كيفية معالجة قضية الأسرى والشهداء
2004/03/10م
المقالات
1,710 زيارة
كيفية معالجة قضية الأسرى والشهداء
لا نود التحدث هنا عن الرؤى والمفاهيم المتعلقة بالفكرة الإسلامية عن الموضوع، فالآيات القرآنية الكريمة حافلة بالحديث عن الشهداء والأسرى من حيث تقديرهم وتكريمهم، ولكننا نود الحديث عنهم من جهة المعالجات التي تتصل بالطريقة الإسلامية، بمعنى نريد الحديث عن الأحكام العملية المتصلة بالأسرى والشهداء.
بالنسبة إلى موضوع الأسرى، فلا شك بأن الإسلام أولاهم عناية خاصة، فالرسول رضي الله عنه تبادل مع المشركين أسارى معركة بدر الرجل برجلين، وسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما علم بأن عبد الله بن حذافة السهمي حرَّرَ أسرى المسلمين من قبضة الروم بتقبيل رأس القيصر قال: “حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة، وأنا أبدأ بذلك”.
فهذه حوادث عملية تدل على مدى حرص الدولة الإسلامية على فك أسر المعتقلين من المسلمين عند أعدائهم، وتدل كذلك على اعتبار هذه القضية قضية مصيرية تهم المجتمع الإسلامي ككل، وهذا بخلاف ما ظهر من تقصير وإهمال من قبل الدول العربية والسلطة الفلسطينية بالأسرى العرب والفلسطينيين، فقد ظهر أن هناك أسرى لعشرات السنوات من المغرب وليبيا والسودان وسوريا والأردن في السجون (الإسرائيلية)، ولم تطالب بهم دولهم ولم تلتفت إليهم، وهناك أسرى دول عربية ودول غير عربية من دول المسلمين لم تطالب بأسراها في سجن غوانتانامو، حتى أن هذه الدول لم تتعاون مع هيئة محامين خاصة كانت تجمع معلومات عن أسماء المعتقلين، لكي تدافع عنهم، مما يدل على أن هذه الدول لم تخالف فقط حكم الأسير في الإسلام، وضرورة الإسراع في محاولة إطلاق سراحه، بل إنها تآمرت مع أعدائها على تسليم هؤلاء الشرفاء إلى الأميركيين، وغيرهم من أعداء الأمة. وكذلك السلطة الفلسطينية، فإنها تآمرت على الأسرى الفلسطينيين، عندما وقَّعت اتفاق أوسلو، ولم تضمن فيه بند إلزام العدو بإطلاق سراح الأسرى.
فالمعالجة الإسلامية الصحيحة لموضوع الأسرى أن يقاتل العدو، ويؤخذ من أسراه لمفاداة أسارى العدو بأسارى المسلمين، كما قال تعالى: ( فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ)[محمد/4]. هذا هو العلاج الشرعي، مقاتلة الأعداء، وشد الوثاق، ثم تحرير الأسرى المسلمين بأسلوب القتال والأسر، لا بأسلوب المفاوضات من غير قتال، ولا بأسلوب الاستجداء.
أما موضوع الشهداء، فلم يرد عن رسول الله رضي الله عنه أنه كان يطالب برفاتهم أو بدفنهم في أماكن سكناهم، وقوله تعالى يؤكد ذلك: ( وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ)[لقمان/34]، فهي عامة في كل ميت، وبالتالي فرفات الشهداء ليس محلاً للمساومة مع الأعداء. وإن سقط الشهداء في أرض العدو ودفنوا فيها، صار على المسلمين واجب العمل لاسترداد الأرض التي فيها مقابر الشهداء، وأبو أيوب الأنصاري الصحابي الجليل قال ليزيد قائد حملة المسلمين في بلاد الروم: “اقرأ عني السلام على جنود المسلمين، وقل لهم يوصيكم أبو أيوب أن توغلوا في أرض العدو إلى أبعد غاية وأن تحملوه معكم، وأن تدفنوه تحت أقدامكم عند أسوار القسطنطينية” وهذا ما حصل بالفعل فقد دفنوه في أرض العدو، ثم بعد ذلك حرروا تلك الأرض، وأصبح قبر هذا الصحابي الجليل مزاراً للمسلمين في اسطنبول، وأصبح علامة على إسلامية تلك الأرض.
وهكذا، فالشهداء الذين سقطوا في فلسطين سواء قديماً في عسقلان والرملة وبيت المقدس أم حديثاً، فإن رفاتهم في فلسطين دليل على إسلاميتها، ودليل على وجوب تحريرها بأقصى سرعة وإعادتها للمسلمين. أي إن الشهيد الذي يستشهد في أرض فلسطين، يجب العمل على إعادة الأرض التي استشهد عليها، وليس إعادة جثته وترك الأرض.
هذه هي الأحكام العملية الشرعية المتعلقة بموضوع الأسرى والشهداء، وعلى المسلمين السير بحسبها إذا أرادوا تطبيق الإسلام في هذه الناحية. وتطبيقها يقتضي وجود الدولة الإسلامية الحقيقية المستعدة للدخول في حرب فعلية طاحنة مع العدو، ولتحقيق هذه الأحكام، ولا يكتفى بقيام المنظمات أو الأحزاب بذلك العمل بل لا بد من تولي الدولة لهذه المسؤولية .
أبو حمزة – القدس
2004-03-10