الأمة الإسلامية أمة عالمية واحدة، ودولتها دولة عالمية واحدة هي: دولة الخلافة الراشدة
2012/07/11م
المقالات
2,709 زيارة
الأمة الإسلامية أمة عالمية واحدة،
ودولتها دولة عالمية واحدة هي: دولة الخلافة الراشدة
عبد الرحمن محمود
يكتسب مفهوم الأمة في السياسة أهمية عظمى، فهي عنصر من عناصر القوة الذاتية للدولة. والأمة السياسية التي ترعى شؤون العالم وفق نظرتها للحياة، هي قوة سياسية لها وزنها الثقيل في ميزان القوى، وفي بعض الأحيان تعتبر العنصر الحاسم من عناصر القوة، ولا ينفع تجاهه سائر عناصر القوة من مادية وغيرها.
ومفهوم الأمة هو مجموعة إنسانية يجمعها عقيدة واحدة، ووجهة نظر واحدة عن الحياة، والأمة التي تملك فكرة عالمية وطريقة عالمية من جنس فكرتها وتجسد فكرتها عملياً، هي أمة مبدأ عالمي، فالمبدأ هو الذي يصوغ ويصهر المجموعة الإنسانية فيجعلها أمة واحدة، فكراً وشعوراً، دافعاً وغاية، سلوكاً ونظرة، فتكون بذلك أمة متميزة، ناهضة، موحدة، قوية، متماسكة، أمة تصهر كافة الشعوب المختلفة في بوتقتها لتكون جزءاً منها في أمة عالمية في الشكل والمضمون والبعد.
ومفهوم الأمة لا يعترف بالوطنيات أو القوميات أو ما شاكل ذلك من الأفكار التي تؤدي إلى شرذمتها أو تقسيمها، فهي مجموعة إنسانية واحدة تنصهر في بوتقة المبدأ، فهو الجامع لها.
ومفهوم الأمة يختلف عن مفهوم الشعب؛ لأن الشعب هو مجموعة من الأفراد يجمعها أصل واحد، بالتالي يعترف بالوطنية والقومية وغيرها من الأفكار التي تؤدي إلى إيجاد الصراع بين الشعوب، وحتى بين ،فراد الشعب الواحد، ومفهوم الشعب وإن كان من عناصر القوة للدولة إلا أنه عنصر ضعيف لا يقارن بمفهوم الأمة وقوتها، والشعوب من السهولة القضاء على عناصر قوتها وإضعافها وتقسميها بخلاف الأمة.
ومفهوم الأمة من ناحية واقعية لم يتجسد في الواقع ماضياً وحاضراً ومستقبلاً إلا في الأمة الإسلامية.
والأمة الإسلامية قد ظهرت بعد أن بعث الله سبحانه رسوله محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) بالإسلام؛ لينقذ الناس من ظلم الجاهلية إلى نور الإسلام، ثم ظهرت دولة الإسلام، دولة هذه الأمة، بعد أن هاجر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة المنورة إلى أن قضي عليها، في أوائل القرن الماضي، ويتوقع عودتها بعد أمد قريب بإذن الله. وقد حملها في البداية العرب، ثم انتشر الإسلام في أرجاء العالم، ودخلت الإسلام أجناس عدة من الناس، من العرب وغير العرب، صهروا كلهم ببوتقة الإسلام، لا فرق بين أعجمي وعربي إلا بالتقوى.
والأمة الإسلامية بعد اعتناقها الإسلام وجد عندها ما يسمى بالطبيعة العسكرية الجهادية، حيث الجهاد ذروة سنام دينها، ووجد عندها فكرة نشر الهداية للناس، وتأصلت فيها النصرة الإنسانية والمسؤولية عن الغير.
والأمة الإسلامية هي التي صهرت الشعوب، وسوف تصهر كافة الشعوب في بوتقتها، لأنها الأمة الوحيدة في العالم التي تقوم على المبدأ الحق وعلى قوة الحق؛ لذلك هي صهرت شعوباً كثيرة في بوتقتها، ولم يحدث أن شعباً من هذه الشعوب قد ارتدَّ عن الإسلام العظيم؛ لأن هذه الشعوب قد اعتنقت عقيدة الإسلام وتبنت وجهة نظره في الحياة عن قناعة ورضى، وأحست بصحة الإسلام فكرياً وعلمياً.
والأمة الإسلامية تعتنق فكرة سياسية عن الحياة، وتعتنق طريقة لتنفيذ هذه الفكرة في الحياة، وإذا ملكت أمة الفكرة الصحيحة مع طريقتها، فعندها، ولا شك، تكون أهلاً لإعطاء الخير، وتكون أهلاً لحمل قيادة هذه الفكرة؛ ولذلك فان الأمة الإسلامية ليست قادرة على النهضة الصحيحة فحسب، بل هي قادرة على ذلك، وعلى أن تكون مصدراً للخير لغيرها. وعلى حمل هذه الفكرة للناس قيادة فكرية ووجهة نظر في الحياة، وبالتالي هي قادرة على حل مشاكل العالم، وعلى إنقاذه مما يتردى فيه من الشقاء والاستعباد والذل بحمل الدعوة الإسلامية إلى الشعوب.
والأمة الإسلامية تعي مفهوم أنها أمة سياسية، وأن الإسلام السياسي لا يوجد إلا بدولة الخلافة، وأنها حياة الإسلام، وأنها الطريقة الشرعية التي تنفذ أحكام الإسلام وتحمل رسالته للعالم بالدعوة والجهاد، وأنه يحرم عليها الاحتكام لأنظمة الكفر من ديمقراطية وغيرها، وهي تدرك المسؤولية الملقاة على عاتقها لإيجاد الإسلام وأحكامه في حياتها العملية، وأهمية الرسالة العالمية التي أوجب الله حملها للناس كافة، وخاصة وهي ترى مدى ما وصل إليه حالها في هذا العصر لغياب دولة الإسلام وأفكار وأحكام الإسلام في حياتها، ومدى ما وصل إليه العالم من شر وشقاء واستعباد للناس.
والأمة الإسلامية تعتنق العقيدة الإسلامية، فكرة كلية عن الكون والإنسان والحياة، عقيدة سياسية، قاعدة فكرية، قيادة فكرية ينبثق عنها وجهة نظر معينة في الحياة، يجب عليها وهي ترى العالم كله وهي معه كذلك، يتخبط هذا التخبط، ويرزح تحت نير الظلم السياسي والاقتصادي، ويخضع لاستعمار قوة غاشمة، ويئن تحت كابوس الشقاء والإذلال، فإنه فرض عليها أن تأخذ على عاتقها مهمة إنقاذ العالم، وإخراجه من ظلمات الضلال والتضليل إلى نور الهدى وسعادة الحياة. وهي وإن كانت ترزح تحت نير القوة الغاشمة، فإنه لم يعد جائزاً لها أن تفكر في نفسها فحسب، فإن الأنانية بعيدة عما تعتنقه من عقائد، وغريبة عما تحمله في ثنايا نفسها وفي صميم فؤادها من قيم وأفكار ومشاعر؛ لذلك يجب أن تفكر في إنقاذ العالم مع إنقاذ نفسها، وأن تضطلع بمهمة تحرير العالم لا تحرير نفسها وحدها. فإنها جزء من هذا العالم، وهي وجدت من أجل هداية البشر، فبعد أن اعتنقت عقيدة الإسلام صار فرضاً عليها أن تنقذ الإنسانية من الشقاء، وأن تخلص البشر من الظلم والتعاسة، ومن الإذلال والاستعباد.
والأمة الإسلامية اليوم قد دبت فيها الحيوية والحركة، وهي في حالة غليان، وقد اندفعت وتحركت، وظهر أثر أفكارها ومشاعرها الموحدة، والغرب الحاقد على الإسلام والمسلمين يخشى هذه الأمة، ويخشى من حركة واتجاه هذه الحركة عند الأمة، وهو يراقب الأوضاع بقلق واضطراب مع تكرار للأخطاء، ويسعى جاهداً للحيلولة دون إقامة دولة الأمة دولة الخلافة، ويريد الالتفاف على حركة الأمة واتجاهها عن طريق الفئة العميلة التي تتبنى أفكاره من ديمقراطية، وحرية غربية، وعلمانية، وتعددية، ووطنية، ومذهبية، وطائفية، ودولة مدنية، باسم الفئة المعتدلة من المسلمين التي تتعاون مع الغرب ضد الأمة الإسلامية، وهو في الوقت نفسه يحارب الإسلام السياسي، ويحارب أفكار الأمة ومشاعرها، ولكن الأمة اليوم أدركت حقيقة الغرب، وحقيقة أهدافه ومخططاته، وحقيقة أدواته من العملاء، سواء من الحكام أم من غيرهم من الحركات التي تسمي نفسها والتي أطلق عليها اسم الحركات المعتدلة على طريقة الغرب وبمفهوم الغرب للاعتدال. كما أن الأمة أدركت حقيقة الحزب المبدئي السياسي العالمي المخلص والواعي والناصح الأمين للأمة، وهي تريد منه أن يقودها عملياً عن طريق إقامة الخلافة أي دولة الأمة.
فالواقع المشاهد المحسوس للأمة الإسلامية ولموقف القوى السياسية منها، يشير بكل وضوح إلى أن الأمة تؤمن بالإسلام، وتريد تجسيد الإسلام في الحكم والعلاقات والمجتمع، وقد توحدت أفكارها ومشاعرها، وتوحد هدفها، وهي تعي قوله تعالى: (إن هذه امتكم امة واحدة) (الأنبياء). وأنها امة واحدة من دون الناس، وتريد التخلص من أنظمة الكفر, ومن الحكام الخونة، ومن سيطرة الغرب على بلاد المسلمين، وتريد الوحدة عملياً عن طريق دولة الخلافة وحمل رسالتها للعالم، وتعرف عدوها وتدرك مصلحتها ومن معها ومنها. ولتعلم الأمة الإسلامية والعالم، أن كافة المشاكل التي تواجه الأمة والعالم لها حلول جاهزة في دولة الأمة،دولة الخلافة. فالمشكلة الوحيدة والمتبقية أمام الأمة وأمام قائدها الحزب السياسي المبدئي المخلص والواعي “حزب التحرير” وأمام العالم هي إقامة الدولة فعلياً، والطريق لعلاج هذه المشكلة، إنما يكون بتوجه الأمة وقائدها نحو أهل القوة والمنعة، والطلب منهم صراحة، أن يقيموا الخلافة الراشدة، وأن الأمة منهم ومعهم، وعليهم ان لا يخشوا في ذلك إلا الله وحده. فدولة الحق قائمة يقيناً ومنصورة بإذن الله، وعليهم المسارعة في إقامة دولة الأمة، وأن هذه الدولة ستكون دولة كبرى بإذن الله في زمن قياسي، وعليهم أن يدركوا يقيناً قوله تعالى: (إن ينصركم الله فلا غالب لكم وان يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده، وعلى الله فليتوكل المؤمنون) صدق الله العظيم (آل عمران).
فمن كان الله معه فمن عليه، ومن كان الله عليه فمن معه، فالله ناصركم بإذنه تعالى، ولن يخذلكم إن نصرتموه بإقامة دولة الخلافة، دولة الحق والنور، دولة الهدى والعدل، دولة تطبيق شرع الله وحكمه في الأرض، دولة إنقاذ العالم من البؤس والشقاء وضنك العيش، دولة معالجة جور الأديان والمبادئ والدول على الشعوب بعدل الإسلام وأحكامه.
وأخيراً: يجب أن يعلم القاصي والداني أن الأمة الإسلامية في العالم كله تريد إقامة الخلافة مهما كلفها ذلك من ثمن ومن تضحيات، وأنها اتخذت قرار الحياة أو الموت تجاه قضيتها المصيرية، وعلى دول العالم والقوى السياسية فيه، أن تحدد موقفها من الأمة ومن دولتها. وليعلموا علم اليقين أن دولة الخلافة على وشك أن تدق ساعتها، وأنها، إن شاء الله تعالى، قائمة بصورة مفاجئة ودفعة واحدة وبطريقة انقلابية شاملة، لا تدع مجالاً لمن يفكر في احتواء فكرة الخلافة عن طريق الأدوات العميلة، أو لمن يفكر بالالتفاف على حركة الأمة واتجاهها.
2012-07-11