أساليب الغرب الخبيثة للنفـاذ إلى اليمـن (2)
2016/09/10م
المقالات
1,728 زيارة
أساليب الغرب الخبيثة للنفـاذ إلى اليمـن (2)
قلنا في الحلقة السابقة إن مقالة قيمة وصلت إلى «الوعـي» من المهندس ناصر حول أساليب الغرب الخبيثة للنفاذ إلى اليمن، وقد ذكرنا في تلك الحلقة أحد هذه الأساليب المسمى عند الغرب (تحرير المرأة)، وبينا كيف يستعمل الغرب مقولة تحرير المرأة لنشر سمومه في بلاد اليمن، وفي بلاد المسلمين بعامة.
ونتابع في هذه الحلقة بعض الأساليب الأخرى التي ذكرها المهندس ناصر في مقالته. وسنكتفي بذكر أسلوبين منها هما (الإرهاب)، (حقوق الإنسان):
==========================================
-
الإرهـاب:
اتخذت الدول الكبرى الاستعمارية، وبخاصة أميركا، الإرهاب سلاحاً تقذفه في وجه كل دولة أو حركة، ما دامت مصلحة أميركا تقتضي ذلك. وتبنت أميركا قانوناً لمكافحة الإرهاب جعلته أحد الأسلحة الاستراتيجية التي تستعملها لإحكام قبضتها على العالم. ووجهت هذا السلاح بقوة ضد الإسلام والحركات الإسلامية، وجعلت الدول في المنطقة تتبنى وجهة نظرها حول ذلك، بل وصل بها الأمر أن تجعل الدول القائمة في بلاد المسلمين تسن قوانين لمكافحة الإرهاب بالمعنى الذي تريده أميركا. ومن المفارقات، أن الدول العربية قلَّما تتفق على اجتماع مشترك أو قانون مشترك إلا أنها في ما سمَّته مكافحة الإرهاب تتسارع إلى الاجتماع دونما عوائق. وتسن القوانين اللازمة بسرعة متناهية ويكون واضحاً تأثير الغرب وبخاصة أميركا في سن هذه القوانين. فمثلاً قامت السفيرة الأميركية في صنعاء بمحاولة إحصاء الحركات الإسلامية ونشاطها، وأعدت تقريراً حول الإرهاب رفعته لوزارة الخارجية في اليمن ثم قدمت مشروعاً باسم (مشروع مكافحة الإرهاب في اليمن) تبنته وزارة الخارجية وعرض على جهاز الأمن السياسي وتم إنشاء إدارة لمكافحة الإرهاب في اليمن. كذلك صادق مجلس الوزراء اليمني على الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب يوم الاثنين 20/06/99.
وهكذا نجحت أميركا في تسويق سلاح الإرهاب، وأصبحت تستعمله وتجد من يؤيدها في استعماله، على النحو الذي تريد وعلى النحو الذي يحقق مصالحها، فالعمل المادي الواحد تصنفه تارة إرهاباً وتارة حقاً واجباً، فأميركا معروفة بأعمالها الإجرامية والإرهابية في العالم، فمن الذي يصنع الحروب والفتن والقلاقل والاغتيالات غير مخابراتها وأجهزة إدارة الأزمات في وزارة الخارجية؟ ومع ذلك فهذه لا تعدها إرهاباً بل حقاً من حقوقها! وكذلك جرائم دولة يهود في فلسطين التي تفوق الوصف من قتل للشيوخ والنساء والأطفال بل وحتى سيارات الإسعاف والمرضى تحرقها، ولا تتورع عن القرصنة والخطف وضرب المنشآت المدنية والبنى التحتية والمدارس والملاجئ، ومع ذلك لا تعدها أميركا إرهاباً!!
ثم إن أميركا على وجه الخصوص، تصف بعض الحركات بأنها “حركات مقاومة شعبية” مثل حركة ثوار “نيكاراغوا” وجيش التحرير الإيرلندي، وغيرها، وتعتبر مقاتلي هذه الحركات، في حال اعتقالهم، أسرى حرب، حسب بروتوكول (1) لعام 1977م الملحق باتفاق جنيف، بينما تصف كل حركة تتعرض لمصالح أميركا أو مصالح عملاء أميركا، بأنها حركة إرهابية وتضع اسمها على قائمة المنظمات الإرهابية، التي تصدرها وزارة الخارجية الأميركية بشكل دوري، كمعظم الحركات الإسلامية في مصر وباكستان وفلسطين والجزائر وغيرها، ولقد قرن الأميركيون جملة “توكلت على الله” بالإرهاب في حادث تحطم الطائرة المصرية مؤخراً، وهذا لا غرابة منه، لأنه منبثق من عقيدتهم الرأسمالية العفنة.
ومن هنا، والمسلمون يعملون لإقامة الخلافة، فقد أصبح لزاماً عليهم، بوصفهم هدفاً مباشراً لسياسة ما يدعى بمقاومة الإرهاب، أن يكشفوا للرأي العام الإسلامي والعالمي حقيقة ما يسمى بقانون الإرهاب، وحقيقة سياسة أميركا التي تعمل للهيمنة على العالم من خلال هذا القانون، وأن أميركا هي التي كانت وراء الكثير من الأعمال الإرهابية في العالم وإن نسبت ذلك إلى أسماء مسلمين.
وعلى المسلمين أيضاً، أن يكونوا إسلاماً في أعمالهم وتصرفاتهم، فللإسلام طريقة خاصة في تحقيق الأهداف والغايات ومنها حمل الدعوة لاستئناف الحياة الإسلامية بإعادة دولة الخلافة، والالتزام بهذه الطريقة التي تعتمد الصراع الفكري والكفاح السياسي، وتستبعد الأعمال المادية، هو التزام بالطريقة الشرعية التي طلبها الإسلام، وليس خوفاً أو عجزاً أو جبناً أو هرباً من الوصف بالإرهاب، وإنما هو التزام بالحكم الشرعي وحسب، وعلى المسلمين أن يبينوا ان عمل الدولة الإسلامية بعد قيامها مقيد بالشرع، سواء أكان في الداخل، كرعاية الشؤون وتنفيذ الحدود أم في الخارج، كحمل الإسلام بالدعوة وبالجهاد إلى كافة الناس، وتحطيم الحواجز المادية التي تعترض تطبيق الإسلام، ولا بد أن نبين أن تطبيق الإسلام من قبل المسلمين على أنفسهم أو على غيرهم، ليس بناءً على هوى في نفوس المسلمين، أو لتحقيق مصالح خاصة بهم، وإنما هو امتثال لأوامر الله تعالى، الذي خلق الكون والحياة والإنسان، وطلب من الإنسان أن ينظم حياته بأحكام الإسلام الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم.
فوصف أميركا وغيرها الإسلام بالإرهاب، والمسلمين بالإرهابيين، وصف مغرض، وهو مخالف للواقع ومخالف لما أراده الله من الإسلام، قال تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) وقال تعالى: (ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدىً ورحمةً وبشرى للمسلمين).
وهذه الرحمة تتمثل بتنفيذ أحكام الإسلام، لا فرق بين الصلاة والجهاد، ولا بين الدعاء وإرهاب العدو، ولا فرق بين الزكاة وقطع يد السارق، ولا بين إغاثة الملهوفين وقتل المعتدين على حرمات المسلمين، فكلها أحكام شرعية، ينفذ المسلم أو الدولة كلاًّ على واقعه وفي وقته وحسب ما أمره الله سبحانه وتعالى، فيا أيها المسلمون، لا تصدقوا أعداء الله، وعلى رأسهم أميركا وعملاؤها، في كل شائعة يشيعونها على المسلمين، وفي كل فكرة كفر من أفكارهم، يريدون أن تطبق علينا في بلاد المسلمين.
قال تعالى: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين) صدق الله العظيم.
-
حقـوق الإنسـان:
لقد نادت الثورة الفرنسية عام 1789م بحقوق الإنسان وألحقتها في دستورها الذي صدر عام 1791م، ونادت بها الثورة الأميركية قبل ذلك سنة 1776م، وإجمالاً فقد تبنتها الدول الأوروبية في القرن التاسع عشر، غير أنها ظلت شاناً داخلياً لكل دولة. ولم تتحول “حقوق الإنسان” إلى شرعة دولية إلا عقب الحرب العالمية الثانية، وبعد إنشاء الأمم المتحدة وذلك عام 1948م، حين صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفي عام 1961م، ألحق به ما سمي “العهد الدولي بشأن حقوق الإنسان المدنية (القانونية) والسياسية” وصدر عام 1966م ما سمي “العهد الدولي بشأن حقوق الإنسان الاقتصادية والثقافية والاجتماعية”، غير أنها ظلت قوانين ولم يبدأ العمل بها إلا في عام 1993م، أي بعد تفرد المبدأ الرأسمالي دولياً بسقوط الاشتراكية، فقد انعقد في فيينا مؤتمر للمنظمات غير الحكومية لحقوق الإنسان في ذلك العام، أوصت المجموعة فيه بالتأكيد على “عالمية حقوق الإنسان” وتطبيقها بالتساوي على مختلف الأنماط الثقافية والقانونية، ورفض الادعاء بأن هذه الحقوق تتباين بين مجتمع وآخر، وهذا يعني رفض الإسلام، وللتأكيد على “حقوق الإنسان” كشرعة دولية، اتخذتها الولايات المتحدة ركيزة من ركائز سياستها الخارجية، وذلك في أواخر السبعينيات “في عهد الرئيس كارتر، وصارت وزارة الخارجية الأميركية تصدر تقريراً سنوياً حول تقييد دول العالم بتطبيق هذه الحقوق، ودأبت واشنطن على اتخاذ مواقف من الدول التي لا تتقيد بمقتضيات هذه الحقوق. فمثلاً ربطت مبيعات القمح الأميركي للاتحاد السوفييتي بهجرة اليهود السوفيت إلى فلسطين، واتخذت حقوق الإنسان ذريعة للتدخل في هاييتي عام 1994م، فهذه السياسة الأميركية انتقائية تجاه دول العالم، وذلك تبعاً لمصالحها وتتخذ الإجراءات إزاء الدول الخارجة عن الفلك الأميركي، هذه الإجراءات مختلفة (عسكرية، اقتصادية، تجارية، سياسية ودبلوماسية…). إن شعار حقوق الإنسان له بريق أخاذ في عيون الكثيرين من المسلمين، وتستغله أميركا في الشعوب التي تعاني من ظلم الحكام وبطشهم واضطهادهم، وبشرط أن النظام الحاكم ليس عميلاً لها، أو يدور في فلكها أو يحقق مصالحها.
ولقد نشأت فكرة حقوق الإنسان في أوروبا في القرن السابع عشر نتيجة الصراع بين الكنيسة ورجالها من جهة وبين المفكرين والفلاسفة من جهة أخرى، والأساس الذي انبثقت منه هو عقيدة فصل الدين عن الحياة. هذه الفكرة تستخدم للتدخل في شؤون الدول وتحقيق مصالح الكافر المستعمر. وقد استغلتها أميركا جيداً وعقدت لها الندوات والمؤتمرات، وغلَّفتها بدعاية برّاقة خادعة للإنسان وحقوقه، وغزت بلاد المسلمين، ومنها اليمن، بهذه الندوات.
في 05/02/2000م انعقدت “الندوة الإقليمية لحقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية” في صنعاء، واستمرت ثلاثة أيام، وشارك فيها 23 دولة ومنظمة مهتمة بحقوق الإنسان في قارة آسيا والباسفيك، والهدف من الندوة هو (الخروج بآلية للتعاون الإقليمي في إطار التعاون الدولي لتنفيذ ما جاء في العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وتحديد المعوقات التي تحد من تطبيق هذه الحقوق، ووضع المقترحات والإجراءات التي يمكن اتخاذها لتعزيز الإمكانيات الوطنية لدعم وحماية حقوق الإنسان…).
هذه الندوة امتداد للعديد من الندوات الإقليمية التي نظمتها المفوضية السامية لحقوق الإنسان في عدد من دول آسيا والباسفيك.
حيث قدمت أوراق العمل لأكثر من 50 مشاركاً يمثلون الدول والمنظمات المشاركة، ولقد أثارت مشكلة الأقليات في اليمن، وأن حقوقهم مهضومة، وسمت [النصارى، اليهود، البهرة (المكارمة)، الأخدام (النور)] في تقريرها، ودعت الحكومة إلى مساواتهم بالمسلمين في اليمن في كافة الحقوق.
يجب أن ندرك أن حقوق الإنسان التي تدعو لها أميركا والغرب بشكل عام، تنبثق من عقيدتهم (فصل الدين عن الحياة)، كذلك من نظرتهم إلى طبيعة الإنسان، وإلى العلاقة بين الفرد والجماعة، ولواقع المجتمع، ووظيفة الدولة، والخلاصة أن نظرة المبدأ الرأسمالي لطبيعة الإنسان وللفرد وعلاقته بالجماعة التي ينتمي إليها والمجتمع الذي يعيش فيه، ولدور الدولة في تأمين مصلحة الفرد وحمايتها، جعله ينادي بتأمين أربع حريات لهذا الفرد، حرية العقيدة، حرية الرأي، حرية التملك، الحرية الشخصية، هذه الحريات هي الأساس الذي انبثقت منه (حقوق الإنسان) وهي أس البلاء في المجتمعات الرأسمالية التي تحولت بسببها إلى غابات ووحوش، يأكل القوي الضعيف، وينحدر فيها الإنسان إلى درك الحيوان، نتيجة لإطلاق العنان للغرائز والحاجات العضوية فهم يعتبرون اللواط والزنا والسحاق وتبرج النساء… حق من حقوق الإنسان، فهم أشبه بالبهائم، همهم التمتع بأكبر قسط من المتع الجسدية، الأمر الذي يعتبره المبدأ الرأسمالي قمة السعادة، رغم أن الحقيقة هي أن هذه المجتمعات لا تعرف للسعادة طعماً، بل يعمها الشقاء والاضطراب والقلق الدائم.
فالتحركات الغربية في بلاد اليمن كبيرة من أجل القضاء على ما بقي لنا من قيم وأخلاق، ولذلك كثر المنادون بحقوق الإنسان بمقاييس الغرب الكافر، وكثرت الجمعيات والمنظمات التي تدعو إلى ذلك، ووضعت الدراسات والأبحاث لهذا، وظهر المضبوعون بثقافة الغرب ومفاهيمه للترويج لهذه الفكرة.
وأخيراً فإن ما سبق وذكرته من وسائل وأساليب خبيثة، هي جزء مما يستعمله الغرب، وبخاصة أميركا، للنفاذ إلى بلاد المسلمين ونقل سمومهم إليها، فليحذر المسلمون، الذين جعلهم الله خير أمة أخرجت للناس، من الوقوع في حبائل هذه الأساليب، وليعلموا أن الخير كل الخير في إسلامهم العظيم، وأن الشر كل الشر في حكم الكفر وأهله (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون) .
[انتهى]
2016-09-10