“فصل الكلام في فضل بلاد الشام” (عقر دار الإسلام)
2012/07/11م
المقالات
8,154 زيارة
“فصل الكلام في فضل بلاد الشام”
(عقر دار الإسلام)
أبو نزار الشامي – طرابلس الشام
الحمد لله الذي لا يخبو نوره، ولا يهزم جنده، ولا تبدل كلماته، والصلاة والسلام على صاحب الشريعة الزهراء، والرسالة العصماء، وعلى آله وصحبه وسلم.
لقد أجمع أهل العلم على أنه ما من أرض ورد فيها من فضائل -بعد مكة والمدينة- كمثل ما ورد في بلاد الشام، فهي أرضٌ أحبها الرسول صلى الله عليه وسلم ودعا لها ولأهلها، وذكر في ذلك باقة من لآلئ أحاديثه الشريفة، الأمر الذي حدا بكثير من عظماء الصحابة الكرام أن ينتقلوا إليها ويقاتلوا دفاعاً عنها حتى ضمَّ ثراها المبارك الطيب مئات من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي حمص فقط يرقد أكثر من أربعمائة صحابي ناهيك عن التابعين وتابعيهم.
وإن صمود أهل الشام اليوم وقوتهم في طرح الإسلام ولا شيء غير الإسلام في وجه الظالمين والعلمانيين ومن وراءهم من قوى الغرب وأتباع مناهجه وحضارته العفنة، ليبشرنا بخير عميم عميم، فيا من تكفل الله بهم «إن الله تكفل لي بالشام وأهله»، يا أحفاد الصحابة الأوائل، لا يسبقنَّكم أحد لنيل شرف الدنيا والآخرة بنصرة دينه ورفع لوائه، فليكن أهل الشام هم أنصار الإسلام في القرن الحادي والعشرين، ولتكن بلاد الشام هي حاضنة دولة الخلافة الراشدة الثانية بحول الله وقوته.
فضائل الشام وأهلها
من القرآن الكريم:
هي الأرض المباركة:
قال الله تعالى: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81)) وإنما كانت تجري إلى أرض الشام التي فيها مملكة سليمان وقال تعالى في قصة إبراهيم: (وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70) وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71)) ومعلوم أن إبراهيم إنما نجاه الله ولوطاً إلى أرض الشام من أرض الجزيرة والعراق وقال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)) وهو وصوله صلى الله عليه وسلم إلى أرض الشام (فلسطين).
من أحاديث الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم:
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: «إني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: البُدلاءُ يكونون بالشام وهم أربعون رجلاً، كلما مات رجلٌ أبدلَ اللهُ مكانه رجلاً، يُسقى بهمُ الغيثُ وينتصرُ بهم على الأعداءِ، ويصرفُ عن أهل الشام بهمُ العذاب».
أخرجه أحمد. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير شريح بن عبيد، وهو ثقة.
يقول ابن تيمية في الفتاوى:” وأما أهل العلم فكانوا يقولون: هم الأبدال؛ لأنَّهم أبدال الأنبياء وقائمون مقامهم حقيقة ليسوا من المُعدمين الذين لا يُعرف لهم حقيقة، كل منهم يقوم مقام الأنبياء في القدر الذي ناب عنهم فيه، هذا في العلم والمقال، وهذا في العبادة والحال، وهذا في الأمرين جميعاً، وكانوا يقولون هم الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة الظاهرون على الحق.”
-
لو أردنا أن نختصر هدف دعوة الأنبياء جمعياً ومقصدهم الذي كلفهم الله به في الأرض، لقلنا هو إقامة دين الله وتحكيم شرعه بين الناس، تلك كانت رسالة صفوة رسل الله وأولو العزم منهم، قال تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13))، وكما أن إقامة الدين هو هدف أولي العزم من الرسل، فكذلك اتخذه أولو العزم من الصحابة الكرام هدفاً سعوا إلى إقامته في أصقاع الأرض، يبنون للإسلام دولة ويدافعون عنها ويضحون في سبيلها حتى ارتفع لواء الإسلام فوق بلاد كثيرة كبيرة.
واليوم فإن من يعمل عمل الأنبياء وأتباعهم من السعي لإقامة الدين وتشييد دولة الخلافة الراشدة، ويدعو لها ويحيي الثقافة اللازمة لها، ويجلو الطريق بينها وبين الناس هو من أولي العزم من دعاة كل زمان، فإن كان من أهل الشام فعسى أن يكون بحق من البدلاء الذين يسيرون سير الأنبياء ويحيون نهجهم القويم.
وقد قام من أبناء هذه الأمة الولود، شباب من أبنائها البررة جعلوا إقامة الدين الذي شرعه الله لأعظم أنبيائه غايتهم، فقام شباب حزب التحرير من قلب الشام النابض، من بيت المقدس يحملون راية العقاب، راية رسول صلى الله عليه وسلم وطافت دعوتهم لإقامة الخلافة إلى أكناف بيت المقدس تشع نوراً مؤذناً بفجر جديد تكون كلمة الله فيه هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، حتى غدت الدعوة للخلافة عملهم وجهدهم، فإن ذكرت ذكروا وإن ذكروا ذكرت، تحمَّلوا في سبيل إقامتها كما تحمَّل الأنبياء، وامتُحِنوا كما امتُحِن أولو العزم من الرسل، ولم يبدلوا تبديلاً، وها هم اليوم في ثورة الشام المباركة يثبتون للجميع بأنهم بعون الله من أولي العزم الذين لا يرتضون بغير شرع الله بديلاً، فهم يعملون على إسقاط كل شعارات الغرب ومفاهيمه ومناهجه الفاسدة، ويجدُّون ويجتهدون في إقامة الإسلام نقياً صافياً كما نزل وكما حمله الأصفياء، لذلك فإننا نسأل المولى أن يجعل هذا الحزب الطهور واهل الشام الأبطال هم الرجال الرجال الذين يجددون للأمة أمر دينها بإقامة شرع ربها من جديد؛ فيكفُّون الظالم عن ظلمه، ويردون الحق إلى نصابه، ويثبتون للجميع بأن هذه الأمة ليست أمة ماركس ولا أمة بشار، بل هي أمة محمد صلى الله عليه وسلم التي نرى فيها أن أهل الشام و(أبدالهم) هم الأولى برفع مشعل النصر فينتصرُ بهم على الأعداءِ، ويصرفُ الله سبحانه وتعالى بهم عن أهل الشام العذاب بحوله وقوته وحده.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وسَلَّمَ: «إِذَا فَسَدَ أَهْلُ الشَّامِ فَلا خَيْرَ فِيكُمْ، لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي مَنْصُورِينَ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَة».
مُخَرَّج في السلسلة الصحيحة للألباني، وفي سنن الترمذي
-
في زمن فسد فيه الكثير وقلَّ النصير، وشارف الحليم على أن يصبح حيران، ما أعظم أن يصمد للحق الأصفياءُ حتى يغدون لقلتهم كالغرباء وطوبى للغرباء، قيل: ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال: «نَاسٌ صَالِحُونَ فِي نَاسِ سَوْءٍ كَثِيرٍ، مَنْ يَعْصِيهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ» وفي رواية: «الذين يُصلحون ما أفسد الناس» وفي رواية: «الذين يَصلحون إذا فسد الناس». وقد برزت دعوة الإسلام التي انطلق بها شباب حزب التحرير من بلاد الشام منذ أكثر من تسع وخمسين عاماً تدعو إلى استئناف الحياة الإسلامية بشكل مبدئي جذري، لا إصلاحي ترقيعي، دعوة لا تقبل بالمساومة على المبادئ مهما خذلها المتخاذلون ومهما داهن على الإسلام المداهنون؛ فثبتوا على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم بالرغم من أنهم أحيطوا بالظالمين من كل مكان، وبالرغم من أنهم لم يجدوا على الحق أعواناً. وها نحن نرى إلى جانبهم اليوم أبطال الشام وكأنهم يقفون وحدهم للظلم كله يحيط بهم من كل جانب، وقد قعد عن نصرتهم القاعدون فلم يضرهم، وكثر حولهم من يدعونهم للتنازل والركوع، أو المساومة والخضوع، لكنهم يُثبتون للجميع حديث رسول الهدى صلى الله عليه وسلم أنهم بقية الخير في هذه الأمة، والعصابة التي لا يضرها مكر الماكرين بعد أن خلعت يدها من كل حبل إلا حبل رب العالمين وحده، واللهِ لا خير في أمة يفعل بها ما يفعل ولا تخرج فيها طائفة كأمثال حزب التحرير وإخوانه من أصفياء الشام الذين يجسدون للأمة المثال العملي للمؤمن الذي لا تغرُّه السياط اللاذعة ولا سبائك الذهب اللامعة حتى تقوم الساعة وهم يحمون الإسلام من المساومين ومن المخادعين.
-
هم الطائفة الظاهرة:
قال أَبَو هُرَيْرَةَ، وَابْنَ السِّمْطِ: لا يَزَالُ الْمُسْلِمُونَ فِي الأَرْضِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لا تَزَالُ مِنْ أُمَّتِي عِصَابَةٌ قَوَّامَةٌ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ لا يَضُرُّهَا مَنْ خَالَفَهَا، تُقَاتِلُ أَعْدَاءَ اللَّهِ، كُلَّمَا ذَهَبَ حَرْبٌ نَشَبَ حَرْبُ قَوْمٍ آخَرِينَ، يُزِيغُ اللَّهُ قُلُوبَ قَوْمٍ ليرزقهم مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ، كَأَنَّهَا قِطَعُ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، فَيَفْزَعُونَ لذَلِكَ حَتَّى يَلْبَسُوا لَهُ أَبْدَانَ الدُّرُوعِ». وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «هُمْ أَهْلُ الشَّامِ» وَنَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُصْبُعِهِ يُومِئُ بِهَا إِلَى الشَّامِ حَتَّى أَوْجَعَهَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وذكره الألباني في السلسلة الصحيحة ومعنى يزيغ الله قلوب أقوام ليرزقهم منهم هو الغنائم. فهي تبين موارد رزقهم، وهذه الطائفة المنصورة تأكل من مال من أزاغهم الله عن الهدى والحق.
-
لو تدبرنا هذه الصفات التي يحددها لنا الرسول صلى الله عليه وسلم في الطائفة الظاهرة ثم أسقطناها على الفئات العاملة على الساحة الإسلامية لما احترنا في معرفة أصحابها إذ لم يبقَ من حملة هذه المناقب إلا القليل، فهي:
-
الكتلة المؤمنة (عصابة من أمتي): أي هم حزب واحد تربطهم قيادة رشيدة واحدة.
-
إسلامية الفكر والمنهاج والعمل (قَوَّامَةٌ عَلَى أَمْرِ الله): أي لم يقوموا على رابطة الوطن أو القومية أو اللغة، ولم تجمع بينهم المصالح الآنية الدونية، بل ألفت بينهم رابطة المبدأ الإسلامي وخدمة أمر الله، وأمر الله هو دينه وشريعته وسلطانه في الأرض.
-
المبدئية (لا يضرها من خالفها)، مهما تغيرت الظروف وتبدلت الأحوال وطال ظلم الظالمين.
-
العالمية والدوامية، مع بذل الجهد دون كلل (لا تزال… حتى تأتيهم الساعة)،
-
حسن الأخذ بالأسباب (تقاتل أعداء الله – حتى يلبسوا له أبدان الدروع).
كانت هذه الخصائص العظيمة في منهاج النبوة التي أوصلته صلى الله عليه وسلم وأوصلت العصابة المؤمنة معه إلى إقامة دولة الإسلام الأولى، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن تنطبق هذه الصفات عينها على دعوة حزب التحرير، فهو عالمي الانتشار والعمل، قيادته ومنهجه وتبنِّيه وثقافته واحدة في كل مكان، ولا تربط بين أعضائه إلا الرابطة الإسلامية وحدها بل هو يحارب روابط الوطنية والقومية وغيرها من الروابط الاستعمارية الفاسدة المفسدة، لا ينتهج إلا الإسلام، ولا يحركه إلا أمر الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولعل هذا ما يميِّزه في الدعوة. فإذا كان قائدنا محمد صلى الله عليه وسلم قد أقام دولة الإسلام الأولى في المدينة المنورة، فمَن أولى من أهل الشام الذين يقاتلون أعداء الله ويواجهون أفكار الكفر ومناهج الاستعمار أن يحملوا دعوة إخوانهم من شباب حزب التحرير فيعملون معاً كما عمل المهاجرون والأنصار، فيقيمون اليوم الخلافة الراشدة الثانية التي تكون على منهاج النبوة. وإذا كان قائدنا الكريم صلى الله عليه وسلم يومئ إلى الشام بإصبعه حتى يوجعها مما يدل على التأكيد والتثبيت، فكل المؤمنين اليوم بأفئدتهم المتوجعة وأبصارهم المتلهفة إلى هناك، إلى نصر من الله وفتح قريب في بلاد الشام بإذن الله.
عن زيد بن ثابت الأنصاري -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«يا طوبَى للشام، يا طوبَى للشام، يا طوبَى للشام، قالوا: يا رسول الله! وبِمَ ذلك؟ قال: تلك ملائكة الله باسطو أجنحتها على الشام».
أخرجه الترمذي وقال: “حديث حسن”، وزاد في بعض النسخ: “صحيح”. وأحمد في “المسند”
والحاكم في “المستدرك” وقال: “صحيح على شرط الشيخين”، ووافقه الذهبيّ، ورواه ابن حبان في “صحيحه”، والطبراني بإسناد صحيح، كما صححه الألباني.
-
عندما أطلق رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم هذه البشرى، كانت الشام ترزح تحت حكم الرومان وظلمهم، لكن ظلال أجنحة الملائكة لم تلبث أن أزاحت عنهم ظلم الرومان معلنة الفجر الإسلامي في ظل خلافة على منهاج النبوة، ونسأل الله أن تظلِّل أجنحة الملائكة نفسها اليوم دعاة الخلافة من شباب حزب التحرير فتحوطهم بإذن الله بالتوفيق والرضى من الله، حتى إننا لنشعر بمعية الله ومرضاته عن هذه الدعوة وأهلها، ودليل ذلك ما نرى من إصرار وعزيمة عند شباب يصلون الليل بالنهار حتى يهيئوا الرأي العام اللازم والقوة المباركة التي تحميه للوصول إلى سدة القيادة الرشيدة، وما نرى من سرعة تساقط العقبات وانهيار الأطروحات المزيفة من أمامهم حتى يكاد لا يبقى من العقبات قدامهم إلا القليل. فيا أهل الشام بشرانا وبشراكم إن حفَّتنا أجنحة الملائكة بالرحمة والسكينة والتجلد على ظلم آل الإجرام، وأزال الله عنا الغمة فتشرق الأرض بنور الخلافة الراشدة الثانية بإذن الله.
في السابق سأل الصحابة مستغربين (وبمَ ذلك؟)، واليوم يسأل الكثير نفس السؤال متعجبين: كيف لأهل الشام أن يصمدوا كل هذا الصمود؟ لكل هؤلاء نقول: لا عجب من صمود أهل الشام والملائكة تحفهم! ولا غرابة أن تعقد الآمال المؤمنة عليهم وهم أهل طوبى، ثم طوبى، ثم طوبى!.
عن عبد الله بن حوالة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سَتُجَنِّدُونَ أَجْنَادًا، جُنْدًا بالشام، وجُنْدًا بالعراق، وجندًا باليَمَنِ»، قال عبد الله: فقمت، قلت: خِرْ لي يا رسول الله! فقال: «وعليكم بالشام، فمن أبى فليلحق بيَمَنِه، ولْيَستَقِ من غُدُرِه (أي ليرتوِ من غدرانها -جمع غدير- النهر الصغير)، فإن الله -عز وجل- قد تكفَّل لي بالشام وأهله». صححه الألباني وقال: حديث صحيح جدًّا؛ وقال الحاكم: “صحيح الإسناد”، ووافقه الذهبي. قال ربيعة: فسمعت أبا إدريس يحدث بهذا الحديث، يقول: ومن تكفَّل الله به فلا ضيعة عليه.
-
كم مر على أرض الشام من مجرمين، وكم تواردت على تغيير لونها من أنظمة قومية أو اشتراكية أو… تريد أن تحرف ولاءها وتنكس لواءها، وكم يسعى اليوم قادة الإجرام والتآمر الدولي بالتعاون مع خونة العرب والعجم لوأد هذه الثورة المباركة وكسر شوكتها أو حرف مسارها، لكن التيارات والقيادات السابقة كلها بادت بعد أن سادت، وبقيت الشام إسلامية الولاء بيضاء اللواء، وكما سقطت أصنام الأمس، فها هي أصنام اليوم تحطمها إرادة شعب مؤمن قرر أن لا يركع إلا لله، وها هو يقبل على تلقف دعوة أبنائه وإخوانه من شباب حزب التحرير الذين لم يرفعوا إلا راية الإسلام المبدئي، ولم يطالبوا سوى بدولة الخلافة الإسلامية لا بدولة ديمقراطية ولا مدنية… ولعلنا اليوم نشهد بداية انهدام آخر أصنام العهود البائدة بإذن الله، لتعود الشام عزيزة طاهرة مكلوءة بكفالة الله واصطفاء رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم:
يا أهلنا في الشام صبراً أبشروا
|
|
لا تخدعوا لا تركعوا لا تكسروا
|
مهما وحوش البغي زاد عواؤها
|
|
والكل باعوكم ببخس واشتروا
|
هذي كفالة ربكم معقودة
|
|
مهما أرادوكم خساراً تنصروا
|
-
عمود الكتاب زرع في الشام:
عن عبد الله بن حوالة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رَأَيْت لَيْلَة أُسْرِيَ بِي عَمُودًا أَبْيَض كَأَنَّهُ لِوَاءٌ تَحْمِلهُ الْمَلَائِكَة، فَقُلْت مَا تَحْمِلُونَ؟ قَالُوا: عَمُودُ الْكِتَاب، أُمِرْنَا أَنْ نَضَعهُ بِالشَّامِ. قَالَ: وَبَيْنَا أَنَا نَائِم رَأَيْت عَمُود الْكِتَاب اُخْتُلِسَ مِنْ تَحْت وِسَادَتِي، فَظَنَنْت أَنَّ اللَّه تَخَلَّى عَنْ أَهْل الْأَرْض، فَأَتْبَعْتُه بَصَرِي فَإِذَا هُوَ نُور سَاطِع حَتَّى وُضِعَ بِالشَّامِ». أخرجه الطبراني بسند حسن.
اللواء: لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي كان يعقده لأمير الجهاد ويوضع فوق دار خليفة المسلمين بوصفه راية دولة الإسلام.
عمود الكتاب: فَسَّر الإمام ابن حجر الْعَمُود بِالدِّينِ وَالسُّلْطَان
عن عبد الله بن حوالة أنه قال: يا رسول الله، اكتب لي بلدًا أكون فيه، فلو أعلم أنك تبقى لم أختر على قربك.
قال: «عليك بالشام ثلاثًا».
فلما رأي النبي صلى الله عليه وسلم كراهيته للشام قال:
«هل تدرون ما يقول الله -عز وجل؟ يقول: يا شامُ يا شامُ! يدي عليك يا شامُ, أنت صفوتي من بلادي، أُدخِلُ فيكِ خيرتي من عبادي، أنت سيفُ نقمتي، وسوطُ عذابي، أنت الأندرُ، وإليك المحشرُ. ورأيت ليلة أسرى بي عمودًا أبيض كأنه لؤلؤٌ تحملُه الملائكةُ، قلتُ: ما تحملون؟ قالوا: نحملُ عمودَ الإسلامِ، أُمرنا أن نضعَه بالشامِ».
قال الألباني: حديث صحيح دون قوله: «يا شام يا شام! يدي عليك يا شام!»، وقوله «أنت سيف نقمتي، وسوط عذابي، أنت الأندر».
-
في رحلة الإسراء، صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء إماماً في بيت المقدس، قلب الشام ودرتها، معلناً القيادة الإسلامية -في الأرض- على كافة الرسالات البشرية، ومنهياً عهد اصطفاء بني إسرائيل بسبب ظلمهم وجحودهم، وفي إسرائه يبشر سيد الخلق خير الأمم بأن لواء الإسلام وسلطانه وخلافته المرتقبة ستلقي بأركانها في الشام نفسه معلنة القيادة الإسلامية التي ستحقق للدنيا النظام العالمي على أنقاض حكم الجور والطغيان، فتخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعادة الدنيا والآخرة ومن جور الأديان إلى عدالة الإسلام بإذن الله. فطوبى لمن لم يدنس ولاءه برفع غير راية الإسلام ولم يكحل عينيه سوى لواء العقاب الأبيض، وقد اشتهر حزب التحرير براية ولواء الإسلام الذي لم يرفع غيرهما، أبداً، بل ولم يقبل أن يرتفع معهما أي علم آخر من رموز الاستعمار العفنة، مع تعدد وتغير ألوان وولاءات كثير من التيارات والحركات الإسلامية التي باتت لا تميَّز عن غيرها لا بالشعارات ولا بالأعلام ولا بكثير من المفاهيم، وظل ولما يزل يدعو إلى بيعة الخليفة الذي يرفع هذا اللواء خفاقاً، ويدعو الله أن يكون في بلاد الشام، محققاً هذه البشرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
-
الشام عصمة المؤمن في زمن الفتن:
أخرج الحاكم والبيهقي والطبراني وغيرهم عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهحديثاً فيه قوله صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي رَأَيْتُ كَأَنَّ عَمُودَ الْكِتَابِ انْتُزِعَ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي، فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي فَإِذَا هُوَ نُورٌ سَاطِعٌ عُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ، أَلَا وَإِنَّ الْإِيمَانَ إِذَا وَقَعَتِ الْفِتَنُ بِالشَّامِ»، صححه الشيخ الألباني.
-
وها نحن اليوم نرى فتناً كقطع الليل المظلم قد عصفت ببلاد المسلمين فأبطلت ثورتها وضللت مسارها، لكن هذه الفتن نفسها تتكسر على أسوار الشام اليوم فلا تؤثر بها كما أثرت بغيرها من الثورات، وإن إيمان أهل الشام وحده هو الكفيل برد كل هذه الفتن إلى نحور أهلها بإذن الله تعالى، فليحذر أهل الشام وليستمعوا إلى رائدهم حزب التحرير الذي لا يكذب أهله، فلطالما حذر الأمة من حبائل الغرب التي توقع بين أمتنا الفتن المذهبية والعرقية والطائفية… لكن أهل الشام بحمد الله هم أوعى من غيرهم وأقدر بإيمانهم على إقامة القيادة التي تغلق باب الفتن وتصهر كل الخلافات تماماً كما وحدت بين الأوس والخزرج وقمعت فتنة اليهود.
-
أرض المحشر والمنشر:
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الشامُ أرضُ المَحْشَرِ والمَنْشَر». صححه الألباني.
عن بهز بن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه عن جده قال: «قلت: يا رسول الله! أين تأمرني؟ فقال: ها هنا، وأومأ بيده نحو الشامِ، قال: إنكم محشورون رجالًا وركبانًا، ومُجْرَون على وجوهِكم». أخرجه أحمد، والترمذي والحاكم وقال: “صحيح الإسناد”، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني.
قال صلى الله عليه وسلم: «ستخرج نار قبل يوم القيامة من بحر حضرموت، تحشر الناس»، قالوا: يا رسول الله، فما تأمرنا؟ قال: «عليكم بالشام». رواه الترمذي، وذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة.
قال ابن رجب: وجعل الشام منتهى الخلق والأمر، ففي آخر الزمان سيستقرّ الإيمان وأهله بالشام وهي أرض المحشر والمنشر للأنام.
عَنْ ابْنِ عُمَرَ y أَنَّ مَوْلَاةً لَهُ أَتَتْهُ فَقَالَتْ: اشْتَدَّ عَلَيَّ الزَّمَانُ، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ إِلَى الْعِرَاقِ. قَالَ: فَهَلَّا إِلَى الشَّامِ أَرْضِ الْمَنْشَرِ، اصْبِرِي لَكَاعِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ صَبَرَ عَلَى شِدَّتِهَا وَلَأْوَائِهَا كُنْتُ لَهُ شَهِيدًا أَوْ شَفِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
رواه الترمذي وصححه الألباني رحمه الله
قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث عبيد الله
لَكَاع: هِيَ بِفَتْحِ اللَّام، وَيُطْلَق ذَلِكَ عَلَى اللَّئِيم، وَعَلَى الْعَبْد، وَعَلَى الْغَبِيّ الَّذِي لَا يَهْتَدِي لِكَلَامِ غَيْره، وَعَلَى الصَّغِير. وَخَاطَبَهَا اِبْن عُمَر بِهَذَا إِنْكَارًا عَلَيْهَا لَا دَلَالَة عَلَيْهَا، لِكَوْنِهَا مِمَّنْ يَنْتَمِي إِلَيْهِ وَيَتَعَلَّق بِهِ.
-
ستكون الشام مفزع الناس من النار، ومن شدة الزمان، واليوم هي مفزع المؤمنين وملتقى آمال الموحدين، وقد أكلت نار الفتن كل ما سواها، وبإذن الله ستكون هي منشر النور نور الرسالة للعالمين.
عن أبي الدرداء رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فُسطاطُ المسلمين يوم الملحمةِ بـ((الغوطة))، إلى جانب مدينةٍ يُقال لها: ((دمشق))؛ من خيرِ مدائنِ الشامِ».
الغُوطة: هي المنطقة المحيطة بدمشق من شرقها تقريباً وهي في محافظة ريف دمشق الآن.
الفسطاط: بيت يتخذ من الشعر
الملحمة: المعركة التي يكثر فيها القتل.
وفي رواية ثانية قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
«يومُ الملحمةِ الكبرى؛ فُسطاطُ المسلمين بأرضٍ يقالُ لها: ((الغوطة))، فيها مدينةٌ يقالُ لها ((دمشق))؛ خير منازِل المسلمين يومئذٍ».
صححه الألباني, وأخرجه أبو داود، والحاكم، وقال: “صحيح الإسناد”، ووافقه الذهبي، وأقرَّه المنذريّ، وأحمد.
-
إن كانت دمشق خير منازل المسلمين، فمن الوفاء لها أن تطهر من رجس الطاغوت وحكمه ويحكمها بإذن الله خير خلفاء المسلمين. وليتحلَّ أهل الشام بالصبر والثبات على ما هم فيه فالنصر صبر ساعة، وليعلموا بأنهم مأجورون بشفاعة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم «مَنْ صَبَرَ عَلَى شِدَّتِهَا وَلَأْوَائِهَا كُنْتُ لَهُ شَهِيداً أَوْ شَفِيعاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، دولة الخلافة الإسلامية المرتقبة في بلاد الشام تستأهل كل صبر وكل تجلُّد..
10- عقر دار الإسلام:
قال صلى الله عليه وسلم: «عقُر دار الإسلامِ الشام» أخرجه أحمد والنسائي، وقال الألباني: حسن.
(عقر دار الإسلام): أي أصله وموضعه (بالشام) أي تكون الشام زمن الفتن محل أمن وأهل الإسلام قال في الفردوس: والعقر والعقار خيار كل شيء وأصله.
-
لقد كانت المدينة المنورة عقر دار الإسلام الأول، فقد توفرت فيها وفي أهلها من الصفات المناسبة لاحتضان دولة الإسلام الذهبية الأولى ما لم تتوفر في مكة المكرمة. بعد أن أغلقت مكة أبوابها أمام الدعوة فلم تستطع أن تسري إلى المجتمع مع أن الداعي لها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المؤيد بالحجج والمعجزات، ولو أردنا أن نلتمس اليوم ونحن نبحث عن عقر دار الإسلام الثاني، ما هي الدار المناسبة؟ ومن هم أهل هذه الدار الذين تتوافق صفاتهم وصفات دارهم مع صفات المدينة وأهلها لما احترنا في البحث أبداً، بل لوجدنا العجب من تطابق كل الميزات التي أدت بالمدينة وأهلها إلى تلقف الإسلام ونصرته وإقامة دولته مع صفات الشام وأهل الشام، فإذا كانت المدينة هي اختيار الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بأن تكون الدار التي ترفع لواء دولة النبوة (إني أريت دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين وهما الحرَّتان) البخاري، فإن بلاد الشام لهي اختيار الرسول صلى الله عليه وسلم لأن تكون الدار التي ترفع لواء الخلافة على منهاج النبوة كما بشر الحبيب المصطفى بأن عمود الكتاب (سلطان الدين) تحمله الملائكة إلى بلاد الشام. وأهل الشام هم كفالة الله وصفوته وخيرته، وهم أهل الإيمان في زمن الفتن. وهم أهل قوة ونصرة، فقد ناصروا الأنبياء من قبل وسيناصرون المؤمنين يوم الملحمة الكبرى، وهم خير الجنود الذين أوصى بهم النبي صلى الله عليه وسلم. وطبيعة أهل الشام التدين وأهلها أهل علم. أفلا تكون الشام بعد هذا عقر دار الإسلام وقد اكتسبت صفات المدينة وأهلها، وإن شبابها الأطهار اليوم ليبشروننا بألف ألف خير وهم يرفعون رايات العقاب التي يرفعها أبناؤهم من شباب حزب التحرير، ويهتفون للخلافة معه، واللهِ إننا لنستبشر ونحن نرى فرسان الشام المنشقين يسمون كتائبهم بأسماء الصحابة ويرفعون رايات الخلافة متحدين الغرب وأعوانه… بلاد الشام هي بإذن الله المخولة لتستلم لواء الحق فترفعه خفاقاً عالياً معلنة دولة الخلافة على منهاج النبوة من جديد فتعيد الإسلام إلى عقر داره بحول الله وعزته.
11- الشام مهبط عيسى عليه السلام:
عن أوس بن أوس الثقفي رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«ينزلُ عيسى بنُ مريم -عليه السلامُ- عندَ المنارةِ البيضاء شرقيِّ دمشقَ، عليه ممصَّرتان، كأنَّ رأسَه يقطُر منه الجُمان». صححه الألباني. (الممصَّرة من الثياب: التي فيها صُفرة خفيفة. والجمان: صغار اللؤلؤ، وقيل: حب يتخذ من الفضة أمثال اللؤلؤ).
-
إن كان عيسى عليه السلام قد اختار اللهُ سبحانه وتعالى الشامَ مهبطاً له لينشر منها الخير وينظف الأرض من الكفر والجور والإشراك، فحري بنا أن نختارها نحن أيضاً حاضنة دولة الخلافة الإسلامية التي تقشع ظلام الطغيان وتنشر رحمة الله.
-
صفوة الله من عباده وبلاده:
عن أبي أمامة الباهلي قال: قال عليه الصلاة والسلام: «صفوةُ الله من أرضِه الشام، وفيها صفوتُه من خلقه وعباده، ولَتَدخُلنَّ الجنةَ من أمتي ثلةٌ لا حساب عليهم ولا عذاب». قال الألباني: صحيح لغيره.
-
لن يقيم دولة الخلافة الراشدة بإذن الله ولن يعيد منهاج النبوة إلا صفوة خلق الله في صفوة بلاده. فإن بلاده، فإن كانت دولة النبوة الأولى قد أقامها الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه صفوة خلق الله من أصحابه، فإن العاملين لإقامة الخلافة على منهاج النبوة يكاد ينافس عملهم عمل الصحابة الأوائل، بل ويزيد عليه في الأجر، فالصحابة كانوا يجدون على الحق أعواناً وأنصاراً، أما هؤلاء فكما ورد في بعض الآثار لا يجدون على الحق أعواناً ولا أنصاراً، وهم أفضل أهل الإيمان إيماناً.
وقد انبرى حزب التحرير منذ أكثر من نصف قرن يعمل مع الأمة ليل نهار، يصرخ بين جنباتها محذراً ومرغباً ومذكراً بذلك الواجب الضخم، تاج الفروض، إقامة دولة الخلافة، حصن العقيدة الحصين، وقد واجه بكل طاقاته أفكار الغرب والاستعمار التي فرقت الأمة وبدلت ولاءاتها، وقدَّم في سبيل ذلك الكثير من الشهداء في سوريا وغيرها، وفي ذلك كله لم يخرج الحزب عن التصاقه المتين بكتاب الله وسنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وسيرته المطهرة وبخاصة العهد المكي الذي تعلَّم منه كيف أقام قائده دولة المدينة، فجعلها خارطته إلى دولة الإسلام القادمة.
عَنْ جُبَيْرٍ، أَنَّهُ قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو جُمُعَةَ الأَنْصَارِيُّ صَاحِبُ رَسُولِ اللَهِ صلى الله عليه وسلم بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ لِيُصَلِّيَ، قَالَ: إِنَّ لَكُمْ عَلَيَّ جَائِزَةً وحَقًّا أَنْ أُحَدِّثَكُمْ بِحَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْنَا: هَاتِ يَرْحَمُكَ اللَهِ، فَقَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَهِ صلى الله عليه وسلم مَعَنَا مُعَاذُ بن جَبَلٍ عَاشِرَ عَشَرَةٍ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَهِ، هَلْ مِنْ قَوْمٍ أَعْظَمُ مِنَّا أَجْرًا آمَنَّا بِكَ وَاتَّبَعْنَاكَ؟ قَالَ: «مَا يَمْنَعُكُمْ مِنْ ذَلكَ وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ يَأْتِيكُمُ الْوَحْيُ مِنَ السَّمّاءِ، قَوْمٌ يَأْتِيهِمْ كِتَابٌ بَيْنَ لَوْحَيْنِ فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَعْمَلُونَ بِمَا فِيهِ، أُولَئِكَ أَعْظَمُ مِنْكُمْ أجْرًا، أُولَئِكَ أَعْظَمُ مِنْكُمْ أَجْرًا، أُولَئِكَ أَعْظَمُ مِنْكُمْ أَجْرًا». المعجم الكبير للطبراني.
وهذا كتاب الله بيننا تنادي آياته (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)) فمَنْ غير أمثال هؤلاء من ينطبق عليهم أنهم يؤمنون بالكتاب ويعملون بما فيه، ويعملون لتحكيمه دستوراً في حياتهم. أولئك هم صفوة خلق الله، وقد كانت انطلاقة دعوة حزب التحرير من بلاد الشام «وفيها صفوتُه من خلقه وعباده»، واليوم يعمل بلا راحة مع أهله أهل الشام «صفوةُ الله من أرضِه الشام» لتكون بحق أرض الخلافة التي ستجدد عصر صفوة خلفاء الإسلام أبي بكر وعمر وعثمان وعلي. قال صلى الله عليه وسلم «ثم تكون خلافة على منهاج النبوة».
حدث أبو هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا وقعت الملاحِمُ، بعث الله من دمشقَ بعثًا من الموالي، أكرمَ العرب فرسًا، وأجودهم سلاحًا، يؤيدُ الله بهم الدين».
أخرجه ابن ماجه وابن عساكر وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. قال البوصيري: إسناده حسن. قال الألباني: حديث حسن.
-
فلا عجب من صمود أهل الشام في الملحمة الدموية التي تنزل بهم، فهم أهل الملاحم وأهل الصبر وأكرم العرب فرساً، وإن صمودهم الأسطوري وثباتهم على الحق وعدم قبولهم المساومة على دين الله –كما ساوم وتنازل غيرهم- ليؤكد أنهم أهل الحق الذين يؤيد الله بهم الدين، فيعصمه من التحريف والزلل، ثورة الشام اليوم تعلِّم كل الثورات كيف يكون سمو الغاية وطهارة الوسيلة وعظمة التضحيات في سبيل رفعة دين الله.
-
فيها يهلك الدجال:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الْإِيمَان يَمَانٍ، وَالْكُفْر من قِبَل الْمَشْرِق، وَالسَّكِينَة لأَهْل الْغَنَم، وَالْفَخْر وَالرِّيَاء فِي الْفَدَّادِينَ أَهْل الْخَيْل و أَهْل َالْوَبَر، يأتي المسيح –أي الدَّجال– إذا جاء دبر أحد صرفت الملائكة وجهه قبل الشام، وهنالك يهلك»
صحيح الترمذي، قال الألباني: صحيح
-
إن استطاعت الشام أن تهلك دجال يوم القيامة، فهي بإهلاك غيره من الدجالين أولى، ألا وإن لكل عصر دجاليه ممن يُلبسون الحق بالباطل ويروجون للطغاة بضاعتهم، من علماء السوء وزبانية السلطان، الذين اشتد خوف الرسول صلى الله عليه وسلم علينا منهم أكثر من خوفه علينا من الدجال نفسه. قال صلى الله عليه وسلم: «غير الدجال أخوف على أمتي من الدجال، الأئمة المُضِلُّون». قال الألباني (صحيح). الشام مقبرة الطغاة وكاشفة المضللين، وستُحطَّم كياناتهم وعملاؤهم ومكائدهم على أعتاب خلافتها القادمة بإذن الله.
-
هي غنيمة الإسلام:
عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله استقبل بي الشام، وولى ظهري اليمن، وقال لي: يا محمد إني جعلت لك ما تجاهك غنيمةً ورزقًا، وما خلف ظهرك مدداً، ولا يزال الإسلامُ يزيد وينقُصُ الشركُ وأهلُه، حتى تسير المرأتان لا تخشيان إلا جوراً. والذي نفسي بيده، لا تذهب الأيام والليالي حتى يبلُغَ هذا الدين مبلغ هذا النجم».
قال الألباني: صحيح
قال ابن رجب: معقل المسلمين من الروم دمشق، ومن الدجال بيت المقدس، ومن يأجوج ومأجوج الطور، وهذه الأماكن كلّها من أرض الشام.
-
إن كان الله قد جعل لنا الشام غنيمة ورزقاً، فلكل رزق مشقة، ولكل غنيمة تضحية، ودين الله يستأهل كل كدٍّ وكل تضحية، أيُّ خير عظيم أنتم مبشرون به يا أمة محمد، وأي تكليف أسبغه الله عليكم يا أهل الشام، فأنتم زيادة الإسلام ودحر الشرك، وأمان الجوار، وناشروا الدين ليبلغ مبلغ الليل والنهار. إن هذه الأعمال لهي مسؤوليات أمير المؤمنين، وقد كانت أهداف الخلافة في كل عصر. فتحت ظلال دولة الإسلام امتد التوحيد ليضيء ظلمات بلاد شاسعة، وليجعل الشرك يغيض في كثير من بلاد الله، غير أن الإسلام لم يبلغ مبلغ الليل والنهار لا في عهد النبوة ولا ما بعدها من العصور، فهل سيتحقق هذا القدَر الغيبيُّ وتلك البشرى العظيمة على أيدي أهل الشام المتوضئة الطاهرة. بشراكم يا أهل الشام، هذا رسولكم يعدكم بعز الدهر، فاجعلوا العمل لإقامة دولة الخلافة التي ستفتح لكم الدنيا مقصدكم وهدفكم وغاية جهدكم، وضعوا أيديكم مع أيدي إخوانكم من حزب التحرير الذي طالما ذكَّر الأمة بالخلافة وحمَّلها مسؤولية إعادتها، ورسم لها الخطوات اللازمة للنهضة، وفنَّد الردود اللازمة للمفاهيم المضللة التي تعترض طريق نهضتها، وفي نفس الوقت ألف لدولة الإسلام القادمة دستوراً جاهزاً للتطبيق، وأجهزة متنوعة لمختلف إدارتها، وأقام برامج تفصيلية لأنظمتها ومؤسساتها، ووضع يده بيد أمته وشرح لها سبيل نبيها وكيف أنها تستطيع إعادة سيرته الأولى، تحمَّل الكثير وضحى بالكثير، داخل سوريا وخارجها، قبل الثورات وأثناءها وبعدها، ولم تلن له قناة أو تضعف له عزيمة، واليوم هو المؤهل الوحيد لتعطيه الأمة قيادها ليفتتح معها مرحلة الاستخلاف القادمة بإذن الله. قال الصادق المصدوق: «ليبلغن هذا لأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر».
-
اللهم باركها:
قال عليه الصلاة والسلام: «اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا» قالها مراراً، فلمّا كان في الثالثة أو الرابعة قالوا: يا رسول الله، ففي نجدنا، قال: «بها الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان». أخرجه البخاري وأحمد والترمذي. بيّن شُرّاح الحديث أنّ المُراد: نجد العراق، وممّن بيّن ذلك الإمام الخطابي والإمام ابن حجر العسقلاني.
عن جابر رضي الله عنه قال: «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْماً وَنَظَرَ إِلَى الشَّامِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَقْبِلْ بِقُلُوبِهِمْ، وَنَظَرَ إِلَى الْعِرَاقِ فَقَالَ نَحْوَ ذَلِكَ، وَنَظَرَ قِبَلَ كُلِّ أُفُقٍ فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا مِنْ ثَمَرَاتِ الْأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا وَصَاعِنَا». أخرجه أحمد وهو صحيح لغيره.
معنى”أقبل بقلوبهم” يعني أقبل بقلوبهم على طاعتك
-
ونحن ندعو مع دعاء قائدنا لأهل الشام أن يُقبل الله بقلوبهم على إقامة دولة الخلافة، وتحكيم منهج القرآن، ونسأله أن يوفق حزب التحرير ويبارك بجهدهم ويفتح لهم عقول الناس وقلوبهم بالحق وهو خير الفاتحين، ونضرع إلى المولى الذي فرض الخلافة وبارك بأهلها أن يعين أهل الشام ومن يعمل معهم لإقامتها وأن يوحِّد صفهم وكلمتهم وعزمهم على عدم المساومة ولا المداهنة على مبدأ الإسلام مهما غلت التضحيات.
-
فيها باب التوبة:
عن زر بن حبيش قال أتيت صفوان بن عسال المرادي فقال:
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ يَوْمَ الْقِيَامَة»، فَمَا زَالَ يُحَدِّثُنَا حَتَّى ذَكَرَ بَابًا مِنْ قِبَلِ الْمَغْرِبِ مَسِيرَة سَبْعِينَ عَامًا عَرْضُهُ، أَوْ يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي عَرْضِهِ أَرْبَعِينَ أَوْ سَبْعِينَ عَاماً، قَالَ سُفْيَانُ :قِبَلَ الشَّامِ، خَلَقَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ مَفْتُوحاً يَعْنِي لِلتَّوْبَةِ، لَا يُغْلَقُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْهُ». رواه الترمذي مطوَّلاً وحسَّنه العلامة الألباني رحمه الله قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
-
اللهم اجعل صبر الشام وأهلها توبة لنا ولهم على ما قصرنا في حق دينك وحق كتابك علينا، واجعل العاقبة لنا غفراناً لا معصية بعده، ونصراً لا هزيمة بعده.
-
لا تسبوا أهل الشام:
عن عبد الله بن زرير الغافقي قال: سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول:
«ستكون فتنةٌ يحصلُ الناس منها كما يحصل الذهب في المعدن فلا تسبُّوا أهل الشام وسبُّوا ظلمتهم، فإن فيهم الأبدال، وسيُرسل الله إليهم سيـباً من السماء فيغرقهم حتى لو قاتلتهم الثعالب غلبتهم، ثم يبعث الله عند ذلك رجلاً من عترة الرسول الله صلى الله عليه وسلم في اثني عشر ألفاً إن قلوا، وخمسة عشر ألفاً إن كثروا، إمارتهم أو علامتهم أَمِتْ أَمِتْ، على ثلاث رايات، يقاتلهم أهل سبع رايات، ليس من صاحب راية إلا وهو يطمع بالملك، فيقتتلون ويهزمون، ثم يظهر الهاشميُّ فيرد اللهُ إلى الناس إلفتهم ونعمتهم، فيكونون على ذلك حتى يخرج الدجال».
(1) الأبدال: الأولياء والعُبَّاد، سُمُّوا بذلك لأنهم كلما مات واحد منهم أُبْدِلَ بآخر
(2) سيبا: عطاء جارياً
المستدرك على الصحيحين، هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه
تعليق الحافظ الذهبي في التلخيص: صحيح
-
فإحسان الظن بأهل الشام لازم وسبهم خيانة، فإلى كل من بادر إلى اتهام أهل الشام أو الطعن بهم وبثورتهم أو مساندة ظالميهم وعونهم عليهم: أنتم تضعون أنفسكم وجهاً لوجه أمام سخط الله وعقابه ومعصية رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أحب الشام وفضَّلها ودعا لها ونهى عن سبِّها، بل أكًّد على أن توجه الهجمة على ظُلَّامها، فهي في كفالة الله ورسوله، يوالي الله من والاها ويعادي من عاداها، فيرسل عليه من جنوده وغضبه ما ينسيه وساوس الشيطان، فيا أيها المراهنون على إركاع ثورة الشام، كونوا مع الشام وأهلها ولا تكونوا مع الجانب الخاسر لأنكم عما قريب ستلحقون بأعدائها داخرين بإذن الله.
-
قال ابن رجب في بلاد الشام ما مجمله: ومن بركاتها الدينية أنّها أرض الجهاد، فأهلها في جهاد ورباط… ومن بركاتها أنّ نور النبي صلى الله عليه وسلم عند ولادته سطع إليها، فأشرقت قصورها منه، فكان ذلك أوّل مبدأ دخول نوره صلى الله عليه وسلم الشام.
-
كان أبو الدرداء قاضياً بالشام، فكتب إلى سلمان: هلمّ إلى الأرض المقدّسة أرض الجهاد.
-
قال عطاء الخراساني: ما رأيت فقيهاً أفقه إذا وجدته شامياً. – قال الإمام أحمد: والشام بلد مبارك.
كلمة أخيرة:
يا أهل الشام، يا أبدال الأنبياء وخيرة الأتقياء، يا أهل طوبى، هذه هي المكانة التي ارتضاها لكم ربكم ورفعكم إليها نبيكم، فالله الله لا تقبلوا بما دونها، ولا تستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير.
أرضكم في ظلال الملائكة، هي أرض الأمان وسط الفتن، هي كفالة الله وصفوة بلاده، ألا تريدون أن تروها عقر دار الإسلام؟!، ألا تحبون أن تروا عمود الكتاب ولواؤه يرفرف فوق دار خليفة المسلمين؟!، أترضون أن تترك الشام لكفرة الغرب ورجالات الإجرام ومنظمات التآمر؟!، ألم تكفنا كل تلك الآلام والعذابات؟! ألا تكفي إحدى وتسعون سنةً من الذل والقهر والهوان على الناس؟!. مَنْ لنصرة المستعفين إلا أنتم؟!، أليس واجباً علينا أن نوفي للشام بعضاً من تقصيرنا في نصرتها طوال تلك السنين؟!!.
إن أرادوا بكم الفتنة فأرضكم العاصمة من الفتن، وإن أرادوا الملاحم فأنتم أهل الملاحم، أمرُكم اليوم بيدكم، والله الذي فضَّل الشام وجعلها فسطاط الإسلام، إن صحَّ منكم العزم وخلصت منكم النية، واستقامت طريقتكم على نهج قائدكم الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فإننا سنشهد بإذن الله عما قريب أحد أبطالكم يرفع لواء دولة الخلافة الراشدة الموعودة فوق دار أمير المؤمنين بحول الله وقوته.
فلتكن ثورتكم لا على الحكام فقط بل أيضاً على مفاهيم الغرب ودساتيره وأنظمته التي مكنت للحكام عروشهم فساموكم بها أشد العذاب، ففرَّقوا جمعكم وشتَّتوا أمركم ومنعونا منكم ومنعوكم منا بالحدود والسدود والولاءات، انبذوا كل أفكار الغرب وبضاعته المزجاة من وطنية وقومية وديمقراطية ومدنية علمانية يروجها الغرب لكم من جديد، لا نريد إلا الإسلام الطاهر الذي آن أوانه، وعلى أيديكم سيعود من جديد بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام وذلاً يذل به الكفر وأهله.
إن الواقع الأليم للملك الجبري الذي تمرون به اليوم وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم فقال:
«ينزل بأمتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم لم يسمع بلاء أشد منه، حتى تضيق عنهم الأرض الرحبة، وحتى يملأ الأرض جوراً (البغي والظلم والميل عن الحق) وظلماً، لا يجد المؤمن ملجأ يلتجئ إليه من الظلم..» أخرجه الحاكم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في المستدرك وقال: “هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه”
لكن هذا الملك الجبري الذي أنتم فيه اليوم والذي تدكُّون أركانه بثورتكم المباركة هذه سيرتفع وسيبزغ بعده، بإذن الله، فجر عظيم، تكون كلمة الله فيه هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى، فأبشروا، وكونوا أنتم أنصاره، واعملوا مع العاملين له من أبناءكم وإخوانكم شباب حزب التحرير لنشهد معاً هذا المجد بأقصى طاقة وأقصى سرعة.
نحن نشهد اليوم بإذن الله الرمق الأخير للعهد الجبري الذي يتزلزل أمام ضربات أهل الإيمان، وإن يوماً واحداً تحت ظلال الخلافة على منهاج النبوة لتذوب معه كل التضحيات وكل العذابات وفي لحظة واحدة. وقد سعى حزب التحرير ولا زال في دعوته المباركة لحمل الأمة على النهوض والعمل لإقامة دولة الخلافة، سعى إلى تذكيرهم بوافر العز الذي يستأهل منهم التضحية بكل غال في سبيلها، ولطالما ذكرهم بالحديث العظيم الذي يحدد الأدوار السياسية التي ستمر بها الأمة حتى يومنا هذا، بل وشرح بالتفصيل مرحلة الخلاص التي نحن على أعتابها بإذن الله.
قال صلى الله عليه وسلم: «إن أول دينكم نبوة ورحمة وتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله جل جلاله. ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله جل جلاله. ثم تكون ملكاً عاضاً فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعه الله جل جلاله، ثم يكون ملكاً جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله جل جلاله، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة تعمل في الناس بسنة النبي، ويلقي الإسلام بجرانه في الأرض، يرضى عنه ساكن السماء و ساكن الأرض، لا تذر السماء من قطر إلا صبَّته مدراراً و لا تدع الأرض من نباتها وبركاتها شيئاً إلا أخرجته».
رواه الإمام أحمد والبزار والطيالسي، وقال الهيثمي: ورجاله رجال الثقات، ورواه الطبراني في الأوسط من حديث حذيفة، وذكره الألباني في الأحاديث الصحيحة.
اللهم أنت الملك القادر، ذو البطش الشديد الفعال لما يريد، إلهي إن المجرم بشار قد بغى علينا وتجبَّر وأنت الحكم العدل وقد خاصمناه إليك وتوكلنا في كشف مظلمتنا عليك؛ فأنزل اللهم عليه وعلى أوليائه بلاء يعجز عن دفعه أهل السماوات وأهل الأرض، نسألك يا ناصر المظلوم أن تأخذه من مأمنه أخذ عزيزٍ مقتدر، اللهم اسلبه نعمته وسلطانه، اللهم ابتر عمره، واقطع ملكه ودابره، وأطفئ ناره، وأظلم نهاره، وكوّر شمسه، وأزهق نفسه، وأرنا أنصاره وجنده شتّى بعد اجتماع، مقنعي الرؤوس بعد الظهور، وادفع يا ربي مشيّته بمشيّتك، واستبدل سلطانك بسلطانه، وأقم دولة الخلافة الراشدة الثانية على أنفاض دولته، وصيّر كيده في ضلال، وأمره إلى زوال، ونعمته إلى انتقال، وسلطانه إلى اضمحلال، وقنا شرّه وسطوته وعداونه، والمحه لمحة تدمّر بها عليه، فإنّك أشدّ بأساً وأشدّ تنكيلاً، اللهم إن أهل الشام أحبابنا وأحباب نبيك فلا تفجعنا بهم، اللهم قد حُمِّلوا على الخُشُب ونُشِّروا بالمناشير، وفضلوا الموت في طاعتك على الحياة في معصيتك، اللهم اضرب بهم الكفر فبدده، وزلزل بهم الباطل فدمره، اللهم اكلأهم بملائكتك وبالخُلَّص من عبادك الصالحين، اللهم نوِّر قلبهم، وسدد رميهم، وضمِّد جروحهم، ولا تفرق رأيهم، واقبل شهداءهم، والطف بهم مما يمكر بهم الماكرون. اللهم أبطل عنهم ما يكيده الكائدون. اللهم سخِّر لهم جنود السماء والأرض. اللهم واجعل ظلمتهم نوراً، واقلب حزنهم سروراً، واجعل لهم في رحابك حجراً محجوراً.
وأعنَّا يا رب وأّعِنْ شباب حزب التحرير على نصرتهم نصرة الأخيار، مهما تكالب علينا الأشرار، ومهما أرهبنا الكفار، اللهم اجعلنا وأهل الشام أنصار دينِك. اللهم اجعلنا نصرك الذي وعدته القوم المؤمنين، واجعلنا العاقبة لأوليائك الصالحين، واجعلنا نارك على أعداء المسلمين. اللهم وارفع في بلاد الشام راية الموحدين، اللهم اجعلها خلافة كخلافة الراشدين، تلم بها شملنا، وتجمع بها عزنا، وتحطم بها أنظمة المفسدين.
اللهم اغفر لنا ما قصرنا في حقك وحق المستضعفين، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
2012-07-11