إسقاط الحكام وليس شرب العرقسوس !
2000/12/11م
المقالات
1,907 زيارة
روى مسلم عن عوف بن مالك الأشجعي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خِيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلّون عليهم ويُصلّون عليكم، وشِرار أئمتكم الذين تُبغِضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم». ونحن نُشهدُ الله سبحانه وتعالى إننا لَنبغض حكامنا ونلعنهم. اللهم العنهم لعناتٍ متتابعةً إلى يوم القيامة. ولا يظننَّ ظانٌّ أنهم أئمة، ولكنهم حكام مغتصبون للسلطة منا. ونعلم أنهم يبغضوننا ويلعنوننا، وأنهم يتآمرون علينا؛ على أمتنا وعلى ديننا، وأنهم أتباع لإبليس وذريته وأدوات في أيدي شياطين الإنس. إنهم من شرار الخلق وليسوا منا. إنهم أولياء يهود ورأس الكفر أميركا. إنهم يطبقون الكفر ويلتزمون به، ويحاربون الإسلام والملتزمين به، يحرصون على تمزيق الأمة، وعلى تحريف دينها، ويجمِّلون الكفر وأفكاره ويروِّجون له، يقرِّبون أعداء الله ورسولِه ويحملونهم على رقاب الأمة، ويعتقلون حَمَلَة الدعوة ويقتلونهم. في سجونهم من العلماء الأتقياء وحملة الدعوة المخلصين الصابرين أضعاف أضعاف ما في سجون يهود. خياناتهم ونذالاتهم ورذالاتهم أوضح من الشمس في رابعة النهار. فلا يدافِعُ عنهم أو يلتمس لهم عذراً او بعض براءة كأن يقول: «إنهم خائفون وليسوا خائنين» إلا من عنده لهم ولاء أو بقية ولاء، وفي هذا خيانة لله ولرسوله ولكتابه وللمؤمنين. ومن ينتظر منهم خيراً فمنطقه كمنطق من ينتظر خيراً من شارون أو باراك أو كلينتون.
عمليات قتل تُشن علينا في بيت المقدس، إحدى أقدس بقاع الأرض، تُحرق وتُهدم فيها المساجد، تُنتهك المقدسات والأعراض وتسفك الدماء بغزارة، تدك فيها البيوت على رؤوس أهلها. والذي يفعل ذلك هم أذلُّ وأجبن أهل الأرض: اليهود. وبمن؟ بأفضل وأكرم أمة على وجه الأرض! فلماذا؟ لماذا العجز منا؟ والصمت بل المشاركة الخفية من حكامنا؟ والصمت والسكوت من جيوشنا؟
لماذا يكون عند كل أمةٍ أو شعب أو دولة جيش ومقاتلون وأسلحة وعتاد؟ أليس للدفاع عن البلاد والعباد، وعن المقدسات والكرامات والقيم والأعراض… ومن هم أبناء الجيوش؟ أليسوا هم أبناءنا وإخواننا وأقاربنا وجيراننا؟ أوَليسوا هم من المسلمين الذين يقولون: (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وممن كتابُهُمُ القرآن الذي جعل للأقصى قداسته ولبيت المقدس وأكنافه وما حوله بركته؟ أليسوا ممن نبيُّهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ويتشوقون لنصرة إخوانهم وأهلهم المسلمين، ولقتال يهود والقضاء على كيانهم الهش، وتحرير الأقصى وفلسطين وكل البلاد من رجس الكفار وأتباعهم؟
وبأموال من، وثروات من تُبنى هذه الجيوش وهذه الترسانات من دبابات وطائرات وصواريخ؟ أليس بأموالنا وجهودنا وثروات بلادنا؟ بلى والله وألف بلى. وإنْ كان هؤلاء الحكام وأجهزتهم القمعية وأزلامهم قد ضلوا، فزاغت أبصارهم وعميت قلوبهم واتبعوا الكفر، أفلا تربطهم بشعوبهم أية رابطة، ولو رابطة عرقٍ ودم أو رابطة القطيع؟ أليس لديهم أحاسيس أو مشاعر؟ ولا نسألهم عن العقائد والأفكار والأحكام الشرعية، فهم قد ضلت عقولهم وسفهت نفوسهم، وإنما نسأل عن الأحاسيس والفِطَر والغرائز. أليس لديهم شيء من هذا كالقطط والكلاب أو النمل والذباب التي تحمي نفسها وترعى أولادها وتتعاون مع فصائلها، والتي تمتلك تمييزاً غريزياً لحاجاتها وللمخاطر التي تحدق بها، وشعوراً عاطفياً مع أبناء جنسها؟ إن هذا كله يؤكد أن حكامنا ليسوا منا ولا من جنسنا! إنهم منهم. وإذا كانوا هكذا، فما نفع الكلام أو قارص الكلام أن يوجه إليهم، فهل نظل نقول لهم: انظروا نحن نُذبح! انظروا مقدساتنا تضيع! انظروا…، أو نظل نُعيد عليهم: قد أسمعت لو ناديت حياً، أو رُبَّ وامعتصماه انطلقت، أو بلغ السيل الزُّبى وجاوز الحِزام الطُبْيَيْن، أو إن الله يأمركم بكذا، أو إن الجهاد فرض…؟ كلا، فهم كالأنعام بل هم أضل سبيلاً، صمٌ بكمٌ عمي قاتلهم الله أنى يؤفكون. وهذا الكلام ليس موجهاً إليهم، وإنما إلى الأمة، وليس لتدرك واقعهم، فالأمة قد أدركت هذا، وإنما المقصود أن تدرك الأمة واقع الذين ما زالوا يلتمسون لهم الأعذار، ويدعون للمحافظة عليهم، وإلى طمأنتهم على كراسيّهم. وأن تدرك واقع الذين ما زالوا يوجهون الناس للبحث عن الحلول اعتماداً على هؤلاء الحكام ومن خلالهم، ويصرفون الناس عن العمل للإطاحة بهم وعن التفكير والنظر والبحث في كيفية إزالتهم والقضاء على حكمهم الكافر.
الأمة قد صَحَتْ على إسلامها، وما زالت تتقدم في ذلك، وأدركت أن حكامها هم سبب ما بها من تخلف وإذلال ومصائب، فعليها أن تدرك أيضاً بوضوح الخيانة أو السذاجة والبلاهة عند الذين يتصدرونها باسم الإسلام للتوجيه والفتوى، وهم من علماء السلاطين، ومن الملمَّعين المنافقين. أو من المتخاذلين والجبناء الذين يسكتون عن الحق ليحافظوا على ما صُنِعَ لهم من شهرةٍ واسم. أحَدُ أبرز علماء الشاشات الفضائية سُئل سؤالاً يتعلق بالحكام الخونة، فأجاب: إنهم ليسوا خائنين وإنما هم خائفون. فيجب أن تدرك الأمة حقيقة قيمة هؤلاء العلماء وآرائهم، وعلى هذا الشيخ وأمثاله أن يتقوا الله، فالساكت عن الحق شيطان أخرس، والعلماء ينبغي أن يكونوا ورثة الأنبياء. وهؤلاء الحكام يسبحون في الخيانة، فالخيانة فراشهم ودثارهم ولباسهم وطعامهم وشرابهم.
العالِمُ نفسه وكثيرون غيره يبيِّنون حكمَ الجهاد اليوم وأنه فرض عين على المسلمين الأقرب فالأقرب حتى يعم الأمة. ونقول: نعم. هذا هو الحكم.
وفي الوقت نفسه، الأمة مكبلة، وحدود دولة يهود محمية بجنودٍ منا، وبعتادٍ هو لنا، الأمة خرجت وتظاهرت وعبرت عن أحاسيسها في كل أنحاء العالم، ولكنها كأسدٍ جائع في قفص، يتفرج عليه الأطفال، فهو لا يستطيع أن يفعل أو ينفذ ما يريد. فمن الذي يكبّلنا؟ من الذي يخدّرنا ويقيدنا؟ من الذي يمنعنا ويحمي اليهود ويوظف الحراس على الدبابات والصواريخ كي لا تتحرك؟
إنهم الحكام وزبانيتهم بلا شك، يحمون دولة يهود، ويقضون على إمكانات الأمة وطاقاتها، ويستعملون (علماءهم) وإعلامهم ليُبَرِّئوهم ويُجَمِّلوهم ويُخفوا عوراتهم ويبرروا سوء صنيعهم. ويستعملون طاقات الأمة لضرب الأمة وخدمة أعدائها.
إن الواجب على العلماء أن يبيِّنوا للأمة أن الطريق الشرعي هو إزالة هؤلاء الحكام الذين بسببهم كان الذي كان، وبوجودهم يستمر فينا الذبح والقتل وضياع المقدسات وستتكرر المجازر. نعم، فإن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. وبما أن الجهاد الآن فرض عيني، وهو كذلك، فينبغي إزالة كل عائق من طريقه، والحكام هم العائق فيجب إزالتهم.
وينبغي الإعداد للجهاد. والإعداد الحقيقي والصحيح هو توظيف ثروات الأمة، وتجهيز هذه القوى والأعتدة والجيوش ووضعها في ساحة المعركة. وهذا لا يتم إلا بإسقاط حكام الكفر وأنظمة الكفر، وتنصيب حاكم من جنس الأمة؛ يؤمن بالقرآن والسنة، وبإزالة دولة يهود ووحدة الأمة وبالقضاء على الاستعمار وكل أثر له. ولكن هذا العالم ـ صاحب الآراء والفتاوى الفضائية ـ عندما سئل عن كيفية الجهاد، والطريق مسدود وحكامنا يحمون حدود دولة يهود، وهم مربوطون بمعاهدات، فما العمل؟ لم يكن جوابه أن الواجب إزالة الحكام لأنهم عائق في طريق الجهاد، وإنما زعم أن هذا غير ممكن، واستنكر إزالة الحكام قائلاً: هل نوقف الانتفاضة ونذهب لتغيير الحكام! إذن هذا غير وارد عنده وينبغي الانصراف عن التفكير فيه (بحسب الشيخ). فما الحل يا صاحب الفضيلة؟ الحل في هذه الحالة (عنده) هو باستصحاب نية الجهاد، وبالدعاء، وبالتبرع بالمال وبمقاطعة البضائع الأميركية، فلا تشربوا كولا ولا بيبسي ولا تشتروا الجينـز، وقاطعوا ماكدونالد والهامبرغر. وكرر هنا الشيخ أكثر من مرة أن هذه الدعوة بدأت تؤتي ثمارها. وأرشدنا إلى مشروبات كالعرقسوس والكركديه والتمرهندي…
ونقول لأمتنا الكريمة، ولفضيلة الشيخ: إن ما يجري جِدُّ خطير، والمطلوب وعي وجِدِّية وحكمة ونباهة لأجل حلول وأعمال شرعية وعملية. وقد سئمت أمتُنا الهروبَ من الصراحة والتغطية على الحكام وقَصْرُ الأمر على هذه السبل تضليل وتيئيس، وينطوي على سذاجةٍ من جهة، وعلى محافظةٍ على مكاسب الشهرة من جهة أخرى.
إن التبرع والمقاطعة والدعاء واستصحاب نية الجهاد أمر مطلوب، ولكن قَصْرَ الأمر على هذا هو كتمان للحق. يقول تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) فلا بد من عملية تغيير بحسب أحكام الشرع. والشرع يوجب طاعة الله في كل أمر ونهي، ومن ذلك العمل لتغيير الحكام مع استمرار الدعاء للمجاهدين بالتأييد والنصر، والمقاطعة لكل الدول المحاربة لنا والمؤيدة لدولة يهود. الحكام يتواصلون مع تلك الدولة المسخ ويثبّتونها ويحمونها، ويزرعون ركائزها في البلاد، ويفتحون البلاد لجيوش الكفر، ونحن كالأسرى في أقفاصهم، فهل يا ترى استبدال العرقسوس بالكولا ومقاطعة الشكلتس هو الحل؟! وما هو دور النفط مثلاً وسائر الثروات والجيوش إذن؟ وهل ينبغي أن تظل أمة المليار وثلث غثاءً وتتكالب عليها الأمم؟
الحل هو بفك قيودنا وتحرير إمكانياتنا من هؤلاء الحكام الخونة وليس فقط بالعرقسوس والدعاء.
يقول تعالى: (أولا يرون أنهم يُفتَنون في كل عام مرةً أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذّكّرون). فستظل الفتن والهزائم والمذابح والتراجعات حالَّةً فينا حتى نرجع إلى ديننا حق الرجوع، رجوعاً حقيقياً وليس رجوعاً كما يصوره علماء السلاطين وعلماء الشهرة الذين يضِنُّون بشهرتهم، فلا يقولون الحق مهما كان الأمر خطيراً. ولقد صارت الأمة أكثر وعياً، وكما وعت على فساد كثير من الأفكار التي كان يروج لها بعض العلماء كالديمقراطية والحوار بين الأديان والمشاركة في الحكم بالكفر، وكما تسقط اليوم أفكار تحريف الإسلام والتنازل عنه بحجج فقه الموازنات أو المصالح والضرورات وغيرها، وكما نزعت الأمة كل ثقةٍ بأي من حكامها، فإنها تنـزع وستنـزع بالكلية عما قريب كل ثقةٍ بهؤلاء (العلماء) أو ركون إلى ما يتفوهون به.
أما قول الشيخ: هل تريدنا أن نوقف الانتفاضة لنتوجه إلى تغيير الحكام!!، فكلام ينضح بالجهل أو التجاهل. إذ هل يرى أن هذه الشعوب المتظاهرة في بلاد المسلمين إذا أدركت أهمية وضرورة تغيير الحكام، وعمل العاملون منها لأجل ذلك، هل يرى أن هذا معناه ترك الانتفاضة أو وقفها.
المنتفضون والمجاهدون موجودون في الضفة وغزة. فهل يظل المسلمون الآخرون ينظرون وينتظرون في القاهرة ودمشق ومكة والمدينة واسطنبول وأنقرة وعدن ومراكش… وإسلام آباد… وجاكرتا…، هل يظل الأمر تظاهراً وحرق أعلام في النهار، وفي الليل نستمع إلى فضائيات تستخف بعقول الناس، وحكامُنا وأسيادهم مطمئنون آمنون ماضون في مؤامراتهم على الإسلام والمقدسات. إن الجهاد فرض ويجب أن تتحرك الجيوش لقتال يهود، وهذا ممتنع في ظل هؤلاء الحكام، فعلى المسلمين أن يسقطوهم.
ولماذا الإيحاء والتصوير أن تغيير هؤلاء الحكام الخونة يقتضي فتنة وحروباً أهلية؟ ألم يسبق لهؤلاء المهوِّلين أن رأوْا أو علموا أن تحركات الشعوب واعتصاماتهم وتظاهراتهم قد تسقط أنظمة؟ أَوَليس ما نحن فيه فتنةً، بل فتناً متلاحقة، من أعظم الفتن لا تكاد تميز عجز الفتنة من رأس الفتنة التي تليها. أحكمةٌ ما نسمع أم جبن في النفوس؟
وكيف وصل هؤلاء الحكام إلى الحكم؟ أليس عن طريق انقلابات؟ بلى. فلماذا لا يوجه الكلام الشرعي إلى المسلمين المخلصين من ذوي القوة في الجيوش، وذوي النفوذ في البلاد، ليتعلموا ويتنبهوا إلى الواجب الشرعي والطريق العملي، وهو فريضة تغيير الحكام. وليبحث بعضهم عن بعض، وليبحثوا عن سندهم من الذين ساروا ويسيرون في هذا الطريق، وليتعاونوا ويتكاتفوا وينظموا خطتهم ليقوموا بأعظم فريضة بعد الإيمان. لماذا ـ بدلاً من ذلك ـ يقومُ علماء التيئيس بتصوير الأمر وكأنه مستحيل، لماذا يكونون معول هدم في الأمة بدل أن يكونوا محرضين على العمل والصبر، وباعث أمل وثقة وحيوية؟
الأمة بحاجة إلى علمٍِ وفقهٍِ في طلب النصرة، ليتنبه فيها الأنصار الجدد، وليتحول الغثاء وقلة الحيلة إلى أعظم وأضخم فاعلية في التاريخ.
ولا بد أن تدرك الأمة أن إزالة الحكام أمرٌ قريب جداً وسريع إن هي أدركت وجوب هذا الأمر وعملت لأجل تحقيقه. ويجب أن يرتقي الوعي العام فيها حتى تشمئز من الفتاوى السلطانية ولو أُلبست لبوس المعارضة الكاذبة أو النصيحة التي لا محل لها، وحتى تنظر بارتياب إلى وجوه أصحاب الفتاوى والآراء والتوجيهات الخادمة للحكام الكفرة والفجرة والفسقة. ويجب أن تحذر مما تقدمه وسائل الإعلام المضللة من ترويج لسياسات الحكام أو سياسات أميركا وبريطانيا عبر تبعيتها لـِ (سي أن أن) أو (بي بي سي) وأمثالهما.
أما اليائسون وأصحاب الحسابات الخاطئة والساقطون في امتحان الله لما في قلوبهم والذين يخوفهم الشيطان ويخشون العاقبة فنذكرهم بقول الله تعالى: (فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصـبحوا على ما أسـرّوا في أنفسـهم نادمين) وبقوله تعالى: (والعاقبة للمتقين) q
محمود عبد الكريم حسن
2000-12-11