ركام من المبادرات المشبوهة
يَحار المرء وهو يرى تهافت السياسيين الفلسطينيين على موائد التفاوض المذلة مع سياسيي الدولة اليهودية، كيف لا ونحن رأينا من قبل ما آلت إليه مثل هذه المبادرات من خيانات وتنازلات ومؤامرات، وليست مبادرة أوسلو عنا ببعيد!!
فمن وثيقة نسيبة – أيالون إلى المبادرة السويسرية التي كان بطلاها ياسر عبد ربه ويوسي بيلين، ومنها إلى اجتماعات مدريد بمشاركة شعث ودحلان مع أقطاب من حزبي الدولة اليهودية الليكود والعمل برعاية أميركية، وأخيراً إلى لقاء جبريل الرجوب مع ابن شارون عومري برعاية بريطانية والحبل على الجرار.
والسؤال الذي يُطرح الآن: لِمَ كل هذه الوثائق والمبادرات واللقاءات التي لا تنتهي، في الوقت الذي دُوِّلت فيه خارطة الطريق بقرار من مجلس الأمن؟؟ لماذا كل هذه الحمّى التفاوضية وهذا التهالك الفلسطيني المعيب؟؟ ولماذا يلهث رجال السلطة وراء سراب طالما بحثوا فيه عن بغيتهم ولم يجدوا شيئاً؟؟ ألأجل الثروات المتناقضة، والكراسي المتهالكة، والزعامات الفارغة يسعى هؤلاء؟؟ وهل يخدمون قضيتهم عبر هذه الألهيات التي طالما جرَّبوا الكثير منها؟؟ أو هو تدليس يُدلسونه على أنفسهم قبل أن يدلسوه على غيرهم؟؟ وأي عاقل فيه ذرة من إدراك يقبل بأن يقف في صف عدوه ضد قضيته وقضية أمته؟؟
ولو استعرضنا بإيجاز شديد أهداف هذه المبادرات واللقاءات فإننا نجد:
في وثيقة نسيبة – أيالون نجد إصراراً شديداً على إنكار حق اللاجئين بالعودة، واعترافاً بالكيان اليهودي على أراضي ثمان وأربعين، وتأكيداً جازماً على التخلي عن المقاومة والقتال. وفي وثيقة عبد ربه-بيلين نجد تجاهلاً تاماً لحق اللاجئين بالعودة، واعترافاً بالكيان اليهودي، وتخلياً عن القتال. وفي لقاءات مدريد ولندن نجد محاولة رخيصة لرفع الحرج عن حكومة شارون، وعن إدارة بوش، اللتين تورطتا في فلسطين والعراق، كما ونجد تأكيداً على ما سبق وتم تأكيده من قبل، وهو نبذ المقاومة، والاعتراف بالكيان اليهودي، وضبط ما أسموه بـِ “فوضى السلاح”، لحماية أمن الدولة اليهودية، وتأمين بيضة اليهود من المجاهدين.
هذه هي أهداف هذا الركام من المبادرات واللقاءات والاتصالات، فإذا عُرفَ السبب بَطُلَ العَجَب، وإذا وضحت الأهداف بانت النوايا. لذلك فمن العار، كل العار، على هؤلاء السياسيين الفلسطينيين المشاركة في مثل هذه المؤامرات تحت أسماء ومسميات مخادعة، ومن الخزي، كل الخزي، أن يقول هؤلاء المتساقطون بأنهم يمثلون أهل فلسطين، ومن السُبة، كل السُبة، أن يقبل أهل فلسطين بهؤلاء الخونة متحدثين باسمهم. وحَسْبُ أهل فلسطين مقاومة اليهود، بلا خيانات، ولا تنازلات، ولا مؤامرات، حسْب أهل فلسطين أن يكتفوا بعدم المشاركة في أي عمل سياسي تفاوضي، مع الكيان اليهودي، ويكونوا بذلك من الفائزين، حتى ولم لم يستطع أهل فلسطين مواجهة هذا العدو اليهودي بالقوة اليوم فإنهم يستطيعون، بكل تأكيد، عدم اقتراف أية خيانة، وعدم تمرير أية مؤامرة، وعدم التسليم لليهود بالوجود على شبر واحد من أرض فلسطين.
فالمسألة مسألة إقرار وتسليم، وليست مسألة غلبة اليهود على المسلمين في فلسطين، لأنهم اليوم متغلبون وغداً مغلوبون – بإذن الله تعالى – فالعبرة بعدم الاستسلام، وعدم السير في المشاريع التصفوية للقضية الفلسطينية، وليست العبرة بالنصر الآن على يهود. وعلى الأقل يستطيع الفلسطينيون الصبر والصمود على أرضهم، إلى أن يأتيهم وعد الله سبحانه بالنصر، من خلال دولة الخلافة التي ستستأصل شأفة الكيان اليهودي من جذوره.
أما هذه السلطة العميلة المدعومة من الكفار الأميركيين والأوروبيين واليهود، والتي لا همَّ لها سوى تخذيل الناس، وحملهم على الاستسلام، فإنها لعنةٌ كُتِبَت على الفلسطينيين، وعلى أهل فلسطين التخلص منها، والتخلي عنها. والسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير من قبل ما وجدتا أصلاً إلا من أجل الاعتراف بالكيان اليهودي وتمكينه في فلسطين، والدليل على ذلك، ما نراه من تهافت رجال المنظمة والسلطة، في لقاء الأعداء على موائد المذلة والهوان، بدلاً من مسارح القتال والجهاد، نراهم يتهالكون على الجلوس مع يهود، وعلى التعايش معهم، وفي كنفهم، وفي أحضانهم، متناسين أنهم يعيشون تحت حراب ألدّ أعداء المسلمين، ومتناسين أنهم يستظلون في ظل راياتهم الكافرة النجسة على أرض الإسراء والمعراج أطهر أرض، وأقدس بقعة بعد أرض الحرمين في الحجاز.
وبهذا التوضيح، نستطيع تفسير ما بدأنا به هذه الكلمة، من سبب تهافت المسؤولين الفلسطينيين على هذه المبادرات المشبوهة بالقول: إنها العمالة لأميركا وأوروبا والدولة اليهودية، وبالقول: إنها الخيانة لله ولرسوله وللمؤمنين، وبذلك تزول الحيرة، ويُحل اللغز، وتنجلي الحقائق .
أبو حمزة – القدس