ شجرةِ الإسلامِ العظيمِ، الخلافةِ الراشدةِ فيها نسألُ اللَّهَ العلِيَّ القدير، أن يهدي الشعبَ التُّركيَّ المسلمَ إلى العمَلِ المركَّزِ والمؤثِّر، الهادِفِ إلى إقامةِ دولةِ الخلافة الإسلامية، اللهم آمين آمين، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ رب العالمين.
2016-09-11