الحراك الثوري والصراع الحضاري
2012/07/11م
المقالات
2,141 زيارة
الحراك الثوري والصراع الحضاري
أبو إبراهيم المقدسي
إن محاولة فهم ما يجري في المنطقة من هبَّات شعبية أدت إلى الإطاحة ببعض الحكام أوجدت تساؤلات كبيرة: لماذا لم يتوقع أحد حدوث ذلك؟ وكيف انطلقت الثورة على الحكام فجأة رغم القمع والبطش؟ وهل هناك أبعاد ومضامين كامنة وراء هذا الحراك الثوري كالصراع الحضاري؟ هذا ما نحاول استشرافه في هذه المقالة.
من الواضح أننا بحاجة إلى أدوات مفاهيمية لفهم الحراك الثوري الحاصل في المنطقة، وبحاجة إلى محاولات تنظير على المستوى الفكري لوضع هذا الحدث في إطار مفاهيمي محدد بحيث يستطيع المهتم إدراك ما يجري استناداً على فكر إسلامي مستنير، ومن ثم محاولة استشراف المستقبل. والهدف هو لترشيد مسار هذا الحراك الثوري بحيث يصل إلى الأهداف الحقيقية والصحيحة التي ترشدنا إليها حضارتنا ومبدؤنا.
بداية لا بد لنا من التنويه إلى أن أي صراع يتخذ أشكالاً مختلفة، منها العسكري والسياسي والفكري والاقتصادي والحضاري، ولسنا هنا في معرض بحث جملة الأسباب المؤثرة في هذا الصراع، بل نريد إلقاء الضوء على بُعدٍ يُغفِله الكثيرون ألا وهو البعد الحضاري، والذي كان كامناً في نفوس الثوار، وكان له أثر هام في الحراك الذي نراه. ولنمثل لما نريد قوله بأمثلة، فنقول بأنه إذا قسنا الأمور من زاوية الصراع الحضاري نجد أن وجود (إسرائيل) مآله الفشل والزوال تماماً كما أصبح وجود الصليبيين في الشام تاريخاً، وكذلك فإن هزيمة المغول حضارياً لم تقلَّ روعة عن هزيمتهم عسكرياً سنة 1260هـ، ونفهم لماذا استعصت الجزائر على الذوبان في الثقافة الفرنجية، ونفهم لماذا انتفض أهل فسطين سنة 1987م ضد محاولة إذابتهم حضارياً من قبل محتليهم اليهود، وهكذا. فعندما تبحث الأمور من هذه الزاوية تبدو الأمور أكثر حتمية، ويتضح أنَّ لما يجري آفاقاً بعيدة المدى، وتصبح الأشياء أكثر وضوحاً عند النظر إليها من الزوايا الأخرى من البحث.
ولا بد أن نؤكد مرة أخرى على أهمية العوامل الأخرى المؤثرة في الصراع الدائر وعدم إغفالها، بل إننا نؤكد أهمية جميع الأسباب، ونؤكد أن لكل سبب وزنه وأهميته التي لا بد من إدراكها، ومن هنا أردنا أن نؤكد وجود عامل مؤثر أدى إلى حدوث الحراك الثوري ألا وهو الصراع الحضاري، وأن له وزناً كبيراً لا يجوز إغفاله. ففي سوريا هناك صراع سياسي وصراع عسكري واقتصادي يجري هناك، وقد رأينا هذا الصراع جلياً مع اندلاع الحراك الثوري. ولكن كان هناك صراع آخر مستمر يجري منذ أمد أعطى الزخم للحراك الثوري، وهو الصراع الأساسي الذي تعتمد عليه جميع أنواع الصراعات الأخرى وبدونه لا معنى لوجودها، ونقصد بذلك الصراع الحضاري.
اختلاف الحضارات:
يعتبر البعض الحضارة بمفهومها الشامل بأنها كل ما يميز أمة عن أمة من حيث العادات والتقاليد وأسلوب المعيشة والملابس والتمسك بالقيم الدينية والأخلاقية، ومقدرة الإنسان على الإبداع في الفنون والآداب والعلوم الذي تمتَّع به شعب معين في حقبة من التاريخ. فهي أسلوب معيشي يعتاد عليه الفرد من تفاصيل صغيرة إلى تفاصيل أكبر يعيشها في مجتمعه، وتعامله هو كإنسان مع الأشياء المادية والمعنوية التي تدور حوله وشعوره الإنساني تجاهها.
لا وجود لما يسمى بحضارة إنسانية حيث إن الحضارة تختلف باختلاف الأمم وطرائقها في العيش، فالحضارة الشيوعية هي غير الحضارة الغربية، والحضارة الإسلامية غير الحضارة الغربية، وغير الحضارة الشيوعية ، لأن مجموعة مفاهيم الأمم والشعوب عن الحياة مختلفة ومتباينة.
ولكن عند النظر إلى الإنتاج الإنساني عموماً، لا بد لنا من التفريق بين ما ينتجه العقل مما يتعلق بوجهة النظر في الحياة، وبين ما ينتجه من الأشكال المادية المحسوسة كالصناعات والاختراعات، فالإنتاج الأول المتصل بالمفاهيم هو خاص بمجتمع معين، أما الإنتاج الثاني فهو عالمي. ولأجل ذلك كان الإنتاج الأول أي مجموعة المفاهيم عن الحياة هو الحضارة، وكان الإنتاج الآخر هو المدنية، ولا مشاحة في الاصطلاح كما يقال.
ومجموعة المفاهيم عن الحياة لأية حضارة تتكون من ثلاثة أمور هي: الأساس تقوم عليه الحضارة وهو العقيدة، وتصوير الحياة وهي الفلسفة التي انبثقت عن العقيدة والتي تقوم عليها الحياة وأعمال الإنسان في الحياة، والغايات والمقاصد أو القيم التي يراعى تحقيقها حين القيام بهذه الأعمال، ومعنى معيَّن للسعادة.
فالحضارة الإسلامية والحضارة الرأسمالية كلاهما تبيح أكل السمك ولبس الصوف والتداوي والملكية الفردية وتوكيل المرأة ومحاسبة الحاكم، إلا أن هذا التشابه بين الحضارتين في هذه الأمور لا يعتبر من الحضارة الإسلامية إلا إذا أخذ على أنه وحي من الله إلى محمد صلى الله عليه وسلم أي على أنه شرع، بينما هو في الحضارة الرأسمالية يؤخذ على أنه مصلحة، أو على أن عقولهم تستحسنه، فإن أخذه المسلم بناء على المصلحة أو التحسين العقلي فلا يعتبر أخذاً للإسلام.
ثالوث الحضارة والثقافة والمجتمع:
لما كانت الحضارة هي الإنتاج العقلي لشعب أو أمة ما، كانت هي مجموع المفاهيم عن الحياة، وكانت تملي على أتباعها طريقة معينة في العيش. لذلك كان لا بد للحضارة حتى توجد من ثلاثة أمور “ثالوث” وهي: وجود مجتمع ما، ووجود ثقافة مجتمعية خاصة أي مجموعة من المفاهيم تسيِّر الحياة والعيش، وأن تكون طريقة العيش في هذا المجتمع تسير وفق هذه المفاهيم، بحيث يؤدي تفاعلها في المجتمع إلى إيجاد إنتاج عقلي بجانب إنتاج مدني مادي، بحيث تصبغ حياة المجتمع بشكل محدد، وهذا ما يجعل لهذا الشعب أو لهذه الأمة حضارة مميزة.
إن الناظر في حضارة شعوب المنطقة الإسلامية يجد أنها واحدة مشتركة وهي تتحرك معاً في حراك حضاري اختزنته في فؤادها الجماعي عبر تاريخها الطويل. والحضارة غير الدولة، فالحضارة عابرة لحدود الدول ولا تستطيع الحدود والحواجز إيقاف تأثيرها وحركتها، وتشكل الحضارة من جهة أخرى القوة الناعمة للدولة المبدئية، وتزداد الحضارة قوة وتتجذر بين الشعوب التي تحملها وتشترك في لغة واحدة ولها جغرافية متقاربة وانتقال طبيعي للناس وتبادل للإنتاج المعرفي والإنتاج المدني، وتزداد الحركة الحضارية في المدن الكبيرة كدمشق والقاهرة وتتجذر الحضارة في الدول الكبيرة كمصر وتركيا.
أنواع الحضارات:
ليس بالضرورة لأن يرتكز مجموع المفاهيم عن الحياة التي تشكل حضارة مجتمع ما على قاعدة فكرية مبدئية، فقد تكون الحضارة مرتكزة على فكرة أو أفكار جزئية، فالحضارة الفرعونية والحضارة الفارسية والحضارة اليونانية وكذا باقي الحضارات البائدة كانت ترتكز على أفكار جزئية عن الحياة، أما الحضارة الرأسمالية والحضارة الشيوعية والحضارة الإسلامية فكل منها يرتكز على فكرة كلية انبثق عنها نظامها أي على مبدأ.
إن وجود المبدأ هام جداً للحضارات، فهو فوق أنه يجعل هذه الحضارة متميزة عن غيرها، فإنه يؤدي إلى نهضة المجتمع ورقي الأمة. وإذا تفاعلت حضارة المبدأ بشكل صحيح في الشعب والأمة فإنها تصبح حضارة راسخة يصعب محوها أو استئصالها.
فالحضارة الشيوعية مثلاً انكمشت ثم زالت بسهولة لأن الذي حملها لم يكن شعباً أو أمة، بل أفراد وجماعات في روسيا وأوروبا الشرقية وطبقت بالحديد والنار. أما حضارة الإسلام فقد بقيت راسخة في نفوس المسلمين بالرغم من زوال دولتهم، لأن المجتمع الذي حملها ونهض على أساسها لم يتخلَّ عن الأساس الذي قامت عليه حضارتها وهو العقيدة الإسلامية، وبقيت الشعوب الإسلامية تعيش في بعض جوانبها وفق مفاهيم الإسلام عن الحياة.
حتمية صراع الحضارات:
إن الناظر والمتأمل في الكون والإنسان والحياة يجد أن الله تعالى قد أقام هذا الكون على مبدأ السببية أي ربط الأسباب بالنتائج، وجعل ربط الأسباب بمسبباتها يجري وفق قوانين ونواميس وسنن، وجعلها لا تتغير ولا تتبدل ولا تحابي أحداً. وما يجري في حياة البشر فإنه يجري وفق سنن جعلها الله تعالى تنظم حياة البشر، ولولاها لاختل نظام الإنسانية ولفسدت الحياة ولما صلحت الأرض ليستخلف الإنسان فيها.
ومن تدبر آيات الله في الكتاب المسطور والكتاب المنظور نجد عدة سنن تخص حياة البشر وحضاراتهم، وهي لا بد من معرفتها لمن أراد الفهم والتغيير، وإلا يكون مقصراً؛ لأن هذه السنن تؤثر في حياته من حيث يدري أو لا يدري، ومن باب الأخذ بالأسباب كان لا بد من إدراك هذه السنن ومراعاتها وإلا طحنته من حيث لا يدري.
ومن سنن الله تعالى المتعلقة بحضارات البشر ومعيشتهم أن الله سبحانه قد جعل التعدد والاختلاف بين الناس سنة مجتمعية لعمران الأرض. ومن السنن أن الله جعل لكل أمة أجلاً وأعماراً كالأفراد، فتموت الأمم -وحتى لغاتها- ليس بموت أفرادها ولكن بتخلِّي تلك الأمة عن حضارتها السالفة، قال الله تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34)) ومن السنن الربانية سرعة عقوبة الظالم في الدنيا وما يترتب على الظلم من نتائج اجتماعية وبيلة تنتهي إلى خراب العمران. ومن السنن سنة التدافع لمنع الإفساد في الأرض وإعادة التوازن إلى الحياة. ومن هذه السنن سنة التغيير المجتمعي من حال إلى حال.
إن صراع المصالح بين الدول والشعوب هو في أصله اختلاف فكري يتبعه صراع فكري ثم صراع على المصالح ويصل أحياناً إلى صراع عسكري، وهذا الصراع على المصالح يمكن أن يكون بين حضارتين مختلفتين، كما يمكن أن يكون بين دولتين أو شعبين من حضارة واحدة. فالصراع الفكري هو أساس كل صراع على وجه الأرض منذ اختلاف ابني آدم عليه السلام إلى يومنا هذا وسيستمر إلى ما شاء الله. فالأمم والشعوب الحضارية خلال حركتها لا بد لها أن تصارع الحضارات الأخرى خصوصاً في بلادها. إذاً فصراع الحضارات أمر حتمي أي سنة، كان في الماضي وهو كائن اليوم وسيبقى إلى أن ينتهي الصراع قبيل الساعة.
لقد ظل الصراع بين الإسلام وحضارته وبين الحضارات الأخرى صراعاً فكرياً وعسكرياً حتى عمَّ الإسلام أرجاء العالم القديم ودخل الناس في الإسلام وانسلخوا من دياناتهم وحضاراتهم السابقة وصاروا أمة واحدة، لكن المسلمين تعرضوا لعوامل داخلية أدت إلى سوء الفهم للإسلام وتبعه سوء التطبيق والانحدار الشديد نحو الانحطاط، ثم تعرَّض المسلمون لعوامل خارجية نتيجة الهجمة الحضارية والغزو الفكري من الحضارة الرأسمالية في القرن الثامن عشر الميلادي، أدت إلى انكماش حضارتهم وكادت أن تزول ولكنها لم تمت، وأزيلت دولة الإسلام التي طبقت هذه الحضارة، فيما ارتفعت في المقابل حضارة الغرب الرأسمالية. فحضارة الغرب الرأسمالية قد صرعت المسلمين عسكرياً وسياسياً واقتصادياً ولكنها لم تصرعهم فكرياً، ولكن تأبى سنن الله إلا أن تكون الغلبة والنصر في نهاية المطاف للإسلام والمسلمين إن شاء الله تعالى.
الحراك الثوري:
من خلال تدبر سنن الله في التغيير نجد أن التغيير الحضاري يكون في العادة بطيئاً لكنه يكون تغييراً أكيداً وعميق الجذور، وقمعه بالقوة من الحكام بهدف إيقافه غير ممكن، أما التغيير بالانقلابات العسكرية فهو سريع ولكنه يبقى قشرياً غير عميق الجذور ما لم يتبعه نهوض شامل على أساس مشروع حضاري يؤمن به المجتمع.
ومن تدبر سنن الله في التغيير نجد أن كل الثورات وحركات التغيير التي عرفها الإنسان عبر تاريخه الطويل جاءت بداياتها أول مرّة في النفوس، نفوس تتغير وتتحول من الداخل كلياً أو جزئياً لرفض الواقع والتمرد عليه، وتتشكل فيها الأفكار الجديدة والمشاعر المغايرة والمضادة لما هو قائم في اتجاه تحقيق التطلعات والآمال، وهذه سنة ربانية، قال تعالى في الرعد: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ). فهناك تغيير يكون من قبل الناس في أنفسهم، وبعد ذلك وكنتيجة سببية يغيِّر الله ما بهم من حال رفضوه إلى حال جديد أرادوه. فتغيير الله يكون طبقاً لقوانينه وسننه التي قدرها سبحانه وتعالى.
ولكن حين لا يحدث التغيير طبيعياً في ظل معيقات ثقيلة الوطء على النفوس بفعل عوامل داخلية وخارجية ومنها شدة الظلم والتجبر، تبلغ الأمور حد التأزم عند طغيان الفساد، ويبلغ الاختلال في موازين الحياة مبلغاً لا يحتمل، وتبلغ الثورة في النفوس النضج، فلا بد حينها من نبذ هذا الاختلال وإحداث التغيير بسنة ربانية أخرى هي سنة الصراع التدافعي بين الأمة وحكامها لإزالة الظلم والظالم، قال تعالى في سورة البقرة: (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ). عند ذلك تتحرك الثورة الشعبية التي تعبر عن صراع بين إرادتين متعارضتين في المبدأ والمنهج والغاية، فالثورة حراك طبيعي إنساني تاريخي ينطلق متى توفرت شروطه لوازمه ساعياً إلى إحداث بناء جديد بعد تحطيم البناء القديم.
ولأن الفكر الذي فرضه الاستعمار على الأمة ومن بعده ورثته من الحكام هو فكر رأسمالي مستورد وحضارة فرضت زوراً على واقع حضاري مخالف بالقوة القاهرة والاستبداد والقمع والجبروت، وقد آن زواله مهما امتلك من قوة قامت بتصفيح هذه الأنظمة لضمان عدم الانقلاب عليها وإزالتها. وكان لا بد أن تأبى الأمة ذلك فيحدث الصراع التدافعي الذي اتخذ أشكالاً متعددة، وهو ما لا يُزال بالقوة المادية؛ لأن التغيير الحضاري يجري وفق سنن الله غصباً عن الحكام وعن أسيادهم. فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا ليزيل ظلمهم وتجبرهم، وكان لا بد من تحرك شعوب الأمة في صراعها لبقايا حضارة استنفدت أغراضها في بلادنا لتحل محلها حضارة عميقة الجذور في وجدان هذه الأمة؛ لذلك كان لا بد مما شاهدناه من حراك ثوري في بلدان العرب.
ضعف الحضارة انكماشها:
إن الحضارات المبدئية لا تموت في العادة، فإذا تبنتها شعوب وأمم وآمنت بفكرتها الأساسية وبقيت سائرة في الحياة وفق مفاهيم هذه الحضارة حتى لو تعرضت لعوامل خارجية كالغزو وذهاب دولتها فإن الحضارة تضعف وتنكمش ولكنها لا تزول.
إن الحضارة تدخل طور الانكماش في العادة عندما لا تستطيع إيجاد حلول لمشاكلها الداخلية والخارجية بالاعتماد على قاعدتها الفكرية، وتأخذ بالضعف عندما يضعف أثرها في نفوس أهلها ونفوس من تحمل المبدأ لهم وتنشره بينهم، وقد تفقد شرعيتها ويظهر نفاقها إذا اتبعت معايير مزدوجة في التطبيق.
إذاً فالحضارة تنكمش بفعل عوامل ذاتية تُضعِف تأثير مفاهيم الحضارة في نفوس المجتمعات التي تسير وفقها، نتيجة ضعف إيمانهم بصحة وسلامة الأساس الذي تقوم عليه الحضارة، أو أصبح المجتمع الذي يتبنَّى هذه الحضارة غير قادر على حل المشاكل الحياتية التي تعترضه بواسطة مفاهيم الحضارة، وقد يحصل خلل في المفاهيم المجتمعية نتيجة دخول مفاهيم متناقضة من حضارات أخرى، وقد يحصل إساءة للتطبيق العملي لمفاهيم الحضارة في الدولة التي ترعى شؤون الناس، وغير ذلك من العوامل التي تؤدي إلى اضطراب في المفاهيم وابتعاد عن الأساس الذي تقوم عليه الحضارة المبدئية، فيلجأ الناس إلى التأويل والتبرير، ويبدأ الانحراف والخلل والترقيع وسوء التطبيق، وبذلك تدخل الحضارة طور التراجع والانكماش، فيقلّ الإبداع الفكري في المجتمع، وتصبح الأجواء غير ملائمة للمفاهيم النهضوية، ويصبح الإنتاج الفكري إما قليلاً أو عقيماً وتجمد قرائح الناس وتتعقد المشكلات ولا تجد لها حلاً، ويتبع هذا الانحدار الحضاري ضعف في الإنتاج المدني لزوماً.
انكماش الحضارة الإسلامية ثم صعودها:
إن لنا لما حصل في تاريخ المسلمين لعبرة وأي عبرة! ويعلمنا من سنن الله ما ينفعنا في حاضرنا ومستقبلنا، فكان لا بد لنا من دراسة تاريخ هذه الأمة بعمق واكتشاف أسباب ضعفها ثم التعرف على ما يعكس ويعالج هذا الضعف من أسباب ومن ثم الأخذ بها للنهوض.
لقد كان إهمال شأن اللغة العربية في أوائل القرن السابع الهجري، ثم إغلاق باب الاجتهاد قد أدى إلى اضطراب فهم الأحكام الشرعية، وكان لدخول بعض أفكار الحضارات القديمة كفكرة التقشف وتعذيب الجسد من الفلسفة الهندية وأفكار الفلسفة اليونانية وعلم المنطق ونشأة علم الكلام والأفكار الباطنية عند آخرين والنزعة إلى الانفصال عن مركز الخلافة ما أضعف الدولة وأوقف الفتوحات، بل أطمع فيها الصليبيون والتتار، حتى جاء العثمانيون فوحدوا الكثير من أقاليم الدولة تحت سلطانهم واستأنفوا الفتح، إلا أنه كانت تغلب عليهم الصبغة العسكرية دون حمل المبدأ وحضارته بشكل صحيح، فلم تنصهر شعوب البلاد المفتوحة في بوتقة الإسلام وحضارته كما حصل في الفتوحات الأولى؛ لذلك نستطيع القول بأن الحضارة الإسلامية بدأت تنكمش فعلياً، ثم أخذت طور الاضمحلال والانحدار في القرن التاسع عشر الميلادي عند الغزو الثقافي والغزو التبشيري، ثم شارفت على الانهيار في بداية القرن العشرين حين تم للحضارة الغربية هدم دولة الخلافة العثمانية.
لكن حضارة الإسلام لم تمت وإن ضعفت، وما زالت شعوب المسلمين تمارس مفاهيم حضارة الإسلام بالرغم من هدم دولتها. في المقابل استمر الغرب ينشر مفاهيمه بين المسلمين من قومية ووطنية وديمقراطية وحريات وقوانين وضعية، ولم تتوقف هذه الهجمة الثقافية. فالدعوة إلى مفاهيم الحضارة الرأسمالية مما يسمونه الحريات والديمقراطية والتعددية والمجتمع المدني ودولة المؤسسات وحقوق الإنسان وحقوق المرأة قائمة على قدم وساق، مما يعتبر وبحق صراعاً فكرياً عنيفاً بين الحضارتين الإسلامية والرأسمالية.
لقد بدأت الحيوية تدب في الأمة الإسلامية إثر الهزات العنيفة التي مرت بها الأمة حيث أدت هذه الهزات إلى جعل الأمة الإسلامية تتقدم نحو النهضة على شكل تحركات جماعية، وعودة الثقة للمسلمين بحضارة الإسلام وأنه يشكل البديل الحضاري الأمثل لهم، وبدأت مؤشرات ذلك تظهر من خلال حالة الصحوة الإسلامية وأصبح الرأي العام مع من يرفع شعار الإسلام، ونشأت حركات إسلامية متعددة وأصبحت هذه الحركات تمثل رأي أغلبية الناس وفاقت شعبيتها ما سواها من الحركات الأخرى في الانتخابات وغيرها. ثم تلا ذلك حدثٌ زلزل أركان المنطقة بفعل الحراك الثوري في بلاد المسلمين ابتدأت شرارته بدفع ذاتي خالص في تونس، ثم انتقل هذا الحراك إلى مصر فتبعتها اليمن وليبيا والأردن والبحرين والمغرب والجزائر، ثم وصلت الأمور إلى واسطة العقد في بلاد الشام، وكان من الأسباب المباشرة لهذا الحراك هو وصول الظلم والتجبر الذي مارسه الحكام إلى حد الأزمة المحرك للثورة.
إن الحراك الثوري يعبر بشكل جلي عن انحسار حضارة الغرب في نفوس المسلمين وسعي الأمة لاستعادة مجد حضاري ضائع ضيَّعه حكامهم وزعاماتهم فانتفضوا وثاروا بشعارهم المشهور “الشعب بريد إسقاط النظام” أي هدم الأنظمة التي تمثل أذرع حضارة الغرب في بلاد المسلمين وإزالة الظلم، ثم السعي للبحث عن البديل الحضاري الأمثل.
صعود الحضارة الرأسمالية ثم انكماشها:
قد يبدو للبعض أن الحضارة الرأسمالية ما زالت قوية وناهضة، ولكن المدقق يعرف أنها دخلت طور الانكماش والضعف، فقد نشأت هذه الحضارة في أوروبا وظهرت بقوة، ثم دخلت طور العالمية بعد الحرب العالمية الأولى، وتآمرت لهدم آخر دولة كانت تحمل الحضارة الإسلامية وهي الدولة العثمانية، لكن الرأسمالية سرعان ما انكمشت وضعفت مع انتشار الحضارة الشيوعية بعد الحرب العالمية الثانية جراء تعرضها لضربات فكرية وسياسية عنيفة، ثم عادت فصعدت بعد انهيار الحضارة الشيوعية سنة 1990م حيث باشرت أميركا بمشروع العولمة الرأسمالية. وظهرت فيها تيارات تنادي بانتصار الحضارة الرأسمالية على كل حضارات العالم وأن هذا يمثل نهاية التاريخ، وادعوا أن أميركا دولة غير مسبوقة في تاريخ البشر، وأنها لن تهزم ولن تسقط حضارتها، أي أن سنن الله الماضية في الأمم والحضارات لا تنطبق عليها، وأخذت نزعة العنجهية والتكبر على العالم تزداد في أميركا.
هذه العنجهية والتكبر قد طمست على عيون أميركا وجعلها تستهين وتستخف بكل ما سواها من أمم دول وحضارات، ورأت أن مشروع القرن الأميركي الجديد لن يكتمل إلا بصرع الحضارة التي ما زالت مستعصية عليها ألا وهي حضارة الإسلام، فبدأت بمشاريع دولية كمؤتمر المرأة ومؤتمر السكان ثم تبعتها بما يسمى الحرب على الإرهاب، وبدأت تبطش دون روية ببلاد المسلمين فأحتلت أفغانستان ثم احتلت العراق ودمرته، ثم سمحت لكيان يهود بالضرب في المنطقة كيفما يريد، فأدَّى ذلك إلى تأجيج الصراع الحضاري بين الرأسمالية والإسلام مما أدى إلى تسريع عملية التغيير الحضاري على مستوى الشعوب الإسلامية. ولكن نتائج هذا المكر لم يتحقق فانقلب السحر على سحرة أميركا فلم ينجحوا في صرع حضارة المسلمين، وكان مكر أميركا والغرب في مصلحة المسلمين وحضارتهم حيث أجبرهم الغرب على العودة سريعاً إلى هويتهم الحضارية ليشعروا بانتمائهم إليها ويحتضنوها.
لكن الحضارة الرأسمالية وعلى رأسها أميركا، قد دخلت فعلاً طور الانكماش والضعف من جديد، وذلك بعد غزو العراق، حيث زلزلت المقاومة العراقية سنة 2005م في الفترة الثانية من حكم جورج بوش الابن مشروع المحافظين الجدد، ثم تلا ذلك ضربة في الصميم بعد الأزمة المالية للنظام الرأسمالي سنة 2008م وظهرت مؤشرات متعددة على التصدع الحضاري لأميركا، وبدا جلياً للمدقق أن أميركا ومعها الغرب الرأسمالي كله أصبحت تعاني أزمة شرعية بعد غزو العراق بذرائع كاذبة، وأزمة أخلاقية بعد فضيحتي سجني أبو غريب وجوانتانامو، وتتابعت أزماتها الاقتصادية الخانقة، فكان وصول أوباما كرئيس أسود لحكم أميركا علامة واضحة على دخولها طور الانكماش والتراجع. والحال في أوروبا بوصفها مؤسسة الحضارة الرأسمالية ليست بأفضل من أميركا، فهي أيضاً تعاني من جميع الأزمات التي تعاني منها أميركا بل تزيد عنها ضعفاً وانكماشاً في الحضارة.
قد يجادل البعض بأن مؤشرات انكماش الحضارة الغربية ليست بقوية، لكن ما يهمنا في هذا المجال هو حقيقة انكماشها بل تراجعها الكبير في العالم الإسلامي. فالصراع الفكري بين الحضارة الرأسمالية والحضارة الإسلامية قد ازداد في بلاد المسلمين منذ الخمسينات والستينات من القرن الماضي، ثم ظهر للعيان بعد هزيمة 1967م اندحار المشروع القومي العربي الذي بدأ يخلي مكانه للمشروع الحضاري الإسلامي. وكان استغلال أميركا لأحداث 11-9-2001م وإعلانها الحرب على ما تسميه الإرهاب ومشروعها الإمبراطوري في العالم كان إذكاءً للصراع الحضاري ومحفزاً سريعاً لعملية التغير الحضارية التي تجري في العادة بشكل بطيء، ولم تمضِ سنوات حتى كانت حضارة الغرب قد انكفأت فعلياً في بلاد المسلمين وأخلت مكانها للحضارة الأصيلة التي تقدمت بخطوات سريعة.
الحراك الثوري هو نتيجة الصراع الحضاري:
كانت المؤشرات المذكورة آنفاً ذات دلالة واضحة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد بصعود وازدهار الحضارة الإسلامية وأفول نجم الرأسمالية في بلاد المسلمين وشعور عام ساد الأوساط المختلفة لأمة المسلمين بالحاجة إلى عودة الأمة إلى مفاهيمها وحضارتها. وهذا يعني من زاوية حضارية أن الأمة قد قررت قرارها بضرورة العودة من جديد -بشكل لا رجعة فيه- إلى حضارتها ومبدئها، ولكنها وحتى اللحظة ما تزال تتحيَّر أي درب من الدروب تسير فيه. ومن جهة أخرى فالحكومات العميلة ذات التبعية للحضارة الرأسمالية في بلاد المسلمين كانت في غفلة لم تدرك معها طبيعة المرحلة التي تعيشها الأمة لأنها في واد والأمة في واد آخر، وكانت ما تزال تفكر بأن قوتها العسكرية وأمنها ومخابراتها كافية لحماية عروشها المتصدعة في وجه غضب شعوبها، هذا الغضب النفسي الذي وصل أوجَه نتيجةً لأسباب متعددة من أهمها شعورهم بالظلم وبجبروت الحكام وتخاذلهم أمام الدول الرأسمالية الظالمة وخذلان أهل فلسطين وغيرها من الأسباب، فأتاهم الطوفان من حيث لم يحتسبوا.
ومن فهمنا لسنن الله تعالى نجد أنه حين ازدادت الدوافع الداخلية الكامنة في نفوس الناس إلى حد فاقت واستعلت على الضغوط الخارجية التي فرضها الحكام فاستوى لدى الناس وزن الموت ووزن الحياة اقتضت إرادة الله أن يحدث التغيير والتدافع بين الشعوب وحكامها، فتكسر الشعوب حاجز الخوف وكل الحواجز التي تقف في طريق الإنسان فتحدث الثورة. وهكذا كان فعلاً، وحدث الحراك الجماعي العفوي من قبل الأمة الذي أطاح بعرش دولة بلغ فيها الصراع الحضاري أوجَه على صعيد المنطقة بحربه الشديدة على الإسلام وحملة دعوته حتى وصل الأمر إلى إغلاق المساجد والتضييق على مصليها ومحاربة الحجاب والدعوة السافرة إلى العلمانية الملحدة وغير ذلك من البلايا. قال تعالى: (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (41)). لذلك كانت تونس وكان لا بد أن تكون تونس لأن جرعة الصراع الحضاري بالإضافة إلى كافة أشكال الظلم فيها قد بلغ مبلغه وخصوصاً مساجد الله.
أما باقي المناطق التي كان فيها الصراع الحضاري والظلم شديداً كسوريا ومصر والمغرب والجزائر والأردن فقد كانت ناراً من تحت رماد. وكانت شرارة البداية ثورة تونس ورؤية الناس للنموذج التونسي والانهيار المدوي لحكم بن علي قد أعطى دفعة قوية للنفوس حتى أوصل الصراع إلى النقطة الحرجة لحدوث الثورة والتغيير الحضاري وإعادة سلطان الأمة المغصوب، فكانت مصر تالياً لنضوج الظروف فيها أكثر من غيرها، ثم وصل الحراك الثوري إلى القلب حيث الشام، وهنا أدرك الغرب أن مشروعه الحضاري وصل نقطة الأزمة الحقيقية فأجمع على الوقوف في وجه الشام لإيقاف المد الحضاري للإسلام.
ومن الشام وحراكها الثوري لنا عبرة في سنن الله وهي سنة الابتلاء والتمحيص كمقدمة للتمكين، فالشام قد ابتعدت عن فكر الإسلام وحضارته ردحاً من الزمن وعلاها فكر القومية والبعث فأراد الله تعالى أن يطهره من هذه الأرجاس فكان بلاؤه فيها أعظم من غيرها لتصفو وتمحص فهو ابتلاء الاختيار -لا مجرد الاختبار- قبل أن يمكن، إن شاء الله، المخلصون الواعون من قيادته وأن يكونوا مؤهلين لحمل الأمانة، وهذا ما قد يفسر لنا طول فترة الحراك الثوري فيه أكثر من غيره.
المشروع الحضاري البديل:
إن الحراك الثوري الذي دب في الأمة عابراً حدود دول سايكس بيكو، هو عملية انتقال سريع نحو الدرب الموصل إلى إحلال الحضارة الإسلامية إحلالاً كلياً محل حضارة الغرب، ولكن هذا الحراك يحتاج لمرحلة انتقالية حضارياً وهي مرحلة نسميها تصفية الحكم الجبري الظالم، أخذاً من قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه الإمام أحمد «…ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًاً جَبْرِيَّةً فَيَكُونُ مَا شَاءَ الله أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا…»، وتكون الأمور في هذه المرحلة غير واضحة المعالم فيتصدى لها أصحاب الفكر الوسطي الذين يحاولون التوفيق بين الحضارتين الإسلامية والرأسمالية، وفي خلالها تنتعش فرص هذه المدرسة التوفيقية، ولكنها بلا شك ستكون فترة مؤقتة ما دام الصراع الحضاري مشتعلاً.
إن التحوُّل الحضاري والحراك الثوري سيصل إلى نتائج أبعد مما يتصور هؤلاء الوسطيون التلفيقيون وسيتجاوزهم الزمن سريعاً، ولن يكون مشروعهم الوسطي مناسباً للمرحلة القادمة وسيبوء بالفشل بإذن الله تعالى ذلك لأنه فكر مزوَّر، ومن شواهد ذلك الزخم الشعبي الذي تمتع به الشيخ حازم أبو إسماعيل في مصر لأن خطابه كان يلامس قلوب الأمة ويشعرها بارتقائها والثقة بمبدئها وبديلها الحضاري في حين نرى الفتور الشعبي الذي يعاني منه شخوص الجماعات الوسطية لأن من فقد الثقة بحضارته وخلطها مع حضارة غيره لن يؤول عمله إلى الفلاح.
إن الأمة في المرحلة المقبلة ستحتاج إلى فكر حقيقي نابع من صميم مبدئها، وهنا سيكون البديل الحضاري الحقيقي المتمثل في إعادة انهاض الأمة وبناء حضارتها على أساس متين وسليم، وهنا يأتي طور جديد لحضارة المسلمين يلزمه فكر ومشروع كمشروع حزب التحرير، ودولة تحمله فكراً حضارياً مبدئياً يحرر الأمة فعلياً.
المشروع الحضاري ودولة الخلافة:
إن الأمم والشعوب في صراعها الحضاري لا بد أن تستخدم أدوات لازمة لإدارة هذا الصراع، وأهم أداة في الصراع يستخدمها المجتمع الذي يسير حياته ومعيشته وفق مفاهيم حضارته هي الكيان التنفيذي لمجموعة المفاهيم والمقاييس والقناعات التي تبنتها الأمة وهذا الكيان هو الدولة، فالدولة هي أهم أدوات الصراع الحضاري.
إن الحضارة التي تهدم نفسها ودولتها بيد أبنائها غير الحضارة التي تُهدم دولتها بيد أعدائها، لذلك كان لا أمل في إعادة الحضارة الشيوعية لأن أبناءها هدموا مفاهيم حضارتهم بأنفسهم، على العكس من المسلمين الذين هدم الكفار دولتهم ولكن الكثير من مفاهيم حضارتهم لا زالت تحيا بين أظهرهم، وهذا ما يميِّز حضارة الإسلام عن غيرها، فكانت عودة دولة الإسلام أقرب لأن أثر الثقافة والحضارة الغربية المضللة قد بدأ بالتلاشي.
لكن سنن استلام الحكم وإقامة الدولة غير سنن الصراع الحضاري، فلا يعني القول بأن الأمة قد استعادت ثقتها بحضارة الإسلام وأنها لا ترضى عنه بديلاً في حياتها ومجتمعها بأنها ستطبقه غداً، وإن كان هذا هو الأصل الطبيعي والسنة الحتمية. وذلك لأن إقامة الدولة لها عوامل أخرى لازمة، فإلى جانب الرأي العام المطلوب للحضارة المنشودة هناك السلطان والقوة ومن يمتلكهما، لأن سنن تدوال الأيام بين الناس تعتمد على أسباب أخرى هي سنن الغلبة السياسية والعسكرية التي تجري في الدولة الواحدة وتجري ايضاً بين الدول المختلفة.
لذلك تقتضي سنن الله وأحكام الإسلام أن يكون أهل القوة والسلطان إلى جانب الفكرة الحضارية ليتم حسم الأمور سريعاً وهدم أنظمة الكفر وإقامة دولة الخلافة الإسلامية التي تطبق شريعة الله وتحمل حضارته رسالة هدى ونور إلى العالم أجمع، وما ذلك على الله بعزيز.
2012-07-11